حكم أخذ الموظف نسبة أو عمولة من شركة ما مقابل شراء شيء منها لجهة عمله

تاريخ الفتوى: 16 أكتوبر 2025 م
رقم الفتوى: 8772
من فتاوى: فضيلة أ. د/ نظير محمد عياد - مفتي الجمهورية
التصنيف: الهبة
حكم أخذ الموظف نسبة أو عمولة من شركة ما مقابل شراء شيء منها لجهة عمله

هل يجوز للموظف في جهة ما أن يحصل على نسبة أو عمولة لنفسه من شركة يشتري منها لصالح جهة عمله؟ وهل يُعدّ هذا من قبيل الهدية المشروعة؟

يحرُم على الموظف في جهة ما أن يحصُلَ على نسبة أو عمولة من شركة يشتري منها لصالح جهة عمله دون علم جهة عمله بذلك وإذنها له فيها، وأخْذُها حينئذ يُعدُّ خيانة للأمانة وأكلًا للأموال بالباطل.

المحتويات

 

الأمانة في الإسلام

إن تعاليم الإسلام وشرائعه عبارة عن منظومة متكاملة تضبط سلوك الإنسان وتصرفاته في جميع شؤون الحياة، ومن جملة هذه التعاليم أن يكون المسلم أمينًا، فإذا أُقيم في شيء أو عليه قام بعمل ما يجب، وأدَّى دوره على مقتضى الأمانة، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ [النساء: 58]، وقال تعالى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ﴾ [الأحزاب: 72]، والأمانة هنا عامة، أي: يجب أن يحفظ الأمانة من غير خيانة في كل شيء.

قال الإمام القرطبي في "تفسيره" (14/ 253، ط. دار الكتب المصرية): [والأمانة تعم جميع وظائف الدين على الصحيح من الأقوال، وهو قول الجمهور] اهـ.

حث الإسلام على الأمانة في العمل

كل مسلم مأمورٌ شرعًا بحفظ الأمانة وأدائها، سواء كان موظفًا أم صاحب عمل أم غير ذلك، والموظف بشكل عام يربطه بجهة عمله عقد إجارة، وإذا كُلِّفَ من قِبل هذه الجهة بعمل من الأعمال فيتردد الأمر حينئذ بين كونه أجيرًا أو وكيلًا، وفي كلا الحالين هو مطالب بأن يكون أمينًا مبتعدًا عن خيانة الناس في أماناتهم وأموالهم، قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [الأنفال: 27].

قال الإمام الطبري في تفسيره "جامع البيان" (9/ 190، ط. مؤسسة الرسالة): [إنّ الله لا يحب من كان من صفته خِيَانة الناس في أموالهم، وركوب الإثم في ذلك وغيره مما حرَّمه الله عليه] اهـ.

حكم أخذ الموظف نسبة أو عمولة من شركة ما مقابل شراء شيء منها لجهة عمله

أما بخصوص حصول الموظف على نسبة من المال أو عمولة لنفسه من الشركة التي كلفته جهة عمله بشراء شيء منها، فهذه العمولة أو النسبة إما أن يكون قد نُصَّ عليها من جهة عمله وأذنت لها فيها أو لا، فإذا نُصَّ عليها فلا خلاف في جوازها، أما إذا لم يُنصَّ عليها ولم يُؤذَن له فيها فالموظف إما أن يكون أجيرًا بأن كانت هذه طبيعة عمله على الدوام، وإما أن يكون وكيلًا بأن يُكلف بشراء صفقة معينة، وقد يكون في الحالين أجيرًا وقد يكون فيهما وكيلًا، وفي الحالين يحرم عليه أن يأخذ هذه النسبة أو ما تسمى بالعمولة.

ووجه ذلك حال كونه أجيرًا أن الإجارة هي: "عقدٌ على منفعةٍ مقصودةٍ معلومةٍ قابلة للبَذل والإباحة بعِوَضٍ مَعلوم"، كما في "مغني المحتاج" للإمام الخطيب الشِّربِينِي (3/ 438، ط. دار الكتب العلمية)، ويظهر من ذلك أن العوض عن إجارته معلومٌ، أي: أنه ليس له أن يأخذ إلا ما اتُّفق عليه فقط سواء ممن أجَّرَه أو بسببه؛ لأنه مُؤجرٌ لصالح جهته فقط، وإذا أخذ من الجهة الأخرى فهذا يجعل عمله لأجل جهة أخرى لا مؤجِّره وحسب، والحال أنه ليس مشتركًا بين الجهتين، جاء في المادة (422) مِن "مجلة الأحكام العدلية" (ص: 81، ط. نور محمد) ما نصه: [الأجير على قسمين: القسم الأول: هو الأجير الخاص الذي استؤجر على أن يعمل للمستأجر فقط، كالخادم الموظف. القسم الثاني: هو الأجير المشترك الذي ليس بمقيد بشرط ألا يعمل لغير المستأجر، كالحمَّال، والدلَّال، والخيَّاط، والساعاتي، والصائغ] اهـ، ومعلوم أنه إذا أخذ نسبةً أو عمولة فإن عمله حينئذٍ لن يكون لصالح جهته فقط.

بالإضافة إلى ما جاء من النصوص الشرعية التي تمنع الموظف الذي هو أجير أو عامل من أخذ أموال من غير جهته بسبب ما كلفته به جهتُه، ومنها ما جاء عن أبي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيّ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَا بَالُ العَامِلِ نَبْعَثُهُ فَيَأْتِي يَقُولُ: هَذَا لَكَ وَهَذَا لِي، فَهَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ، فَيَنْظُرُ أَيُهْدَى لَهُ أَمْ لا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لا يَأْتِي بِشَيْءٍ إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ، إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ» متفق عليه.

قال الإمام ابن بطال في "شرحه على صحيح البخاري" (8/ 248، ط. مكتبة الرشد): [فيه أن ما أهدي إلى العامل وخدمة السلطان بسبب سلطانهم أنه لبيت مال المسلمين] اهـ.

ومن ذلك ما جاء أيضًا عن أبي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيّ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «هَدَايَا الْعُمَّالِ غُلُولٌ» رواه أحمد، والبزار، والبيهقي.

ومعنى "غلول": خيانة؛ لأنها لا تكون إلا لأجل خيانة في ما إليهم من الأعمال، فإذا أهدى العامل للأمير أو أهدى الرعية للعامل فهو لبيت المال... ولا يحل للعامل قبولها لكن إن قبلها صارت لبيت المال، كما في "التنوير شرح الجامع الصغير" للإمام المناوي (11/ 19، ط. دار السلام).

فما سبق يفيد حرمة أخذ النسبة أو العمولة؛ لأنه إذا كانت الهدية التي تباح في أصلها أو تُندب لا يجوز للعامل في جهة عامة أن يأخذها بسبب عمله، فإن حال العمولة أو النسبة أشد في الحظر والمنع بالأولى.

أما وجه الحرمة حال كونه وكيلًا: أنه ليس مأذونًا له في ذلك كما هو الاحتمال الثاني محل كلامنا، والوكيل يده يد أمانة فلا يجوز له في هذه الحال أن يأخذ شيئًا أو أن يتصرف فيه ما لم يأذن له الموكِّل.

قال شمس الأئمة السَّرَخْسِي الحنفي في "المبسوط" (14/ 61، ط. دار المعرفة): [والدنانير المقبوضة أمانةٌ في يدهِ للموكِّل، فلا يتصرَّف فيها بغير أمرٍ] اهـ.

وقال الإمام ابن رُشْدٍ المالكي في "البيان والتحصيل" (8/ 189، ط. دار الغرب الإسلامي): [ليس للوكيل أن يتعدَّى في وَكالتِه مَا سُمِّي له ويتجاوز ذلك إلى مَا لَمْ يُسمَّ لَه] اهـ.

وقال شيخ الإسلام زكرِيَّا الأنصَارِي الشافعي في "فتح الوهاب" (1/ 260، ط. دار الفكر): [لو (أمرَه ببيعٍ لمعيَّنٍ) مِن الناس (أو بِهِ) أَيْ: بِمُعَيَّنٍ مِن الأموال... (تَعيَّن) ذلك وإن لَمْ يتعلَّق به غَرضٌ؛ عمَلًا بالإِذن... (ومتى خالفه في بيع ماله) كأن أمره ببيع عبد فباع آخر (أو) في (شراء بعينه) كأن أمره بشراء ثوب بهذا الدينار فاشتراه بآخر، أو أمره بالشراء في الذمة فاشترى بالعين (لغا) أي التصرف؛ لأن الموكل لم يأذن فيه] اهـ.

وقال الإمام بَهَاءُ الدِّين المَقْدِسِي الحنبلي في "العدة شرح العمدة" (ص: 280، ط. دار الحديث): [(وليس للوكيل أن يفعل إلا ما تناوله الإِذنُ لفظًا أو عرفًا) لأنَّ الإنسانَ ممنوعٌ مِن التَّصرف في حقِّ غيره، وإنما أُبِيحَ لوكيلِه التَّصرف فيه بإذنِه، فيجب اختصاص تصرُّفِه فيما تناوَلَهُ إذنُه] اهـ.

وهذا ما جرى عليه القانون المدني المصري رقم 131 لسنة 1948م وفقًا لآخر تعديل صادر في ١٣ أكتوبر عام ٢٠٢١م، حيث جاء في الفقرة الأولى من المادة رقم (703) أنَّ: [الوكيل ملزم بتنفيذ الوكالة دون أن يجاوز حدودها المرسومة] اهـ.

وأخذ هذه النسبة تصرف لصالح نفسه، وهو ممنوعٌ على الوكيل كما جاء في الفقرة الأولى من المادة رقم (706) من القانون المشار إليه أنَّه: [ليس للوكيل أن يستعمل مال الموكل لصالح نفسه] اهـ.

ومن ذلك يظهر أن أخذ عمولة أو نسبة من الشركة التي يشتري منها الموظف لجهة عمله لا يُعدُّ من قبيل الهدية المشروعة؛ للحديثين السابق ذكرهما، ولأنه لا يستطيع أن يأخذ هذا المال إلا بوظيفته هذه، فالشركة لا تعطيه هذا المال إلا لغرض إعانتها على استمرار التوريد أو غيره مما يكون حقًّا أو باطلًا، وهذا مما نص الفقهاء على منعه، ينظر: "بحر المذهب" (14/ 60، ط. دار الكتب العلمية).

وعلى كل ذلك فأخذ الموظف الحكومي هذه النسبة والعمولة من الشركة التي يشتري منها لصالح جهة عمله خيانة للأمانة، وهو من قبيل أكل الأموال بالباطل، وقد قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾ [النساء: 29].

قال الإمام الزمخشري في "الكشاف" (1/ 502، ط. دار الكتاب العربي): [﴿بِالْبَاطِلِ﴾: بما لم تُبِحهُ الشريعة، من نحو السرقة، والخيانة، والغصب، والقمار، وعقود الربا] اهـ.

فضلًا عن أنه بهذا يكون قد أخلَّ بشروط عمله، وهذا أمر ممنوعٌ شرعًا، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» أخرجه الإمام أبو داود في "سننه".

قال الإمام شهاب الدين ابن رسلان الرملي في "شرح سنن أبي داود" (14/ 655، ط. دار الفلاح): [أي: ثابتون عليها وواقفون عليها لا يرجعون عنها، وهذا اللائق بهم] اهـ.

بالإضافة إلى أن المسلم مأمورٌ ألا يقبل رزقه أو يطلبه بمعصية الله تعالى، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «...فاتَّقُوا اللهَ وَأَجمِلُوا فِي الطَّلَبِ، وَلَا يَحمِلكُمُ استِبطَاءُ الرِّزقِ عَلَى أَن تَطلُبُوهُ بِمَعَاصِي اللهِ، فَإِنَّهُ لَا يُنَالُ مَا عِندَهُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ» أخرجه الأئمة: ابن أبي شيبة، والحاكم، والبَيهَقِي في "شعب الإيمان".

الخلاصة

بناءً على ذلك وفي السؤال: فيحرُم على الموظف في جهة ما أن يحصُلَ على نسبة أو عمولة من شركة يشتري منها لصالح جهة عمله دون علم جهة عمله بذلك وإذنها له فيها، وأخْذُها حينئذ يُعدُّ خيانة للأمانة وأكلًا للأموال بالباطل.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

يقول السائل: يدَّعي بعض الناس جواز الاتّجار في المخدرات من غير تعاطيها، وأنه ليس حرامًا؛ لأنه لم يرد نصٌّ في القرآن الكريم أو السنة المشرفة بحرمة ذلك. فنرجو من منكم الردّ على ذلك وبيان الرأي الشرعي الصحيح.


ما حكم الرجوع في الهبة بعد سنوات من تمليك الواهب للموهوب له العين الموهوبة؟ فهناك صديقان أهدى أحدهما للآخر مبلغًا كبيرًا من المال اشترى به الآخر وحدة سكنية، ثم حدث بينهما شجارٌ كبير وخلافٌ أدَّى إلى تعكير صفو ما بينهما من مودَّة، فجاء الصديق الأول "الواهب" -بعد سنوات- من استقرار صديقه الآخر "الموهوب له" في البيت الذي اشتراه بمال الهبة والذي رتَّب حياته عليه، وطالبه بأن يخرج من البيت ويعيده إليه بدعوى أنَّه قد بَذَلَ هذا المال لرجلٍ كان يظنه محبًّا مخلصًا، وبعد الشجار ظهر له خلاف ما كان يأمله فيه، لذلك هو يعتبر نفسه أنه قد بذل هذا المال منخدعًا، ويحق له أن يسترجعه،  فهل يجوز له أن يرجع في هبته تمسُّكًا بأنَّ السادة الحنفية يجيزون الرجوع في الهبة؟ وهل نسبةُ ذلك للحنفية صحيحة أو لا؟


ما حكم المستحقات المصروفة للزوجة من جهة العمل؛ فأنا اشتريتُ مع زوجي شقة مناصفةً بيننا، ثم كتب ورقة في حياته بأنه باع لي في حياته نصيبه منها وأن ثمنها خالص، وله إخوة وأخوات، فما الحكم في هذا البيع؟ وهل هو آثم؟ وهناك مستحقات مالية تخرج من جهة عمله باسمي أنا دون اسم أحد آخر من الورثة، فهل هذا يُعَدّ ميراثا؟


هل يجوز للأستاذ الجامعي أن يبيع الكتاب المقرر على الطالب أو الطالبة بمبلغ مبالغ فيه بالنسبة لتكلفته على سبيل التربح الزائد، خاصة وأن جمهور الطلاب والطالبات بالجامعة من مستوري الحال؟


ما حكم رد الهدية؟ وهل رد الهدية ينافي الهدي النبوي مطلقًا؟ وهل هناك حالات يجوز فيها عدم القبول؟


ما حكم بيع الثمار قبل نضجها؟ حيث يقول السائل: في بلادنا يتعاقد الفلاح (البائع) والمشتري على القمح والشعير وأمثالهما من الحبوب قبل نضجها؛ فالبائع يأخذ المال مقدمًا، وحين تظهر الحبوب وتنضج يحصدها المشتري ويأخذها؛ فهل هذا البيع جائز؟ وهل يدخل تحت بيع السلم مِن منظور المذهب الحنفي؟


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 20 نوفمبر 2025 م
الفجر
4 :54
الشروق
6 :24
الظهر
11 : 41
العصر
2:36
المغرب
4 : 57
العشاء
6 :18