هل هناك إثم على من تسبب في إحداث جرح في جسم الميت عن طريق الخطأ؟ فإنَّ امرأةً توفيت وفي يدها خاتمٌ من ذهب، وعند غُسلها شرعت مُغَسِّلَتُها في نزعه، فوجدت صعوبةً في ذلك نظرًا لزيادة وزنها وقت الوفاة عن وقت ارتدائها للخاتم، فاضطرَّت إلى قطع الخاتم باستخدام آلة خاصة بذلك، وبدون قَصْدٍ منها تسبَّبَت في جرح المتوفاة، فسال دمٌ خفيف منها، فهل تأثم بذلك شرعًا؟
ما صَدَر عن المرأة المذكورة من جرحها ليد المتوفاة دون قصدٍ منها عند تغسيلها ونزع الخاتم من يدها لا إثم عليها فيه شرعًا ولا حرج؛ لا سيَّما وأنَّ الإثم لا يكون إلا عن قصدٍ ونيَّة، ولقد رفع الإسلام الإثم عن المخطئ والناسي؛ قال تعالى: ﴿وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ﴾ [الأحزاب: 5]، وعن أبي ذَرٍّ الْغِفَارِي رضي الله عنه أنَّ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللهَ قَدْ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ».
المحتويات
لقد كرَّم اللهُ تعالى الإنسانَ وفضَّله على سائر مخلوقاته، فقال عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ [الإسراء: 70].
ومن مظاهر هذا التكريم أن جعل الله تعالى للإنسان حُرمَةً عظيمَة حتى إنها فاقت حرمَة الكعبة المشرَّفَة؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد نظر إلى الكعبة المشرَّفة: «مَا أَعْظَمَ حُرْمَتَكِ وَمَا أَعْظَمَ حَقَّكِ، وَالْمُسْلِمُ أَعْظَمُ حُرْمَةً مِنْكِ، حَرَّمَ اللهُ مَالَهُ، وَحَرَّمَ دَمَهُ، وَحَرَّمَ عِرْضَهُ وَأَذَاهُ، وَأَنْ يُظَنَّ بِهِ ظَنَّ سُوءٍ» أخرجه الأئمة: ابن أبي شيبة في "المصنف"، والطبراني في "المعجم الكبير"، والبيهقي في "شعب الإيمان" من حديث عبد الله بن عباسٍ رضي الله عنهما.
وحُرمة الإنسان ميتًا كَحُرْمته حيًّا، فعن السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا» أخرجه الإمامان: أبو داود وابن ماجه في "السنن".
المراد بالمساواة بينهما المساواة في الإثم، فيكون الاعتداء على الإنسان الميت كالاعتداء عليه كما لو كان حيًّا في ترتُّبِ الإثم على ذلك، وهذا ما توضحه رواية السيدة أُمِّ سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها للحديث السابق، وفيها أن النَّبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم قال: «كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِ عَظْمِ الْحَيِّ فِي الْإِثْمِ» أخرجه الإمام ابن ماجه في "السنن".
وهذا الإثم المترتب على الاعتداء إنما هو لِمَا في الاعتداء من إهانةٍ للميت، أو لِمَا فيه من عدم الاتِّعاظ بحال الميت وما يصل إليه مآلُ الإنسان في نهاية هذه الحياة الدنيا.
قال الإمام الأمير الصَّنْعَانِي في "التنوير شرح الجامع الصغير" (8/ 136، ط. مكتبة دار السلام): [«كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ» وكذلك جرحه وضربه ونحوهما، إلا أن قوله: «كَكَسْرِ عَظْمِ الْحَيِّ فِي الْإِثْمِ» يحتمل أنه يأثم الفاعل وإن لم يتألم الميت؛ إذ التشبيه إنما وقع في الإثم، فلَعَلَّهُ لإهانتِهِ والغفلة عن الاتِّعَاظِ بحاله] اهـ.
وإنما كانت المساواةُ في الحُرمة مقتصرةً على الإثم فقط دون ما يختص به حقُّ كسرِ عَظمِ الحيِّ من قِصاصٍ وأَرْشٍ وهو التعويض المالي مقابل التعدي على الغير في الجروح ونحوها مما لا دية فيه -لأن عَظم الحيِّ فيه حياةٌ، وفي كَسرِه إخراجٌ لتلك الحياة منه أو تَعَدٍّ عليها، فوجب ذلك فيه، أمَّا عَظم الميت فلا حياة فيه، فلم يكن ذلك الكَسرُ إخراجًا للحياة من هذا العَظم كما هي الحال في كَسر عَظم الحيِّ، فانتفى السبب الذي يوجِب القِصاصَ والأَرْشَ في كَسر العَظم.
وقد نقل الإمامُ أبو عمر ابنُ عبد البَر في "الاستذكار" (3/ 84، ط. دار الكتب العلمية) الإجماعَ على عدم وجوب شيءٍ من القِصاص والأَرْشِ في كَسْر عَظم الميت وإن كان حرامًا يترتب عليه المؤاخذة والمأثم.
أما ما يتعلق بالحلي والزينة التي يستعملها الإنسان فالأصل خلع زينة الميت وعدم دفنه بها، فيُجرد الميت من خاتَمه ونحو ذلك من الزينة، فإن صَعُب إخراج خاتَم من يد الميت -كما هي الحال في مسألتنا- بُرِدَ الخاتَم، أي: قُطِع؛ حفظًا للمال من الإضاعة المنهي عنها شرعًا، ولِحَقِّ الورثة فيه.
قال الإمام ابن قُدَامَة في "المغني" (2/ 412، ط. مكتبة القاهرة): [ولو كان في أُذُن الميت حَلَقٌ، أو في أصبعه خاتَمٌ، أُخِذَ، فإن صَعُب أَخْذُه بُرِدَ وأُخِذَ؛ لأن تَرْكَهُ تضييعٌ للمال] اهـ.
فإن نَتَجَ عن هذا القطع جرحٌ في إصبع الميت عن طريق الخطأ، فمِن رحمة الله تعالى بعباده أن تجاوز لهم عمَّا يحدث منهم عن طريق الخطأ والنسيان، فرفع عنهم المؤاخذةَ بهما والحرجَ في الآخرة، فلم يُرتِّب عليهما حصولَ الإثم، قال تعالى: ﴿وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ﴾ [الأحزاب: 5].
قال الإمام النَّسَفِي في "مدارك التنزيل وحقائق التأويل" (3/ 17، ط. دار الكلم الطيب): [أي: لا إثم عليكم فيما فعلتموه من ذلك مخطئين] اهـ.
وعن أبي ذَرٍّ الْغِفَارِي رضي الله عنه أنَّ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللهَ قَدْ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» أخرجه الإمام ابن ماجه في "السنن".
قال الإمام الحافظ ابن رجب الحنبلي في "جامع العلوم والحكم" (2/ 367، ط. مؤسسة الرسالة): [الخطأ: هو أن يقصد بفعله شيئًا، فيصادف فعلُه غيرَ ما قصَدَه.. والنسيان: أن يكون ذاكرًا لشيءٍ، فينساه عند الفعل، وكلاهما معفوٌّ عنه] اهـ.
ونقل الإمام الشاطبي اتفاق الفقهاء على عدم المؤاخذة بالخطأ والنسيان، فقال في "الموافقات" (1/ 259، ط. دار ابن عفان) عند حديثه عن الأمور المتفق عليها في الشريعة: [منها: الخطأ والنسيان، فإنه متفق على عدم المؤاخذة به، فكل فعل صدر عن غافل، أو ناس، أو مخطئ، فهو مما عفي عنه، وسواء علينا أفرضنا تلك الأفعال مأمورًا بها أو منهيًّا عنها أم لا؛ لأنها إن لم تكن منهيًّا عنها ولا مأمورًا بها ولا مخيَّرًا فيها، فقد رجعت إلى قسم ما لا حكم له في الشرع، وهو معنى العفو] اهـ.
والعلة في عدم مؤاخذة المكلفين بالخطأ والنسيان تتمثل في أن الغايةَ من التكليف تمييزُ الطائع لله تبارك وتعالى من العاصي له، والطاعة والمعصية يحتاجان إلى قصدٍ ونيَّةٍ يستند إليهما الثواب والعقاب، والمخطئُ والناسي لا نية لديهما في فعل الأمر ولا يقصدانه، فلذلك لا يترتب على فعلهما مؤاخذةٌ، سواء بالثواب أو العقاب، قال الله تعالى: ﴿لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ﴾ [الأنفال: 43].
قال شمس الأئمة السَّرَخْسِي في "الأصول" (1/ 194، ط. دار المعرفة): [إن الثواب على العمل الذي هو عبادة، والإثم بالعمل الذي هو مُحرَّم يبتني على العزيمة والقصدِ] اهـ.
وقال الإمام نجم الدين الطُّوفِي في "التعيين في شرح الأربعين" (1/ 323، ط. مؤسسة الريان): [والعفو عن هذه الأفعال -أي: الخطأ، والنسيان، والإكراه- هو مقتضى الحكمة والنظر، مع أن الله عزَّ وجلَّ لو وَاخَذَ بها لكان عادلًا، ووجه ذلك أن فائدة التكليف وغايته تمييز الطائع من العاصي.. لكن الطاعة والمعصية يستدعيان قصدًا ونية يستند إليهما الثواب والعقاب، والمخطئ والناسي لا قصد لهما، وكذلك المكرَه.. ولهذا ذهب غالب الأصوليين إلى أن هؤلاء الثلاثةَ غيرُ مكلَّفين] اهـ.
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإن الإثم لا يكون إلا عن قصدٍ ونيَّة، ومِن ثَمَّ فإن ما صَدَر عن المرأة المذكورة من جرحها ليد المتوفاة دون قصدٍ منها عند تغسيلها ونزع الخاتم من يدها لا إثم عليها فيه شرعًا ولا حرج.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم التسبيح وقراءة القرآن عند دفن الميت وهبة ثواب هذه الأعمال له؟ حيث اعتاد أهل القرية أثناء دفن الموتى، وعند إهالة التراب أن يقولوا: "سبحان الله وبحمده"، وذلك بدلًا من كثرة اللغو في الحديث أثناء دفن الميت، وبعد ذلك يقرأ الجميع آخر سورة البقرة ثم يدعون لميتهم وينصرفون، حتى ظهر أحد الشباب الذي يدّعي أن ذلك مخالف للسنة؛ فهل التسبيح عند دفن الميت مخالف للسنة؟ وما حكم هبة ثواب التسبيح وقراءة القرآن للميت؟ وهل من يفعل ذلك آثم ومبتدع؟
هل يجوز دفن الذكور مع الإناث في مقبرة واحدة إذا دعت الضرورة لذلك، وكيف يتم دفن امرأة مع رجل قد مات قبلها في نفس المقبرة؟
ما هي الطريقة الشرعية للدفن؟ لأننا منذ أن نشأنا في بلدتنا كنا نقوم بحفر القبور عن طريق اللحد؛ ونظرًا لضيق المكان أصبح عندنا ما يسمى بالفسقية، وهي حفرة في الأرض تبنى لِتَسَع عددًا من الموتى، ويوضع فيها الميت بحيث تكون رأسه للغرب وقدماه للشرق على جانبه الأيمن؛ بحيث إذا جلس كان وجهُه وصدرُه جهةَ القبلة (مستقبل القبلة)، وهذا من عهد أجدادنا حتى يومنا هذا، حتى ظهر في هذه المدة من يشككون في الدفن وطريقة وضع الميت في القبر، فقالوا بالنص: (يحفر القبر من الجهة البحرية -شمالًا- إلى القبلية -جنوبًا-، ويُوضَع الميتُ رأسُه بحري وقدماه قبلي)، وقالوا لنا: إن طريقة الدفن السابقة طريقة غير صحيحة.
نرجو منكم بيان الطريقة الصحيحة شرعًا في كيفية الدفن.
سائل يقول: ما الحكمة من اختلاف صلاة الجنازة عن صلاة الفريضة في هيئتها من حيث كونها لا أذان فيها ولا إقامة، ولا ركوع ولا سجود؟
ما هي الخطوات التي يجب اتباعها شرعًا بالترتيب عند إحلال وتجديد مقبرة بها عظام؟
ما حكم ما يُسمى بـ(طلعة رجب) لتوزيع الصدقات عند المقابر؟ علمًا بأنه يعتاد بعض المسلمين في بداية شهر رجب من كل عام زيارة المقابر فيما يعرف بـ "طلعة رجب" ويمكثون في المقابر يوزعون فيها الطعام والأموال على الفقراء والمحتاجين. فما حكم ذلك شرعًا؟