ما الحكم الشرعي في المال الذي يُصرف للمتبرع بالدم على سبيل الهدية أو المكافأة والتشجيع؟ وهل يجوز أن يُتفق عليه؟
لا حرج شرعًا في إعطاء مبلغٍ أو نحو ذلك على سبيل المكافأة أو الهبة للمتبرع بالدم، ما دام أنَّ ذلك بغير اشتراط منه، أو اتفاق منهما على ذلك، ولم يخالف الإجراءات واللوائح والقوانين المنظمة لهذا الأمر، وإلا فهو غير جائز.
المحتويات
التبرُّع بالدم لإنقاذ حياة المرضى والمصابين الذين يحتاجون لنقل الدم إليهم يُعَدُّ من إحياء النفس المطلوب شرعًا؛ قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: 32].
قال الإمام القُرْطُبي في "الجامع لأحكام القرآن" (6/ 147، ط. دار الكتب المصرية): [﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾، أي: يجب على الكل شكره... ﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا﴾ تَجَوُّزٌ؛ فإنه عبارةٌ عن الترك والإنقاذ من هَلَكةٍ، وإلا فالإحياء حقيقةً -الذي هو الاختراع- إنما هو لله تعالى] اهـ.
ومما لا شك فيه أنَّ علاج المرضى وإنقاذ المصابين وإغاثة الملهوفين والمنكوبين من الواجبات الأساسية على المسلمين؛ لأنها تُعَدُّ وسيلة من وسائل حفظ أهم الضروريات المقاصدية التي قام على أساسها الشرع الشريف، وهي ضرورة حفظ النفس؛ حيث إنها تدخل دخولًا أساسيًّا فيها، يقول الإمام العز بن عبد السلام في "قواعد الأحكام في مصالح الأنام" (1/ 66، ط. مكتبة الكليات الأزهرية) في معرض ذكر أمثلة على تقديم الفاضل على المفضول من المصالح سواء كانت واجبة أو مندوبة؛ مُقرِّرًا أن إنقاذ النفس مما قد تُشْرِفُ عليه من خطر هو -قبل كل شيء- تأديةٌ لحق الله تعالى بالحفاظ على النفوس: [تقديم إنقاذ الغرقى المعصومين على أداء الصلوات؛ لأن إنقاذ الغرقى المعصومين عند الله أفضل من أداء الصلاة، والجمع بين المصلحتين ممكنٌ بأن ينقذ الغريق ثم يقضي الصلاة، ومعلومٌ أن ما فاته من مصلحة أداء الصلاة لا يقارب إنقاذ نفسٍ مسلمةٍ من الهلاك، وكذلك لو رأى الصائم في رمضان غريقًا لا يتمكن من إنقاذه إلا بالفطر، أو رأى مَصُولًا عليه لا يمكن تخليصه إلا بالتَّقوِّي بالفطر، فإنه يفطر وينقذه، وهذا أيضًا من باب الجمع بين المصالح، لأن في النفوس حقًّا لله عز وجل وحقًّا لصاحب النفس، فقدَّم ذلك على فوات أداء الصوم دون أصله] اهـ.
من وسائل علاج المرضى وإنقاذ المصابين التي يُحتاج إليها نقل الدم، ومن المقرر شرعًا إباحة التبرع به، خاصةً أنَّه دائم التجدد والتغير مع حياة الإنسان، وذلك بالضوابط والشروط الآتية:
1- وجود الضرورة، كأن يكون بعض الناس أو الأفراد في حاجةٍ ماسَّةٍ إلى كمياتٍ من الدم لإنقاذ حياتهم من الهلاك أو الإشراف على الهلاك؛ كالحوادث والكوارث والعمليات الجراحية.
2- أن يكون التبرع بالدم مُحَقِّقًا لمصلحة مُؤكدة للإنسان من الوجهة الطبية، ويَمنع عنه ضررًا مؤكدًا.
3- ألَّا يؤدي التبرع بالدم إلى ضررٍ على المُتَبَرع كليًّا أو جزئيًّا، أو يمنعه من مزاولة عمله في الحياة ماديًّا أو معنويًّا، أو يؤثر عليه سلبًا في الحال أو المآل بطرق مؤكدة من الناحية الطبية.
4- أن يتحقق بالطرق الطبية خلو المُتَبَرِّع بالدم من الأمراض الضارة بصحة الإنسان؛ لأنه لا يجوز شرعًا دفع الضرر بالضرر.
5- أن يكون المتبرع بالدم إنسانًا كامل الأهلية.
أما بيع الدم فحرام شرعًا، لما تقرر بالكتاب والسنة والإجماع؛ فمن الكتاب قوله تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ﴾ [المائدة: 3].
ووجه الدلالة من الآية الكريمة: أنَّ الشيء الذي لا يُشرع تمَلُّكه لا يجوز بيعه أو التكسب منه؛ قال الإمام ابن رشد الجد المالكي في "المقدمات الممهدات" (2/ 62، ط. دار الغرب الإسلامي): [فأمَّا ما لا يصح مِلْكُه، فلا يجوز بيعه بإجماعٍ، كالحُرِّ والخمر والخنزير والقرد والدم والميتة وما أشبه ذلك] اهـ.
ومن السُّنة ما أخرجه الإمام البخاري في "صحيحه" من حديث عَوْن بن أبي جُحَيْفَة، عن أبيه رضي الله عنه؛ أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «نهى عن ثمن الدم».
ووجه دلالة الحديث أنَّ النهي عن ثمن الدم يقتضي حرمة بيعه. وقد تقرر هذا الحكم إجماعًا، نقله غير واحدٍ من العلماء.
قال الإمام ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" (4/ 427، ط. دار المعرفة): [والمراد تحريم بيع الدم؛ كما حرم بيع الميتة والخنزير، وهو حرامٌ إجماعًا؛ أعني بيع الدم وأخذ ثمنه] اهـ.
أما بالنسبة لمكافأة المتبرع بالدم بإعطائه مبلغًا من المال أو نحو ذلك، فإنَّه إذا كان على سبيل المكافأة له وتقديرًا لجهده فهذا أمر جائز شرعًا، لعدة أمور:
الأول: أن مكافأة المتبرع بالدم من غير شرطٍ يُعَدُّ من باب مقابلة الإحسان بالإحسان؛ قال تعالى: ﴿هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ﴾ [الرحمن: 60].
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنِ اسْتَعَاذَ بِاللَّهِ فَأَعِيذُوهُ، وَمَنْ سَأَلَ بِاللَّهِ فَأَعْطُوهُ، وَمَنْ دَعَاكُمْ فَأَجِيبُوهُ، وَمَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ، فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ» أخرجه أبو داود في "سننه".
قال العلامة ابن الملك الحنفي في "شرح المصابيح" (2/ 492، ط. إدارة الثقافة الإسلامية): [«ومن صنع إليكم معروفًا»؛ أي: أحسن إليكم إحسانًا، «فكافئوه»: من المكافأة؛ أي: أحسنوا إليه مثل ما أحسن إليكم. «فإن لم تجدوا ما تكافئونه»: من المال وغير ذلك. «فادعوا له»؛ أي: فكافئوه بالدعاء؛ يعني: كرروا الدعاءَ «حتى تروا»؛ أي: تظنوا «أن قد كافأتموه» وأديتم حقه] اهـ.
الثاني: أنَّ مكافأته من باب الهبات وإظهار الشكر للمتبرع بالدم، وقبض المتبرع بالدم لهذه الهبة أمرٌ جائزٌ شرعًا ولا حرج فيه، قال الإمام السَّرَخْسِي الحنفي في "المبسوط" (12/ 54، ط. دار المعرفة): [فأما المقصود بالهبة: إظهار الجود والسخاء، والتودد والتحبب، وقد حصل ذلك؛ وهذا لأن العوض في التجارات مشروط، وفي التبرعات مقصود، ومعنى إظهار الجود أيضًا مقصود، فإنما يمكن الخلل في بعض المقصود، وذلك يكفي للفسخ مع أن إظهار الجود مقصود كريم الخلق... كما قال: عليه الصلاة والسلام: «تَهَادُوا تَحَابُّوا». فإن التفاعل يقتضي وجود الفعل من الجانبين كالمفاعلة] اهـ.
محل مشروعية إعطاء الهدية أو المكافأة للمتبرع بالدم أن تكون بغير اتفاقٍ أو شرطٍ أو قولٍ يُفهَم منه اشتراط تقاضي المتبرع مقابل تبرعه، حتى لو تم التعبير بأن هذا من قبيل الهدية أو المكافأة، فباشتراط الحصول على الهدية أو المكافأة في مقابل التبرع يظهر أن المقصد الحقيقي الظاهر من هذا الفعل هو مجرد التوصل للحصول على الدم في مقابل هذه المكافأة أو الهدية، وقد ذهب كثير من الفقهاء إلى إعمال المعاني والأخذ بها في العقود والمعاملات التي يقوى فيها جانب المعنى؛ وصاغوا بذلك قاعدة: "العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني".
ومعنى القاعدة: هو الاعتداد بالمقاصد التي عيَّنتها القرائن التي توجد في عقد أو معاملة فتُكْسِبُه أو تُكسِبها حكم عقد آخر أو معاملة غير العقود أو المعاملات التي وُضعت لها هذه الألفاظ أصلًا إذا قصد العاقدان هذا المعنى، وهذا ما أكَّده الإمام السَّرَخْسِي الحنفي؛ حيث قال: [الألفاظ قوالب المعنى؛ فلا يجوز إلغاء اللفظ وإن وجب اعتبار المعنى إلَّا إذا تَعذَّر الجمع] ينظر: "المبسوط" للسَّرَخْسِي (12 /79).
وقال الإمام الشاطبي المالكي في "الموافقات" (3/ 7، ط. دار ابن عفان): [الأعمال بالنيات، والمقاصد معتبرة في التصرفات من العبادات والعادات، والأدلة على هذا المعنى لا تنحصر] اهـ.
وقال العلامة ابن حجر الهَيْتَمِي الشافعي في "تحفة المحتاج" (4/ 402، ط. دار إحياء التراث العربي): [وزَعْم أن الصحيح مراعاة اللفظ في المبيع لا المعنى غير صحيح؛ بل تارةً يراعون هذا وتارةً يراعون هذا بحسب المدرك] اهـ، وقال العلامة ابن قاسم العَبَّادي في الحاشية معلقًا على كلام ابن حجر: [والغالب عليهم -أي: فقهاء الشافعية- مراعاة اللفظ، ما لم يَقوَ جانب المعنى] اهـ.
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فلا حرج شرعًا في إعطاء مبلغٍ أو نحو ذلك على سبيل المكافأة أو الهبة للمتبرع بالدم، ما دام أنَّ ذلك بغير اشتراط منه، أو اتفاق منهما على ذلك، ولم يخالف الإجراءات واللوائح والقوانين المنظمة لهذا الأمر، وإلا فهو ممنوع.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم تناول الأدوية التي يدخل في تركيبها مادة الجيلاتين؟ فنحن شركة تعمل في مجال الأدوية والمستحضرات الطبية تنتج أدوية مغلفة بكبسولات مصنوعة من مادة الجيلاتين، وهذه المادة تصنع من بعض أجزاء الحيوانات؛ كالدهون والغضاريف والعظام وغيرها، وقد يكون الخنزير من ضمن تلك الحيوانات، فما حكم تناول هذه الأدوية شرعًا؟
ما حكم ترقيع الجلد التالف للإنسان الحي بجلد الميت؟ حيث تعرضتُ لحادث تسبب في تهتك وتشوه أجزاء كبيرة من جلدي وفي أماكن متفرقة، ولشدة التهتك وعمقه يصعب تجدُّد الجلد في هذه الأماكن مرة أخرى؛ بسبب تلف الخلايا التي تعمل على تجدُّده، وذلك مما يعرضني لمشاكل صحية ومخاطر كبيرة؛ خاصة أنه قد وصل هذا التهتك إلى الأوعية الدموية والعضلات، إضافة إلى الضرر النفسي الذي يصيبني حال رؤية هذا التشوه في جسدي، وقد قال لي الطبيب المعالج إنه لا وسيلة للتداوي من هذا التهتك والتشوه، إلا بزراعة طبقة من الجلد تغطي الجزء المصاب، وبعد إجراء فحوصات عديدة تبين أنه لن يتناسب معي إلا زراعة جلد بشري مناسب لطبيعة جلدي حتى تغلب نسبة نجاح هذه الزراعة، ويتعذر مع ذلك أخذ ذلك الجلد مني لكبر وتعدد الأماكن المصابة، إضافة لسوء حالتي الصحية التي لا تسمح بمزيد من الجروح والآلام، فهل يجوز لي في هذه الحالة الانتفاع بجلد مَن مات حديثًا خاصة من الأشخاص الذين يبيحون التبرع بأعضائهم بعد وفاتهم؟
ما حكم إنكار عدوى كورونا؟ حيث يستنكر البعض الخوف والتحذير من عدوى كورونا، مستدلين بأن المرض من الله وحده وأنه لا عدوى في الإسلام، فكيف نرد على ذلك؟
ما حكم تركيب أطراف صناعية؟ حيث تذكر السائلة أن الله تعالى رزق ابنها الوحيد بطفلة جميلة إلا أنها وُلدت ببتر خِلْقي بالذراع اليسرى -نصف ذراع من دون كف- وأن الطبيب أفادها بأنه يمكن تركيب أطراف صناعية للطفلة عند بلوغها أربع سنوات، والسؤال: هل في مثل هذه الحالة يجوز تركيب الأطراف الصناعية أم يكون ذلك اعتراضًا على حكم الله تعالى؟
ما حكم إجراء عملية تجميل لإرجاع الأنف لشكلها الأول قبل تعرضها لحادث؟ فقد أُصبتُ بحادث أدى لبعض التشوهات في وجهي، وقمت بعمل عمليات جراحية وتعافيت بحمد الله، لكن أثرت العمليات على وجهي وبرزت الأنف بشكل مختلف أثر على جمالي، ونصحني الطبيب بإجراء عملية تجميلية لإرجاع الأنف لشكلها الأول قبل الحادث، وأريد ذلك بشدة ليعود جمال وجهي، لكن أخبرني زوجي أن هذا تغييرٌ لخلق الله وهو حرام، فهل يجوز لي عمل العملية؟ وهل يكون ذلك تغييرًا لخلق الله؟ أفيدوني أفادكم الله.