ما حكم الصلاة في أرض كانت عبارة عن مقابر قديمة؟ حيث يقول السائل: حدثت بعض الشروخ والتصدُّعات بالمسجد، ممَّا دعا هيئة الآثار لإغلاقه بالكامل لحين عمل الترميمات اللازمة، ويوجد خلف المسجد مساحة أرض كانت بها مقابر للمسلمين قديمة، ولم يتمّ الدفن فيها من أكثر من ثمانين عامًا؛ فما الحكم الشرعي للصلاة على هذه الأرض؟
لا مانعَ من الصلاة في هذه الأرض التي هي عبارة عن مقابر قديمة مندرسة ما دام الدفنُ فيها قد انتهى منذ أكثر من ثمانين عامًا؛ لما في ذلك من تحقّق المصلحة العامَّة، ولم يعُد هناك احتياجٌ إلى الدفن فيها، ولا يترتب على ذلك نبشٌ للقبور ولا هتْكٌ لحرمة الأموات.
المحتويات
لا مانعَ من الانتفاعِ بالمقبرة المندرسة التي لم يبْقَ فيها أثرٌ للموتى من عَظْمٍ أو نحوه، حتى لو كانت موقوفةً أو مملوكةً، وهذا قولُ الإمام محمد بن الحسن من الحنفية؛ حيث ذهب إلى بطلان وقفها حينئذٍ وعودها إلى ملك الواقف إن كان حيًّا، أو إلى ورثته إن كان ميتًا، وإن لم يكن له ورثة فهي كاللقطة عنده، تُصرَف مصرف اللقطة، فتصرف للعاجزين الفقراء فقط على رأي، أو إلى المصالح العامة مطلقًا على رأي آخر.
وأما عند الإمام أبي يوسف فتبقى وقفًا أبدًا على هذه الجهة؛ كما في المسجد إذا تخرَّب واستغنى الناس عنه والسقاية والرباط وغير ذلك عنده.
والفتوى في ذلك إنما هي بمذهب الإمام محمد إذا تحقَّقت المصلحة العامَّة ولم يعُد هناك احتياجٌ إلى الدفن في المقبرة المندرسة، ولم يترتب على ذلك نبشٌ للقبور ولا هتْكٌ لحرمة الأموات، كما أفتى بذلك غيرُ واحدٍ من المفتين السابقين للديار المصرية كالشيخ عبد المجيد سليم، والشيخ أحمد هريدي، وغيرهما.
قال الشيخ الزيلعي الحنفي في "تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق" (1/ 246، ط. الأميرية): [ولو بَلِي الميتُ وصار ترابًا جاز دفنُ غيره في قبره وزرعُه والبناءُ عليه] اهـ.
وقال الشيخ العبدري في "التاج والإكليل لمختصر خليل" (3/ 74-75، ط. دارالكتب العلمية): [وقال ابن عبد الغفور: تُحرَث المقبرة بعد عشر سنين إن ضاقت عن الدفن، وقال غيره: لا يجوز أخذ حجر المقابر العافية ولا لبناء قنطرة أو مسجد، وعلى هذا لا يجوز حرثها، ثم قال: وإن حُرِثَتْ جُعِل كِراؤُها في مؤنة دفن الفقراء. وقال ابن رشد: أما بناء مسجد على المقبرة العافية فلا كراهية فيه، قاله ابن القاسم؛ لأن القبر والمسجد حَبْسانِ على المسلمين ودفن موتاهم، فإذا لم يكن التدافن واحتيج أن تتخذ مسجدًا فلا بأسَ بذلك؛ لأن ما كان لله فلا بأسَ أن يُستعانَ ببعض ذلك على ما النفع فيه أكثر والناس أحوج إليه] اهـ.
وقال الشيخ الرهوني المالكي في "حاشيته على شرح الزرقاني على مختصر خليل" (3/ 75، ط. دار الكتب العلمية): [وأما بناء المسجد للصلاة فيه على المقبرة العافية فلا كراهةَ فيه؛ لأن المقبرة والمسجد حَبْسانِ على المسلمين لصلاتهم ودفن موتاهم، فإذا غَصَّت المقبرة بالقبور ولم يمكن التدافن فيها أو استُغنيَ عن التدافن فيها واحتيج إلى أن تُتَّخَذَ مسجدًا يُصَلَّى فيه فلا بأس بذلك؛ لأن ما كان لله فلا بأس أن يُستَعان ببعض ذلك في بعض على ما كان النفع فيه أكثر والناس إليه أحوج] اهـ.
هذا الحكم العام بجواز الانتفاع بالمقابر المندرسة المستغنى عنها يُستثنى منه قبور الصحابة والأولياء والصالحين؛ فقد نصَّ العلماء على أنه يحرم نبشُها أو استخدام أماكن قبورهم لأغراض أخرى، حتى ولو مضى عليها وقت طويل من شأنه أن تنمحقَ فيه أجزاء الميت؛ تعظيمًا لقدرهم وإعلاءً لشأنهم وإحياءً لذكرهم وزيارتهم والتبرُّك بهم.
قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في "أسنى المطالب" (1/ 331، ط. دار الكتاب الإسلامي): [(فرع: يحرم نبش القبر قبل البِلى عند أهل الخبرة) بتلك الأرض لهتك حرمة الميت؛ (فإن بَلِيَ الميت) بأن انمحق جسمه وعظُمه وصار ترابًا (جاز) نبشُ قبرِه ودفُن غيرِه فيه، (وحرم) حينئذ (تجديدُه) بأن يُسَوّى ترابُه عليه ويعمر عمارة قبر جديد (في) مقبرة (مسبلة)؛ لأنه يوهم الناس أنه جديد فيمتنعون من الدفن فيه، واستثنى بعضهم ما لو كان المدفون صحابيًّا أو ممَّن اشتهرت ولايته فلا يجوز نبشه عند الانمحاق، قال الزركشي: وهو حسن، ويؤيده ما في الوصايا أنه تجوز الوصية بعمارة قبور الأنبياء والصالحين لِمَا فيه من إحياء الزيارة والتبرك] اهـ.
وفي حاشية الشهاب الرملي عليه: [(قوله: فإن بلي الميت جاز) يُرجَع في ذلك إلى أهل الخبرة بتلك الناحية، (قوله: قال الزركشي) وغيره (قوله: وهو حسن) وهو ظاهر] اهـ.
والحفاظ على قبور الأولياء والصالحين والعلماء ومراعاتها وإحياؤها بالزيارة هو الذي جرى عليه عمَلُ المسلمين سلفًا وخلفًا؛ حيث بقيت شواهد قبورهم معلومةً بارزةً للناس تملأ شرق الدنيا وغربها.
أما القول بأنَّ في ذلك اتخاذًا للمساجد على القبور، وأن ذلك هو المقصود بحديث عائشة رضي الله عنها في "الصحيحين" أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَعَنَ اللهُ اليَهُودَ والنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنبِيائِهم مَسَاجِدَ»، فهو فهْمٌ غيرُ سديدٍ للحديث الشريف؛ فالمساجد: جمع مَسجِد، والمسجد في اللغة: مصدر ميمي يصلح للدلالة على الزمان والمكان والحدث، ومعنى اتخاذ القبور مساجد: السجود لها على وجه تعظيمها وعبادتها كما يسجد المشركون للأصنام والأوثان، كما فسَّرَته الروايةُ الصحيحة الأخرى للحديث عند ابن سعد في "الطبقات الكبرى" (2/ 185، ط. العلمية)عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا بلفظ: «اللَّهُمَّ لا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا! لَعَنَ اللهُ قَوْمًا اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنبِيَائِهِم مسَاجِدَ»، فجملة «لَعَنَ اللهُ قومًا..» بيانٌ لمعنى جَعلِ القبرِ وثنًا، والمعنى: اللهم لا تجعل قبري وثنًا يُسجَدُ له ويُعبَد كما سجد قوم لقبور أنبيائهم.
قال الإمام البيضاوي: [لما كانت اليهود والنصارى يسجدون لقبور أنبيائهم تعظيمًا لشأنهم، ويجعلونها قبلة، ويتوجهون في الصلاة نحوها، واتخذوها أوثانًا، لعنهم اللهُ ومنع المسلمين عن مثل ذلك ونهاهم عنه، أمَّا مَن اتخذ مسجدًا بجوار صالِحٍ أو صلّى في مقبرته وقصد به الاستظهار بروحه ووصولَ أثرٍ من آثار عبادته إليه -لا التعظيم له والتوجه- فلا حَرَجَ عليه؛ ألا ترى أنَّ مدفن إسماعيل في المسجد الحرام ثم الحطيم، ثم إن ذلك المسجد أفضل مكان يتحرى المصلي بصلاته، والنهي عن الصلاة في المقابر مختص بالمنبوشة؛ لِما فيها من النجاسة] اهـ. أنظر: "شرح الزرقاني على الموطأ" (4/ 367، ط. مكتبة الثقافة الدينية-القاهرة).
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فلا مانعَ من الصلاة في هذه المقبرة المندرسة ما دام الدفنُ فيها قد انتهى منذ أكثر من ثمانين عامًا.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم التسليمة الثانية في صلاة الجنازة؟ فقد كثرت الخلافات في الفترة الأخيرة في المساجد والقرى حول التسليم في صلاة الجنازة؛ هل هو تسليمة واحدة أو تسليمتان؟
ما حكم إخراج الفدية عن الصلوات الفائتة عن الميت؟ فقد تُوفِّي قريب لي، ونظن من حاله أنه كان مقصِّرًا في صلاته المكتوبة، فهل يجوز قضاء الصلاة عنه بعد وفاته؟ وإن لم يجز قضاؤها عنه فهل يجوز إخراج الفِدية عن ذلك؟
ما حكم صلاة السنن لمن عليه فوائت؟ فقد وقع في بلدتنا خلافٌ في هذه الأيام ما بين العلماء الجاويين في مسألة السُنَّة والقضاء، وقد أفتى جمهورهم ببطلان السُنَّة وتركها، ويحرم فعلها إذا كان عليه قضاء مطلقًا بلا قيد ولا شرط، فبناءً على هذه الفتاوى الصادرة قد اتخذ العوام ذلك سلاحًا عظيمًا وبرهانًا جليًّا وساطعًا لهدم سنن أشرف العباد وفقًا لأهوائهم، مرتكزين على أقوال علمائهم الذين أعانوهم بكل صراحة، فقد دب وسرى ذلك الداء في قلوبهم حتى أمثال العيدين وصلاة الجنائز والتراويح بطلت، ولم يفعلها إلا القليل النادر، ولهذه الحالة أصبحت شعائر الإسلام آخذة في الوهن، مع أن السلف الصالح رحمهم الله تعالى قالوا: "إذا كان عليه فوائت فلا بد من صرف زمنه للقضاء، إلا ما اضطر كنوم ومؤنته ومؤنة من تلزمه جاز له ذلك على قدر الضرورة"، فهذا مراد السلف الصالح في كتبهم بتحريم السنة، فمِن أين للعلماء المذكورين الآن هذا الاستنباط بتجويز كل عمل ما عدا السنة لا يجوز فعلها على الإطلاق، وإذا فعلها كانت إثمًا مبينًا وذنبًا عظيمًا، وهناك الطَّامة الكبرى كما يُفهَم من كلامهم وتصريحهم؟! وبعكسه إذا لم يصرف جميع زمانه للقضاء، أبفعل السنة يؤثم أو يثاب على الترك عمدًا؟ أفيدونا مأجورين.
هل يؤثر تقليب صفحات المصحف أثناء صلاة التهجد على صحتها؟
ما حكم إخراج جثة الميت بعد دفنه؟ فقد سأل رجلٌ في أُنَاسٍ بنوا حوشًا لدفن موتاهم في قرافة الإمام الليث على أرض موقوفة لدفن الموتى، وقد أذن بعضهم لآخر بأن يدفن في تربة عملت له في ذلك الحوش من مال ذلك الآخر، وفعلًا دفن فيها منذ ثلاث سنوات، فهل للبعض الذي لم يأذن بذلك إخراج الجثة بعد دفنها متعللًا بعدم الإذن منه أم كيف الحال؟ أفيدونا الجواب، ولكم الثواب.
ما هي الحقوق الواجبة لمن مات في بلاد غير المسلمين؟ حيث مات شخص مسلم ببلد غير إسلامية، مع قلة أو انعدام مدافن المسلمين بهذه المنطقة، ولا يوجد مَن يرتل القرآن وقت الدفن؛ فكيف تُجْرَى مراسم الغسل والتكفين والدفن؟