بيان مدى جواز استحداث عقود جديدة في الفقه الإسلامي

تاريخ الفتوى: 18 مايو 2023 م
رقم الفتوى: 8106
من فتاوى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
بيان مدى جواز استحداث عقود جديدة في الفقه الإسلامي

سائل يقول: سمعت أحد العلماء يقول بأن عقود الودائع الاستثماريَّة الحديثة عقد جديد مستحدث؛ فما مدى صحة هذا الكلام؟

تقرَّر في واقع المعاملات التعاقديَّة: جواز إحداث عقودٍ جديدةٍ من غير المسمَّاة في الاجتهادات الفقهية؛ ما دامت خاليةً من المخاطر أو حصول الغرر أو الضرر، وهي التي عبر عنها حجة الإسلام الغزالي بـ "مفسدات المعاملة" و"مفسدات العقود" و"أسباب الفساد" و"مثارات الفساد"؛ كما في كتاب "آداب الكسب والمعاش" المضمن في كتابه "إحياء علوم الدين" (2/ 64- 69)، وعبَّر عنها الإمام ابن رشد الحفيد بـ "أصول الفساد" وحصرها في أربعة: تحريم عين المبيع، والرِّبَا، والغرر، والشروط التي تؤول إلى أحد هذين أو لمجموعهما؛ كما في "بداية المجتهد" (3/ 145، ط. دار الحديث).

وقد فصَّلها القاضي أبو بكر ابن العربي في "أحكام القرآن" (1/ 137، ط. دار الكتب العلمية)، في تفسير قول الله تعالى: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 188]؛ حيث قال: [هذه الآية، من قواعد المعاملات، وأساس المعاوضات ينبني عليها، وهي أربعة: هذه الآية، وقوله تعالى: ﴿وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ [البقرة: 275]، وأحاديث الغرر، واعتبار المقاصد والمصالح] اهـ.

ثم سَبَر المعاني المنهي عنها في المعاملات المالية، وحَصَرها في ستة وخمسين معنًى، ثم أجملها في سبعة أقسام لا تخرج عن ثلاثة (الرِّبَا، والغرر، والباطل)؛ كما في "أحكام القرآن" (1/ 323-324)] اهـ.

فإذا ما انتفت أسباب الفساد العامة في معاملة من المعاملات التعاقدية، وأصبحت محقِّقة لمصالح أطرافها حالًا ومآلًا: صحَّت المعاملة؛ لأنَّ "الأصل في العقود هو الانعقاد والجواز، إذ لم توضع في الشرع إلا لذلك"؛ كما قال سعد الدِّين التفتازاني في "شرح التلويح" (1/ 89، ط. مكتبة صبيح).

قال الإمام شمس الدين الزركشي في "شرح مختصر الخرقي" (7/ 470، ط. دار العبيكان): [الأصل في العقود والشروط: الصِّحة، ما لم يدل دليلٌ على المنع] اهـ.

على أنَّ "لكل عقدٍ شرعيٍّ غاية اقتضتها حكمة الشارع؛ لوصول الناس إلى أغراضهم من معايشهم.. فإذا قصد الناس من عقودهم المعاني التى رتبها الشارع من كلِّ عقدٍ، واستوفى العقد كلَّ الشروطِ المطلوبة لتحققه: كان العقد صحيحًا"؛ كما قال العلامة الفقيه أحمد بك إبراهيم في "الالتزامات في الشرع الإسلامي" (ص: 98، ط. المكتبة الأزهرية).

وقال في "العقود والشروط والخيارات" ( بحث منشور في مجلة القانون والاقتصاد، العدد الأول، سنة 1934م، ص: 709): [الأصل العظيم الذي ينبغي أن يكون الأساس الذي تبنى عليه مسائل الشروط والعقود جميعها هو: أن كلَّ عقدٍ وكلَّ شرطٍ لم ينه الشارع عنه فهو جائز؛ فالأصل في العقود والشروط: الصحة، حتى يقوم الدليل على البطلان؛ فإذا عقد عاقدٌ عقدًا، أو شرط شرطًا، فقيل له: عقدك أو شرطك باطل أو فاسد، فعلى مدعي البطلان أو الفساد: الدليل، وأما العاقدُ والشارطُ فليس على أحدهما عبء شيء من ذلك؛ لتمسك كلٍّ منهما بالإذن العام، حيث لم يرد عن الشارع نص بالمنع والتحريم، فإذا روعي هذا في التشريع: كان فيه فتح باب خير عظيم على الناس] اهـ.

والمتأمل في منظومة العقود المسمَّاة في الفقه الموروث وما تم بحيالها من شروطٍ وضوابطَ: يجد أنها جاءت لضبط مبدأ الرضا في العقود؛ بحيث لا تدور حركة المال ولا تنتقل الأملاك من يدٍ إلى يدٍ إلا برضًا تامٍّ بين أطرافها؛ وذلك لأنَّ العقودَ في الحقيقة بنيت على رضا المتعاقدين؛ كما نبَّه عليه قوله تعالى: ﴿إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ﴾ [النساء: 29].

فإذا تشارطا على أمرٍ يتعاقدان عليه ثم تعاقدا: فمن المعلوم أن كلًّا منهما إنما رضي بالعقد المشروط فيه الشرط الذي تشارطا عليه أولًا، ومِلاكُ العقودِ هو الرِّضا، فوجب أن يكون العقد ما رضيا به؛ كما أفاده الشيخ ابن تيمية الحنبلي في "الفتاوى الكبرى" (6/ 269، ط. دار الكتب العلمية).

وإمعانًا في توافر مادة الرضا بين المتعاقدَين: نصَّ العلماء على أنَّ الأصل حملُ العقودِ على أسبابها الشرعيَّة الظاهرة التي يظهر أنها غرض المتعاقدين، حتى وإن قام دليل أو قرينة، على أنَّ حقيقة الأمر غير ظاهرة، وأنه قد ينطوي هذا الغرض من أحد العاقدين أو كليهما في الواقع على أمرٍ مخالف للشرع أو محرَّم من غير أن يعلن، ومع ذلك يكتفى بالظاهر فيحكم بصحة العقد على ما ذهب إليه جمهور الفقهاء؛ كما قال العلامة أحمد بك إبراهيم في "الالتزامات في الشرع الإسلامي" (ص: 98، ط. المكتبة الأزهرية).

كما أن عقود الودائع الاستثماريَّة وإن لم تكن متحققة في العقود المسمَّاة في الفقه الإسلامي من كلِّ وجه، إلَّا أنها من قبيل المعاملات الشرعية المباحة، ويمكن أن تندرج بوجهٍ ما تحت هذه العقود؛ فتدخل في رحاب الفقه الإسلامي من حيث الجملة؛ بناءً على ما أجازه الفقهاء من تبدُّل الوصف التعاقدي للعلاقة الواحدة، ولهم في ذلك جملة من التطبيقات على عدد من العقود؛ حتى وصفوا عقد المضاربة بأنه يُعَدُّ (أمانة) عند الدفع، و(وكالةً) عند الشراء، و(شركةً) عند الربح، و(إجارة) عند الفساد، و(غصبًا) عند المخالفة؛ كما في "تحفة الفقهاء" للإمام السمرقندي (3/ 22، ط. دار الكتب العلمية)، واعتبارًا بما تُعَيِّنُه القرائن اللفظية من المقاصد والمعاني في عقدٍ من العقود، فتكسبه حكم عقدٍ آخرَ؛ كانعقاد البيع والشراء بالأخذ والإعطاء، وانعقاد الحوالة بلفظ الكفالة إذا اشترط فيها براءة المدين عن المطالبة أو عدم براءته.

وكذلك المقاصد العرفية التي اصطلح الناس عليها في تخاطبهم ومعاملاتهم، فإنها معتبرة في تعيين جهة العقود، لتصريح الفقهاء بحمل كلام كلِّ إنسانٍ على لغته وعرفه، وإن خالفت لغة الشرع واصطلاحه، ولذلك تنعقد بعض العقود بألفاظ غير الألفاظ الموضوعة لها، مما يفيد معنى تلك العقود في العرف، و"الْعُقُود والمعاملات إنما تتبع مقاصدها والمراد منها"؛ كما قال الشيخ ابن القيم الحنبلي في "إعلام الموقعين" (3/ 37، ط. دار ابن الجوزي)؛ ولذلك جُعِلت مصلحة العاقِدَين من مقتضى العقد، ولو لم يَنُصَّ عليها العقدُ أو يوجبها.

قال الإمام القرافي في "الذخيرة" (5/ 20، ط. دار الغرب الإسلامي): [الْعُقُود أَسْبَابٌ لِتَحْصِيلِ المقاصِد] اهـ.

وقال الإمام الزركشي في "المنثور" (1/ 169، ط. أوقاف الكويت) في تقرير أن "الأصل في العقود بناؤها على قول أربابها": [فإن الأيدي نراها تتبدل ولا يتعرض لها؛ كمن في يده عين وأراد بيعها أو هبتها أو رهنها أو إجارتها وغيره من التصرفات وقال إنها ملكه: جاز الإقدام على معاملته فيها. قال الإمام في (كتاب الشفعة): وهذا أصلٌ مجمعٌ عليه] اهـ. ومما ذكر يعلم الجواب عما جاء بالسؤال.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما حكم التعامل بالدروب سيرفس؟ حيث أمتلك منصةً إلكترونيةً لبيع بعض الخدمات الرقمية (تصميمات، إعلانات، ترجمة فورية، صور، أبحاث، برمجة وتطوير.. إلخ)، وأقوم بدور الوسيط بين البائع -مقدِّم الخدمة- والمشتري -طالِب الخدمة- مقابل عمولة بنسبة 5% من قيمة الخدمة يتم اقتطاعها من البائع فقط، فما حكم الشرع في هذه المعاملة؟


ما حكم فوائد الأموال الـمُودَعَة في البنوك؟ حيث يدَّعي مدير البنك أنَّ هذه الأموال يضارب فيها البنك ويستثمرها.


سائل يقول: أخبرني أحد أصدقائي أن معرفة الأحكام الشرعية وتمييز الصحيح فيها مبني على مجرد التذوق النفسي للشخص والشعور القلبي له محتجًا بحديث «اسْتَفْتِ قَلْبَكَ، وَاسْتَفْتِ نَفْسَكَ، وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ»؛ فما مدى صحة هذا الكلام؟ وما هو المعنى الصحيح الذي يفيده الحديث؟


ما حكم دفع المشترك المتأخر في الأسانسير أكثر من المتقدم لزيادة السعر؟ فهناك مجموعةٌ من الجيران في إحدى العمارات اشتَرَكوا في شراء مِصْعَدٍ كهربائي، وبعد عامٍ تقريبًا أرادَ أحدُ الجيران -غيرَ هؤلاء- الاشتراكَ معهم في المِصْعَد، فطلبوا منه مبلغًا أكبر من المبلغ الذي كان سيدفعُه لو أنه اشتَرَكَ معهم أوَّل الأمر، وعلَّلوا تلك الزيادة بزيادة الأسعار، فهل هذا المبلغُ الزائدُ يُعتبر رِّبا؟


ما حكم إخفاء درجة جودة السلعة عند بيعها؟ فأنا أعمل تاجرًا في مجال قطع الغيار، ومن المعروف عني أني لا أتاجر إلا في السلع عالية الجودة، لكن في الآونة الأخيرة وبسبب عدم توفر سيولة مالية كبيرة لن أتمكن من الاستمرار في ذلك، فهل يجوز لي التعامل في السلع متوسطة القيمة والجودة، فأبيعها على كونها ذات جودة عالية لكن بسعر منخفض؟ مع العلم بأني لن أُعلم المُشتري بطبيعة هذه السلع.


ما حكم تكفين الجزء المأخوذ من الميت لدفنه؟ فإنَّ ابني كان طالبًا في كلية الطب، وأحضرنا له بعض العظام البشرية للتعليم عليها، وقد أنهى دراسته الجامعية، فماذا أفعل في هذه العظام؟ هل أعطيها لغيره من الطلبة ليتعلم عليها، أو يجب عليَّ دفنُها صيانةً لحرمة هذا الميت؟


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 29 يونيو 2025 م
الفجر
4 :11
الشروق
5 :56
الظهر
12 : 58
العصر
4:34
المغرب
8 : 0
العشاء
9 :34