ما حكم إقراض الناس جبرا لخاطرهم مع كراهية ذلك؟ فبعض الناس يطلبون المساعدة بـ"استلاف" بعض المال على سبيل القرض، وأعطيها لهم مع كُرْهي لذلك حتى لا أحرجهم بالرَّفض، فهل يقدح ذلك في صحة عقد القرض؟
إقراض المال للناس مِن أقرب القُرُبات، والأصل فيه أن يكون عن تراضٍ لا سيما وأنَّه من عقود التبرعات، وإن شَابَهُ شيءٌ من كراهة باطنة فلا تُؤثِّر في صحة العقد ما دام تَمَّ بإيجابٍ وقبولٍ.
المحتويات
القرض مِن الأمور المندوب إليها لما يرمي إليه من تنفيس الكُرُبات وإقالة العثرات وإعانة المحتاج والرِّفْق به والإحسان إليه دون نفعٍ يبتغيه الـمُقرض أو مقابلٍ يعود عليه؛ ولذا يضاعف الله به الأجر والثواب، كما جاء في قول الله تعالى: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً﴾ [البقرة: 245]، وقوله عزَّ وجلَّ: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ﴾ [الحديد: 11].
وهو أيضًا ما نَصَّت عليه السُّنَّة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ» أخرجه الإمام مسلم.
الأصل الذي تُبنَى عليه العقود المالية من المعاملات الجارية بين العباد هو أن تكون عن طِيْب نَفْسٍ وتراضٍ مِن كلا الطرفين، لا سيما عقد القرض؛ لأنه مِن عقود الإرفاق والتبرعات، فعن أبي حُرَّة الرَّقَاشِيِّ، عن عمِّه رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ» أخرجه الإمام البيهقي في "السنن الكبرى".
قال المُلَّا عليٌّ القَارِي في "مرقاة المفاتيح" (7/ 1974، ط. دار الفكر): [«إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ» أي: بأمرٍ أو رضا منه] اهـ. ولما كانت حقيقة الرضا -المدلول عليه في قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 29].- أمرًا خفيًّا وضميرًا قلبيًّا اقتضت الحكمة رد الخلق إلى مرد كلي وضابطٍ جلي يُستدل به عليه، وهو الإيجاب والقبول الدالان على رضا العاقدين، كما أفاده الإمام شهاب الدِّين الزنجاني في "تخريج الفروع على الأصول" (ص: 143، ط. مؤسسة الرسالة)، والإمام صفي الدِّين الهندي في "نهاية الوصول في دراية الأصول" (2/ 314-315، ط. المكتبة التجارية).
والإيجاب والقبول هو التعبير الشرعي الظاهر عما في القلب من اتفاق على العقد، فكل ما دلَّ على الإيجاب والقبول فهو كافٍ في انعقاده، ومن ثمَّ فلا يؤثر كُرهُهُ الباطن في صحة العقد؛ لأن من قواعد الإسلام الثابتة أن الحكم في دار الدنيا إنما هو باعتبار الظاهر، وأما باعتبار البواطن والسِّرِّ فأمر ذلك ليس إلى الخلق؛ إذ حسابهم -أي: حساب بواطنهم وسرائرهم- على الله سبحانه وتعالى؛ إذ هو المطَّلِعُ وحده على ما فيها.
فقد روى الشيخان من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِنِّي لَمْ أُومَرْ أَنْ أَنْقُبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ، وَلَا أَشُقَّ بُطُونَهُمْ».
ومعنى ذلك أنَّه أُمر صلى الله عليه وآله وسلم أن يكتفي بظواهر أحوال المسلمين ولم يؤمر بالبحث عن أحوالهم والاطلاع على ما هو مطوي عنه في قرائر نفوسهم؛ لأن الناس لهم الحكم بالظاهر والله يتولى السرائر. كما أفاده الإمام النووي في "شرح النووي على مسلم" (7/ 163، ط. دار إحياء التراث العربي)، والأمير الصنعاني في "التنوير" (4/ 219، ط. مكتبة دار السلام).
فعلك هذا وإيثارك للناس على نفسك لجبر خواطرهم وإن كان عملًا عظيمًا تُثاب عليه بإذن الله تعالى، لكن الأجمل والأكمل أن تُجاهد قلبك ليكون باطنك راضيًا موافقًا لجميل فعلك، فتجمع بين فضل العطاء وصدق النية والفرح بالطاعة، وذلك بأن تُذَكِّر نفسك دائمًا بفضل هذا العمل وأجره عند الله، حتى لا يدخل قلبك الضيق من عمل صالح تُؤجر عليه.
بناءً على ذلك وفي السؤال: فإن إقراض المال للناس مِن أقرب القُرُبات، والأصل فيه أن يكون عن تراضٍ لا سيما وأنَّه من عقود التبرعات، وإن شَابَهُ شيءٌ من كراهة باطنة فلا تُؤثِّر في صحة العقد ما دام تَمَّ بإيجابٍ وقبولٍ.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما معنى ألفاظ: القروض، الديون، الودائع، الاستثمار؟ وهل هناك فرق بينها؟
الاستفسار عن مدى تأثير تفاوت وزن الدنانير والدراهم في العصور الإسلامية المتفاوتة في ربوية التعامل بها -قروضًا كانت أم أثمانَ مبيعاتٍ أم غير ذلك- فإذا اقترض عمرو 1000 دينارٍ مثلًا من زيد فقد يقابلها في زمن الوفاء بها عند حلول الأجل المتفق عليه 1100 دينار بافتراض أن الدنانير المقترضة كان الواحد منها يزن مثقالًا كاملًا حالة أنه عند الوفاء كانت الدنانير المتداولة تنقص عن وزن المثقال.
والسؤال هو: هل المائة دينار التي تقاضاها زيد الدائن في المثال السابق تعتبر من قبيل الربا المحرم، أم لا؟ وإذا كان الجواب بالإيجاب، فكيف أقر الفقهاء أسلوب حساب الدين بالوزن لا بالعدد ولم ينكره أحدٌ منهم، وجرى به عرف الأمة عالمها وعاميها بلا خلافٍ طوال قرون عديدة؟
ما حكم رد المال المقترَض إذا تم استثماره مع تغير قيمة النقد؟ فمنذ ستِّ سنوات كنت قد أعطيتُ زوجَ أختي مبلغ ألف جنيهٍ لشراء سلسلةٍ من الذهب، وحتى الآن لم يشترِ السلسلةَ، والآن يُريد أن يُعطيني الألفَ جنيه فقط، علمًا بأنه قد أخذ المبلغ وتكسب به في تجارته، فهل هذا جائزٌ شرعًا؟
ما حكم التعامل بخطاب الضمان البنكي بنوعيه: المغطى، والمكشوف؟ فأنا شخص أعمل في مجال المقاولات وبعض الأعمال التجارية، ويُطلب مني في بعض المعاملات إحضار خطاب ضمان من أحد البنوك كشرط لإتمام هذه المعاملات.
هل يجوز لابني أن يأخذ قرضًا من البنك بهدف عمل مشروع ليعيش منه؟ فإنه لم يحصل على وظيفة حتى الآن، والقروض عليها فوائد ربوية.
ما حكم إقراض الناس جبرا لخاطرهم مع كراهية ذلك؟ فبعض الناس يطلبون المساعدة بـ"استلاف" بعض المال على سبيل القرض، وأعطيها لهم مع كُرْهي لذلك حتى لا أحرجهم بالرَّفض، فهل يقدح ذلك في صحة عقد القرض؟