الأربعاء 10 ديسمبر 2025م – 19 جُمادى الآخرة 1447 هـ

حكم أكل الحاج من الهدي الواجب عليه

تاريخ الفتوى: 14 أبريل 2025 م
رقم الفتوى: 8625
من فتاوى: فضيلة أ. د/ نظير محمد عياد - مفتي الجمهورية
التصنيف: الحج والعمرة
حكم أكل الحاج من الهدي الواجب عليه

هل يجوز للحاج أن يأكل من الهدي الواجب عليه، سواء أكان هديَ تمتعٍ، أو قِرانٍ، أو نذر، أو لارتكاب محظور؟ حيث التبس الأمر عليَّ ولا أدري الصواب، فأرجو الإفادة وجزاكم الله خيرًا.

يجوز للحاج أن يأكل من هدي التمتع والقِران، وأما بقية الدماء التي وجبت عليه لارتكاب فعل محظور أو ترك واجب، أو للإحصار وعدم التمكن من أداء النسك بعد الإحرام، أو للنذر، فلا يجوز له أن يأكل منها، وإنما يتصدق بها على الفقراء والمساكين، وإن كان الحاج قد أكل شيئًا منها فلا شيء عليه، تقليدًا لمن قال بجواز ذلك من الفقهاء.

المحتويات

 

بيان المقصود بالهدي الواجب والحكمة من مشروعيته

من المقرر شرعًا أن الهدي قد شُرع للتقرب إلى الله تعالى، وإظهارًا لمعنَى العبودية له، ولتعظيم شعائره، وشكرًا لله تعالى على أن أنعم على الإنسان بأداء فريضة الحج، وللإحسان إلى الفقراء والمساكين؛ قال الله تعالى: ﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [الحج: 36].

قال العلامة الواحدي في "الوسيط" (3/ 272، ط. دار الكتب العلمية): [﴿جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾ [الحج: 36] أي: من أعلام دينه، والمعنى: جعلنا لكم فيها عبادة لله من سَوْقها إلى البيت، وتقليدها، وإشعارها، ونحرها، والإطعام منها، ﴿لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ﴾ [الحج: 36] يعني: النفع في الدنيا والأجر في الآخرة، ﴿فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا﴾ [الحج: 36] على نحرها] اهـ.

والهدي شرعًا لا يختلف معناه عن المعنى اللغوي، فهو: ما يُهدَى إلى الحرم من الإبل والبقر والغنم تقربًا إلى الله -تعالى- بشرائط. ينظر: "الدر المختار" للحَصْكَفِي الحنفي (ص: 174، ط. دار الكتب العلمية).

والمقصود بالهدي الواجب: هو الذي يجب على الحاج بسبب التمتع بالحج، أو القران به، أو بالنذر، أو يكون جبرًا لترك واجب من واجبات الحج، أو يكون بسبب الإحصار وعدم التمكن من الاستمرار في أعمال الحج.

أقوال الفقهاء في حكم أكل الحاجّ من الهدي الواجب عليه

اختلف الفقهاء في حكم الأكل من الهدي الواجب سواء أكان بسبب التمتع، أو القران، أو النذر، أو الإحصار بالحج، أو كفارة للوقوع في محظور من محظورات الحج، ومنشأ الخلاف بين الفقهاء يرجع إلى: هل الهدي عبادة أم أنه كفَّارة؟ فمن نظر إلى أنه عبادة قال بأنه لا مانع من الأكل من الهدي كما يأكل المضحي من أُضحيته، ومن نظر إلى أنه كفَّارة قال لا يأكل من الهدي؛ لاتفاقهم على أن صاحب الكفَّارة لا يأكل منها. ينظر: "بداية المجتهد" للعلامة ابن رشد الحفيد (2/ 142، ط. دار الحديث).

إلا أن الفقهاء اختلفوا في حكم الأكل من الهدي الواجب على تفصيل بيانه على النحو الآتي:

أولًا: إذا كان الهدي هديَ تمتعٍ أو قِران فقد اختلف الفقهاء في حكم أكل المُهدِي منهما:

فذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة إلى أنه يجوز للمُهدِي أن يأكل من هدي التمتع والقِران، بل إن الحنفية قالوا يستحب للمُهدي أن يأكل منهما، ويجوز له أن يطعم الغني.

قال العلامة ابن نُجَيْم الحنفي في "البحر الرائق" (3/ 76، ط. دار الكتاب الإسلامي): [(قوله: ويأكل من هدي التطوع والمتعة والقِران فقط)؛ أي: يجوز له الأكل؛ ويستحب للاتباع الفعلي الثابت في حجة الوداع] اهـ.

وقال الشيخ الدردير المالكي في "الشرح الكبير" (2/ 89، ط. دار الفكر): [أشار للقسم الثاني -أي: ما يباح الأكل منه- بقوله: (عكس الجميع)؛ أي: جميع الهدايا غير ما ذكر من تطوع، أو واجب لنقص بحج أو عمرة من ترك واجب أو فساد، أو فوات، أو تعدي ميقات، أو متعة، أو قِران أو نذر لم يعين، فله الأكل منها] اهـ.

وقال العلامة البُهُوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (3/ 20، ط. دار الكتب العلمية): [(ولا يأكل من كل واجب) من الهدايا (ولو) كان إيجابه (بالنذر أو بالتعيين، إلا من دم متعة وقِران) نص على ذلك؛ لأن سببهما غير محظور، فأشبها هدي التطوع] اهـ.

وذهب الشافعية إلى أنه لا يجوز للمُهدي أن يأكل من دم التمتع والقِران.

قال الشيخ الخطيب الشربيني الشافعي في "مغني المحتاج" (2/ 310، ط. دار الكتب العلمية): [(والدم الواجب) على مُحرِم (بفعل حرام) وإن لم يكن حرامًا في ذلك الوقت كالحلق لعذر، (أو ترك واجب) عليه غير ركن، أو غيرهما؛ كدم الجبرانات وكدم التمتع والقِران.. يؤخذ من كلامه أنه لا يجوز له أكل شيء منه] اهـ.

ثانيًا: إذا كان الهدي للكفَّارة أو كان الهدي للإحصار، فذهب الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة إلى أنه لا يجوز للمُهْدِي أن يأكل من هدي الإحصار؛ لوجود التحلل والخروج من الإحرام قبل أوانه، وكذلك لا يجوز له أن يأكل من هدي الكفارات؛ وذلك لأنها عوض عن الترفُّه، فالجمع بين الأكل منها والترفه، كالجمع بين العوض والمعوض، كما أنها وجبت تكفيرًا عن الذنب، ويجب عليه التصدق باللحم.

قال العلامة المَرْغِينَاني الحنفي في "الهداية" (1/ 181، ط. إحياء التراث العربي): [ولا يجوز الأكل من بقية الهدايا؛ لأنها دماء كفارات] اهـ.

وقال العلامة الدسوقي المالكي في حاشيته على "الشرح الكبير" (2/ 89): [وأما الفدية إذا لم تجعل هديًا فعدم الأكل منها مطلقًا؛ لأنها عوض عن الترفه، فالجمع بين الأكل منها والترفه كالجمع بين العوض والمعوض] اهـ.

وقال الإمام النووي الشافعي في "منهاج الطالبين" (ص: 93، ط. دار الفكر): [والدم الواجب بفعل حرام أو ترك واجب لا يختص بزمان ويختص ذبحه بالحرم في الأظهر، ويجب صرف لحمه إلى مساكينه] اهـ.

وقال العلامة البُهُوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (3/ 20): [(ولا يأكل من كل واجب) من الهدايا (ولو) كان إيجابه (بالنذر أو بالتعيين، إلا من دم متعة وقِران) نص على ذلك... (وما لا) يملك أكله، كالهدي الواجب غير دم تمتع وقِران (فلا) يملك هديته، بل يجب صرفه لفقراء الحرم؛ لتعلق حقهم به] اهـ.

وذهب الإمام أحمد في رواية إلى أنه يجوز للمُهدي أن يأكل من هدي الإحصار، والكفارات عدا جزاء الصيد، والنذر؛ لأن جزاء الصيد بدل، والنذر يكون مختصًّا بالفقراء والمساكين، وهو قول ابن عمر، وعطاء، والحسن، وإسحاق. ينظر: "المغني" لابن قُدَامة الحنبلي (3/ 465، ط. مكتبة القاهرة).

ثالثًا: إذا كان الهدي منذورًا، فقد ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أنه لا يجوز للمُهدي الأكل من الهدي المنذور، وهو مذهب المالكية إذا كان الهدي المنذور معيَّنًا للفقراء والمساكين، أما غير المعَيَّن فيجوز للمُهدي الأكل منه. ينظر: "البحر الرائق" لابن نُجَيْم المصري الحنفي (3/ 76)، و"الشرح الكبير" للشيخ الدردير المالكي (2/ 89)، و"مغني المحتاج" للخطيب الشربيني الشافعي (6/ 248)، و"كشاف القناع" للبُهُوتي الحنبلي (3/ 20).

المختار للفتوى في حكم أكل الحاج من الهدي الواجب عليه

المختار للفتوى: هو أن هدي التمتع والقِران يجوز للحاج أن يأكل منهما؛ لأنهما دماء نسك؛ فيجوز له الأكل منهما كالأضحية.

وأما بقية الدماء الواجبة فلا يجوز للحاج أن يأكل منها؛ لأن هذه الدماء إما أنها وجبت لارتكاب فعل محظور أو ترك واجب، أو تكون للإحصار وعدم التمكن من أداء النسك بعد الإحرام، وإما أن تكون للنذر، ودمُ النذر صدقة، وكذا دم الكفارة في معناه؛ لأنه وجب تكفيرًا لذنبٍ، كما أن الأصل في الهدي التصدق به على الفقراء والمساكين، وعدم الأكل منه. ينظر "كفاية الطالب الرباني" للعلامة أبي الحسن العدوي المالكي (1/ 576، ط. دار الفكر).

ما يجب على الحاج إذا أكل شيئًا من الهدي الواجب عليه

إن كان الحاج قد أكل منها شيئًا فلا شيء عليه، بناءً على ما تقرر في المذاهب الفقهية أنَّ العامي "لَوِ اخْتَلفَ عَلَيْهِ اجْتِهَادُ مُجْتَهِدَيْنِ فَإِنَّهُ يُقَلِّدُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا"؛ كما قال الإمام النووي في "روضة الطالبين" (1/ 218، ط. المكتب الإسلامي)، و"مَتَى وَافَقَ عَمَلُ العَامِّيِّ مَذْهَبًا مِنْ مَذَاهِبِ الْمُجْتَهِدِينَ.. كَفَاهُ ذَلِكَ، وَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا"؛ كما قال العلامة محمد بخيت المطيعي مفتي الديار المصرية الأسبق في "الفتاوى" (1/ 225، ط. دار وهبة).

الخلاصة

بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فيجوز للحاج أن يأكل من هدي التمتع والقِران، وأما بقية الدماء الواجبة فلا يجوز له أن يأكل منها، وإنما يتصدق بها على الفقراء والمساكين، وإن كان الحاج قد أكل شيئًا منها فلا شيء عليه، تقليدًا لمن قال بجواز ذلك من الفقهاء.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

يقول سائلٌ: حلفت على المصحف الشريف يمينًا هذا نصه: (وحياتك يادي المصحف أكثر من خمس مرات ما أشرب السجاير مدى الحياة) وبعد ذلك اضطرتني ظروف صعبة أن أشرب السجائر؛ فما حكم ذلك شرعًا؟


ما فضل يوم النحر؟ ولماذا يُسَمَّي بيوم الحج الأكبر؟ وما هي مناسك الحج فيه باختصار؟ وهل يُشْتَرَط الترتيب في آدائها؟


ما حكم الإنفاق من صندوق الجزاءات على الحج والعمرة للعاملين بإحدى الشركات؟ فأنا أعمل بإحدى شركات القطاع الخاص، ويوجد بها صندوق يُسَمَّى بصندوق الجزاءات، وهذا الصندوق من حقّ العاملين في الشركة، ويُنفق منه على الرحلات والمصايف. فهل يجوز الإنفاق منه على رحلات الحج والعمرة؟


نرجو منكم بيان الحكم الشرعي في المبيت بالمزدلفة، وهل يجب بتركه شيء؟ وما مقدار الوقت الذي يتحقق به المبيت؟ وهل يجوز للحاج أن يدفع منها إلى منى قبل منتصف الليل؟


ما حكم صيد السلاحف البحرية وتهديدها بالانقراض؟ ففي إطار التعاون الوثيق بين دار الإفتاء المصرية وجهاز شئون البيئة، يطيب الإشارة إلى أنه في إطار قيام جهاز شئون البيئة برصد وتقييم المهددات التي تواجه وتؤثر على تواجد مجتمعات السلاحف البحرية في بيئاتها الطبيعية على السواحل المصرية بالبحر الأحمر المتوسط -أحد أهم مناطق تعشيش وتغذية السلاحف البحرية على مستوى الإقليم-، وذلك نظرًا للدور المهم الذي يقوم به هذا النوع في حفظ توازن وصحة النظام البيئي البحري، وفي ضوء دراسة تلك العوامل المهددة لها، تم تسجيل قيام فئة من الصيادين -سواء من خلال استهداف صيدها، أو خروجها بصورة عرضية في الشباك أو السنانير- بالاتجار بها في أسواق (حلقات) الأسماك بالمناطق الساحلية المتوسطية الرئيسية مثل: بورسعيد، دمياط، الإسكندرية؛ لاستغلاها في ظاهرة (شرب دم السلاحف) كأحد التقاليد الشعبية التي لا أساس لها من الصحة الطبية، أو الدينية؛ حيث تؤكد التقارير والشهادات أن هذا النوع من السلوكيات يتم تنفيذها على النحو التالي:
- تُنفذ هذه الظاهرة في صباح يومي الجمعة والأحد من كل أسبوع، وبناءً عليه: يتم تخزين السلاحف التي يتم صيدها قبل تلك الأيام بصور غير أخلاقية؛ حيث يتم قلبها على ظهرها مما يصيبها بالشلل التام، وكذلك التأثير على دورتها الدموية.
- تنفذ هذه العملية بصورة سرية؛ وذلك لإدراك الصيادين والتجار والمستهلكين بمخالفة القانون بالاتجار في السلاحف البحرية، بحكم قانون حماية البيئة رقم (4) لسنة 1994م، والمعدل بالقانون رقم (9) لسنة 2009م، ولائحته التنفيذية، لحمايتها من الانقراض، وحفاظًا على سلامة النظام البيئي البحري.
- يقوم التاجر أو الجزار بتعليق السلحفاة حيَّة، ويقوم بقطع جزء من الذيل حتى يتم تصفية الدم في أكواب، وبعد تصفية دمها يقوم بذبحها وتقطيع لحمها وبيعه. فهل هذا الذبح مطابق للشريعة الإسلامية ويجوز أكل لحمه في هذه الحالة؟
- يعتقد المستهلكون أن هذا الدم له قدرة على تحقيق كافة الرغبات والأمنيات، للرجال والنساء على حد سواء؛ مثل: الحمل، الجمال، القدرة الجنسية.. الخ.
- بسؤال مجموعة من المستهلكين لهذا الدم، أفادوا باعتقادهم أن هذا الدم هو من سمكة وهو حلال، علمًا بأن السلاحف البحرية ليست سمكة، وإنما هي من أنواع الزواحف، فهل شرب دمها حلال؟
وفي هذا الصدد، وفي ضوء ما سبق، وفي إطار حرص جهاز شئون البيئة على حماية البيئة والأنواع المهددة بخطر الانقراض، وكذلك حماية الإنسان من السلوكيات الخاطئة التي تخالف الشرع والعقل على حد سواء، فإننا نهيب بسيادتكم لاستصدار فتوى موثقة، بما يتراءى لكم من أدلةٍ شرعية بحكم الشرع في هذا السلوك إجمالًا؛ نظرًا لتهديده سلامة النظام البيئي، وحكم الذبح، وكذلك شرب الدم على الحالة المشار إليها بعاليه.
ونحن على ثقة من أن إظهار الحكم الشرعي لهذه الظاهرة سيكون له أثر إيجابيّ في القضاء عليها بصورة تفوق محاولات تشديد الرقابة وتطبيق القانون.
شاكرين لسيادتكم خالص تعاونكم معنا، ودعمكم الدائم لقضايا البيئة والحفاظ على التنوع البيولوجي، وتفضلوا بقبول فائق الاحترام.


ما حكم تعديل النذر والزيادة فيه؟ حيث شاركت في إحدى المسابقات ونذرت إن وفقني الله فيها وأخذت منحة السفر إلى إحدى الدول الأجنبية أن أتصدق بثلث المبلغ الذي أعود به من هذه المنحة، وهذا الثلث المنذور سوف تحج منه والدتي وما يتبقى أتصدق به في مسجد القرية، وبعد أيام أكدت النذر بزيادة من الثلث إلى نصف المبلغ. فهل يلزمني الوفاء بالنذر في المرة الأولى أم الثانية؟ وهل لو لزمني النذر الثاني -النصف لله- فهل يجوز لي أداء فريضة الحج من هذا النصف الذي نذرته لله؟


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 10 ديسمبر 2025 م
الفجر
5 :8
الشروق
6 :40
الظهر
11 : 48
العصر
2:37
المغرب
4 : 55
العشاء
6 :18