31 يناير 2024 م

سيدنا أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه

سيدنا أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه

من الصحابة الكرام الذين عاشوا وأحبوا فلسطين وكان لهم أثرٌ في فتحها وإنارتها بالعلم والنور: الصحابيُّ الجليل أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه، وهو أبو أمامة صُدَيُّ بنُ عَجلان بن الحارث، وكنيته "أبو أمامة" من بني سهم، وغلبت عليه كُنيته، وقد كان للوقت الذي عاشه بفلسطين أثرٌ واضح وقيمة بارزة؛ وذلك لأنه كان من المُكثرين لرواية الحديث عن رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، وقد حجَّ مع النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم حجةَ الوداع وكان عمره آنذاك ثلاثين عامًا، وكان من أطول الصحابة عمُرًا رضي الله عنه؛ فهذه الأشياء جعلت أهل فلسطين يستفيدون من وجود سيدنا أبي أمامة ببلادهم؛ ولهذا كان من أهم الصحابة الذين عاشوا بهذه البلاد العامرة.

وقد بدأت علاقته بأرض فلسطين المباركة، في عهد الخلفية الأول سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه؛ فلقد كان من أوائل الذين قادوا السرايا التي اخترقت أرض فلسطين المباركة في عهد الصديق رضي الله عنه عام 12هـ، فلقد كان أبو أمامة قائدًا في أول معركةٍ وقعت على أرض فلسطين المباركة، وكانت ضد الروم، وقد انتصر أبو أمامة ومن معه، ودارت أحداث هذه المعركة بقرية من قُرى غزة يقال لها: (داثن) وتقع بالقرب من غزة، فاقتتل أبو أمامة ومن معه مع الروم قتالًا شديدًا، ثُمَّ أظهر الله أولياءه، وهزم الأعداء، فكانت هذه المعركة بالنسبة لأبي أمامة أول معركة ضد الروم على أرض فلسطين المباركة.

وكان لأبي أمامة أيضًا على أرض فلسطين دور مهمٌّ في نشر العلم، فقد أورد ابن شاهين في كتابه "الترغيب في فضائل الأعمال"، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" عن أبي مسلم الثعلبي رحمه الله قال: «انطلقت إلى بيت المقدس ثم رجعت حتى إذا كنت من دمشق على رأس ميلين أدركني رجلٌ فسألته من أين جئت؟ فقال: من بيت المقدس، فقلت: هل لقيتَ أبا أمامة؟ قال: نعم، قلت: فما حدَّثك؟ قال: حدثني أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قال: «مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ الْوُضُوءَ لِصَلَاةٍ مَفْرُوضَةٍ، إِلَّا غُفِرَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ مَا مَشَتْ إِلَيْهِ رِجْلَاهُ، أَوْ قَبَضَتْ عَلَيْهِ يَدَاهُ، أَوْ نَظَرَتْ إِلَيْهِ عَيْنَاهُ، أَوْ سَمِعَتْ إِلَيْهِ أُذُنَاهُ، وَنَطَقَ بِهِ لِسَانُهُ، وَحَدَّثَتْ بِهِ نَفْسُهُ»، قال: قلت له: أنت سمعت هذا من أبي أمامة؟ قال: نعم، قال قلت: دمشق عليَّ حرام إن دخلتها حتى أرجعَ إلى أبي أمامة، فرجعتُ إليه فوجدته في صحن المسجد -الأقصى-.. قال: قلت يا أبا أمامة إني لقيتُ رجلًا فحدَّثني أنَّك حدثته أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قال:.. وذكر الحديث.. فحلف بالله الذي لا إله إلا هو لقد سمعتُ هذا من رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم مرارًا»؛ فيظهر من ذلك أن أبا أمامة رضي الله عنه كان يجلس بالمسجد الأقصى، يُعلم الناس أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان ممن اهتم بالعبادة بها وعاش على أرضها مُعلمًا ناصحًا.

ومع أنه ممن جاهد في سبيل الله في بلاد فلسطين وعاش ونشر العلم بها؛ إلا أنه قد توفِّيَ ودُفِنَ في سوريا سنة: 86هـ عن عمرٍ ناهز الحادية والتسعين عامًا، بحمص بقرية "أبو همامة" وقبره معروفٌ بها إلى الآن، وهو من أواخر الصحابة الذين ماتوا بأرض الشام.

المراجع:

  • شذرات الذهب في أخبار من ذهب، لابن العماد الحنبلي 1/ 351، ط. دار ابن كثير.
  • فتوح الشام، لأبي عبد الله الواقدي [المتوفى: 207هـ] 1/ 60، ط. دار الكتب العلمية.
  • معرفة الصحابة، لأبي نعيم 3/ 1526، ط. دار الوطن.
  • تاريخ الطبري، لابن جرير الطبري 3/ 406، ط. دار التراث.
  • فتوح البلدان، للبَلَاذري [المتوفى: 279هـ] ص: 113، ط. مكتبة الهلال.
  • تاريخ دمشق، لابن عساكر 67/ 223، ط. دار الفكر.

تفضَّل الله تعالى على أرض فلسطين وخصها بمجموعة من المزايا والخصائص، وأكرمها بكثير من العطايا والهبات: فمنها أن جعلها مَسْرَى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومعراجَه، ومنها أن قَدْ أمّ صلى الله عليه وآله وسلم جميعَ أنبياء الله تعالى فيها، ومنها أنه تعالى جعلها أرضًا مباركة كما أخبر عن ذلك في كتابه العزيز: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾، ومنها أنَّ أكثرَ الأنبياء عليهم السلام قد بُعثوا منها وانتشرت شرائعهم وآثارُ بركتهم وطاعتهم لله تعالى فيها، فلا مراءَ في أن أرضًا يسكن بها أنبياء الله ورسله لابد أنها تشتمل على قدُسية وفضائل وهبات من الله تعالى.


شهد الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم المسجدَ الأقصى باعتباره قبلةً يصلون إليها قبل أن تتحول القبلة إلى بيت الله الحرام، فلم تكن مقولة (أولى القبلتين) بالنسبة لهم حدثًا نقله تاريخ الإسلام إليهم، بل كان ذلك بالنسبة لهم واقعًا يعيشونه، ونسيمًا صافيًا يتنفسون وينهلون من هوائه الصافي.


من الصحابة الذين اتجهوا إلى فلسطين سيدنا شدادُ بن أوس الأنصارِي الخَزْرَجِي رضي الله عنه، ولا شك في أن مجيئه إلى دولة فلسطين مما يزيدها بهاءً، وليس ذلك لأنه من أعلام الصحابة الكرام فحسب، بل لأنه كان رضي الله عنه مِن الاجتهاد في العبادة على جانب عظيم، وكان إذا أخذ مضجعه -تعلَّق على فراشه وتقلَّب عليه- يقول: اللهم إن خوف النار قد أقلقني، ثم يقوم إلى صلاته. وقد قال عبادة بنُ الصامت: كان شدادٌ من الذين أُوتوا العلم والحلم. وقال أبو الدرداء: إن الله عز وجل يؤتي الرجل العلم ولا يؤتيه الحلم، ويؤتيه الحلم ولا يؤتيه العلم، وإن أبا يعلى شداد بن أوس ممن آتاه الله العلم والحلم.


سيدنا واثلة بن الأسقع بن كعب بن عامر بن عبد العُزَّى الليثي رضي الله عنه، من الصحابة الكرام الذين عاشوا بأرض فلسطين، متحققًا في ذلك بنصيحة سيدنا رسولِ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم الواردة فيما رواه الإمام الطبراني في "المعجم الكبير" عن ذي الأصابع -ثوبان بن يمرد- رضي الله عنه قَالَ: «قُلْنَا يَا رَسُولَ الله إِنِ ابْتُلِينَا بَعْدَكَ بِالْبَقَاءِ أَيْنَ تَأْمُرُنَا؟، قَالَ: «عَلَيْكُمْ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَلَعَلَّهُ أَنْ يَنْشَأَ لَكُمْ ذُرِّيَّةٌ يَغْدُونَ إِلَى ذَلِكَ الْمَسْجِدِ، وَيَرُوحُونَ»، وشأنه في ذلك شأن كثير من الصحابة رضي الله تعالى عنهم، فهو مع كونه كان يسكن بقرية البلاط -من قرى غوطة بدمشق- وقبلها المدينة المنورة، حيث شَرُفَ واثلة بخدمة رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ثلاث سنوات إلا أنه اختار فلسطين موطنًا ومُستقرًّا له بعد ذلك.


بداية العلاقة بين سيدنا تميم الدار وبين فلسطين كانت منذ مولده؛ حيث وُلِدَ رضي الله عنه وأرضاه في بيت لحم بفلسطين، وسيدنا تميم بن أوسٍ بن خارجة من بني عبد الدار، هو راهب هذه الأمة، وواعظهم في زمانه، وكُنْيَتُه: أبو رُقيَّة، وينتسب إلى بني عبد الدار بطنٍ من لخم، ويصل نسبُه إلى جده "الدار بن هانيء" الذي كان مقيمًا في أرض الخليل إبراهيم عليه السلام ببيت المقدس.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 29 أبريل 2025 م
الفجر
4 :39
الشروق
6 :14
الظهر
12 : 52
العصر
4:29
المغرب
7 : 31
العشاء
8 :55