حكم إعطاء الأجرة دون التلفظ بالصيغة

تاريخ الفتوى: 25 يونيو 2025 م
رقم الفتوى: 8700
من فتاوى: فضيلة أ. د/ نظير محمد عياد - مفتي الجمهورية
التصنيف: الإجارة
حكم إعطاء الأجرة دون التلفظ بالصيغة

ما حكم إعطاء الأجرة دون التلفظ بالصيغة؟ فرجلٌ يستقلُّ يوميًّا سيارة أجرة عامَّة توصِّله إلى مقرِّ عمله، دون أن يتلفَّظ مع السَّائق أو غيره بإيجابٍ أو قبول، ويكتفي بالركوب في السيارة التي يعلم مسبقًا أنها تتوجَّه إلى الجهة التي يقصدها، ثم يدفع الأجرة المتعارف عليها، إمَّا مباشرةً، أو يُناوِلها أحدُ الركَّاب للسائق وفق العرف الجاري بين الناس، فهل تُعدُّ هذه المعاملة صحيحة شرعًا؟

الإجارة الحاصلة في هذه الصورة تُعدُّ إجارةً صحيحةً شرعًا، وهي من قبيل الإجارة بالمعاطاة، ولا حرج على الرجل المذكور في ركوبه لتلك السيارات ودفعه للأجرة المقرَّرة، سواء دفعها بنفسه أو ناولها أحد الركاب للسائق، ما دامت الأجرة معلومة والجهة مقصودة معلومة.

المحتويات 

 

بيان مشروعية الإجارة

شرع اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الإجارةَ لحاجة الناس إليها، إذ بعض الناس لا يقدر على شراء كل ما يبلِّغه حاجته، فيستعين على ذلك بالإجارة التي تمكِّنُه من الانتفاع بالشيء دون الحاجة إلى شرائه.

والإجارة عبارةٌ عن بيع منفعةٍ معلومةٍ بأجرٍ معلومٍ، كما في "تبيين الحقائق" للإمام الزَّيلَعِي (5/ 105، ط. المطبعة الكبرى الأميرية)، و"المختصر الفقهي" للإمام ابن عَرَفة (8/ 159، ط. مؤسسة خلف).

والأصلُ في مشروعيتها قول الله تعالى في محكم التنزيل: ﴿قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾ [القصص: 26].

وعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: «استَأْجَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو بَكرٍ، رَجُلًا مِن بَنِي الدِّيلِ هَادِيًا» أخرجه الإمام البخاري.

وقد أجمع أهلُ العلم على مشروعيتها في الجملة، كما في "المغني" للإمام ابن قُدَامَة (5/ 321، ط. مكتبة القاهرة).

حكم ركوب وسائل المواصلات ودفع الأجرة بالمعاطاة دون التلفظ بالصيغة

الصورةُ المسؤولُ عنها تعدُّ من عقود الإجارة؛ لأنَّ التعاقد فيها حاصلٌ على منفعة ركوب السيارة للوصول بها إلى موضعٍ معيَّن مقابل أجرةٍ معيَّنة، وقد أجاز الفقهاء تلك الصورة، حيث جَرَت عادة الناس قديمًا على استئجار الدوابِّ للركوب، واستئجار الحمَّالين لنقل الأمتعة.

قال الإمام أبو الحُسَين القُدُورِي الحنفي في "المختصر" (ص: ۱۰۱، ط. دار الكتب العلمية) عند حديثه عن المنافع في عقد الإجارة: [والمنافع تارةً تصير معلومة بالمدة... وتارة تصير معلومة بالعمل والتسمية، كمن استأجر رجلًا على صبغ ثوب أو خياطته، أو استأجر دابةً ليحمل عليها مقدارًا معلومًا، أو يركبها مسافةً سمَّاها، وتارةً تصير معلومة بالتعيين والإشارة، كمن استأجر رجلًا لينقل له هذا الطعام إلى موضعٍ معلوم] اهـ.

وقال الإمام أبو عبد الله المَوَّاق المالكي في "التاج والإكليل" (7/ 568، ط. دار الكتب العلمية): [القسم الثالث: في استئجار الدواب، وهي تستأجر لأربع جهات: للركوب، وللحمل، وللاستقاء، وللحراثة] اهـ.

وقال الإمام النَّوَوِي الشافعي في "روضة الطالبين" (5/ 173، ط. المكتب الإسلامي): [الإجارة قسمان: واردة على العين، كمن استأجر دابَّةً بعينها ليركبها، أو يحمل عليها... وواردة على الذِّمَّة، كمن أستأجر دابةً موصوفةً للركوب أو الحمل] اهـ.

وقال الإمام ابن قُدَامَة الحنبلي في "الكافي" (2/ 173-174، ط. دار الكتب العلمية): [ويشترط معرفة قدر المنفعة... ولمعرفتها طريقان: أحدهما: تقدير العمل، كخياطة ثوب معين، والركوب، أو حمل شيءٍ معلوم إلى مكان معيَّن] اهـ.

والإجارة لا تنعقد صحيحةً إلا باكتمال أركانها واستيفاء شروطها المعتبرة شرعًا، ومِن تلك الأركان باتفاق الفقهاء: رُكنُ الصِّيغة مِن إيجابٍ وقبولٍ، بحيث لو فُقِدت فإنها لا تُسمَّى إجارة وإنما تكون غَصبًا، كما في "البحر الرائق" للإمام ابن نُجَيم الحنفي (7/ 297، ط. دار الكتاب الإسلامي)، و"الشرح الكبير" للإمام أبي البركات الدَّردِير المالكي (4/ 2، ط. دار الفكر)، و"روضة الطالبين" للإمام النَّوَوِي الشافعي (5/ 173، ط. المكتب الإسلامي)، و"شرح منتهى الإرادات" للإمام البُهُوتِي الحنبلي (2/ 241، ط. عالم الكتب).

والصِّيغة هي الأمارة الدالة على الرِّضا المطلوب حصولُه شرعًا مِن المُتَعاقِدَين، كما في "شرح مختصر خليل" للإمام أبي عبد الله الخَرَشِي (7/ 3، ط. دار الفكر).

قال الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 29].

وعن أبي سعيد الخُدْرِي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّمَا البَيعُ عَن تَرَاضٍ» أخرجه الإمامان: ابن ماجه واللفظ له، وابن حبان.

والإجارة تدخل في عموم البيع؛ إذ هي عبارةٌ عن بيع منفعةٍ بعِوَض، كما في "البحر الرائق" للإمام ابن نُجَيم (7/ 297).

قال الإمام شهاب الدين الزَّنجَانِي في "تخريج الفروع على الأصول" (ص: 143، ط. مؤسسة الرسالة): [الأصل الذي تُبْنَى عليه العقود المالية مِن المعاملات الجارية بين العباد: اتِّباع التَّرَاضي... غير أنَّ حقيقة الرضا لَمَّا كانت أمرًا خفيًّا وضميرًا قلبيًّا، اقتضت الحكمةُ رَدَّ الخلق إلى مَرَدٍّ كُلِّيٍّ وضابِطٍ جَلِيٍّ يُستَدَلُّ به عليه، وهو الإيجاب والقبول الدَّالَّان على رضا العاقدين] اهـ.

والصيغة في عقد الإجارة تكون قوليَّةً، وهذا هو الأصل، بأن يقول الراكب للسائق: "استأجرتُك لتوصلني إلى مكان كذا بمبلغ كذا"، فيجيبه السائق: "قبلت"، أو نحو ذلك مما يدلُّ على إرادة إبرام العقد من الألفاظ، وقد تكون فعليَّةً، بأن تصدر عن فعلٍ يدل على حصول التراضي بين الطرفين دون تلفظٍ بإيجاب أو قبول، مع قيام عرفٍ أو قرينةٍ معتبرةٍ مقام اللفظ، كأن يركب الراكب سيارةً معلومةَ الجهةِ والأجرة، ويدفع ما جرت به العادة، دون تلفُّظٍ بإيجابٍ أو قبول، فإن هذا الفعل من الطرفين في موضع العرف قرينةٌ ظاهرةٌ على حصول التراضي، وهو ما يُعبِّر عنه الفقهاء بـ"المعاطاة" أو "التعاطي"، والتي هي عبارة عن انعقاد العقد بالأخذ والدفع من غير تكلُّمٍ ولا إشارة، كما في "الشرح الكبير" للإمام أبي البركات الدَّردِير (۳/ ۳، ط. دار الفكر).

وقد ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة إلى انعقاد عقد الإجارة بالمعاطاة مطلقًا، وهو اختيار جماعة من أئمة الشافعية كالإمام النَّوَوِي والإمام المُتَوَلِّي والإمام البَغَوِي؛ لأنَّ المقصود من الصيغة هو العلم بحصول الرِّضا، وكما يُوجَد ويُعرَف ويَحصُل بالقول فإنه يُعرَف ويَحصُل كذلك بالفعل، ولأنَّ الناس قد تعارفوا على الإجارة بهذه الطريقة، وتعامَلُوا بها، خاصةً في هذا الزمان.

قال الإمام الحَصكَفِي الحنفي في "الدر المختار" (ص: ٣٩٥، ط. دار الكتب العلمية): [حرَّرنا في "شرح الملتقى" صحَّة الإقالة والإجارة والصَّرْف بالتعاطي، فليُحفظ] اهـ.

وقال الإمام أبو البركات الدَّردِير المالكي في "الشرح الكبير" (4/ 2) عند ذكره أركان عقد الإجارة: [وأركانها أربعة: العاقد، والأجر، والمنفعة، والصيغة، والمراد بها: ما يدلُّ على تمليك المنفعة بعِوَض، ويشمل ذلك المعاطاةَ] اهـ.

وقال الإمام الزُّرقَانِي المالكي في "شرح مختصر خليل" (7/ 4، ط. دار الكتب العلمية) في بيان ركن الصيغة في عقد الإجارة: [وهي كما في "اللباب": "لفظٌ أو ما يقوم مقامه يدل على تمليك المنفعة بعِوَض"، والمعاطاة تدخل في قوله: "أو ما يقوم مقامه"، وكذا سائر ما يدل على الرضا] اهـ.

وقال الإمام الخطيب الشِّربِينِي الشافعي في "مغني المحتاج" (2/ 326، ط. دار الكتب العلمية): [وخلاف المعاطاة في البيع يجري في الإجارة والرهن والهبة ونحوها... واختار المصنفُ وجماعةٌ -منهم: المُتَوَلِّي والبَغَوِي- الانعقاد بها في كل ما يَعُده الناس بيعًا] اهـ.

وقال الإمام الرُّحَيبَاني الحنبلي في "مطالب أولي النهى" (3/ 582، ط. المكتب الإسلامي): [(ويتَّجه: و) تصحُّ الإجارة وتنعقد (بمعاطاة)] اهـ.

الخلاصة

بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فالإجارة الحاصلة في هذه الصورة تُعدُّ إجارةً صحيحةً شرعًا، وهي من قبيل الإجارة بالمعاطاة، ولا حرج على الرجل المذكور في ركوبه لتلك السيارات ودفعه للأجرة المقرَّرة، سواء دفعها بنفسه أو ناولها أحد الركاب للسائق، ما دامت الأجرة معلومة والجهة مقصودة معلومة.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

نقوم بتأجير أرض زراعية نظير مبلغ نقدي متفق عليه يتم سداده عقب المحصول الصيفي، وفي كثير من الأحيان يتلكأ المستأجر في السداد. فهل إذا قلت له إن المبلغ المتفق عليه الآن هو ما قيمته الشرائية كذا إردبًّا، فأعطِني هذه الكمية أتصرف أنا فيها. فهل هذا يجوز؟

 


ما حكم الأرض الزراعية المؤجرة عند وفاة مستأجرها؟ حيث تقول السائلة: استأجر والدي قطعة أرضٍ زراعية، وتوفي وهو يقوم بزراعتها ونحن معه أنا وأمي لأكثر من خمس سنوات. فهل تصير هذه القطعة ميراثًا بعد وفاة والدي لجميع الورثة، أم هي لمن كان يقوم بالزراعة معه؟


ما حكم الإجارة بأجرة شهرية متزايدة كل سنة؟ فإن لي زميلًا يقوم باستئجار شقق سكنية لمدة خمس سنين فقط، وهي قابلة للزيادة وفقًا لما يتفق عليه الطَّرَفان نهاية هذه المدة، لكنه فوجئ بوضع صاحب العقار بندًا في عقد الإيجار بينهما يَقضِي بزيادة الأُجْرة الشهرية كل عام خلال هذه المدة بنسبة 10%، وتَمَّ التوافق بينهما على هذا البند، فما مدى جواز هذا الإجراء في هذه الزيادة؟


ما مدى إلزام الأم بإرضاع ولدها حال قيام الزوجية؟ حيث إن هناك رجلًا رزقه الله بمولود، وزوجته ترضع ولده هذا، ويخاف من الوقوع في الظلم في حال عدم إعطائها أجر على الرضاعة؛ فهل تستحق الزوجة الأجرة على ذلك؟ وهل لها الحق في المطالبة بالأجرة؟


ما حكم صناعة أو بيع أو إجارة ما يكون له استعمالان: استعمال مباح واستعمال محرم من السلع والأشياء؟ وهل يأثم من يقوم بهذا الفعل؟


يقول السائل: ما قولكم دام فضلكم فيما يأتي: وقف شخصٌ أعيانًا على الوجه المبين بُحجَجِ أوقافه، وفي حياة الواقف أجَّر شخص آخر بصفته وكيلًا عن المغفور له الواقف في إدارة أوقافه طرف أول إلى شخصين وهما من رعايا الحكومة المحلية متضامنَين طرف ثاني - الأطيان الزراعية البالغ قدرها 631 فدانًا، و8 قراريط، و12 سهمًا.
ومن ضمن ما جاء بعقد الإيجار البند الثاني، ونصه: "مدة هذه الإجارة ثلاث سنوات ابتداءً من أول أكتوبر سنة 1937م لغاية آخر سبتمبر سنة 1940م، وإذا قام المستأجر بجميع واجباته التي التزم بها في هذا العقد -وعلى الأخص بسداد الإيجار في مواعيد استحقاقه مع محافظته على العين المؤجرة وملحقاتها ومواظبته على العناية بها وتحسينها- تتجدد الإجارة لمدة سنة رابعة تنتهي في آخر سبتمبر سنة 1941م بدون تنبيهٍ أو إنذارٍ وبنفس هذه الشروط"؛ وذلك بمقتضى عقد الإيجار الصادر في أوائل سنة 1937م.
وقد وضع المستأجر يده على أطيان الوقف المؤجَّرة ابتداءً من مدة الإيجار، وقام بتنفيذ ما نص عليه البند الثاني من عقد الإيجار المذكور، وقد توفي الواقف في مارس سنة 1938م، فهل مع قيام الطرف الثاني بتنفيذ ما جاء بالبند الثاني من عقد الإيجار يكون له الحقُّ في تجديد إجارة الأطيان سنةً رابعةً نهايتُها آخر سبتمبر سنة 1941م؛ كما هو نص البند الثاني من عقد الإيجار المذكور، أم تكون الإجارة قاصرةً على ثلاث سنوات فقط؟
نرجو التكرم بالإجابة عما ذُكر.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 10 أغسطس 2025 م
الفجر
4 :44
الشروق
6 :19
الظهر
1 : 0
العصر
4:37
المغرب
7 : 41
العشاء
9 :5