هل يجوز أن أخرج زكاة الفطر تبرعًا مني عن جارٍ وصديقٍ عزيز لي وعن أولاده وزوجته؟ علمًا بأنه قادر على إخراجها، ولكنه مريض، وأريد مجاملته بذلك.
يجوز شرعًا للسائل إخراج زكاة الفطر عن صديقه وعن أولاده وزوجته رعايةً لظروف مرضه مع كونه قادرًا على إخراجها؛ بشرط أن يستأذنه في ذلك؛ فإنْ أذن أجزأ ذلك عنه وعنهم، ولم يلزمه إخراجها مرة أخرى، وإلا فلا تجزئ عنهم؛ وتُحسَبُ صدقة.
المحتويات
زكاة الفطر: هي المال الذي يَجِبُ على المسلم بإتمامه شهر رمضان المبارك؛ غنيًّا كان أو فقيرًا، صغيرًا أو كبيرًا، ذكرًا أو أنثى، فيخرجها المسلم عن نفسه وأهله ممَّن تلزمه نفقتهم إذا ملك قيمتها فائضًا عن قوته وقوت عياله وقت وجوبها، وهو يوم عيد الفطر وليلته، ويجوز إخراجها بدءًا من إهلال رمضان، وقد قدَّرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بصاع من تمر أو شعير أو قُوتِ البلد، على كُلِّ نَفْسٍ من المسلمين؛ كما في حديث عبد الله بن عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: "أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنَ المُسْلِمِينَ» متفق عليه.
وفي رواية أخرى: «على العَبْدِ وَالحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ مِنَ المُسْلِمِينَ» أخرجه البخاري في "صحيحه".
وقد نقل الإجماع على وجوبها غير واحد من الأئمة؛ كالإمام ابن المنذر في "الإشراف" (3/ 61، ط. مكتبة مكة)، والإمام ابن قدامة في "المغني" (3/ 79، ط. مكتبة القاهرة)، والحافظ العراقي في "طرح التثريب" (4/ 46، ط. المطبعة المصرية القديمة).
الحكمة من مشروعيتها: التزكية للصائم، والطهرة له، وجبر نقصان ثواب الصيام، والرفق بالفقراء، وإغناؤهم عن السؤال في مناسبة العيد، وجبر خواطرهم، وإدخال السرور عليهم في يوم يُسَرُّ فيه المسلمون؛ كما في حديث عبد الله بن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ..» أخرجه أبو داود وابن ماجه والبيهقي في "السنن"، والحاكم في "المستدرك" وصححه.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال في زكاة الفطر: «أَغْنُوهُمْ فِي هَذَا الْيَوْمِ» رواه الدارقطني في "السنن"، وفي رواية: «أَغْنُوهُمْ عَنِ الطَّوَافِ فِي هَذَا الْيَوْمِ» رواه ابن وهب في "جامعه"، وابن زنجويه في "الأموال"، والبيهقي في "السنن الكبرى".
قال الإمام الحطاب في "مواهب الجليل" (2/ 365، ط. دار الفكر): [حكمة مشروعيتها: الرفق بالفقراء في إغنائهم عن السؤال يوم الفطر] اهـ.
وقال الإمام الخطيب البغدادي في "تاريخه" (10/ 282، ط. دار الكتب العلمية): [أَخْبَرَنَا الْحَسَن بْن مُحَمَّد الخلّال، حدّثنا عبد الله بن عثمان الصّفّار، حدّثنا محمّد ابن مخلد، حَدَّثَنَا أَبُو واثلة الْمَرْوَزِيّ قَالَ: سَمِعْتُ علي بْن خشرم يَقُول: سَمِعْتُ وكيع بْن الجَرَّاح يَقُول: زكاة الفطر لشهر رمضان كسجدتي السهو للصلاة، تجبر نقصان الصوم كما يجبر السهو نقصان الصَّلاة] اهـ.
الأصل في زكاة الفطر أن يخرجها الإنسان عن نفسه وعمَّن يعول دون استئذان منهم، فإنه الذي يتحمل النفقة عليهم، ويكفي في ذلك نيته عنهم؛ إذ العبادات لا تصح إلا بالنية، ولذا ذهب الفقهاء إلى أنه لا يجزئ إخراجها عن الأجنبي ممَّن لا تلزمه نفقته ولا ولاية له عليه كاملة إلا بإذنه حتى يقوم الإذن مقام النية.
قال العلامة الطحطاوي الحنفي في "حاشيته على مراقي الفلاح" (ص: 475، ط. المطبعة الأميرية): [اعلم أنهم جعلوا السبب في وجوب صدقة الفطر رأسًا يموله ويلي عليه ولاية مطلقة.. قوله (ولا ولده الكبير) أي: الفقير وإن كان في عياله لانعدام الولاية، ولو أدى عنه بغير إذنه فالقياس عدم الإجزاء كالزكاة، وفي الاستحسان الإجزاء لثبوت الإذن عادة. ذكره العلامة نوح] اهـ.
فإذا كان مسوغ الإجزاء في إخراجها عن الولد الكبير هو وجود الإذن منه عادة، فإنه يلزم عن ذلك أنها لا تجزئ عن الأجنبي ممَّن لا نفقة له عليه ولا ولاية دون حصول الإذن منه.
قال العلامة الخرشي المالكي في "شرحه على مختصر خليل" (2/ 230، ط. دار الفكر والطباعة): [يخرج الأب عن ابنه وإن لم يعلمه بها إن صغر، فإن بلغ -أي: قادرًا- فلا بد من إعلامه؛ لأنه لا بد في الزكاة من النية على المذهب قاله ابن فرحون، وإعلامه قائم مقامها] اهـ. فكان إعلام غير الابن حين إخراجها عنه تطوعًا- لازمًا من باب أولى.
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع شرح المهذب" (6/ 136، ط. دار الفكر): [قال أصحابنا: لو أخرج إنسان الفطرة عن أجنبي لا يجزئه بلا خلاف؛ لأنها عبادة فلا تسقط عن المكلف بها بغير إذنه، وإن أذن فأخرج عنه أجزأه] اهـ.
وقال الإمام البهوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (2/ 251، ط. دار الكتب العلمية): [وإن أخرج مَن يصح تبرعه عمن لا تلزمه فطرته كأجنبي بإذنه أجزأ إخراجه عنه، وإلا فلا، قال الآجري: هذا قول فقهاء المسلمين] اهـ.
بناءً على ذلك: فالأصل في زكاة الفطر أن يخرجها الإنسان عن نفسه وعمَّن يعول بنيته عنهم؛ إذ العبادات لا تصح إلا بالنية، ولا يجزئ إخراجها عن الأجنبي ممَّن لا تلزمه نفقته ولا ولاية له عليه كاملة إلا بإذنه، ويقوم الإذن حينئذٍ مقام النية.
وفي واقعة السؤال: فإنَّ ما ترغب فيه من مجاملة جارك المريض بإخراج زكاة الفطر عنه وعن أولاده وزوجته رعايةً لظروف مرضه مع كونه قادرًا على إخراجها؛ هو أمرٌ جائز شرعًا، بشرط أن تستأذنه في ذلك؛ فإن أذن أجزأ ذلك عنه وعنهم، ولم يلزمه إخراجها مرة أخرى، وإلا فلا تجزئ عنهم.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما رأي الشرع في إكرام أصدقاء الوالدين بعد موتهما؟ حيث قرأت أن الشرع الشريف جعل صلة أصدقاء الوالدين بعد موتهما من صور البر بهما، فنرجو منكم توضيح ذلك الأمر.
سائل يقول: أمتلك محلًّا تجاريًّا لبيع المواد الغذائية، وأريد أن أعرف ما هي الشروط الواجب توافرها في عروض التجارة حتى تجب فيها الزكاة؟
تقول السائلة: أعطت أمي لي ولأخي ولأختي قطعَ أرض متساوية بغرض البناء عليها، وقُمنا ببناء المنازل في حياتها، وبعد وفاتها جمع أخي كل الأرض ثم قسمها قسمة الميراث بغير رضانا؛ فهل يجوز ذلك شرعًا؟ وهل أمي آثمة لكونها وزعتها علينا في حياتها بالتساوي؟
ما الآداب الإسلامية في الطرق والأماكن العامة؟ حيث يقوم بعض الناس بتصرفات غير لائقة في الأماكن العامة، لا يراعون فيها الآداب الإسلامية، ولا مشاعر الناس ولا ما تسببه بعض التصرفات من أذى لهم؛ كالبصق في الطرق والأماكن العامة، فما حكم الشرع في ذلك؟
ما حكم زكاة الأرض المشتراة بغرض الاستثمار؛ فأنا اشتريت من عشر سنوات قطعة أرض بغرض الاستثمار، وأنا لا أمتهن التجارة في الأراضي. فهل إذا بعت الأرض أُزكي عنها زكاة تجارة أو زكاة مال؟ وابني يعمل بالتجارة، فكيف يحسب زكاتها؟
سائل يقول: ورد في كتب الحديث أنّ النبي صلّى الله عليهِ وآله وسلّم ذم الجدل ولكن أخبرني البعض أن الجدل ليس كله مذمومًا بل منه ما هو محمودٌ. فنرجو منكم بيان ذلك.