هل يجوز للوكيل أن يأخذ من أموال الزكاة الموكل إليه توزيعها على الفقراء؟ فإن أحد الأشخاص وكَّل غيره في توزيعِ زكاة ماله على من يستحقها من الفقراء والمساكين، فهل يجوز للوكيل أن يأخذ من هذه الزكاة عِلمًا بأنه فقير؟
إذا كان الوكيل المذكور في إخراج الزكاة عن غيره مقيَّدًا في وكالته بصرف تلك الزكاة في جهة معيَّنة أو إلى أشخاص معيَّنين ولم يكن مِن جملتهم، فلا يجوز له أن يأخذ منها، أما إذا لم تكن الوكالة كذلك، بل كانت مُطلَقةً لمن يراه مستحقًّا للزكاة من غير قيد وكان منهم، كأن يكون فقيرًا أو مسكينًا، جاز له أن يأخذ منها بالمعروف، كما سيُعطي غيرَه من مستحقي الزكاة.
المحتويات
من المقرر شرعًا أن الزكاة ركن من أركان الإسلام الخمسة التي ورد ذكرها في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ...» متفق عليه.
وقد نظَّم الشرعُ الشريفُ كيفيةَ أدائها بتحديد مصارفها في قول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: 60]، والمقصود الأعظم من الزكاة: هم الفقراء والمساكين، ولذلك خصَّهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالذكر في حديث معاذ رضي الله عنه لَمَّا أرسله إلى اليمن وقال له: «فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» أخرجه الإمامان: البخاري -واللفظ له- ومسلم.
والوكالة هي: "عبارة عن إقامةِ الإنسانِ غيرَه مَقامَ نَفْسه في تصرُّفٍ معلومٍ"، كما في "العناية" للإمام أَكْمَل الدين البَابَرْتِي الحنفي (7/ 499، ط. دار الفكر)، أو هي: "تفويضُ أَمْرِك إلى مَن وَكَّلتَه اعتمادًا عليه فيه، تَرَفُّهًا منكَ أو عجزًا عنه"، كما في "فتح القدير" للإمام كمال الدين بن الهُمَام الحنفي (7/ 499-500، ط. دار الفكر)، وينظر: "المختصر" للإمام ابن عَرَفَة المالكي (7/ 54، ط. مؤسسة خلف أحمد الحبتور)، و"مغني المحتاج" للإمام شمس الدين الخطيب الشِّرْبِينِي الشافعي (3/ 231، ط. دار الكتب العلمية)، و"المبدع" للإمام برهان الدين بن مُفْلِح الحنبلي (4/ 325، ط. دار الكتب العلمية).
وقد "أجمعت الأمة على جواز الوكالة في الجملة؛ ولأن الحاجة داعية إلى ذلك، فإنه لا يمكن كلَّ واحدٍ فِعل ما يحتاج إليه، فدعت الحاجة إليها"، كما في "المغني" للإمام ابن قُدَامَة (5/ 63، ط. مكتبة القاهرة).
قد نص جماهير الفقهاء مِن الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة على خصوص جواز الوكالة في إخراج الزكاة، حتى إنها تتأدى بأداء الوكيل كما لو أدَّاها الأصيل، سواءٌ كان المُزكي عاجزًا عن إخراجها بنفسه، أو قادرًا على ذلك، كما في "رد المحتار على الدر المختار" للإمام ابن عَابِدِين الحنفي (2/ 74، ط. دار الفكر)، و"شرح التلقين" للإمام المَازَرِي المالكي (2/ 801، ط. دار الغرب الإِسلامي)، و"المجموع" للإمام النَّوَوِي الشافعي (6/ 165، ط. دار الفكر)، و"كشاف القناع" للإمام أبي السعادات البُهُوتِي الحنبلي (2/ 301، ط. دار الكتب العلمية).
إذا صحت الوكالة في إخراج زكاة المال وتوزيعها على مستحقيها، فإما أن تكون مقيَّدة أو مطلقة، فإذا كانت مقيَّدة بأن عَيَّن الموكِّل للوكيل جهةً محددة أو أشخاصًا محددين لصرف الزكاة إليهم، وجب على الوكيل أن يلتزم بما حدده له مُوكِّلُهُ من تصرفات، وأن يلتزم بما اشترطه من شروط، ولا يجوز له مخالفته؛ لعموم قول الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: 1]، و"المعنى: أوفوا بعَقْد الله عليكُمْ، وبِعَقْدِكُمْ بعضكم على بعض"، كما في "الجامع لأحكام القرآن" للإمام القُرْطُبِي (6/ 33، ط. دار الكتب المصرية) نقلًا عن الإمام الزَّجَّاج.
وعن عمرو بن عَوْفٍ المُزَنِي رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ، إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا، أَوْ شَرْطًا أَحَلَّ حَرَامًا» أخرجه الأئمة: الترمذي وقال: حَسَنٌ صَحِيحٌ، والدارقطني، والبيهقي واللفظ له، والحاكم.
قال الإمام علاء الدين الكَاسَانِي في "بدائع الصنائع" (6/ 98، ط. دار الكتب العلمية): [الأصل في الشروط اعتبارُها ما أَمْكَن] اهـ، وينظر: "مجموع الفتاوى" للشيخ ابن تيمية (29/ 346، ط. مجمع الملك فهد)، و"الفروع" للإمام شمس الدين بن مُفْلِح (8/ 268، ط. مؤسسة الرسالة).
ومقتضى ذلك أنه لا يجوز للوكيل الأخذُ من مال الزكاة لنفسه في هذه الحالة ولو كان فقيرًا؛ لأنه ملتزمٌ بحدود ما وُكِّلَ فيه، فلا يتعدى لغيره، إلا إذا كان مِن جملة مَن حددهم، فيأخذ حينئذٍ نصيبه كغيره.
قال الإمام ابن عَابِدِين الحنفي في "رد المحتار" (2/ 269): [الوكيل إنما يستفيد التصرف من الموكِّل، وقد أمره بالدفع إلى فلان، فلا يَملِك الدفعَ إلى غيره] اهـ.
وقال الإمام ابن رُشْد المالكي في "البيان والتحصيل" (8/ 189، ط. دار الغرب الإسلامي): [ليس للوكيل أن يتعدى في وكالته ما سُمِّي له ويتجاوز ذلك إلى ما لم يُسَم له] اهـ.
وقال الإمام تقي الدين السُّبْكِي الشافعي في "فتاويه" (1/ 481، ط. دار المعارف): [والوكيل يجب عليه تتبُّع تخصيصات الموكِّل، ولا خلاف أن الموكِّل لو قال لوكيله: فَرِّق هذا المال -أي: تصدق به على أهل البلد الفلاني- لم يكن له أن يفرِّقه على غيرهم] اهـ.
وقال الإمام ابن قُدَامَة الحنبلي في "عمدة الفقه" (ص: 59، ط. المكتبة العصرية): [وليس للوكيل أن يفعل إلا ما تناوله الإذن لفظًا أو عُرفًا] اهـ.
إذا كانت الوكالةُ في توزيع مال الزكاة مُطلَقةً وغير مقيَّدة بجهة معيَّنة أو أشخاص معيَّنين، وأذن الموكِّل للوكيل في صرفها لمَن شاء مِن الفقراء والمساكين، وكان الوكيل منهم، فإنه يجوز له شرعًا الأخذُ من الزكاة كغيره من الفقراء والمساكين؛ لأن المعنى الذي حصل به الاستحقاق -الفقر أو المَسكنة- متحقق فيه، واللفظ متناوِل له، فجاز له الأخذ كغيره، وهذا قول الإمامين: القاضي أبي يوسف، ومحمد بن الحسن الشَّيْبَانِي من الحنفية، ومذهب المالكية، ورواية عن الإمام أحمد.
قال الإمام برهان الدين بن مَازَه الحنفي في "المحيط البرهاني" (2/ 321، ط. دار الكتب العلمية): [رجلٌ دفع إلى رجلٍ مالًا، قال: أعط هذا مَن أحببت، ليس له أن يتصدق على نفسه عند أبي حنيفة، وقال محمد: له ذلك] اهـ.
وقال الإمام شهاب الدين الشِّلْبِي الحنفي في "حاشيته على تبيين الحقائق" (1/ 305، ط. دار الكتاب الإسلامي): [لو قال لرجلٍ: ادفع زكاتي إلى مَن شئت، أو: أعطها مَن شئت، فدفعها لنفسه... عند أبي يوسف: يجوز، ولو قال: ضعها حيث شئت، جاز وضعُها في نفسه] اهـ.
وقال الإمام شمس الدين الحَطَّاب المالكي في "مواهب الجليل" (2/ 354، ط. دار الفكر): [مَن دُفِعَت إليه زكاة ليُفرِّقها في أهلها، وكان هو مِن أهلها، جاز أن يأخذ منها بالمعروف] اهـ.
وقال الإمام ابن قُدَامَة الحنبلي في "المغني" (5/ 88) في بيان تصرف الوكيل في مال الزكاة: [ويحتمل أن يجوز له الأخذ إذا تناوله عموم اللفظ، كالمسائل التي تقدمت، ولأن المعنى الذي حصل به الاستحقاقُ متحققٌ فيه، واللفظ متناوِلٌ له، فجاز له الأخذ كغيره] اهـ.
وإذا جاز للوكيل أن يأخذ لنفسه من زكاة موكله إذا كان محتاجًا، ولم يحدد له المزكي أشخاصًا بأعيانها فإنما يأخذ كغيره بالمعروف، بمعنى أنه لا يُحابِي نفسه، كما في "مواهب الجليل" للإمام شمس الدين الحَطَّاب (2/ 354).
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإذا كان الوكيل المذكور في إخراج الزكاة عن غيره مقيَّدًا في وكالته بصرف تلك الزكاة في جهة معيَّنة أو إلى أشخاص معيَّنين ولم يكن مِن جملتهم، فلا يجوز له أن يأخذ منها، أما إذا لم تكن الوكالةُ كذلك، بل كانت مُطلَقةً لمن يراه مستحقًّا للزكاة من غير قيد وكان منهم، كأن يكون فقيرًا أو مسكينًا، جاز له أن يأخذ منها بالمعروف، كما سيُعطي غيرَه من مستحقي الزكاة.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
هل يجب على الزوج أن يقوم بإخراج زكاة الفطر عن زوجته؟
ورد إلينا السؤال التالي: جمعية خيرية لديها مركز طبي لعلاج غير القادرين، وتريد أن تنفق في تشغيل هذا المركز من زكاة المال؛ فما حكم الشرع في ذلك؟
كنت أعمل في دولة الكويت، ولي شقيقة تملك مشغل خياطة في الكويت أيضًا، وعند نزولي في إجازة عام 1989م أعطتني أختي مبلغًا من الدولارات لأقوم بتوصيله إلى صاحب عمارة تمتلك فيها شقة، وهذا المبلغ قسط لهذه الشقة، وحضر إليَّ ابن أختي الثانية للسلام عليَّ فعرضت عليه المبلغ ليقوم بتغييره من شخص يعرفه بالبلدة ونتعامل معه، ونَبَّهتُ عليه أن يأخذ باله من الفلوس خوفًا عليها من الضياع، وعاد من البلد دون أن يغير المبلغ، ولم يحضر طرفي مباشرة وأبقى معه المبلغ لمدة يومين، وعلم والده بذلك فنهره وطلب منه أن يرد المبلغ إليَّ، وأثناء عودته ضاع منه المبلغ، فقمت بسداده إلى صاحب العمارة بعد استدانة هذا المبلغ، وعند عودتي إلى الكويت أخبرت شقيقتي بما حدث، ولم تعطني أي شيء من المال، ولم أطالب ابن أختي الذي أضاع المال بشيء؛ لأنه في وقتها لم يكن يملك شيئًا، وتغيرت الأحوال وسافر ابن أختي إلى الخليج وأصبح يملك مالًا، وأنا الآن في حاجة ماسة إلى هذا المبلغ.
ويطلب السائل رأي الدين في ذلك، وهل من حقِّه أن يُطالب صاحبة المبلغ الأصلي؟ أم يطالب الشخص الذي أضاع المال؟ أم يتحمله هو؟ أم يتحمله الجميع؟
ما حكم الدين برجل معه مال ولا يخرج زكاة، وزوجته تأخذه من ورائه وتخرج الزكاة وتشتري ما يحتاج إليه الأولاد وتحتاج إليه هي؟ مع العلم أنه معه مال كثير ولكنه يكنزه.
ما حكم إخراج الزكاة على أموال جمعية خيرية تكفل اليتامى والمحتاجين؟ حيث يوجد جمعية خيرية تقوم برعاية اليتامى الفقراء والمحتاجين، وتمتلك هذه الجمعية بعض المنازل وتحصِّل إيجارها، كما أن لها أرصدة في البنوك ينتج عنها أرباح نقدية، بالإضافة إلى التبرعات، وتقوم الجمعية بالصرف من حصيلة كل هذا على مرتبات الموظفين وما يلزم من مصاريف إدارية. فهل يجوز إخراج الزكاة الأموال لهذه الجمعية أو لا؟
سائل يقول: انهدم سقف عدد من البيوت في إحدى القرى بسبب الأمطار، ولا يستطيع ساكنوها إصلاحها بسبب ضيق عيشهم، فهل يجوز لي ولغيري المشاركة في إصلاحها من مال الزكاة؛ وقاية لهم من البرد والحر؟