الإثنين 15 ديسمبر 2025م – 24 جُمادى الآخرة 1447 هـ
01 يناير 2017 م

الزراعة في الحضارة العربية الإسلامية

الزراعة في الحضارة العربية الإسلامية

كان للزراعةِ شأن كبير في الحضارة الإسلامية، وهو الأمر الذي حافظ على الدولة الإسلامية وتماسكها قرونًا طويلة نظرًا لاكتفائها الذاتي من الغذاء في مختلف البقاع التي كانت تبسط عليها سلطانها، وقد كان لعناية المسلمين بالزراعة أصل قرآني كريم، حيث وجَّه الله تعالى عباده للسعي في الأرض والأكل من رزقه سبحانه فيها؛ فقال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾ [الملك: 15]، وبيَّن الله تعالى بديع صنعه في الزرع وفوائده في كثيرٍ من المواضع؛ منها قوله تعالى: ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ ۝ وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ ۝ لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ﴾ [يس: 33-35].

وقد كان التوجيهُ النبويُّ واضحًا في ضرورة تعمير الأرض وعدم تركها حتى تبور، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ، فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ لِيَمْنَحْهَا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ، فَلْيُمْسِكْ أَرْضَهُ» رواه البخاري.

وقال صلى الله عليه وآله وسلم أيضًا: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ، إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ» رواه البخاري.

وقد كان من آثار هذه العناية الدينية بأمر الزراعة أن اجتهد المسلمون في الاهتمام بها وتوفير وسائل وسبل ريِّها وبناء السدود وحفر الآبار وشق القنوات والأنهار وتطوير طرق التلقيح والتسميد لزيادة إنتاجها، وقد برعوا في ذلك براعة شديدة أخذها عنهم الأوروبيون في نهضتهم الحديثة.

وكان من مظاهر هذا الاعتناء أيضًا تأليف الكتب المتخصصة في الزراعة، مثل كتاب "الشجر" لابن خالويه، و"الفلاحة والعمارة" لعلي بن محمد بن سعد، و"الفلاحة" لابن وحشية، و"النبات" لأبي حنيفة الدينوري، وكتاب "الزرع" لأبي عبيدة البصري، وكتاب "النبات والشجر" لأبي سعيد الأصمعي الذي تناول فيه أسماء الأرض في حالاتها المختلفة من حيث قبولها للزرع، والنبات وأسماء النبات في حالات نموه وتكاثره وقوامه وإزهاره، وقسَّم النبات إلى أحرار وغير أحرار أو ذكور، ثم قسمه إلى حمض مالح وإلى خلة غير مالحة، وذكر ما ينبت في السهل وما ينبت في الرمل، وبلغ عدد أسماء النباتات التي ذكرها نحو 280 اسمًا وغيرها.

وقد ازدادت عناية العرب والمسلمين بعلم النبات باعتباره أصلًا للعقاقير والأدوية، وقد كان هذا مدخلًا لكثير من المصنفات التي تسمى "المفردات الطبية" والتي تدرس خصائص النباتات وطرق اتخاذ العلاجات والأدوية منها. لقد ساعد المد الحضاري العربي، والتأليف الموسوعي أيام بني العباس على رسوخ معرفتهم بالمجتمعات النباتية، وقاموا بتصنيف النباتات إلى مجموعات مختلفة، وفي مجال علم البيئة النباتية، خلَّف العلماء العرب مصطلحات كثيرة تدل على فهمهم العميق لخواص التربة، وتضاريسها وملوحتها وتركيبها الفيزيائي.

وتعرَّف العرب أيضًا على ما يُسمَّى اليوم "الدالَّات البيئية"، أو "كواشف البيئة"؛ فأدركوا أن وجود أو غياب نباتات معينة يتبعه وجود أو غياب أنواع أخرى، وأنه يمكن الاستدلال على خصائص تربة ما بما يستوطنها من أنواع، فالتربة الدهناء لا تنبت الحمض، والحمض ينبت في الأراضي الملحية، فالدهناء إذن خالية من مثل هذه الأراضي.

وفي مجال التقنيات الزراعية المتوارثة استخدم المسلمون المحراث والساقية والشادوف والنورج، وكان الأندلسيون يسخِّرون الرياح في إدارة الطواحين ورفع المياه بالسواقي، وأخذت أوروبا عنهم هذه التقنية وغيرها.

لقد أفاد المسلمون العالم أجمع بإسهام كبير في شتى المجالات، ولم تكن الزراعة متخلفة عن هذا الإسهام، بل كانت أحد أهم مجالات إسهام العرب والمسلمين، وباهتمامهم بهذا المجال حافظ العرب والمسلمون على أمنهم الغذائي وتماسكهم الاجتماعي قرونًا طويلة، حتى تدهورت أحوال هذه الحضارة وباتت تعتمد على غيرها في غذائها ودوائها فازداد ضعفها وتشرذمها، وعودتها إلى سابق عهدها في التقدم والازدهار رهنٌ بعودتها بالاهتمام بالعلوم والمجالات المختلفة التي توفر لها اكتفاءً ذاتيًّا لا يجعلها عالةً على الأمم.

______________

المصادر:

- "علم النبات عند العرب" (ضمن موسوعة الحضارة العربية الإسلامية) لعبد السلام النويهي.

- "التراتيب الإدارية" لعبد الحي الكتاني.

- "عبقرية الحضارة الإسلامية" لأحمد محمد عوف.

 

إن تكريم الإنسان في الإسلام من أعظم التوجيهات التي حرص الإسلام على صيانتها وحمايتها من الجور والانتقاص الذي يمكن أن يلحقها؛ لقد قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ [الإسراء: 70]. فتفضيل الله تعالى للبشر تستتبعه مجموعة من الحقوق تتعلق بالإنسان، وعلى البشر أن يعملوا جاهدين على التوفية بآثار هذه الحقوق وتطبيقها على أرض الواقع، وبالتأمل في هذه الحقوق نجد أنها تتوازن مع واجباتٍ تعبِّر عن نظرة الإسلام المتوازنة المنبثقة عن منظور العدل الذي يميز نظرة الإسلام للكون والحياة عن سائر الفلسفات الأخرى، ونجد أنها لا تقف عند حدِّ (الحق) في التَّمتُّع بالشيء من عدمه؛ كالحياة،


من المعالم الحضارية في الإسلام التكافل الاجتماعي الذي يوفر الحماية والرعاية والأمن والأمان النفسي للفرد في هذا المجتمع. والتكافل في الإسلام مظلة طمأنينة تشمل المجتمع كله؛ ذلك أن الإنسان كائن مدني بطبعه، لا يستطيع أن يحيا فردًا ولا تستقيم له حياة إلا في جماعة متعاونة متكافلة تحافظ على كرامة هذا الإنسان أيًّا ما كان دينه أو انتماؤه.


لا تنفصل الأخلاق في الإسلام عن أي منحىً من مناحي الحياة، فلا يوجد في حياة المسلم أي فعل أو سلوك يمكن أن يقوم به وهو غير متقيد بالمنظومة الأخلاقية التي أقرَّها الإسلام، وإذا كانت السلوكيات الاقتصادية الماديَّة في العصر الحديث وفق الثقافات الغربية منبتَّة الصلة بالأخلاق إلا على سبيل الاستحباب، وأحيانًا الحرمة، فإنها في المنظور الإسلامي لا تقوم إلا على أساس متين من الأخلاق السامية والقيم النبيلة.


تعد الرقابة والمحاسبة من أسس العمل الناجح، الذي تنبني عليه قيمة هذا العمل ومدى إمكانية تحقيقه للنتائج المرجوَّة منه، ولقد اهتمَّت الرؤية الإسلامية بهذا الأمر، وأوْلَته ما يستحقُّ من عنايةٍ واهتمامٍ. إن المسلم ينشأ على اعتقاد أن الله سبحانه وتعالى يراقبه ويطَّلع على دقائق أعماله، فلا يكون في كونه سبحانه وتعالى إلا ما أراد، وأن كلَّ ما في الكون بحسابٍ وتقديرٍ، وليس فيه شيءٌ خلقه الله سبحانه زائدًا لا فائدة منه أو مفتقرًا إلى استكمال؛ فينشأ المؤمن الذي في ذهنه هذا التصور على منهجٍ يدفعه


لا يقوم النظر الإسلامي على العزلة والانفراد، بل على التعاون والاجتماع، فالإسلام يقدِّر أن هناك أممًا أخرى وأفكارًا مختلفة تنتشر بين البشر، وهو إزاءها لا يقف موقف الخصومة والعداء بشكل مبدئي، ولكنه يسعى لقطع مادة النزاع والتمكين لترسيخ أرضية مشتركة بينه وبين غيره من الأفكار والديانات تسمح بالتعامل السلمي والإفادة المتبادلة، وهو في ظل هذه النظرة الرحيمة لا يغفل عن إمكانية رفض غيره لها وقيام صراع بينه وبينها، فشرع الجهاد صدًّا للعدوان وحماية للدين، كما شرع الدعوة لنشر الإسلام وإقناع العالمين به بالحكمة والموعظة الحسنة.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 15 ديسمبر 2025 م
الفجر
5 :11
الشروق
6 :43
الظهر
11 : 50
العصر
2:38
المغرب
4 : 57
العشاء
6 :20