13 نوفمبر 2017 م

التَّربيةُ الإسلاميَّة

التَّربيةُ الإسلاميَّة

 تعدُّ الحياة في هذه الدنيا امتحانًا للإنسان، يتحدَّدُ بناءً على تعامله فيها مصيرُهُ في الآخرة، ومن رحمة الله بنا أن أرشدنا إلى أوجه وأسس الاستعداد فيها لهذا الاختبار، وتصحيح المواقف، والعودة عن المخالفات التي يرتكبها الإنسان فيها، والتربية هي التي تحدد السلوك الذي سيسلكه الإنسان في هذا الاختبار.
وتقوم أسس التربية الإسلامية على عددٍ من العناصر المتكاملة التي تساهم في تنشئة الإنسان الصَّالح المستقيم، القادر على أداء واجبات وتكاليف الشَّرع وتحقيق مراد الله من خلقه، وتعتمد هذه التربية على وضع تصوُّرٍ واضحٍ للكون والحياة بما يعين الإنسان على معرفة الغاية من وجوده في هذه الدنيا.
والأساس الذي تقوم عليه التربية الإسلامية هو التوحيد، الذي هو أساس التصور الاعتقادي للإسلام، فينشأ المسلم على الاعتقاد بوجود إلهٍ واحدٍ خالقٍ رازقٍ يحيط هذا الكونَ بعلمِه وقدرتِه، والسبيل إلى إدراك هذا التصور هو العقل والتفكير والتدبُّر في هذا الكون الواسع ومخلوقات الله الشاهدة على صحَّة هذا التَّصور الاعتقادي.
هذا الطريق العقلي لإدراك هذه الحقيقة الأساسية في حياة الإنسان تؤكد أهمية استخدام العقل والمنطق في سائر أموره وأحواله، التي هي بطبيعة الحال أقل شأنًا من قضية التوحيد.
ولقد تكررت في القرآن دعوة البشر للتفكر والتدبر وأخذ العِبَرِ من خلق الله وحكيم صنعه في العديد من آياته الكريمة؛ من مثل قوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ﴾ [الروم: 8].
ويدفع التصور الاعتقادي للإسلام المؤمنين به للإجابة عن الأسئلة الكبرى في الحياة: من أين جئنا؟ وماذا نفعل في هذه الحياة؟ وما العاقبة؟
فيدرك المؤمنون بالإسلام أنهم جاؤوا بقدر الله وهم خَلْقُ الله، وأنهم في هذه الحياة الدنيا لعبادة الله، وهي دار ابتلاء واختبار، يُجازَوْنَ فيها بالإحسان إحسانًا، وبالإساءة والمعصية خِزيًا وخسرانًا، وهذا الجزاء هو العاقبة التي سيصير كل إنسان لها في الآخرة، إما الجنة أو النار.
وهذا الاقتناع بالعقيدة والإيمان بالله يقتضي الطَّاعة والاستجابة لأوامره وتكليفاته في كل ما أمر به ووجَّهَ إليه في العبادات والسلوكيات والآداب.
والمفاضلة بالتقوى -لا بأيِّ شيءٍ آخرَ؛ من جنسٍ أو عِرْقٍ، أو نوعٍ، أو لونٍ- كذلك من الأسس التي قام عليها تصور التربية الإسلامية، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [الحجرات: 13]، فالتربية الإسلامية ترشد الإنسان إلى أن التفاضل بين البشر يكون بالتَّقوى وطاعة الله عز وجل.
ومن المهم في التصور الإسلامي أيضًا الحفاظُ على مفهوم التوازن والاعتدال في التربية، ونجد توجيهًا واضحًا في قصة لقمان الحكيم مع ابنه لهذا الغرض؛ حيث قال له: ﴿وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ﴾ [لقمان: 19]، وقال تعالى أيضًا: ﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا﴾ [الإسراء: 29].
وتُبيِّن التربية الإسلامية للمسلم أهمية التزكية للنفس وأنه أحد الحقائق المهمة لمن رام الفلاح والدرجات العُلَى، فينبغي على الإنسان أن يسعى للتغيير من نفسه التي جُبِلَتْ على الراحة وحب الشهوات والتمتع بالملذات؛ قال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ [الرعد: 11]، وقال أيضًا: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ۞ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ۞ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ۞ وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾ [الشمس: 7-10].
- الاهتمام بالتربية منذ الصِّغَرِ:
لقد اعتنى الإسلام بأمر تربية الأطفال اعتناءً كبيرًا؛ فالتربية في هذه المرحلة توفر الكثير من الجهد والعناء على الآباء، وعلى الإنسان نفسه حين يكبر، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى نموذجًا واضحًا في أسس التربية في سورة لقمان التي ذكرت وصايا لقمان الحكيم لابنه؛ حيث نهاهُ في البداية عن الشرك بالله، وأوضح له مدى قدرة الله وسعة علمه وإحاطته بكل كبيرة وصغيرة في هذه الحياة، وأوصاه بعبادة الله جلَّ وعلا، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصبر على ما يصيبه في الحياة، كما بيَّن له خطورة التكبُّر على الناس والانشغال بالتمتع والاغترار بالقوة، وطلب منه القصد في المشي وغض الصوت، وهي أمور تدل على العناصر الأساسية للتربية التي يجب أن تتضمن أساسًا من العقيدة الإيمانية المتعلقة بتوحيد الله جل شأنه، وإدراك الحقائق المتعلقة به وبقدرته، ثم التمسك بوسائل الخضوع لله عز وجل؛ من أداء العبادات والتحقق بمكارم الأخلاق في السلوك الشخصي والاجتماعي.
يقول الإمام الغزالي عن تربية الولد: [ومهما كان الأب يصونه عن نار الدنيا فبأن يصونه عن نار الآخرة أولى، وصيانته بأن يؤدِّبه ويهذبه ويعلمه محاسن الأخلاق ويحفظه من القرناء السوء، ولا يعوِّدَه التَّنَعُّمَ ولا يُحَبِّبُ إليه الزينةَ والرَّفاهيةَ، فيَضِيعُ عُمره في طلبها إذا كَبِرَ فيهلك هلاك الأبد، بل ينبغي أن يراقبه من أول أمره فلا يستعمل في حضانته وإرضاعه إلا امرأة متدينة تأكل الحلال..] اهـ.
إن التربية في الإسلام منهج متكامل هدفه بناء الإنسان الصالح المستقيم، المحب للخير، والحامل لهموم دينه وأمته، والقاصد لرضا ربه والخضوع له وحده دون سواه، في إطار من منظومة متكاملة من مفاهيم الإيمان بالله الواحد والعدل والتوازن والمفاضلة بالتقوى وتحقيق مراد الله من خلقه وتزكية النفس.. والتي تُشكِّل في النهاية عوامل اجتيازه لاختبار وجوده في الحياة، وفوزه في الآخرة بنعيم الله ورضوانه.
المصادر:
- "إحياء علوم الدين" لحجة الإسلام أبي حامد الغزالي.
- "فلسفة التربية.. تأصيل وتحديث" للدكتور سعيد إسماعيل علي والدكتور هاني عبد الستار فرج (ط، المعهد العالمي للفكر الإسلامي).
- "مناهج التربية" للدكتور علاء الدين كفافي، ضمن "موسوعة الحضارة الإسلامية" (ط، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية).
- "التربية الإسلاميَّة "للزبير مهداد الناظوري، "مجلة الإحياء" (عدد: 10 يوليو 1997م، المغرب).

نحن أُمَّةٌ متدينة، امتزجت حضارتنا بعقيدتنا، فكان الدينُ أساسَها وروحَها وموَجِّهَها وسببَ ازدهارها وباعثَ حياتها عبر العصور.


كان للزراعةِ شأن كبير في الحضارة الإسلامية، وهو الأمر الذي حافظ على الدولة الإسلامية وتماسكها قرونًا طويلة نظرًا لاكتفائها الذاتي من الغذاء في مختلف البقاع التي كانت تبسط عليها سلطانها، وقد كان لعناية المسلمين بالزراعة أصل قرآني كريم،


اهتم الإسلام بأمر العلم والعناية به، وقد كان ذلك من أوائل التوجيهات الإلهية للرسول صلى الله عليه وآله وسلم، والمسلمين أيضًا، فكان أول ما نزل من القرآن الكريم قوله تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ [العلق: 1]، من هذا المنطلق كانت الرؤية واضحةً بالنسبة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وتوجيهاته للمسلمين، باتخاذ وسيلة ومفتاح تحصيل هذا العلم ونشره عن طريق تعلُّم الكتابة، والتي أوصى الله باستخدامها في موضع آخر، منها مثلًا ما يتعلق بتوثيق الحقوق؛ حيث قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللهُ﴾ [البقرة: 282].


كان للحضارة العربية الإسلامية مكانة سامقة بين الأمم في خدمة علم الحساب وتطويره، وقد كان العرب يحسبون بواسطة الحروف، فكان لكل حرف قيمة عددية، ثم نقلوا النظام العشري عن الهنود، وهو نظام الأرقام من 1 إلى 9، وكان النمطان المشهوران لكتابة الأرقام موجودَين لدى العرب، وقد أخذ الغرب طريقة كتابة الأرقام المنتشرة هناك الآن عن بلاد المغرب، فيما بقيت البلاد المشرقية على استخدام النمط الآخر المنتشر في مصر ومعظم الدول العربية، وهما مأخوذان من الهند، ولكن قام العرب بتطوير أشكالها، كما أضافوا الصفر الذي أحدث نُقلة كبيرة في علم الحساب، فقد كان الهنود يستعملون الفراغ ليدل على الخانة التي ليس فيها رقم، فوضع المسلمون رسم الصفر في خانة الفراغ.


شكلت المياه في مسيرة الإنسانية عاملًا مهما من عوامل قيام الحضارات وازدهارها، كما كان في فقد الماء أو سوء استخدامه تأثير بالغ في انهيار الحضارات واختفائها. وقد وقف القرآن موقفا صريحًا كشف فيه عن أهمية الماء في حياة المخلوقات؛ حيث قال المولى عز وجل: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ [الأنبياء: 30]، كما جاء في سياق بيان طلاقة القدرة والامتنان على العباد بخلق الماء قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ ۞ يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل: 10-11]، وغير ذلك من آيات تكرر فيها ذكر الماء وأنواعه ومصادره ووظائفه وغيرها.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 07 يوليو 2025 م
الفجر
4 :15
الشروق
6 :0
الظهر
1 : 0
العصر
4:36
المغرب
8 : 0
العشاء
9 :32