ما حكم الشرع الشريف في التبرع بالأعضاء بعد الوفاة؟
استقرت الفتوى في الدِّيار المصريَّة على جواز نقل الأعضاء من الميت إلى الحي بالمُحدِّدات الشرعية والضوابط المرعيَّة، والتي تقوم على التحقق من موت المنقول منه موتًا شرعيًّا ومفارقته للحياة مفارقةً تامةً، أي: موتًا كُليًّا يَسمَح بدفنه، ولا عبرة بالموت الإكلينيكي أو ما يُعرَف بـ موت جذع المخأو "الدماغ" إلا إذا تحقق موتُه بتوقف قلبه وتنفُّسه وجميع وظائف مُخِّه ودماغه توقُّفًا تامًّا لا يُرجى له رجعة، بحيث يكون عمل بعض أعضائه إنما هو عملٌ آليٌّ بفعل الأجهزة المحركة لها، وبحيث يُتيقَّن أو يغلب على الظن من وجهة نظر الطب أن روحه قد فارقت جسده مفارقةً تامةً، كما يُشترط أن يكون الميت المنقول منه العضو قد أوصى بهذا النقل في حياته وهو في كامل قواه العقلية، وبدون إكراه مادي أو معنوي، وأن يكون عالِمًا بأنه يوصي بعضو معيَّن يُنزَع من جسده بعد مماته، وألَّا يؤدي النقلُ إلى امتهان لكرامة الآدمي، ومن ثمَّ يكون التبرع بالأعضاء بعد الوفاة جائزًا شرعًا إذا رُوعِيَت تلك الضوابطُ الشرعيَّةُ، والمحدداتُ القانونية.
المحتويات
خلق اللهُ تعالى الإنسانَ وكرَّمه وفضَّله على سائر المخلوقات، وارتضاه لأن يكون خليفة في الأرض؛ قال الله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ [الإسراء: 70].
ولذلك حرص الإسلامُ كلَّ الحرص على حياة الإنسان والمحافظة عليها وعدم الإضرار بها جزئيًّا أو كليًّا، فأمرت الشريعة الإسلامية الإنسان باتخاذ كلِّ الوسائل التي تحافظ على ذاته وحياته وصحته وتمنع عنه الأذى والضرر، فأمرته بالبعد عن المحرمات والمفسدات والمهلكات، ورَغَّبَتْه عند المرض في اتخاذ كلِّ سبل العلاج والشفاء؛ قال الله تعالى: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: 195]، وقال تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ [النساء: 29].
وعن أسامةَ بنِ شَرِيكٍ رضي الله عنه: أن أَعرابِيًّا جاء إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: يا رسولَ اللهِ، أَنَتَدَاوَى؟ قال: «تَدَاوَوْا؛ فَإِنَّ اللهَ لَمْ يُنْزِلْ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ، وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ» أخرجه الإمام أحمد.
من الوسائل الطبية التي ثبت جدواها في العلاج والدواء والشفاء بإذن الله تعالى: نقلُ وزرع بعض الأعضاء البشرية من الإنسان الميت إلى الإنسان الحي، وقد استقرت الفتوى في دار الإفتاء المصرية على جواز ذلك شرعًا إذا توافرت شروط معينة تُبعد هذه العملية من نطاق التلاعب بالإنسان الذي كرمه الله تعالى ولا تحوِّله إلى قطع غيار تُباع وتُشترى، بل يكون المقصد منها التعاون على البِر والتقوى وتخفيف آلام البَشر، وذلك إذا لم توجد وسيلة أخرى للعلاج تمنع هلاكَ الإنسان، وقرَّر أهل الخبرة من الأطباء العدول أن هذه الوسيلة تحقق النفع المؤكد للآخِذ، ولا تؤدي إلى ضرر بالمأخوذ منه، ولا تؤثر على صحته وحياته وعمله في الحال أو المآل بالنسبة إلى الحي، وعدم انتهاك حرمة الميت.
وهذا حينئذٍ يكون من باب إحياء النفس الوارد في قول الله تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: 32].
والميت وإن كان مثل الحي تمامًا في التكريم وعدم جواز الاعتداء عليه بأي حال؛ لقول الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ [الإسراء: 70]، ولحديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا» أخرجه الإمام ابن ماجه، فإن هذا التكريم لا يؤثِّر فيه ما يؤخذ منه بعد موته من أجزاء تقوم عليها حياة إنسان آخر بعده؛ لأن مصلحة الحي مقدمة على مصلحة الميت، فالإنسان الحي يقيم شرع الله ودِينه لتستمر الخلافة في الأرض ويُعبَد اللهُ وحده كما أراد، وإذا كان المقرر فقهًا أنه إذا تعارضت حياة الأم مع حياة جنينها فإنه تُقدَّم حياة الأم عليه؛ لأن حياتها محققةٌ، وانفصال الجنين منها حيًّا أمر غير محقق، فمن باب أَوْلَى أن يُقدَّم الحي على مَن تأكد موته، ولا يُعَدّ ذلك إيذاءً للميت، لا سيما وأن ذلك النقل يتم بعملية جراحية فيها تكريم وليس فيها ابتذال.
وهذا الترخيص والجواز في نقل الأعضاء من الميت إلى الحي يشترط فيه أن يكون بعيدًا عن البيع والشراء والتجارة بأي حال، وبدون مقابل مادي مطلقًا للموصي بالتبرع بالعضو حال حياته، أو لورثته بعد موته، ويشترط في جميع الأحوال وجوب مراعاة الضوابط الشرعية التالية للترخيص بنقل الأعضاء الآدمية من الميت إلى الحي، وهي:
1- أن يكون المنقول منه العضو قد تحقق موته موتًا شرعيًّا، وذلك بالمفارقة التامة للحياة، أي: موتًا كليًّا، وهو الذي تتوقف جميع أجهزة الجسم فيه عن العمل توقفًا تامًّا تستحيل معه العودة للحياة مرةً أخرى، بحيث يُسمَح بدفنه، ولا عبرة بالموت الإكلينيكي أو ما يُعرَف بـ"موت جذع المخ" أو "الدماغ" إلَّا إذا تحقق موته بتوقف قلبه وتنفسه وجميع وظائف مخه ودماغه توقفًا تامًّا لا يُرجى له رجعة، وكان عمل بعض أعضائه إنما هو آليٌّ بفعل الأجهزة، بحيث تكون روحه قد فارقت جسده مفارقةً تامةً لا يُرجى بعدها عودتُه للحياة؛ لأنه حينئذٍ لم يعد نَفْسًا حَيَّة، والتحقق مِن الموت يكون بشهادة لجنةٍ مكونةٍ مِن ثلاثة أطباء -على الأقل- متخصصين مِن أهل الخبرة العدول الذين يُخَوَّل إليهم التعرف على حدوث الموت، وتكون مكتوبةً وموقعةً منهم، ولا يكون مِن بينهم الطبيب المنفذ لعملية زرع العضو المراد نقله، وهذه اللجنة يصدر بها قرارٌ من الوزير المختص، كما جاء في المادة الرابعة عشرة من القانون رقم (5) لسنة 2010م، حيث نصَّت على أنه: [لا يجوز نقل أيِّ عضو أو جزء من عضو أو نسيج من جسد ميت إلا بعد ثبوت الموت ثبوتًا يقينيًّا تستحيل بعده عودته إلى الحياة، ويكون إثبات ذلك بموجب قرار يصدر بإجماع الآراء من لجنة ثلاثية من الأطباء المتخصصين في أمراض أو جراحة المخ والأعصاب، وأمراض أو جراحة القلب والأوعية الدموية، والتخدير أو الرعاية المركزة، تختارها اللجنة العليا لزرع الأعضاء البشرية، وذلك بعد أن تجري اللجنة الاختبارات الإكلينيكية والتأكيدية اللازمة للتحقق من ثبوت الموت، طبقًا للمعايير الطبية التي تحددها اللجنة العليا ويصدر بها قرار من وزير الصحة، وللَّجنة في سبيل أداء مهمتها أن تستعين بمن تراه من الأطباء المتخصصين على سبيل الاستشارة، ولا يجوز أن يكون لأعضاء اللجنة علاقة مباشرة بعملية زرع الأعضاء أو الأنسجة، أو بمسؤولية رعاية أيٍّ من المُتَلَقِّين المُحتَمَلِين] اهـ.
2- الضرورة القصوى للنقل، بحيث تكون حالة المنقول إليه المرَضية في تدهوُر مستمر ولا ينقذه من وجهة النظر الطبية إلا نقل عضو سليم من إنسان آخر ميت، ويكون محققًا للمنقول إليه مصلحة ضرورية لا بديل عنها.
3- أن يكون الميت المنقول منه العضو قد أوصى بهذا النقل في حياته وهو بكامل قواه العقلية، وبدون إكراه مادي أو معنوي، عالِمًا بأنه يوصي بعضو معيَّن من جسده إلى إنسان آخر بعد مماته، وبحيث لا يؤدي النقل إلى امتهان لكرامة الآدمي، فلا يجوز أن تتضمن الوصيةُ نقلَ كثير من الأعضاء بحيث يصير جسد الآدمي خاوِيًا؛ لأن هذا ينافي التكريم الوارد في قول الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ [الإسراء: 70].
4- ألَّا يكون العضو المنقول من الميت إلى الحي مؤديًا إلى اختلاط الأنساب بأيّ حال من الأحوال، كالأعضاء التناسلية وغيرها.
5- أن يكون النقل بمركز طبي متخصص معتمد من الدولة ومرخَّص له بذلك مباشرة، وبدون أيِّ مقابل مادي بين أطراف النقل، ويستوي في ذلك الغني والفقير، وبحيث توضَع الضوابط التي تساوي بينهم في أداء الخدمة الطبية، وتضمن ألَّا يتقدم أحدٌ على غيره إلا بمقتضى الضرورة الطبية فقط، والتي يترتب عليها الإنقاذ من الضرر المحقق أو الموت والهلاك الحالِّ.
وبنحو ذلك صدر قرار مجمع البحوث الإسلامية رقم (69) في جلسته رقم (8) الدورة (33) المنعقدة بتاريخ: 17 من شهر ذي الحجة سنة 1417هـ الموافق 24 من أبريل سنة 1997م، إذ جاء فيه ما نصُّه: [يجوز نقل عضو من أعضاء جسد الميت إلى جسد إنسان حي إذا كان هذا الإنسان الميت قد أوصى بذلك قبل وفاته كتابةً، أو شهد بذلك اثنان من ورثته، وإذا لم تكن هناك وصية ولا شهادة ففي هذه الحالة يكون الإذن من السُّلطة المختصة، وفي جميع الأحوال يجب أن يكون الإذن بالنقل دون أيِّ مقابل، كما يجب أيضًا أن يكون العضو المنقول لا يؤدي إلى اختلاط الأنساب] اهـ.
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فقد استقرت الفتوى في الدِّيار المصريَّة على جواز نقل الأعضاء من الميت إلى الحي بالمُحدِّدات الشرعية والضوابط المرعيَّة، والتي تقوم على التحقق من موت المنقول منه موتًا شرعيًّا ومفارقته للحياة مفارقةً تامةً، أي: موتًا كُليًّا يَسمَح بدفنه، ولا عبرة بالموت الإكلينيكي أو ما يُعرَف بـ موت جذع المخ أو "الدماغ" إلا إذا تحقق موتُه بتوقف قلبه وتنفُّسه وجميع وظائف مُخِّه ودماغه توقُّفًا تامًّا لا يُرجى له رجعة، بحيث يكون عمل بعض أعضائه إنما هو عملٌ آليٌّ بفعل الأجهزة المحركة لها، وبحيث يُتيقَّن أو يغلب على الظن من وجهة نظر الطب أن روحه قد فارقت جسده مفارقةً تامةً، كما يُشترط أن يكون الميت المنقول منه العضو قد أوصى بهذا النقل في حياته وهو في كامل قواه العقلية، وبدون إكراه مادي أو معنوي، وأن يكون عالِمًا بأنه يوصي بعضو معيَّن يُنزَع من جسده بعد مماته، وألَّا يؤدي النقلُ إلى امتهان لكرامة الآدمي، ومن ثمَّ يكون التبرع بالأعضاء بعد الوفاة جائزًا شرعًا إذا رُوعِيَت تلك الضوابطُ الشرعيَّةُ، والمحدداتُ القانونية.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
سائل يقول: انتشر في الآونة الأخيرة خاصة على صفحات التواصل نشر وصفات طبية من غير أهل الطب المتخصصين؛ فما حكم ذلك شرعًا؟
ما حكم تركيب أطراف صناعية؟ حيث تذكر السائلة أن الله تعالى رزق ابنها الوحيد بطفلة جميلة إلا أنها وُلدت ببتر خِلْقي بالذراع اليسرى -نصف ذراع من دون كف- وأن الطبيب أفادها بأنه يمكن تركيب أطراف صناعية للطفلة عند بلوغها أربع سنوات، والسؤال: هل في مثل هذه الحالة يجوز تركيب الأطراف الصناعية أم يكون ذلك اعتراضًا على حكم الله تعالى؟
ما حكم نقل الأعضاء البشرية من الأموات إلى الأحياء؛ فقد ورد طلب مُقدَّم من/ مجمع البحوث الإسلامية الإدارة العامة لشئون مجلس المجمع ولجانه، والمتضمن: بناء على توصية لجنة البحوث الفقهية، بجلستها التاسعة عشرة: (طارئة)، في دورتها الخامسة والخمسين، والتي عقدت يوم الثلاثاء الموافق 17 من شعبان لسنة 1440 هـ، الموافق 23 من أبريل 2019 م، بشأن: الكتاب الوارد من مكتب فضيلة الإمام الأكبر/ شيخ الأزهر، بخصوص: الطلب المقدم من أحد المواطنين، بشأن: طلب فتح باب مناقشة موضوع: [نقل الأعضاء من الميت إلى الحي]؛ حيث إن زوجة مقدم الطلب تحتاج إلى كبد، ولا يوجد من الأقارب من يصلح لذلك النقل. حيث أوصت اللجنة بإحالة هذا الموضوع إلى دار الإفتاء المصرية للاختصاص. وجاء في الطلب المرفق ما يأتي:
بداية أتقدم بالشكر لفضيلتكم لسعة صدركم للسماح لي بعرض الحالة المرضية لزوجتي: حيث إنها تعاني من تليف في الكبد، وتحتاج لزراعة كبد، وللأسف ليس هناك متبرع من الأبناء أو الأقارب، يصلح للتبرع؛ سواء من حيث العمر، أو فصيلة الدم، وخلافه، وبالتالي لا بد من متبرع من غير الأقارب، وهنا بدأت المعاناة، ووجدنا سماسرة، وتعرضنا لأكثر من حالة نصب، ونحن في هذه المعاناة من شهر أبريل لسنة 2018م، حتى الآن بمستشفى عين شمس التخصصي، والسبب في هذه المعاناة لزوجتي، وآلاف المرضى: هو أن القانون المصري يمنع نقل الأعضاء من إنسان متوفى إلى إنسان حي إلا قرنية العين فقط هي التي يجوز نقلها، وبعكس أغلب البلاد العربية الإسلامية التي تبيح نقل الأعضاء من متوفى إلى حي، وهناك بعض الفقهاء أجازوا نقل الأعضاء من متوفى إلى حي؛ بدليل أن مصر الآن تجيز نقل القرنية، فلماذا لا يتم نقل الكلى أو الكبد من متوفى إلى حي كسائر البلاد العربية والإسلامية وأيضا الأوربية؟
ولذلك أرجو من فضيلتكم فتح باب المناقشة لهذا الموضوع بين علماء الأزهر الشريف، والسادة الأطباء، وفي حالة الموافقة يعرض الأمر على مجلس الشعب لإصدار قانون ينظم عملية زرع الأعضاء، وذلك بدلاً من سماسرة تجارة الأعضاء، لإنقاذ آلاف حالات التليف الكبدي، والفشل الكلوي. وفقكم الله إلى ما يحبه ويرضاه.
ما هو البلوغ الذي تجب به حقوق الله تعالى مِن صلاة وصوم شهر رمضان المبارك ونحوهما؟
سائل يطلب بيان الحكم الشرعي في مَن يتحايل على الأحكام الشرعية والقانونية بقصد التهرب من العقوبة؟
يقول السائل: نرجو منكم بيانًا شافيًا في التحذير من تعاطي المخدرات وبيان حكم الاتجار فيها؟