ما حكم الوقوف بعرفة للمريض حامل قسطرة البول؟ فهناك رجلٌ حاجٌّ أصابته مشكلة مَرَضية يوم عرفة، وتم تركيب قسطرةٍ بوليةٍ له متصلةٍ بالمثانة مباشرة، مما جعله غير متحكِّمٍ في عملية إخراج البول المستمر طول وقت الوقوف، فهل وقوفه بعرفة على هذه الحال صحيحٌ شرعًا؟ علمًا بأنه لا يستطيع نَزْعَ هذه القسطرة ولا إفراغَ ما فيها مِن البول بنَفْسه.
وقوف الرجل المذكور بعرفة حال كونه حاملًا قسطرةً بولية، يخرج فيها البول مستمرًّا منه، ويَجتمع في كِيسِها المتصل بالمثانة مِن خلال أنبوبٍ، ولا يستطيع نزعَها ولا إفراغَ ما فيها مِن البول طول مدة الوقوف صحيحٌ شرعًا، وهو مع ذلك طاهرٌ شرعًا، ولا إثم عليه في ذلك ولا حرج.
المحتويات
الوقوف بعرفة أعظمُ أركان الحج وأهمُّها؛ فقد فسَّر النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم الحجَّ بأنه الوقوف بعرفة، كما جعل تمامَ الحج الوقوفَ به؛ فعن عبد الرحمن بن يَعْمَرَ الدِّيلِيِّ رضي الله عنه قال: شهدتُ رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو واقفٌ بعرفة، وأتاه ناسٌ مِن أهل نَجْدٍ، فقالوا: يا رسول الله، كيفَ الحجُّ؟ قال: «الْحَجُّ عَرَفَةُ، فَمَنْ جَاءَ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ لَيْلَةَ جَمْعٍ، فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ» أخرجه الأئمة أصحاب "السنن" واللفظ لابن ماجه.
والوقوف بعرفة وإن كان أَهَمَّ أركان الحج وأعظَمَها، إلا أنه لا تُشترط الطهارةُ أو الخُلُوُّ عن النجاسة في حق الواقف به حتى يَصِحَّ وُقُوفُهُ؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها حين حاضت في الحج: «افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الحَاجُّ، غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي» متفقٌ عليه مِن حديث أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها.
ومع ذلك يُستحب له شرعًا أن يكون على طهارة؛ ليكون على أَكْمَل حالاته، ومراعاةً لشَرَف المكان ومُباهاة الله تعالى الملائكة بالواقفين بها. ينظر: "حاشية العلامة الطَّحْطَاوِي الحنفي على مراقي الفلاح" (ص: 85، ط. دار الكتب العلمية)، و"شرح مختصر خليل" للعلامة الخَرَشِي المالكي (2/ 332، ط. دار الفكر)، و"مغني المحتاج" لشمس الدين الخطيب الشِّرْبِينِي الشافعي (1/ 194، ط. دار الكتب العلمية)، و"المغني" للإمام ابن قُدَامَة الحنبلي (3/ 373، ط. مكتبة القاهرة).
الطهارة في الأصل نوعان: طهارةٌ عن الحَدَث، وتُسَمَّى طهارة حُكْمِيَّة، وطهارةٌ عن الخَبَث، وتُسَمَّى طهارة حقيقية.
فأما الطهارة عن الحَدَث -وهي الحُكْمِيَّة-: فتَرْتَفِع في الحدث الأصغر بالوضوء، وفي الحدث الأكبر بالغُسل، وبالتَّيَمُّم في كِلَيْهما عند فَقْدِ الماء.
وأما الطهارة عن الخَبَث -وهي الحقيقية-: فتَرْتَفِع بإزالة عَيْن النجاسة التي لا يُعْفَى عنها في الثوب والبَدَن والمكان. ينظر: "بدائع الصنائع" لعلاء الدين الكاساني (1/ 3، 60، ط. دار الكتب العلمية).
"القسطرة البولية" (Urine Catheterization): وسیلةٌ تُستخدَم لتفریغ المثانة البولیة مِن البول المُحتَبَس بداخلها لِمَن یُعانُون مِن صُعوبةٍ في إخراج البول، وهي عبارةٌ عن كيسٍ خارج البدن، يوجد به أنبوب يَتَّصل بالمثانة ليخرج منها البول المحتبس في جسم المريض؛ كما أفاده "الدليل الطبي" للدكتور حسن أبو علوان (ص: 343، ط. E- kutub Ltd).
ومِن ثمَّ، فـ"القسطرة البولية" تشتمل على أمرين:
- الأول: خروج البول المستمر مِن مثانة المريض إلى كيس القسطرة مباشرةً مِن غير تحكُّمٍ فيه، وذلك مِن خلال أنبوبٍ مُتَّصِلٍ بالمثانة.
- الثاني: حَمْل المريض ذلكَ البولَ المتجمع في كيس القسطرة، وذلك مُدَّةَ تركيبها التي يحددها الطبيب المعالج.
خروج البول مِن المريض حامل القسطرة المتصلة مباشرة بالمثانة مِن خلال أنبوبٍ دون تَحَكُّمٍ مِنه -كما هي مسألتنا-، يعامل في هذه الحالة معاملة صاحبِ عذرِ سلس البول، والمختار للفتوى: أنَّ حُكمه في هذه الحالة الطهارة، وتَصِحُّ منه العبادة، ما لم يَنتقض وضوؤه بسببٍ آخَرَ غير سَلَس البول، وهو مذهب المالكية.
قال شمس الدين الحَطَّاب في "مواهب الجليل" (1/ 291، ط. دار الفكر): [السَّلَس على أربعة أقسام: الأول: أن يلازم ولا يفارق فلا يجب الوضوء ولا يستحب؛ إذ لا فائدة فيه، فلا ينتقض وضوء صاحبه بالبول المعتاد] اهـ.
وقال العلامة أبو البَرَكَات الدَّرْدِير في "الشرح الصغير" (1/ 98، ط. دار المعارف): [وفي إزالة دم الحيض أو النفاس، وكذا في دم الاستحاضة إنْ لَم يُلازم كلَّ يومٍ ولو مرةً، وإلَّا فهو معفُوٌّ عنه، كسلس البول الملازم لذَكَرٍ أو أنثى، فلا تجب إزالته] اهـ.
وقال العلامة الدُّسُوقِي في "حاشيته على الشرح الكبير" (1/ 116، ط. دار الفكر): [وذهب العراقيون مِن أهل المذهب إلى أنَّ السَّلَس لا يَنْقُض مطلقًا، غايةُ الأمر أنَّه يُستحب منه الوضوء إذا لَم يُلَازِم كلَّ الزمان، فإنْ لازَمَ كلَّه فلا يُستحب منه الوضوء] اهـ.
وأما حَمْل المريض البولَ المتجمع في القسطرة مُدَّةَ تركيبها، مع كونه لا يُمْكِنُه نَزْعُها طول هذه المدة، ولا إفراغُها بنَفْسه، مع استمرار خروج البول فيها، فيُعفَى حينئذٍ عن هذه النجاسة، وتصحُّ العبادة مع حَمْلِهَا؛ لعموم قول الله تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: 286]، وقوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: 78]، وقوله سبحانه: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن: 16].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» أخرجه الإمام البخاري في "صحيحه".
وقد اتفق جمهور الفقهاء مِن الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة على كون النجاسة عند تعذر اجتنابها وإزالتها معفوًّا عنها، فيأخذ المُتَلَبِّسُ بها حينئذٍ حُكمَ الطاهر الخالي عنها.
قال العلامة الشُّرُنْبُلَالِي الحنفي في "مراقي الفلاح" (ص: 90، ط. المكتبة العصرية): [فاقد ما يزيل به النجاسةَ المانعةَ، يصلي معها، ولا إعادة عليه؛ لأنَّ التكليف بحسب الوُسع] اهـ.
وقال شمس الدين الحَطَّاب المالكي في "مواهب الجليل" (1/ 131): [المعتمد في المذهب أنَّ مَن صلَّى بالنجاسة متعمدًا عالمًا بحكمها، أو جاهلًا وهو قادرٌ على إزالتها، يُعيد صلاته أبدًا، ومَن صلى بها ناسيًا لها، أو غير عالِمٍ بها، أو عاجزًا عن إزالتها، يُعيد في الوقت على قول مَن قال: إنها سُنَّة، وقَوْلِ مَن قال: إنها واجبةٌ مع الذِّكر والقُدْرة] اهـ. فأفاد أنَّ العجْز عن إزالة النجاسة معفُوٌّ عنه.
وقال شمس الدين الخطيب الشِّرْبِينِي الشافعي في "مغني المحتاج" (1/ 409): [ويُعفَى عما يَشُقُّ الاحتراز منه بعد الاحتياط] اهـ.
وقال العلامة الشَّرْوَانِي الشافعي في "حاشيته على تحفة المحتاج" (1/ 398، ط. المكتبة التجارية الكبرى): [ولا يجوز لِلسَّلِسِ أن يُعَلِّق قارورةً لِيَقْطُرَ فيها بَوْلُهُ؛ لكونه يَصير حاملًا لنجاسةٍ في غير معدنها مِن غير ضرورة] اهـ. فأفاد أنه إذا كان لضرورةٍ طبيةٍ فإنه يكون معفُوًّا عنه.
وقال شرف الدين أبو النَّجَا الحَجَّاوِي الحنبلي في "الإقناع" (1/ 95، ط. دار المعرفة) في اجتناب النجاسة: [فمَتَى لَاقَاهَا ببَدَنه أو ثوبه، أو حَمَلَها عالِمًا أو جاهِلًا أو ناسِيًا، أو حَمَل قارورةً فيها نجاسةٌ.. قادِرًا على اجتنابها، لم تَصِحَّ صَلَاتُه] اهـ.
قال أبو السعادات البُهُوتِي في "كشاف القناع" (1/ 346، ط. دار الكتب العلمية) شارِحًا: [(قادرًا على اجتنابها) أي: النجاسة التي لاقاها، أو على عدم حَمْلِ ما حَمَلَهُ مِن ذلك (لم تَصِحَّ صَلَاتُه) لأنه حامل النجاسة في غير معدنها، أَشْبَهَ ما لو كانت على بدنه أو ثوبه، أو حَمَلَها في كُمِّهِ] اهـ. فأفاد أنَّ عدم القدرة على اجتناب النجاسة عَفْوٌ، وأن العجْز عن عدم حَمْلِها أو الاضطرار إليه عفوٌ أيضًا.
بناءً على ذلك: فإن المريض الذي يَحمل قسطرةً بوليةً واصلةً بأنبوبها إلى المثانة، ولا يتحكم في خروج البول المستمر منه، يُحكَم بطهارته شرعًا، ويحوز بذلك فَضْلَ الوقوف بعرفة على أَكْمَل الحالات وأَتَمِّها بالوقوف طاهرًا، ويؤدي بهذه الطهارة ما يشاء مِن العبادات التي يُشترط لها الطهارة كالصلاة في هذا المشهد العظيم وغيرها، وذلك ما لم يَنتقض وضوؤه بسببٍ آخَرَ غير سَلَس البول، ولا حرج عليه.
وفي واقعة السؤال: وقوف الرجل المذكور بعرفة حال كونه حاملًا قسطرةً بولية، يخرج فيها البول مستمرًّا منه، ويَجتمع في كِيسِها المتصل بالمثانة مِن خلال أنبوبٍ، ولا يستطيع نزعَها ولا إفراغَ ما فيها مِن البول طول مدة الوقوف صحيحٌ شرعًا، وهو مع ذلك طاهرٌ شرعًا، ولا إثم عليه في ذلك ولا حرج.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم ذبح دم الفدية خارج الحرم؟ حيث عزم أحدُ الأشخاص على الحجَّ هذا العام، والسؤال: إذا وجب عليه دمُ الفدية بسبب ارتكاب محظورٍ من محظورات الإحرام، أو ترك واجب من واجبات الحج؛ هل يجوز ذبحه خارج الحرم، وفي بلده تحديدًا؟
ما حكم الإنفاق على الفقراء بدلا من الحج والعمرة في أيام الوباء؟ فمع انتشار وباء كورونا قامت السلطات السعودية بتأجيل العمرة، كما قامت بقصر الحج على حجاج الداخل من السعودية فقط؛ تحرزًا من انتشار عدوى الوباء، وأمام حزن الكثيرين ممن كانوا يحرصون على أداء العمرة بشكل مستمر في شهر رمضان أو غيره من مواسم الطاعات، وكذلك الحج تطوعًا في موسمه، خرجت دار الإفتاء المصرية بمبادرة عنوانها "كأنك اعتمرت": أكثر من ثواب العمرة، تدعو فيها من يريد الذهاب للعمرة إلى إنفاق الأموال المعدة لها، على الفقراء والمساكين والغارمين وأصحاب العمالة اليومية (الأرزقية) وكل من تضرروا بظروف الوباء؛ تفريجًا لكروبهم، وقضاءً لحوائجهم، وإصلاحًا لأحوالهم.
فهل يكون ذلك مساويًا لثواب العمرة والحج تطوعًا فضلًا عن أن يكون زائدًا عليها؟
ما حكم لبس الحذاء الطبي للمحرم المعاق؟ فالسائل معاق، وساقه اليسرى أقصر من اليمنى، ويقوم بتعويض ذلك بحذاء طبي، وقد أكرمه الله سبحانه بالحج هذا العام، فهل يجوز له لبس الحذاء الطبي وهو يؤدي المناسك داخل المسجد الحرام من طواف وسعي؟ وهل عليه فدية في ذلك أم لا؟ وهل رباط الحذاء يعتبر مخيطًا أم لا؟
ما حكم من نوى التمتع ثم تعذر عليه أداء العمرة قبل الحج؟ فقد سافرت امرأة إلى الحج، فأحرمت من بلدها، ونوَتِ التمتع، وبعد النزول في مكة المكرمة، وقبل أداء العمرة تم تغيير برنامج الرحلة، بحيث يذهبون إلى زيارة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة أولًا، ويعودون في نهاية اليوم السابع من ذي الحجة، على أن يخرجوا إلى عرفة صبيحة اليوم الثامن، وتخشى أن لا تتمكن من أداء العمرة قبل الحج، وتسأل هل يجوز لها أن تُحوِّل إحرامها من تمتع إلى قِران؟ وهل عليها دم؟
ما حكم من اعتمر عن نفسه وحج عن غيره؟ فهناك رجلٌ اعتمر في أَشْهُر الحج ولم يخرج مِن الحرم، ثم أَحْرَم بالحج نيابةً عن ميت، هل هذا تَمَتُّع؟ وهل يجب عليه هدْيُ تَمَتُّع؟ ومَن الذي يجب عليه الهدي في هذه الصورة؟