ما حكم شراء الزكاة بعد التسليم للفقير؟ فأنا صاحب محل تجاري أُخرج زكاة مالي حبوبًا لمستحقيها، ثم يأتيني أحد المستحقين لبيع ما أخَذَه، فأشتريه منه بأقل من ثمنه الحقيقي؛ فما حكم ذلك؟
يجوز لـمَن أعطيت له الزكاة حبوبًا أن يبيعها لمن أعطاها له، إذا كان البيع بثمن المثل أو أعلى منه، فإن كان البيع بأقل من ثمن المثل حياء أو مراعاة لكون المشتري هو صاحب الزكاة قَبْلًا، فيحرم حينئذ البيع والشراء، لما فيه من مخالفة المقصد الأسمى من الزكاة وهو سد حاجة المستحق، وتملكه لها تملكًا تامًّا مع إطلاق التصرف فيها من غير محاباة المزكِّي أو الحياء منه.
المحتويات:
الزكاة ركن من أركان الإسلام، شُرعت تطهيرًا للمال، وإغناءً لمستحقيها عن ذل السؤال، ببركتها ينمو المال، ويزكو صاحبها عند الواحد المتعال، ولها مصارف محددة لا تُصْرَفُ إلا إليها، ومِن هذه المصارف الفقراء، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: 60].
قال الإمام ابن جرير الطبري في "جامع البيان" (11/ 509، ط. دار هجر) عند تفسيره لهذه الآية: [يقول تعالى ذكره: لا تنال الصدقات إلا للفقراء والمساكين ومن سماهم الله جل ثناؤه] اهـ.
للبيع أركان إذا تمت مستوفية شروطها فإنَّه يكون صحيحًا، بيد أنه قد تعتريه بعض الأمور تُؤثِّر في حكمه التكليفي من حيث الكراهة أو التحريم، كما هو الحال في شراء الصدقة ممن تَصدَّق عليه بها الإنسان؛ حيث روى الإمام البخاري في "صحيحه" عن زيد بن أسلم عن أبيه، قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يقول: حملت على فرس في سبيل الله، فابتاعه أو فأضاعه الذي كان عنده، فأردتُ أن أشتريه، وظننتُ أنَّه بائعه برخص، فسألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: «لا تشتره وإن بدرهم، فإن العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه».
وقد اختلف الفقهاء في حكم شراء الإنسان الصدقة ممن تصدق بها عليه، بناء على دلالة الحديث السابق، فذهب المالكية في المشهور عندهم والشافعية والإمام أحمد في رواية إلى جواز الشراء لكن مع الكراهة، وحملوا النهي الوارد في الحديث على الكراهة لا التحريم.
قال العَلَّامة النَّفرَاوي المالكي في "الفواكه الدواني" (2/ 157، ط. دار الفكر): [(لا يرجع الرجل) المراد المتصدق (في صدقته) والمعنى: أنَّه يكره لمن تصدق بشيء أن يتملكه بشراء أو غيره من أسباب الملك] اهـ.
وقال العلامة شمس الدين الرملي في "نهاية المحتاج" (6/ 169، ط. دار الفكر): [يكره لمن تصدق بشيء أن يتملكه ممن دفعه له بغير نحو إرث] اهـ.
وقال العلامة المرداوي الحنبلي في "الإنصاف" (3/ 107، ط. دار إحياء التراث): [اعلم أن الصحيح من المذهب: أنه لا يجوز للإنسان شراء زكاته مطلقا، وعليه جماهير الأصحاب، ونص عليه، وقدمه في الفروع، وقال: هو أشهر، قال المجد في "شرحه": صرح جماعة من أصحابنا وأهل الظاهر أن البيع. باطل... وعنه يباح شراؤها كما لو ورثها، نص عليه، وأطلقهن في "الحاويين"] اهـ.
وذهب الحنفية والأوزاعي إلى القول بأن شراء الصدقة ممن تصدق إليه جائز ولا كراهة فيه؛ لأنه استبدال وليس برجوع ومن ثم فلا يشمله النهي الوارد في الحديث.
قال العلامة الطحاوي في "مختصر اختلاف العلماء" (1/ 439، ط. دار البشائر الإسلامية): [في ارتجاع صدقته بالبيع: قال أصحابنا لا بأس لمن أخرج زكاته أو كفارة يمينه أن يشتريه ممن دفعه إليه وهو قول الأوزاعي] اهـ.
وقال العلامة السرخسي في "شرح السير الكبير" (ص: 2080، ط. الشركة الشرقية): [فإن المذهب عند بعضهم أن من تصدق بفرس على رجل، ثم أراد أن يشتريه من المتصدق عليه، أو من غيره، فإنه يكره له ذلك، وهو مذهب ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، حتى قال: يكره له أن يشتريه، وإن اشتراه بأضعاف قيمته، واستدلوا بهذا الحديث، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عمر رضي الله تعالى عنه عن ذلك، وجعل شراءه رجوعا في الصدقة، والرجوع في الصدقة حرام، وعندنا لا يكره؛ لأنه استبدال وليس برجوع] اهـ.
وذهب بعض المالكية والحنابلة في الصحيح عندهم إلى حرمة شراء الصدقة ممن تصدق إليه، وقالوا إن النهي الوارد في الحديث إنما هو للتحريم لا الكراهة، ومن ثم فيحرم شراء المزكي زكاته ممن أداها إليه.
قال العلامة النَّفرَاوي في "الفواكه الدواني" (2/ 157): [قال اللخمي: ومشهور المذهب حمل النهي على الندب، وحمله الدَّاودِي على التحريم، واستظهره ابن عرفة وأبو الحسن] اهـ.
وقال العلامة ابن مفلح في "الفروع" (4/ 375، ط. مؤسسة الرسالة): [يحرم شراء زكاته، نص عليه، وهو أشهر، قال صاحب "المحرر": صرح جماعة من أصحابنا وأهل الظاهر بأن البيع باطل، واحتج أحمد رحمه الله بقوله عليه السلام: "لا تشتره ولا تعد في صدقتك" ولأنه وسيلة إلى استرجاع شيء منها؛ لأنه يسامحه رغبة أو رهبة] اهـ.
وهؤلاء قالوا بفسخ البيع لكون النهي للتحريم يقتضي فساد البيع، قال العلامة أبو الوليد الباجي في "المنتقى" (2/ 181، ط. مطبعة السعادة): [أما حكم الارتجاع إذا وقع ففي "الموازية" قد أجاز بعض العلماء شراء الرجل صدقته وكرهه بعضهم، فإن نزل عندنا لم نفسخه، وبهذا قال القاضي أبو محمد، وهو قول أبي حنيفة والشافعي، وقال الشيخ أبو إسحاق يفسخ الشراء؛ لنهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك، والقولان يتخرَّجان من المذهب] اهـ.
ونقل بطلان البيع العلامة ابن مفلح كما ورد في النص السابق بقوله: [قال صاحب "المحرر": صرح جماعة من أصحابنا وأهل الظاهر بأن البيع باطل] اهـ.
وأمَّا على قول من قال بالكراهة فالبيع لا يفسد عندهم لكون الكراهة لا تقتضي الفساد على قول الأكثرين، قال العلامة العلائي في "تحقيق المراد" (ص: 63-64، ط. دار الكتب الثقافية): [وأما نهي الكراهة فالذي يشعر به كلام الأكثرين وصرح به جماعة أنه لا خلاف فيه، وذلك ظاهر إذ لا مانع من الاعتداد بالشيء مع كونه مكروها] اهـ.
ومُدْرَك النهي في شراء الصدقة ممن أعطيت إليه -كما أفادته عبارة الموفَّق ابن قدامة في "المغني" (2/ 486، ط. مكتبة القاهرة)- أَنَّ في شرائه لها وسيلة إلى استرجاع شيء منها؛ لأن الفقير يستحي منه، فلا يساومه في ثمنها، وربما رخصها له طمعا في أن يدفع إليه صدقة أخرى، وربما علم أنه إن لم يبعه إياها استرجعها منه أو توهم ذلك، وما هذا سبيله ينبغي أن يجتنب. والنهي عن شراء المتصدق الصدقة ممن أعطيت له إنما يشمل الزكاة الواجبة من باب؛ أولى لإطلاق اللفظ في الحديث ونصوص الفقهاء، فالنهي يشمل الصدقة المندوبة والواجبة، وقد ألحق الإمام مالك الزكاة بالصدقة في ذلك.
قال الإمام شهاب الدين القرافي في "الذخيرة" (6/ 261، ط. دار الغرب الإسلامي): [وألحق مالك الزكاة الواجبة بالتطوع] اهـ.
الأَوْلَى بالاختيار هو القول القائل بجواز البيع والشراء، فهو استبدال وليس رجوعًا في الصدقة أو الزكاة، وذلك متى كان البيع بثمن المثل أو أعلى منه، فإن ظَهَر الحياء أو الرَّهبة مِن البائع أو الرغبة من المشتري وكان البيع بأقل مِن ثمن الـمِثْل فيحرم حينئذ؛ لأنَّ ما أخذ بسيف الحياء فهو حرام، ولأنَّ في البيع بأقل من ثمن المثل وسيلة إلى استرجاع شيء منها لمسامحة البائع فيه رغبة أو رهبة.
بناءً على ما سبق وفي واقعة السؤال: فيجوز لـمَن أعطيت له الزكاة حبوبًا -أن يبيعها لمن أعطاها له، إذا كان البيع بثمن المثل أو أعلى منه، فإن كان البيع بأقل من ثمن المثل حياء أو مراعاة لكون المشتري هو صاحب الزكاة قَبْلًا، فيحرم حينئذ البيع والشراء، لما فيه من مخالفة المقصد الأسمى من الزكاة وهو سد حاجة المستحق، وتملكه لها تملكًا تامًّا مع إطلاق التصرف فيها من غير محاباة المزكِّي أو الحياء منه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم تعديل سعر البيع بسبب ارتفاع الأسعار؟ فنحن شركة للاستثمار العقاري، نقوم بشراء الأرض وبنائها وبيع الوحدات بها، وفي عام 2005م بدأنا في عملية إنشاء مبنًى، وتمَّ حساب المدة المقدَّرة للتنفيذ وتسليم الوحدات في أغسطس 2008م، على أن تكون الوحدات بنظام نصف التشطيب -محارة، واجهات، كابلات كهرباء رئيسة- وتقدم بعض العملاء لشراء الوحدات التي سيتم إنشاؤها بالتقسيط حتى موعد التسلم ودفع مقدَّم تعاقد قدره خمسة وعشرون بالمائة من قيمة الوحدة، وتم تقدير قيمة الوحدة على حسب سعر الأرض -الأرض بالتقسيط أيضًا- وتكلفة الإنشاء وهامش ربح محدد من إدارة الشركة. وتم التعاقد على بيع عدد من الوحدات بالنظام السابق ذكره، لكن عند البدء في تنفيذ المشروع فوجئنا بارتفاع متتالٍ في أسعار المواد المختلفة؛ حديد، أسمنت، ألومنيوم، خشب، كابلات كهرباء، عمالة …إلى آخره من مواد لازمة للإنشاء والتشطيب الجاري العمل به حتى الآن.
فما مدى إمكانية تعديل سعر البيع للعقود السابقة؛ نظرًا للارتفاع في أسعار مواد البناء؟ حيث إن كل العقود السابقة تأثر إنشاؤها بالفعل -وما زال يتأثر- بارتفاع أسعار مواد البناء السابق ذكرها، خاصةً أننا الآن في مرحلة التشطيب الداخلي والخارجي لكافة الوحدات.
ما حكم دفع الزكاة لشراء أدوية للمرضى الفقراء؟
يقول السائل: توفي أخونا وترك شقة، وسيارة، وقطعة أرض، وشهادات استثمار، ولم يتم تقسيم التركة؛ فهل تجب فيها الزكاة؟
ما حكم إخفاء درجة جودة السلعة عند بيعها؟ فأنا أعمل تاجرًا في مجال قطع الغيار، ومن المعروف عني أني لا أتاجر إلا في السلع عالية الجودة، لكن في الآونة الأخيرة وبسبب عدم توفر سيولة مالية كبيرة لن أتمكن من الاستمرار في ذلك، فهل يجوز لي التعامل في السلع متوسطة القيمة والجودة، فأبيعها على كونها ذات جودة عالية لكن بسعر منخفض؟ مع العلم بأني لن أُعلم المُشتري بطبيعة هذه السلع.
هل يجوز إخراج زكاة المال على هيئة أدوية للمرضى المحتاجين؟
يطلب السائل بيان الحكم الشرعي بالنسبة لزكاة المال بالمصانع، وتحديد الزكاة على هذه المصانع، ويقول: لأننا نعلم أنَّ الزكاة في التجارة وليست في التصنيع.