حكم إفطار من يَحُول نظام العمل بينه وبين الإفطار وقت المغرب في رمضان

تاريخ الفتوى: 23 أبريل 2024 م
رقم الفتوى: 8364
من فتاوى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
التصنيف: الصوم
حكم إفطار من يَحُول نظام العمل بينه وبين الإفطار وقت المغرب في رمضان

ما حكم إفطار من يَحُول نظام العمل بينه وبين الإفطار وقت المغرب في رمضان؟ فهناك رجل يعمل طول اليوم ونظام العمل أنَّ الأكل ممنوع إلا في المواعيد المحددة ومن ثم لا يستطيع الصوم؛ لأنه إذا صام لن يستطيع أن يفطر في موعِدِ الإفطار، وإذا لم يفطر وواصل الصيام فسيكون في الأمر مشقة ولن يستطيع أن يعمل، فهل يجوز له الفطر ويُخرِج عن كل يوم فدية؟

لا يجوز لمن يعمل في مكانٍ يحول نظامه بينه وبين الإفطار وقت المغرب؛ أن يُفطِرَ شهر رمضان، ما دام لا يلحقه بعمله هذا مشقةٌ شديدةٌ لا يمكن تحملها؛ لأن ذلك ليس من الأسباب المبيحة للفطر، ويمكنه أن يفطر على تمرات أو ماء أو غير ذلك، ثم يؤخر بقية إفطاره إلى وقت الراحة التالي، وإذا أفطر لغير عذر فإنه يكون مرتكبًا لكبيرةٍ، ويلزمه القضاء بأن يصوم يوما عن كل يوم أفطره، مع التوبة والاستغفار.

المحتويات

 

بيان وجوب صوم رمضان وفضله وركنه ووقته

مِن المقرر شرعًا أنَّ صومَ رمضان واجبٌ، وهو ركنٌ مِن أركان الإسلام الخمسة، والأصل في ذلك قولُ الله تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ [البقرة: 185]. وعن سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ» متفق عليه. قال الإمام ابن القَطَّان في "الإقناع" (1/ 226، ط. الفاروق الحديثة): [ولا خلاف بين العلماء في أن صيام شهر رمضان واجب] اهـ.

ولِعِظَمِ فضل الصيام وكونه مِن أَجَلِّ العبادات؛ اختَصَّ اللهُ سبحانه وتعالى نَفْسه بتقدير ثواب الصائم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَأَكْلَهُ وَشُرْبَهُ مِنْ أَجْلِي» متفقٌ عليه. وركنه هو الإمساك مِن أوَّل النهار إلى آخِره، فيبدأ المكلَّفُ الصحيحُ المقيمُ صومَهُ مِن طلوع الفجر وينتهي بغروب الشمس، قال تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ [البقرة: 187]. وهذا الوقتُ المحدَّد للصوم محلُّ اتفاقٍ بين الفقهاء، فعن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ وَأَدْبَرَ النَّهَارُ وَغَابَتِ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ»، قال الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (7/ 209، دار إحياء التراث العربي): [معناه: انقضى صومه وتَمّ، ولا يوصف الآن بأنه صائم، فإن بغروب الشمس؛ خرج النهار ودخل الليل، والليل ليس محلًّا للصوم، وقوله صلى الله عليه وسلم «أَقْبَلَ اللَّيْلُ وَأَدْبَرَ النَّهَارُ وَغَابَتِ الشَّمْسُ» قال العلماء: كل واحدٍ من هذه الثلاثة يتضمن الآخرين ويلازمهما، وإنما جمع بينها؛ لأنه قد يكون في وادٍ ونحوه بحيث لا يشاهد غروب الشمس، فيعتمدُ إقبالَ الظلامِ وإدبارَ الضياء، والله أعلم] اهـ، وينظر: "بدائع الصنائع" لعلاء الدين الكاساني الحنفي (2/ 77، ط. دار الكتب العلمية)، و"التبصرة" للإمام اللَّخْمِي المالكي (2/ 722، ط. أوقاف قطر)، و"المجموع" للإمام النووي الشافعي (6/ 303، ط. دار الفكر)، و"الكافي" للإمام ابن قُدَامَة الحنبلي (1/ 438، ط. دار الكتب العلمية).

حكم إفطار من يَحُول نظام العمل بينه وبين الإفطار وقت المغرب في رمضان

للصيام شرائط؛ منها: القدرة عليه، وهي إمَّا شرعية: وتعني الخلو من الموانع الشرعية للصيام كالحيض والنفاس، وإمَّا قدرة حسية: وتعني طاقة المكلف للصيام بدنيًّا؛ بأن يكون غير عاجز بمرض ونحوه ممَّا يشقُّ معه الصيام مشقةً شديدة، أو كبر سنِّ يجعله بمنزلة المريض العاجز عن الصوم، أو نحو ذلك، أو مسافرًا.

قال الخطيب الشربيني الشافعي في "مغني المحتاج" (2/ 168-169، دار الكتب العلمية): [(وَإِطَاقَتُهُ) أَيْ الصَّوْمِ، وَالصِّحَّةُ، وَالْإِقَامَةُ -أَخْذًا مِمَّا سَيَأْتِي-، فَلَا يَجِبُ عَلَى... مَنْ لَا يُطِيقُهُ حِسًّا أَوْ شَرْعًا لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ أَوْ حَيْضٍ أَوْ نَحْوِهِ، وَلَا عَلَى مَرِيضٍ وَمُسَافِرٍ] اهـ.

وطول ساعات الصوم لا يُعَدُّ عذرًا شرعيًّا مُبِيحًا للفطر ولو مع حصول المشقة، ما دامت هذه المشقةُ مُحْتَمَلَةً غير خارجة عن المشقة المعتاد التي لا ينفك عنها التكليف الشرعي، ولم يكن مريضًا؛ بحيث إن الصيام يؤذيه ويَتَكَلَّفُهُ ويَخافُ على نَفْسِهِ منه، كما قال الإمام ابن القَطَّان في "الإقناع" (1/ 229، ط. الفاروق الحديثة).

قال الإمام شهاب الدين القَرَافِي في "الفروق" (1/ 118، ط. عالم الكتب): [المَشَاقُّ قِسمان: أحدهما لا تَنْفَكُّ عنه العبادة: كالوضوء والغُسل في البرد، والصوم في النهار الطويل، والمخاطَرَة بالنفس في الجهاد، ونحو ذلك، فهذا القِسم لا يوجب تخفيفًا في العبادة؛ لأنه قُرِّرَ مَعَهَا] اهـ.

وعليه إذا أراد أن يحوز فضيلة تعجيل الفطر: فليفطر على ماء أو تمرات تكون معه أو غير ذلك، ثم يؤخر بقية إفطاره إلى وقت الراحة التالي، فعن سيدنا أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُفْطِرُ عَلَى رُطَبَاتٍ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ رُطَبَاتٍ فَعَلَى تَمَرَاتٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَمَرَاتٍ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ» أخرجه الحاكم في "المستدرك".

وتعمُّد الفطر في نهار رمضان -من غير سببٍ مُبيحٍ لذلك- كبيرةٌ من كبائر الذنوب؛ لأنَّ في ذلك انتهاكًا لحرمة الشهر، فقد روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ رُخْصَةٍ وَلَا مَرَضٍ لَمْ يَقْضِ عَنْهُ صَوْمُ الدَّهْرِ كُلِّهِ وَإِنْ صَامَهُ».

ومن رحمة الله تعالى ورعايته أن شَرع التوبة من المعاصي، واستكمال واستدراك ما فات المسلم أو قَصَّر فيه حتى ولو كان ذلك بفعل كبيرة أو تركِ فريضة، ومِن ثَمَّ فقد أجمع الفقهاء على أنه يلزمه القضاء.

ثم اختلفوا في لزوم الكفارة مع القضاء على قولين، فذهب الحنفية والمالكية: إلى أنه يلزمه القضاء والكفارة وهي صيام شهرين متتابعين.

قال الإمام المرغيناني الحنفي في "الهداية" (1/ 122، ط. دار إحياء التراث العربي): [ولو أكل أو شرب ما يُتَغَذَّى به أو ما يُدَاوَى به فعليه القضاء والكفارة] اهـ.

وقال الإمام ابن عبد البر المالكي في "الكافي" (1/ 343، ط. مكتبة الرياض الحديثة): [وإنْ أفطر في يومين أو أيام عامدًا فعليه لكل يوم كفارة] اهـ.

وذهب الشافعية والحنابلة إلى القول بالاقتصار على قضاء الصوم بمثله من غير كفارةٍ، مع التوبة إلى اللهِ تعالى والاستغفار، وهو المختار للفتوى.

قال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي الشافعي في "المهذب" (1/ 336-337، ط. دار الكتب العلمية): [ولا تجب عليه الكفارة؛ لأن الأصلَ عدم الكفارة إلا فيما ورد به الشرع، وقد ورد الشرع بإيجاب الكفارة في الجماع، وما سواه ليس في معناه؛ لأن الجماع أغلظ] اهـ.

وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (3/ 119، ط. مكتبة القاهرة): [ومَن أكل أو شرب أو احتجم أو استعط أو أدخل إلى جوفه شيئًا من أيِّ موضعٍ كان، أو قَبَّلَ فَأَمْنَى أو أمذَى، أو كَرَّرَ النظر فأنزل، أيُّ ذلك فَعَلَ عَامدًا وهو ذاكرٌ لصَومهِ: فعليه القضاء بلا كفارةٍ إذا كان صومًا واجبًا] اهـ.

الخلاصة

بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فلا يجوز لمن يعمل في مكانٍ يحول نظامه بينه وبين الإفطار وقت المغرب؛ أن يُفطِرَ شهر رمضان، ما دام لا يلحقه بعمله هذا مشقةٌ شديدةٌ لا يمكن تحملها؛ لأن ذلك ليس من الأسباب المبيحة للفطر، ويمكنه أن يفطر على تمرات أو ماء أو غير ذلك، ثم يؤخر بقية إفطاره إلى وقت الراحة التالي، وإذا أفطر لغير عذر فإنه يكون مرتكبًا لكبيرةٍ، ويلزمه القضاء بأن يصوم يوما عن كل يوم أفطره، مع التوبة والاستغفار.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما حكم صيام مَنْ يقضي نهاره نائمًا ولا يستيقظ إلا للصلاة فقط حتى أذان المغرب؟


ما حكم تركيب العدسات اللاصقة الطبية أثناء الصيام؛ حيث تكون مُبَلَّلة بمحلول مائي لحفظها؟


ما حكم استخدام اللبوس أثناء الصيام؟ فقد يحتاج بعض المرضى إلى التداوي بـ(اللبوس الشرجي)، فهل استعماله أثناء الصيام يؤثر في صحة الصوم؟


ما حكم تناول المرأة لأدوية لمنع نزول الدورة الشهرية لتتمكن من صيام شهر رمضان؟


ما مدى جواز العمل بالأحاديث الواردة في صيام شهر رجب؟ حيث يقول بعض الناس إن الفقهاء الذين استحبوا الصيام في شهر رجب قد جانبهم الصواب، وإنهم استندوا في قولهم هذا على أحاديث ضعيفة وموضوعة، ومنهم فقهاء الشافعية، فهل هذا صحيح؟


ما حكم صيام مرضى السكر؛ حيث تم إعداد برنامج جديد بالنسبة لتقييم حالة مرضى السكر، يحتوي على كل العوامل المسببة للخطورة، وإعطائها نقاطًا مختلفة حسب أهميتها، بشكل متناسب مع وضع كل مريض، ويقوم الأطباء بمراجعة حالة المريض بالتفصيل، وتضاف النقاط حسب المعلومات (عوامل الخطورة تتحدد بناءً على مدة المرض، ونوعه، ونوع العلاج، والمضاعفات الحادة من الحمض الكيتوني وارتفاع السكر الشديد مع الجفاف، والمضاعفات المزمنة، وهبوط السكر، وخبرة الصوم السابقة، والصحة الذهنية والبدنية، وفحص السكر الذاتي، ومعدل السكر التراكمي، وساعات الصيام، والعمل اليومي والجهد البدني، ووجود الحمل).
ويتم بعدها جمع النقاط لكل مريض لتحديد مستوى الخطورة في حال قرر صيام رمضان كما يلي: من 0: 3= خطورة خفيفة، ومن 3.5: 6= خطورة متوسطة، وأكبر من 6= خطورة مرتفعة.
نصائح وإرشادات:
أولًا: يجب تقديم النصائح الطبية لكل المرضى مهما كان مستوى الخطورة عندهم، وتعديل العلاج الدوائي بما يناسب كلِّ حالةٍ.
ثانيًا: يجب تقديم النصائح والمتابعة الدقيقة لكل المرضى، حتى في حال الإصرار على الصيام ضد نصيحة الطبيب.
ثالثًا: يُنصح المرضى الذين يقدر وضعهم على أنه مرتفع الخطورة بعدم الصيام مع توضيح احتمالات الضرر عليهم.
رابعًا: في حال المرضى متوسطي مستوى الخطورة، يتم التشاور بين الطبيب والمريض ومراجعة الوضع الصحي وخبرات المريض السابقة وأدويته، ويجب توضيح احتمال الخطورة المرافق، بشكل عام يسمح للمريض بالصيام مع الانتباه لضرورة المراقبة المستمرة لمستوى السكر في الدم حسب تعليمات الطبيب، وفي حال خوف المريض الشديد، دون وجود سبب طبي مقنع يتم اللجوء إلى الاستشارة الدينية.
خامسًا: في حال مستوى الخطورة المنخفض، يشجع المرضى على الصيام، مع ضرورة المراقبة الطبية الموصوفة.
سادسًا: يجب على كل المرضى الذين قرروا الصيام بنصيحة طبية أو حتى ضد النصيحة الطبية معرفة ضرورة التوقف عن الصيام في الحالات التالية:
حدوث ارتفاع السكر إلى أكثر من ٣٠٠ مع/ دل.
انخفاض السكر أقل من ٧٠ مع/ دل.
وجود أعراض الانخفاض أو الارتفاع الشديدة.
وجود أمراض حادة تسبب حدوث الحرارة أو الإسهال أو التعب أو الإرهاق العام.
الخلاصة: يجب على الأطباء مراجعة كل عوامل الخطورة المذكورة عند مرضاهم للوصول إلى تحديد مستوى الخطورة الصحيح، وستساعد هذه الوسيلة في تقييم خطورة الصيام عند المرضى في الوصول إلى تقييمات حقيقية للمرضى، حتى وإن اختلف الأطباء واختصاصاتهم، وستساعد الأطباء الأقل خبرة في الوصول إلى تقييم أقرب إلى الدقة؛ فنرجو من فضيلتكم بيان الرأي الشرعي في هذا الأمر.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 09 أغسطس 2025 م
الفجر
4 :43
الشروق
6 :19
الظهر
1 : 0
العصر
4:37
المغرب
7 : 42
العشاء
9 :6