01 يناير 2017 م

التعددية وقبول الآخر

التعددية وقبول الآخر

بُعث رسول صلى الله عليه وسلم رحمةً للعالمين، وليس من المتصور عقلًا أن يدخل الناس جميعًا في الإسلام، بل جرت سنة الله في خلقه أن يكون فيهم المؤمن والكافر، والمسلِّمُ والناقد، والباحث عن الحق بجدٍّ وإخلاص، والباحث المغرض من أجل الطعن والتشكيك... إلى غير ذلك من أنواع المدارك والأفكار والفلسفات الإنسانية التي يجزم فيها كل معتقد أنه على الحق وغيره على الباطل، لكنَّ هذا كله لا يخرجهم عن إطار الرحمة المحمدية التي هي للناس عامة، ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ ۝ وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ﴾ [هود: 108-109].

 وقد بيَّنَ القرآن الكريم أنَّ المسلم عليه أن يتعايش مع غيره وأن يُعظِّمَ شأن المشترك الإنساني، إذا لم يحدث الوفاق الديني، قال تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الممتحنة: 8]، وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [الحجرات: 12]، فها هي آيات القرآن ناطقةً شاهدةً بالتعايش بين المسلم وغيره، وأنَّ المسلم ليس عليه أن يُكرِه غيره على اعتناق الإسلام، ﴿أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ [يونس: 10].

 ومن الوارد جدًّا في بعض المجتمعات أن تكون الأسرة الواحدة متعددة الديانات فالأبوان مثلًا على دين المسيحية والأولاد اقتنعوا بالإسلام أو العكس، فهل يعقل أن يقال مثلًا في هذه الحالة إنَّ الإسلام يأمر الأولاد بهجر الوالدين أو الخصام معهم؟ اللهم لا، بل إنَّ القرآن الكريم قد أوصى بضرورة التعايش مع الوالدين مع البر بهما حتى في حالة مخاصمة الإسلام ومجاهدة الأبناء في تركه، ﴿وإنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [لقمان: 15].

وقد أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نتعايش مع الآخرين بالبر والرحمة والإحسان والشفقة وبذل المعروف والنصح، روى الإمام البخاري في "صحيحه" عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَتْ: قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْتُ: وَهِيَ رَاغِبَةٌ، أَفَأَصِلُ أُمِّي؟ قَالَ: «نَعَمْ صِلِي أُمَّكِ».

وروى البخاري في "صحيحه" عن ابن عمر رضي الله عنهما يقول: رأى عمر حلة سيراء تباع فقال: يا رسول الله ابتعْ هذه والبسها يوم الجمعة وإذا جاءك الوفود. قال: «إنما يلبس هذه من لا خلاق له». فأتي النبي صلى الله عليه وسلم منها بحلل فأرسل إلى عمر بحلة، فقال: كيف ألبسها وقد قلت فيها ما قلت؟! قال: «إني لم أعطكها لتلبسها ولكن تبيعها أو تكسوها». فأرسل بها عمر إلى أخٍ له من أهل مكة قبل أن يسلم.

فانظر كيف أثبت له الأخوة مع عدم الإسلام، وهي أخوة الإنسانية، وانظر كيف كان في مكة، ومع ذلك لم يمنع ذلك عمر رضي الله عنه  أن يهدي إليه بهدية، والهدية تزيد المحبة، مع الاحتفاظ برجاء الهداية له إلى الدين الحق الذي هو الإسلام.

فالأخوة إن كانت في الدين كانت لها أحكام، وإن كانت الإخوة في الإنسانية أو في الوطن ترتب عليها حقوق وواجبات أخرى، ولا يجور حق الدين أبدًا على حق الإنسانية.

إن الطفرة التكنولوجية الهائلة التي أحدثت ثورة الاتصال والمعلومات ومواقع التواصل الاجتماعي تحتم علينا أن نتعايش بأمان وسلام مع كل من يسالمنا ولا يظلمنا ولا يعتدي علينا، وكل التعقيدات التي كانت موجودة قديمًا وكانت تعوق إيصال الدعوة وتبليغها إلى جميع الناس أصبحت ميسرة الآن وبإمكان أي إنسان أن يصل بدعوته مهما كانت إلى أي مكان يريد وهو لم يبرح مكانه، ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.

 

 

علم الجرح والتعديل أو علم الرجال، هو أحد العلوم التي تميَّزَ بها المسلمون عن سائر الأمم، وقد كان الهدف منه التثبت من نقل الأخبار والأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتوقف على هذا العلم الحكم بصحة الخبر أو الحديث أو ضعفه أو كذبه، وهو توجيه إلهي حث الله سبحانه عليه المؤمنين حيث قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ [الحجرات: 6].


كان للمسلمين دورٌ كبيرٌ في نهضة علم الجغرافيا والتعرف على تضاريس الأرض ومعرفة خواصها، لقد دعا القرآن الكريم الناس إلى السير في الأرض للتعرف على أدلة خلق الله تعالى وعظمة إبداعه وآثار الأمم السابقة، فقال تعالى: ﴿وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ﴾ [الذاريات: 20]، وقال جل شأنه: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [العنكبوت: 20]، وقال أيضًا:


علم الحيل هو الاسم العربي لما يُسمَّى بعلم الميكانيكا، والهدف منه معرفة كيفية الحصول على فعلٍ كبيرٍ بجهدٍ يسيرٍ، ولهذا سمَّاه العرب بالحيل، أي استخدام الحيلة مكان القوة، والعقل مكان العضلات، والآلة بدل البدن. وقد كان لِقِيَمِ رسالةِ الإسلام وآدابها دورٌ كبيٌر في دفع المسلمين للاهتمام بهذا العلم وتطوير الآلات لتوفير المزيد من الإمكانات والطاقات، فإذا كانت الحضارات الأخرى قد اعتمدت على السُّخرة في تحصيل المنافع للنُّخَبِ والطَّبقاتِ العُليا بها من الحكام والأمراء وذوي الجاه، فإنَّ الإسلامَ نهى عن التَّكليفِ بما لا يطاق، وإرهاق الخدم والعبيد، بل والحيوانات أيضًا، فبدت الحاجة ملحَّةً في استخدام آلاتٍ توفِّرُ الجهد والطَّاقة وتحقِّقُ إنتاجًا كبيرًا بأقل مجهود ممكن.


كان لعلماء الحضارة الإسلامية دور مهم في التعرُّف على طبيعة الصوت وإدراك حقائقه العلميَّة من حيث كيفيةُ انبعاثه وانتشاره، ولا نكاد نعرف أحدًا من الأمم السابقة توصَّل إلى هذا المستوى من المعرفة العلميًّة. لقد نشأت الصوتيَّات العربيَّة في أحضان لغة القرآن، وحفاظًا على هذا الكتاب الكريم، كما أدرك علماء العربية أهمية الدِّراسة الصوتية في العلوم اللغويَّة، وارتباطها بما عالجوا من قضايا نحويَّة وصرفيَّة ودلاليَّة وبلاغيَّة، ومن المهم الأخذ في الاعتبار أن علوم العرب اللغوية نشأت أول ما نشأت على السَّماع، ولم تنتشر الكتابة على نطاقٍ واسعٍ بين العرب إلا بعد ظهور الإسلام، وبالتالي فإنَّ الدراسة الصوتيَّة عند العرب هي دراسة أصيلة وليست متأثرةً بالأمم الأخرى؛ كالهند واليونان -كما يزعم بعض المستشرقين-.


لقد اعتنى الإسلام برسم منهجٍ واضحٍ ينظر من خلاله لهذا الكون ويتعامل به معه، وفي السطور القادمة سنحاول تلمُّس معالم هدانا لها الإسلام للتعامل مع البيئة التي نعيش فيها وننتفع بخيراتها.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 15 يونيو 2025 م
الفجر
4 :7
الشروق
5 :53
الظهر
12 : 55
العصر
4:31
المغرب
7 : 58
العشاء
9 :31