حكم استخدام التوكيل في نقل ملكية عقارات الوالد الذي يسيء التصرف دون علمه

تاريخ الفتوى: 29 يناير 2025 م
رقم الفتوى: 8557
من فتاوى: فضيلة أ. د/ نظير محمد عياد - مفتي الجمهورية
التصنيف: الوكالة
حكم استخدام التوكيل في نقل ملكية عقارات الوالد الذي يسيء التصرف دون علمه

ما حكم استخدام التوكيل في نقل ملكية عقارات الوالد الذي يسيء التصرف دون علمه؟ فقد قام والدي بعمل توكيل عام لي، وقد كبر في السن جدًّا، وعنده أموال وممتلكات، وأصبح لا يحسن التصرف في تلك الأملاك، فهل يجوز استخدام هذا التوكيل في نقل ما يملكه لي وجعله باسمي دون علمه؟

لا يجوز للولد أن ينقل أملاك والده من عقارات وغيرها بموجب هذا التوكيل دون إذن والده أو رضاه، فالوكيل يعمل في مال الوكالة وفق إرادة الموكِّل، وليست إساءة الوالد التصرف في ماله مبررًا لتصرف الابن في مال والده بغير إذنه أو في غير مصلحته، بل يبذل مع والده الوسع في النصح لحسن التصرف على أن يكون ذلك برفق ولين وبمشاركة أهله وأولاده ومن لهم حقٌّ في هذا المال حال التوارث، ثم باستشارة أهل الحكمة والخبرة والتخصص إن احتاج الأمر ذلك، ثم إذا استمر سوء التصرف في المال رفع أمره إلى القضاء، وما يقضي به القاضي يتعين العمل به، وذلك لما لديه من سلطات واسعة في التحقيق والإثبات التي لا تتوفر لدى آحاد الناس، والتي بها يتوصل إلى ثبوت عدم التمييز والرشاد.

المحتويات

 

تعريف الوكالة والحكمة من مشروعيتها

شرع الإسلام العقود لتيسير مصالح الناس، وتلبية رغباتهم في تحقيق تعاملاتهم التي تستقيم من خلالها حياتهم، ومن هذه العقود: عقد الوكالة.

والوكالة عبارة عن إقامةِ الإنسانِ غيرَه مَقامَ نَفْسه في تصرُّفٍ معلومٍ، أو هي تفويضُ أَمْرِك إلى مَن وَكَّلتَه اعتمادًا عليه فيه؛ تَرَفُّهًا منكَ أو عجزًا عنه. يُنظر: "العناية" للإمام البَابَرْتِي الحنفي (7/ 499، ط. دار الفكر)، و"فتح القدير" للإمام كمال الدين ابن الهُمَام الحنفي (7/ 499-500، ط. دار الفكر).

يَدُ الوكيل على مال الموكل يد أمانة

إذا صَحَّ التوكيلُ كانت يَدُ الوكيل على مال الموكل يد أمانةٍ ما لَم يُفَرِّط في حِفْظِه، فإنْ فَرَّط تَحَوَّلَت يدُه مِن أمانٍ إلى ضمانٍ، وذلك كغيرها مِن سائر الأموال، وقد نص الفقهاء على أن الوكيلَ أمينٌ فيما دَفَعَه إليه الموكِّل مِن المال وأقامه فيه مقام نفسه من التصرفات؛ لأنه نائبٌ عنه في اليد والتصرُّف، ولهذا لا يَضمن ما تَلِفَ أو هَلَكَ في يده إلا إذا كان مُتَعَدِّيًا ومُفَرِّطًا في حِفْظِه؛ لأن هلاكَه في يده كهلاكِهِ في يد الموكِّل. يُنظر: "المبسوط" لشمس الأئمة السَّرَخْسِي الحنفي (14/ 40، ط. دار المعرفة)، و"الذخيرة" للإمام شهاب الدين القَرَافِي المالكي (8/ 15، ط. دار الغرب الإسلامي)، و"المهذب" للإمام الشِّيرَازِي الشافعي (2/ 177، ط. دار الكتب العلمية)، و"المبدع" للإمام برهان الدين ابن مُفْلِح الحنبلي في "المبدع" (4/ 347، ط. دار الكتب العلمية).

تصرف الوكيل مشروط بإذن موكله ومصلحته

ما قام به الوالد من الوكالة العامة لابنه تصرفٌ صحيحٌ يترتب عليه آثاره؛ إذ الأصل أنه لا تنفذ التصرفات على الشيء إلا لمالكه أو من ينيبه عنه، وتنفذ تصرفات النائب أو الوكيل بمقتضى ما خوَّله إياه المالك من تصرفات، فإذا وكَّل أحدهم غيره بإطلاق، فإن تصرُّف الوكيل في مال موكله يكون قائمًا على الوكالة، ولا يخرج عن حدودها.

ولَـمَّا كان الوكيل أمينًا في تصرفه، لزم من ذلك أنه ليس له أن يأخذ لنفسه من مال الوكالة شيئًا إلا بإذن موكله ورضاه، ووجب أن يكون تصرفه محصورًا فيما فيه مصلحة الوكيل وما يتفق مع مراده، ولا يفعل ما يوقع به الضرر أو الإضرار، وإلا كان خائنًا للأمانة، والتي أكدت نصوص الشريعة على حرمتها شرعًا، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا﴾ [النساء: 107]، وقال جلَّ شأنه: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [الأنفال: 27].

قال الإمام الطبري في تفسيره "جامع البيان في تأويل القرآن" (9/ 190، ط. دار التربية والتراث): [إنّ الله لا يحب من كان من صفته خِيَانة الناس في أموالهم، وركوب الإثم في ذلك وغيره مما حرَّمه الله عليه] اهـ.

حكم استخدام التوكيل في نقل ملكية عقارات الوالد الذي يسيء التصرف دون علمه

لا يجوز للولد نقل ممتلكات أبيه إلى ملكيته بطريق التوكيل، وإلا كان خائنًا للأمانة؛ لأنه سيكون قد تصرف بالوكالة في غير مصلحة الوكيل وعلى غير مراده.

قال الإمام الخرشي المالكي في "شرح مختصر خليل" (6/ 71، ط. دار الفكر): [الوكالة إذا وقعت مطلقة مفوضة فإنه يمضي من فعل الوكيل ما كان على وجه السداد والنظر، إذ الوكيل إنما يتصرف بما فيه الحظ والمصلحة، وأما الذي لا مصلحة في فعله فإن الوكيل معزول عنه شرعًا] اهـ.

وهذا ما قرره القانون المدني المصري رقم 131 لسنة 1948م، حيث جاء في الفقرة الأولى من المادة رقم (701): [الوكالة الواردة في ألفاظ عامة لا تخصيص فيها حتى لنوع العمل القانوني الحاصل فيه التوكيل، لا تخوّل الوكيل صفة إلا في أعمال الإدارة] اهـ، ومعلوم أن أعمال الإدارة لا يُتصور أن يدخل فيها نقل ملكية ممتلكات والده لنفسه.

وكون الوالد لا يحسن التصرف لا يصلح أن يكون سببًا شرعيًّا لاستغلال الابن التوكيل الصادر من أبيه له بنقل مال الأب إليه، بل يبذل مع والده الوسع في النصح لحسن التصرف على أن يكون ذلك برفق ولين وبمشاركة أهله وأولاده ومن لهم حقٌّ في هذا المال حال التوارث؛ ضمانة لحقوقهم، ثم باستشارة أهل الحكمة والخبرة والتخصص إن احتاج الأمر ذلك، ثم إذا استمر سوء التصرف في المال جاز رفع أمره إلى القضاء طلبًا للحجر عليه؛ صيانة للمال وحفظًا له من الضياع، فمن المقرر شرعًا جواز الحجر على الشخص البالغ الذي لا يحسن التصرف في ماله، وهو قول جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة، وهو المروي عن الصاحبين أبي يوسف ومحمد من الحنفية. يُنظر: "بدائع الصنائع" للكاساني الحنفي (7/ 169، ط. دار الكتب العلمية)، و"منح الجليل" للشيخ عليش المالكي (6/ 95، ط. دار الفكر)، و"مغني المحتاج" للخطيب الشربيني الشافعي (3/ 140، ط. دار الكتب العلمية)، و"شرح منتهى الإرادات" للعلامة البُهوتي الحنبلي (2/ 178، ط. عالم الكتب).

قال الإمام أبو الحسن ابن القطان في "الإقناع في مسائل الإجماع" (2/ 179، ط. الفاروق الحديثة): [الأكثر من أهل العلم يوجبون الحجر على الحر البالغ المُضَيِّعِ لماله صغيرًا كان أو كبيرًا] اهـ.

وهذا ما نصَّ عليه قانون الولاية على المال رقم 119 لسنة 1952 في المادة (65)، حيث جاء فيه: [يُحكم بالحجر على البالغ؛ للجنون أو للعته أو للسفه أو للغفلة، ولا يُرفع الحجر إلا بحكمٍ، وتُقيم المحكمة على من يُحجر عليه قيِّمًا لإدارة أمواله وفقًا للأحكام المقررة في هذا القانون] اهـ.

وتتجلى حكمة ومشروعية رفع الأمر إلى القضاء حينئذ من أجل حفظ المال؛ لأنه لما كان حفظ المال من الأمور الضرورية، فإنَّ الأساليب والإجراءات التي تُعين على حفظه واجبة؛ لما تقرر من أنَّ "ما لا يتمُّ الواجب إلَّا به فهو واجب" لما تقرر من أن حفظ المال من الأمور الضرورية والمقاصد الكلية.

قال الإمام شهاب الدين القَرَافِي المالكي في "الذخيرة" (9/ 108، ط. دار الغرب الإسلامي): [وصون المَال وَاجِب إِجْمَاعًا، فَتجبُ وسيلتُه] اهـ.

الخلاصة

بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فلا يجوز للولد أن ينقل أملاك والده من عقارات وغيرها بموجب هذا التوكيل دون إذن والده أو رضاه، فالوكيل يعمل في مال الوكالة وفق إرادة الموكِّل، وليست إساءة الوالد التصرف في ماله مبررًا لتصرف الابن في مال والده بغير إذنه أو في غير مصلحته، بل يبذل مع والده الوسع في النصح لحسن التصرف على أن يكون ذلك برفق ولين وبمشاركة أهله وأولاده ومن لهم حقٌّ في هذا المال حال التوارث، ثم باستشارة أهل الحكمة والخبرة والتخصص إن احتاج الأمر ذلك، ثم إذا استمر سوء التصرف في المال رفع أمره إلى القضاء، وما يقضي به القاضي يتعين العمل به، وذلك لما لديه من سلطات واسعة في التحقيق والإثبات التي لا تتوفر لدى آحاد الناس، والتي بها يتوصل إلى ثبوت عدم التمييز والرشاد.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما حكم التسمية بالاسم المتضمن تزكية أو مدحًا؟


سائل يسأل عن حكم تنظيم النسل، هل هو جائز شرعًا؟


سائل يقول: ورد في الشرع الشريف أنه يجب على الوالدين أن يعلموا أولادهم أداء العبادات الواجبة عليهم من صيام وصلاة وغيرها تدريبًا لهم على العبادة، وتعويدًا لهم على أدائها؛ فما مسؤولية الوالدين شرعًا تجاه أولادهم في ذلك؟


توفيت خالتي -رحمها الله- وكانت تدخر مالًا في أحد البنوك الإسلامية قدره ثمانية وعشرون ألف جنيه، وعندما قامت بإيداعه في البنك ذهبت أنا معها وقامت بعمل توكيل بنكي لي، قالت لي: هذا المال لحج والديَّ المتوفييْن، فإذا أطال الله في عمري فسوف أحج لهما، وإن لم أستطع فقومي بالحج لهما، ولكن القدَر لم يعطها الفرصة للحج لهما.
فما حكم هذا المبلغ: هل يعد ميراثًا أم يُترك لحج الوالدين المتوفيين؟ علمًا بأن خالتي تركت زوجًا وأختين وأخًا توفي بعدها وترك أولادًا.
خالتي أيضًا عندما مرضت وجاءت عند أختها -والدتي- وأقامت للعلاج كان لديها ذهب، فقامت بإعطاء هذا الذهب لي وقالت: خذي هذا، وفي ذلك الوقت كانت تجلس أمامها أمي ولم تعطها الذهب، ولم تفصح عن نية الأخذ: هل للحفاظ عليه أم بغرض أنها تعطيه لي، علمًا بأنها لا يبدو أنها كانت تعرف أنها سوف تموت، ولم تكن تعلم أنها مريضة بالمرض الخبيث.
فما الحكم في هذا الذهب؟ هل يعد ميراثًا أم آخذه أنا؟ والله يعلم أنني لم أرغب في أخذه لنفسي، ولكن أرغب في بيعه والتبرع لها به كصدقة جارية على روحها؛ لأنها تعبت في حياتها ولم تنجب ولم يساعدها أحد من الورثة في شراء هذا الذهب.
وقد أوصت خالتي أخي قبل وفاتها بيوم واحد بالحج عن أمها حيث إنه كان مسافرًا للحج، وقد حج فعلًا عنها، وقد أقر أخي قبل الحج وبعده بأنه لا يريد مالًا مقابل حجه عن جدته، ولكنه أخبر جميع الأهل قبل سفره، وكذلك أخبر بعد رجوعه خاله قبل وفاته بأنه سوف يتبرع بما يتفقون عليه من مصروفات الحج لمستشفى السرطان، وأخي هذا يشغل منصبًا لا يكلفه مصروفات كبيرة للحج مقارنة بأسعار السوق، وهو لا يعرف كم أنفق، فهل يتم تحديد المصروفات جزافيًّا أم ماذا؟


ما مدى مشروعية أن تكون لي الوصاية على طفلة قاصرة يتيمة تم التعاقد على رعايتها بموجب عقد مبرم بيني وبين مديرية الشؤون الاجتماعية؟ علمًا بأنه قد سبق التصريح لي بإضافة اسم عائلتي لاسم هذه الطفلة، وتم استخراج شهادة ميلاد جديدة لها بعد إضافة اسم عائلتي لاسمها الثلاثي، مع العلم أن الجهة المتعاقد معها وهي جهة حكومية لا تمانع في استصدار قرار وصاية لي.


السائلة تقول بأنها متزوجة منذ حوالي ثلاثين عامًا، وقد أصبح لها أحفاد كثيرون وتعيش هي وزوجها على خير ما يرام، وتؤدي هي وزوجها واجباتها الدينية والإسلامية على أكمل وجه، وتقوم بتنفيذ ما يأمرها به زوجها، ومع تلك الحياة التي تعيشها تجد أن في قلبها نارًا تزداد يومًا بعد يوم، والسبب في ذلك أن زوجها يحرمها من رؤية والدها ووالدتها وأخواتها، ومنعها من زيارتها لهم وزيارتهم لها، علمًا بأن والديها كبيران في السن، ويعيشان سن الشيخوخة، وترغب في زيارتهم طمعًا في دعائهم لها وتخشى موتهما قبل زيارتهما. وتطلب السائلة بيان الحكم الشرعي.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 29 يونيو 2025 م
الفجر
4 :11
الشروق
5 :56
الظهر
12 : 58
العصر
4:34
المغرب
8 : 0
العشاء
9 :34