ما حكم صلاة من رأى نجاسة على ثوبه بعد الانتهاء من الصلاة؟ فقد صلَّيتُ العشاء ظانًّا طهارة بدني وثوبي ومكان صلاتي، فلمَّا فرغتُ من الصلاة رأيت النجاسة في ثوبي. فهل تصح صلاتي لجهلي بالنجاسة؟
طهارة الثوب والبدن والمكان شرطٌ لصحة الصلاة، ولا تصح صلاة من صلَّى عالمًا بالنجاسة اتِّفاقًا، أمَّا مَن عَلِم بالنجاسة بعد الفراغ من الصلاة فصلاته صحيحة على المختار للفتوى، إلَّا أنَّه يستحبُّ له إعادتها خروجًا من الخلاف، ومن ثَمَّ فصلاتك صحيحة، لكن يستحب لك إعادتها.
المحتويات
مِن المقرَّر شرعًا أنَّ مراعاة طهارة الثوب والبدن والمكان لازمة لمن أراد الصلاة؛ أمَّا طهارة الثوب؛ فلقوله تعالى: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾ [المدثر: 4]، وأمَّا طهارة البدن؛ فلما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّه قال: مرَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقبرين، فقال: ««إنَّهما ليعذَّبان، وما يعذَّبان في كبير، أمَّا أحدهما فكان لا يستتر من البول، وأمَّا الآخر فكان يمشي بالنميمة» متفقٌ عليه.
وروى الشيخان أيضًا من حديث فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلِّي».
وأمَّا طهارة المكان؛ فلقوله تعالى: ﴿أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾ [البقرة: 125]، كما رُوي عن أبي سعيد الخُدْرِيِّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ إِلَّا الْحَمَّامَ وَالْمَقْبَرةَ» أخرجه أبو داود والترمذي في "السنن".
وكذلك ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «نَهَى أَنْ يُصَلَّى فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ: فِي المَزْبَلَةِ، وَالمَجْزَرَةِ، وَالمَقْبَرَةِ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَفِي الحَمَّامِ، وَفِي مَعَاطِنِ الإِبِلِ، وَفَوْقَ ظَهْرِ بَيْتِ اللَّهِ» أخرجه الترمذي في "سننه".
وبعض هذه الأماكن المنهي عن الصلاة فيها سبب النهي إنما هو غلبة النجاسة كالمزبلة، والمجزرة، والمقبرة، والحمام. يُنظر: "طرح التثريب" للعلامة أبي بكر العراقي (2/ 106، ط. الطبعة المصرية القديمة).
واستنادًا إلى تلك النصوص الشرعية فقد ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية، والمالكية في قولٍ، والشافعية، والحنابلة، إلى أنَّ طهارة الثوب والبدن والمكان شرطٌ من شروط صحة الصلاة، فمن صلَّى بالنجاسة متعمِّدًا عالمًا بها بطلت صلاته، ووجب عليه إعادتها. ينظر: "بدائع الصنائع" للكاساني (1/ 114، ط. دار الكتب العلمية)، و"الشرح الصغير" للشيخ الدردير (1/ 64-65، ط. دار المعارف)، و"المجموع" للنووي (3/ 131، ط. دار الفكر)، و"بحر المذهب" للروياني (2/ 170، ط. دار الكتب العلمية) و"كشاف القناع" للبهوتي (1/ 345-346، ط. دار الكتب العلمية).
اختلف الفقهاء في حكم صلاة من علم بالنجاسة بعد فراغه من الصلاة؛ فذهب الحنفية والشافعية في المذهب والحنابلة في رواية إلى أنَّ صلاته لا تصح، وعليه الإعادة.
قال العلامة الشُّرنبلالي الحنفي في "مراقي الفلاح" (ص: 92، ط. دار الكتب العصرية): [(لا إعادة عليه) أي: المتحري (لو) علم بعد فراغه أنَّه (أخطأ) الجهة... وليس التحري للقبلة مثل التحري للتوضؤ والساتر، فإنَّه إذا ظهر نجاسة الماء أو الثوب أعاد] اهـ.
وجاء في "الفتاوى الهندية" (1/ 62، ط. دار الفكر): [ولو صلى في جُبَّة محشوة فوجد في حشوها بعد الفراغ فأرة ميتة يابسة، إِن كان للجبة ثقب أو خرق أعاد صلاة ثلاثة أيام، وإن لم يكن أعاد جميع ما صلى في تلك الجبة] اهـ.
وقال الإمام محيي الدين النووي الشافعي في "المجموع" (3/ 132): [ومذهبنا أنَّ إزالة النجاسة شرط في صحة الصلاة، فإن علمها لم تصح صلاته بلا خلاف، وإن نسيها أو جهلها فالمذهب أنَّه لا تصح صلاته] اهـ.
وقال العلامة الـمَرْداوي الحنبلي في "الإنصاف" (1/ 486، ط. دار إحياء التراث العربي): [قوله (فإن علم أنَّها كانت في الصلاة، لكن جهلها أو نسيها فعلى روايتين)... والرواية الثانية: لا تصح، فيعيد، وهو المذهب، قال في "الفروع": والأشهر الإعادة؛ قال في "الحاويين": أعاد في أصح الروايتين، وجزم به في "الإفادات"، وقدمه في "الرعايتين"، وجزم به القاضي، وابن عقيل، وغيرهما في الناسي] اهـ.
وذهب المالكية والشافعية في القديم والحنابلة في الرواية الأخرى -وهي اختيار أكثر المتأخِّرين عندهم- إلى أنَّ صلاته صحيحة ولا يلزم إعادتها، وهو ما اختاره ابن المنذر، غير أن المالكية استحبوا إعادتها إذا كان الوقت باقيًا.
قال الشيخ الدردير المالكي في "الشرح الصغير" (1/ 65): [فإن صلَّى بالنجاسة ناسيًا لها حتَّى فرغ من صلاته، أو لم يعلم بها حتَّى فرغ منها فصلاته صحيحة، ويندب له إعادتها في الوقت] اهـ.
وقال الإمام محيي الدين النووي الشافعي في "المجموع" (3/ 132): [وعن مالك في إزالة النجاسة ثلاث روايات: أصحها وأشهرها أنَّه إن صلَّى عالمًا بها لم تصح صلاته، وإن كان جاهلًا أو ناسيًا صحت، وهو قول قديم عن الشافعي] اهـ.
وقال العلامة الـمَرْداوي الحنبلي في "الإنصاف" (1/ 486): [قوله: (فإن علم أنَّها كانت في الصلاة، لكن جهلها أو نسيها فعلى روايتين)... إحداهما: تصح، وهي الصحيحة عند أكثر المتأخرين] اهـ.
وقال العلامة ابن المنذر في "الأوسط" (2/ 164، ط. دار طيبة): [وإذا صلى الرجل ثم رأى في ثوبه نجاسة لم يكن علم بها، ألقى الثوب عن نفسه، وبنى على صلاته، فإن لم يعلم بها حتى فرغ من صلاته فلا إعادة عليه] اهـ.
المختار للفتوى: أنَّ من صلَّى ثم علم بنجاسة ثيابه بعد فراغه من الصلاة مباشرة صحَّت صلاته ولا إعادة عليه؛ وذلك لما يلي:
أوَّلًا: ما تقرَّر شرعًا من رفع الحرج والمؤاخذة على الخطأ؛ قال تعالى: ﴿وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [الأحزاب: 5]، وقال تعالى: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ [البقرة: 286].
ثانيًا: ما روي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلِّي بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره، فلمَّا رأى القوم ذلك ألقوا نعالهم، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلاته، قال: «ما حملكم على إلقائكم نعالكم؟» قالوا: رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إنَّ جبريل عليه السلام أتاني فأخبرني أنَّ فيهما قذرًا» أخرجه أبو داود.
قال الموفَّق ابن قدامة في "المغني" (2/ 49، ط. مكتبة القاهرة) في وجه الدلالة من الحديث: [لو كانت الطهارة شرطًا مع عدم العلم بها، لزمه استئناف الصلاة] اهـ.
وقد نصَّ الفقهاء والأصوليون على أن للمكلف أن يقلد من أجاز، وعلى أن أفعال العوام محمولة على ما صحَّ من مذاهب المُجتهدين ممن يقول بالحل أو بالصِّحة؛ فإن مراد الشرع الشريف تصحيح أفعال المكلَّفين وعباداتهم مهما أمكن ذلك؛ حتى تقرَّر في قواعد الفقه أن "إعمال الكلام أولى من إهماله"، فإذا صدر من العامي فعلٌ مُعين: فيكفي في صحة فعله أن يوافق أحد آراء المذاهب وأقوال المُجتهدين، وهو الذي جرت عليه الفتوى.
قال العلَّامة ابن نُجيم الحنفي في "البحر الرائق" (2/ 90، ط. دار الكتاب الإسلامي): [وإن لم يستفت أحدًا وصادف الصحة على مذهب مجتهدٍ: أجزأه ولا إعادة عليه] اهـ.
وقال العلامة محمد بخيت المطيعي مفتي الديار المصرية الأسبق في "الفتاوى" (1/ 225، ط. دار وهبة): [متى وافق عمل العامي مذهبًا من مذاهب المجتهدين ممن يقول بالحل أو بالطهارة كفاهُ ذلك، ولا إثم عليه اتفاقًا] اهـ.
إلَّا أنَّه يستحب لمن علم النجاسة بعد الفراغ من الصلاة أن يعيدها خروجًا من الخلاف؛ لما تقرَّر شرعًا أنَّ: "الخروج من الخلاف مستحب".
بناءً على ما سبق وفي واقعة السؤال: فطهارة الثوب والبدن والمكان شرطٌ لصحة الصلاة، ولا تصح صلاة من صلَّى عالمًا بالنجاسة اتِّفاقًا، أمَّا مَن عَلِم بالنجاسة بعد الفراغ من الصلاة فصلاته صحيحة على المختار للفتوى، إلَّا أنَّه يستحبُّ له إعادتها خروجًا من الخلاف، ومن ثَمَّ فصلاتك صحيحة، لكن يستحب لك إعادتها.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم تقدم الصفوف على الإمام وانخفاضها عند توسعة مسجد؟ فمساحة مسجدٍ أربعةٌ وستون مترًا مربعًا، ولكنه بلا دورة مياه ولا غرف لمقيمي الشعائر، وقد تبرع أحد المصلين بمساحة جانبية جهة يمين هذا المسجد ولكنها منخفضة عنه في ارتفاع الأرض وضعفه في المساحة وتتسع جهة القبلة بحيث إن الصفوف الأولى بها ستكون متقدمة عن الإمام في محرابه بالمسجد لو تمَّ ضمُّ التوسعة إلى المسجد، فما حكم الشرع في ذلك؟
ما حكم الاستغناء عن مسجد صغير بعمارة سكنية بعد بناء مسجد كبير أمامه؟ حيث يقول السائل: اشتريت منزلًا تقع فيه عيادتي ومسجد صغير، والسائل يرى أن في المسجد عيوبًا وهي: إزعاج المصلّين وقت الصلوات من المرضى الصاعدين والهابطين من وإلى العيادة، ووقوف الإمام خلف الجزء الأكبر من المصلين في صلاة الجمعة؛ حيث إن المسجد صغير ويصلي بعض الناس بالخارج، ويوجد ساكنين أعلى المسجد يمارسون حياتهم الطبيعية. علمًا بأني سأقوم بإنشاء مسجد أكبر أمامه؛ لإحلاله محل المسجد القديم الذي أنوي استغلاله لتوسعة العيادة، ولن أقترب من المسجد القديم إلا بعد تمام بناء المسجد الجديد، وبدء إقامة الصلوات فيه؛ فما حكم الشرع في ذلك؟
ما الرد على دعوى الخطأ في توقيت صلاة الفجر في الديار المصرية. حيث أحضر بعض المصلين في المسجد كتابًا به بعض الآراء الشاذة التي تقول بأنَّ صلاة الفجر لا تجوز بعد الأذان مباشرة، ولا بدَّ من الانتظار لمدة 25 دقيقة؛ حتى تجوز الصلاة وإلا كانت باطلة، على خلاف ما تعلمناه منكم بصحة الصلاة بعد الأذان مباشرة؛ وحيث إنّ هذا الأمر أثار فتنة بين المصلين بالمسجد، فما مدى صحة هذا الكلام؟ ولسيادتكم جزيل الشكر.
سائل يقول: نرجو منكم بيان ما ورد في السنة النبوية في فضل صلاة الضحى؛ فأنا أحافظ على أداء صلاة الضحى يوميًّا، وسمعت أن لها فضلًا وثوابًا عظيمًا.
في يوم الجمعة هل يجب على التجار إقفال محالهم التجارية في ذلك اليوم جميعه وقت الصلاة وقبلها؟ أو لا يجب إلا وقت الصلاة حسب ما يرشد إليه قوله عز وجل: ﴿وَذَرُوا الْبَيْعَ﴾ [الجمعة: 9]؟ أفيدونا الجواب لا زلتم ملجأً للقاصدين.
ما حكم الصلاة في الأماكن المخصصة للألعاب والاستحمام وغرف تغيير الملابس؟ فبعض أعضاء أحد الأندية الرياضية يقومون بأداء صلاة الجماعة في بعض الأماكن المخصصة للألعاب والاستحمام وغرف تغيير الملابس، مما دفع البعض للسؤال عن جواز صلاة الجماعة في هذه الأماكن، علمًا بأن مرتادي هذه الأماكن يقومون بارتداء الملابس الرياضية وملابس الاستحمام، ويقوم البعض الآخر بالثرثرة وتبادل الأحاديث غير الملائمة لجلال الصلاة، علمًا بأن للنادي مسجدًا كبيرًا للصلاة وزاويتين مجهزتين على مستوًى عالٍ، ولا تبعد أي منهما عن أي مكان في النادي سوى القليل من الأمتار.
برجاء الإفادة عن جواز صلاة الجماعة في هذه الأماكن درءًا للخلافات ونبذًا للفتنة داخل النادي.