سائل يقول: رجلٌ يؤُم زوجته في الصلاة المكتوبة في البيت، ويسأل: ما مكان وقوفها منه عند اقتدائها به في الصلاة؟ وما الحكم فيما لو وقفت عن يمينه؟
إذا أرادت المرأة أن تصلي مع زوجها جماعةً في البيت فإنها تقف خَلفَه في صَفٍّ مستقِلٍّ متى أمكن ذلك، وسواء في ذلك أن تكون وَحدَها مع زوجها أو معها غيرُها من النساء، فإن صلَّت معه وَحدَها وكان المكان مُتَّسِعًا فوَقَفَت بمحاذاته كُرِهَ لها ذلك وصَحَّت صلاتُهما، ويستحب في ما هو قادم من الصلوات وقوفُها خَلفَه، لا أن تكون محاذيةً له؛ خروجًا من خلاف الفقهاء.
المحتويات
من المقرر شرعًا أن صلاة الجماعة لها فضلٌ عظيمٌ، وخيرٌ عميمٌ، وثوابٌ جزيلٌ، وقد حثَّ النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم عليها، ورغَّب فيها، ورتَّب على إقامتها خيرًا كثيرًا، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» متفق عليه من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
وفي روايةٍ أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» أخرجها الإمام البخاري من حديث أبي سعيد الخُدْرِي رضي الله عنه.
فدَلَّ ذلك "على تضعيف ثواب المصلِّي في جماعةٍ على ثواب المصلِّي وَحدَه"، كما قال الإمام أبو الحَسَن ابن بَطَّال في "شرحه على صحيح الإمام البخاري" (2/ 272، ط. مكتبة الرشد).
أقلُّ ما تنعقد به الجماعة اثنان -واحدٌ سِوَى الإمام-، وذلك بإجماع المسلمين، كما في "شرح الإمام النَّوَوِي على صحيح الإمام مسلم" (5/ 175، ط. دار إحياء التراث العربي)، و"المغني" للإمام ابن قُدَامَة (2/ 131، ط. مكتبة القاهرة).
قد اتفق الفقهاء على سُنِّيَّة أن يقف المأمومُ عن يمين الإمام إذا صلى إمامٌ ومأمومٌ وَحدَهُما، سواء أكان المأمومُ رجلًا أم صبيًّا؛ لِمَا روي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي، «فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ، فَقُمْتُ أُصَلِّي مَعَهُ، فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، فَأَخَذَ بِرَأْسِي، فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ» أخرجه الشيخان.
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: «جِئْتُ حَتَّى قُمْتُ عَنْ يَسَارِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَأَخَذَ بِيَدِي فَأَدَارَنِي حَتَّى أَقَامَنِي عَنْ يَمِينِه» أخرجه الإمام مسلم.
قال الإمام ابن عبد البَر في "الاستذكار" (2/ 105، ط. دار الكتب العلمية): [سُنَّة مَسنُونة مُجتَمَعٌ عليها في الإمام إذا قام معه واحدٌ أنه لا يقوم إلا عن يمينه] اهـ.
وقال الإمام النَّوَوِي في "المجموع" (4/ 294، ط. دار الفكر): [السُّنَّة عندنا أن يقف المأموم الواحد عن يمين الإمام كما ذكرنا، وبهذا قال العلماء كافة] اهـ.
سُنِّيَّة وقوف المأموم عن يمين الإمام متعلِّقةٌ بكون المأموم رجلًا أو صبيًّا، فإن كان المأمومُ امرأةً وصلَّت مع زوجها في البيت ولا تجد مَن يقف معها صفًّا، فإن السُّنَّة في حقها أن تقف خلف زوجها الذي يؤُمُّها وَحدَها وألَّا تَقِفَ عن يمينه.
والأصل في ذلك: ما روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن جدته مُلَيْكَةَ رضي الله عنها دَعَت رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم لطعامٍ صَنَعَتْهُ له، فأَكَل منه، ثم قال: «قُومُوا فَلِأُصَلِّ لَكُمْ»، قال أنسٌ: فقُمتُ إلى حَصِيرٍ لنا قد اسْوَدَّ مِن طُول ما لُبِسَ، فنَضَحْتُه بماءٍ، فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وصَفَفْتُ واليتيم وراءه، والعجوز مِن ورائنا، فصلَّى لنا رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم ركعتين، ثم انصَرَف. متفق عليه.
قال الإمام ابن عبد البَر في "الاستذكار" (2/ 316): [أجمع العلماءُ على أن المرأة تصلي خلف الرجل وَحدَها صفًّا، وأن سُنَّتَهَا الوقوفُ خلفَ الرجل لا عن يمينه] اهـ.
وقال الإمام أبو الوليد بن رُشْد في "البيان والتحصيل" (1/ 333، ط. دار الغرب الإسلامي): [قوله: للرجل أن يصلي بزوجته وَحدَها، وأنها تكون وراءه -صحيحٌ مما أجمع عليه العلماء ولم يختلفوا فيه؛ لأن مِن سُنَّة النساء في الصلاة أن يَكُنَّ خلف الرجال وخلف الإمام، لا في صفٍّ واحدٍ معه ولا معهم، واحدة كانت أو اثنتين أو جماعة] اهـ.
إن اتفق الفقهاء على أن المرأة تقف خلف زوجها إذا صلَّى بها جماعةً ولا تقف بمحاذاته، فإنهم اختلفوا في مدى بطلان صلاة أحدهما إذا وقفت بمحاذاته.
فذهب المالكية والشافعية، والحنابلة في ظاهر الرواية إلى أن الأصل في صلاة الجماعة والاصطفاف فيها أن تقف المرأة خلف الإمام حيث أمكَن ذلك، وألَّا تخالف ذلك الترتيب فتقف بمحاذاته، فإن وقفت بمحاذاته كُره لها ذلك، ولا تبطل صلاتُها ولا صلاتُه.
قال العلامة أبو الحَسَن علي بن خَلَف المُنُوفِي المالكي "كفاية الطالب الرباني" (1/ 307، ط. دار الفكر، مع "حاشية الإمام العَدَوِي"): [(ومَن صلَّى بزوجته)... يعني: أو بمَحرَمِهِ أو بأجنبية منه (قامَت خلفَه)... وحكم هذه المراتب كلِّها الاستحبابُ، فمَن خالف مرتبته وصلى في غيرها لا شيء عليه، إلا أن المرأة إذا تقدمت إلى مرتبة الرجل أو أمام الإمام فكالرجل يتقدم، فيكره له ذلك من غير عذر، ولا تفسد صلاته ولا صلاة من معه] اهـ.
قال الشيخ أبو الحَسَن العَدَوِي مُحَشِّيًا عليه: [(قوله: قامت خلفَه) ولا تقف على يمينه، فلو وقفت بجنبه كره لها ذلك، وينبغي أن يشير إليها بالتأخر، ولا تبطل صلاةُ واحدٍ منهما بالمحاذاة إلا أن يحصل ما يبطل الطهارة] اهـ.
وقال الإمام النَّوَوِي الشافعي في "المجموع" (3/ 252): [إذا صلَّى الرجل وبجنبه امرأةٌ لم تبطل صلاتُه ولا صلاتُها، سواء كان إمامًا أو مأمومًا، هذا مذهبُنا] اهـ.
وقال الإمام شمس الدين الرَّمْلِي في "نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج" (2/ 192، ط. دار الفكر): [(ولو حضر) ابتداءً معًا أو مرتبًا (رجلان) أو صبيَّان (أو رجلٌ وصبيٌّ صَفَّا خَلفَه) للاتباع أيضًا، ويُسن ألَّا يزيد ما بينه وبينهما كما بين كلِّ صفَّين على ثلاثة أذرع (وكذا لو حضر امرأةٌ) ولو مَحرَمًا أو زوجة (أو نسوة) تقوم أو يَقُمْن خَلفَه] اهـ.
وقال الإمام علاء الدين المَرْدَاوِي الحنبلي في "الإنصاف" (2/ 282، ط. دار إحياء التراث العربي): [ظاهرُ قوله: (وإنْ أَمَّ امرأةً وقَفَت خلفه) أنه ليس لها موقفٌ إلا خلف الإمام، وهو صحيح، وقال في "الفروع": وإن وقَفَت عن يساره، فظاهر كلامهم: إن لم تبطُل صلاتُها ولا صلاةُ مَن يَلِيهَا أنها كالرجل، وكذا ظاهر كلامهم: يصح إن وقَفَت عن يمينه] اهـ.
وقال الإمام أبو السعادات البُهُوتِي الحنبلي في "كشاف القناع" (1/ 488، ط. دار الكتب العلمية): [(وإنْ أَمَّ رجلٌ) امرأةً وقفت خلفه، وسواء كان معه رجلٌ أو رجالٌ أو لا... (فإن وقفت) المرأةُ (عن يمينه) أي: يمين الرجل أو الخنثى الإمام، فكرجل، فتصح (أو) وقفت (عن يساره، فكرجل في ظاهر كلامهم) وجزم به في "المنتهى" وغيره] اهـ.
بينما ذهب الحنفية إلى أن الرجل إذا صلى بزوجته جماعةً ونوى إمامتها، فوقفت بحذاء قدميه -أي: بحيث تُساويهما في الموضِع أو تتقدم عليهما-، فسدت صلاته؛ لأن مكانها في ترتيب الصفوف أن تكون خلف الإمام لا إلى جانبه أو تحاذيه، ومِن ثم فسدت صلاتها بالتبعية؛ لمخالفة الترتيب الذي نُصَّ عليه من اصطفاف الرجال ثم الصبيان ثم النساء، أما إذا كانت خلفه بخطوة أو خطوتين، إلا أن رأسها تقع في السجود متقدمةً على رأسه، فتَصِحُّ صلاتُهما؛ لأن العبرة بمحاذة الأقدام لا الأعضاء.
قال الإمام زين الدين بن نُجَيْم في "البحر الرائق" (1/ 376، ط. دار الكتاب الإسلامي) في بيان موقف المرأة من الإمام في الصلاة: [أما في محاذاة إمامها فصلاتهما فاسدة أيضًا؛ لأنه إذا فسدت صلاة الإمام فسدت صلاة المأموم. وفي "فتاوى قاضي خان": المرأة إذا صلَّت مع زوجها في البيت، إن كان قدمها بحذاء قدم الزوج لا تجوز صلاتهما بالجماعة. وفي "المحيط" إذا حاذت إمامها فسدت صلاة الكُل... وفي "الخانية" و"الظهيرية": المرأة إذا صلَّت في بيتها مع زوجها، إن كانت قدماها خلف قدم الزوج، إلا أنها طويلةٌ يقع رأسها في السجود قبل رأس الإمام، جازت صلاتُهُما؛ لأن العبرة للقدم اهـ] اهـ.
وقال الإمام ابن عَابِدِين في "رد المحتار" (1/ 572، ط. دار الفكر) نقلًا عن الإمام قاضي خان: [المرأة إذا صلَّت مع زوجها في البيت، إن كان قَدَمُهَا بحذاء قدم الزوج لا تجوز صَلَاتُهُمَا بالجماعة، وإن كان قَدَمَاهَا خلف قدم الزوج إلا أنها طويلة تقع رأس المرأة في السجود قبل رأس الزوج، جازت صلاتهما؛ لأن العبرة للقدم، ألَا تَرَى أن صيد الحَرَم إذا كان رِجلَاه خارج الحَرَم ورأسُه في الحَرَم يَحِلُّ أخذُه، وإن كان على العكس لا يَحِلُّ. انتهى كلام "النهاية"، ونقله في "السراج" وأقرَّه. وفي "القهستاني": المحاذاة: أن تساوي قدمُ المرأة شيئًا من أعضاء الرَّجل، فالقدم مأخوذٌ في مفهومه على ما نقل عن المطرزي: فمساواة غير قدمها لعضوه غير مُفسدة اهـ] اهـ.
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإن مكان وقوف المرأة من زوجها عند صلاتهما جماعةً في البيت أن تقف خَلفَه في صَفٍّ مستقِلٍّ متى أمكن ذلك، وسواء في ذلك أن تكون وَحدَها مع زوجها أو معها غيرُها من النساء، فإن صلَّت معه وَحدَها وكان المكان مُتَّسِعًا فوَقَفَت بمحاذاته كُرِهَ لها ذلك وصَحَّت صلاتُهما، ويستحب في قابِلِ الصلوات وقوفُها خَلفَه، لا أن تكون محاذيةً له؛ خروجًا من خلاف الفقهاء.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم تأخير المُشتغل بالإفطار سُنَّة المغرب والذكر بعد الصلاة؟
ما حكم إقامة صلاة العيدين في المصليات الصغيرة؟ فأنا أسكن في منطقة سكنية وينتشر فيها عدد من المصليات الصغيرة التي يؤدي فيها الناس الصلوات الخمس ما عدا الجمعة، وذلك بناء على تعليمات الجهات الرسمية، وقد اقترح بعض أهل المنطقة أن يتقدموا بطلب رسمي لتلك الجهات لتسمح لهم بإقامة صلاة العيد في تلك المصليات؛ بحجة أن بعض الناس لا يقدرون على الذهاب إلى مصلى العيد في المسجد الكبير في المنطقة، لكن أحد الناس قال إن السُّنَّة هي الصلاة في المساجد والساحات الكبيرة؛ فهل يجوز لنا أن نقيم صلاة العيد في تلك المصليات الصغيرة؟
السادة الفقهاء السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه أول رسالة لي إليكم أبعث بها بعد أن اختلفت الآراء حول موضوع قصر الصلاة، فنرجو من الله العلي القدير أن تلقى هذه الرسالة اهتمام سيادتكم حتى يستفيد منها أكثر المسلمين الذين يعملون في هذا المكان. فنحن العاملين جميعًا في هذا المكان الذي يبعد حوالي 90كيلو عن مكان السكن الذي نسكن فيه، فبعضنا يخرج من منزله من بعد صلاة الفجر ويعود إليه بعد صلاة المغرب، وهذا الحدث يحدث بصفة يومية مع العلم أن أيام العمل هي من السبت إلى الأربعاء والخميس والجمعة إجازة. فنرجو من سيادتكم أن تفيدونا في الإجابة عن هذا الموضوع.
ما حكم اقتداء النساء بالإمام عن طريق مكبرات الصوت في مصلى بينه وبين الإمام شارع؟ حيث يوجد مسجد يصلي فيه الرجال، ويفصل بينه وبين مصلى النساء شارع مطروق بعرض 6 أمتار، ومصلى النساء في مكان يجعله متقدمًا على موقف الإمام.
فهل يجوز اقتداء النساء في هذا المصلى بإمام المسجد عن طريق توصيل سماعات؟ وماذا يحدث لو انقطعت الكهرباء أثناء الصلاة: هل تصلي بهن إحداهن إمامًا، أم يصلين فرادى؟
ما حكم صلاة تحية المسجد والإمام يخطب الجمعة؟
ما حكم صلاة المأمومين في طابق في المسجد غير الطابق الذي يصلي فيه الإمام؟ حيث يوجد مسجد مكون من طابقين، وتؤدى جميع الصلوات في الطابق الثاني، ولكن لظروف سن أو مرض عند بعض المصلين نقوم بفتح الدور الأول لهم لأداء الصلاة فيه، ويقوم بعض المصلين بأداء الصلاة معهم في الدور الأول في صفوف منتظمة رغم عدم اكتمال الصفوف بالدور الثاني. فهل تصح صلاتهم؟