ما حكم الدعاء للميت عند القبر جماعة بصوتٍ عالٍ؛ بأن يقول رجلٌ: إني داعٍ فأمِّنوا، فيدعو ويؤمِّن الناس على دعائه، هل هذا الفعل من السنة؟ فهناك مَن يقول إنها بدعة، ويزعم أنها لم تحدث في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا الخلفاء الراشدين ولم يجزه أحدٌ من الأئمة.
الوقوف على القبر بعد الدفن للاستغفار للميت والدعاء له من السنة المتبعة، والدعاء بابه واسع؛ فيكون سرًّا أو جهرًا، وبأيّ صيغة يفتح الله تعالى بها على مَن يدعو، وتضييق ما وسَّع الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم من البدع المذمومة، والتنازع في هذا أمرٌ لا يرضاه الله ولا رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
المحتويات
الثابت في السنة أنَّ المشيِّعين للجنازة يقفون عند القبر ساعة بعد دفن الميت للاستغفار والدعاء له؛ وذلك لِما رواه أبو داود في "السنن" والحاكم في "المستدرك"، وقال: [صحيح الإسناد]، عن عثمان رضي الله عنه قال: كانَ النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم إذا فَرَغَ مِن دَفنِ المَيِّتِ وَقَفَ عليه فقالَ: «استَغفِرُوا لأَخِيكم وسَلُوا له التَّثبِيتَ؛ فإِنَّه الآنَ يُسأَلُ».
وروى مسلم في "صحيحه" عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه قال: "إذا دَفَنتُمُونِي فَشُنُّوا عليَّ التُّرَابَ شَنًّا، ثُم أَقِيمُوا حَولَ قَبرِي قَدرَ ما تُنحَرُ جَزُورٌ ويُقسَمُ لَحمُها حتى أَستَأنِسَ بكم وأَنظُرَ ماذا أُراجِعُ به رُسُلَ رَبِّي"، وذلك إنما يكون بعد الدفن.
لا بأس أن يسبق الدعاء موعظة موجزة تذكّر بالموت والدار الآخرة؛ لِما في ذلك مِن ترقيق القلوب، وتهيئتها للتضرع إلى الله تعالى، وجمع الهمة في الدعاء؛ فعن الإمام عليٍّ كرَّم الله وجهه قال: كُنَّا في جَنازةٍ في بَقِيعِ الغَرقَدِ، فأَتانا النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم فقَعَدَ وقَعَدنا حَولَه، ومَعَه مِخصَرةٌ، فنَكَّسَ، فجَعَلَ يَنكُتُ بمِخصَرَتِه، ثُم قالَ: «ما مِنكم مِن أَحَدٍ، ما مِن نَفسٍ مَنفُوسةٍ إلا كُتِبَ مَكانُها مِنَ الجَنَّةِ والنَّارِ، وإلا قد كُتِبَ شَقِيَّةً أو سَعِيدةً»، فقالَ رَجُلٌ: يا رسولَ اللهِ، أفَلا نَتَّكِلُ على كِتابِنا؟ فقال: «اعمَلُوا؛ فكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِما خُلِقَ له» متفقٌ عليه، وقد بَوَّبَ على ذلك البخاري في "صحيحه" بقوله: (باب مَوعِظةِ المُحَدِّثِ عندَ القَبرِ وقُعُودِ أَصحابِه حَولَه).
قال الإمام النووي في "الأذكار" (1/ 161، ط. دار الفكر): [ويستحب أن يقعد عنده بعد الفراغ ساعة؛ قدر ما يُنحَر جَزُورٌ ويُقَسَّم لحمُها، ويشتغل القاعدون بتلاوة القرآن، والدعاء للميت، والوعظ، وحكايات أهل الخير، وأحوال الصالحين، قال الشافعي والأصحاب: يُستَحَبُّ أن يقرؤوا عنده شيئًا مِن القرآن، قالوا: فإن ختموا القرآنَ كلَّه كان حسنًا] اهـ.
أما عن كيفية الدعاء للميت وهل يكون سرًّا أو جهرًا؟ فالأمر في ذلك واسع؛ فالدعاء له عند القبر يكون سرًّا أو جهرًا، وبأيِّ صيغةٍ تشتمل عليه، والتنازع في هذا أمرٌ لا يرضاه الله ولا رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، بل هو من البدع المذمومة؛ إذ من البدعة تضييق ما وسَّع الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، فإذا شَرَع اللهُ سبحانه وتعالى أمرًا على جهة الإطلاق وكان يحتمل في فعله وكيفية إيقاعه أكثرَ مِن وجه فإنه يؤخذ على إطلاقه وسعته، ولا يصح تقييده بوجه دون وجه إلا بدليل.
وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الأغلوطات وكثرة المسائل، وبيَّن أن الله تعالى إذا سكت عن أمر كان ذلك توسعة ورحمة على الأمة؛ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «إنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ فَرَضَ فَرائِضَ فلا تُضَيِّعُوها، وحَرَّمَ حُرُماتٍ فلا تَنتَهِكُوها، وحَدَّ حُدُودًا فلا تَعتَدُوها، وسَكَتَ عن أَشياءَ رَحمةً لكم مِن غيرِ نِسيانٍ فلا تَبحَثُوا عنها» رواه الدار قطني وغيره عن أبي ثَعلَبةَ الخُشَنِيِّ رضي الله عنه، وصحَّحه ابنُ الصلاح وحسَّنه النوويُّ.
قال العلامة التَّفتازاني في "شرح الأربعين النووية" (ص: 191، ط. دار الكتب العلمية): [(فلا تبحثوا عنها) ولا تسألوا عن حالها؛ لأن السؤال عما سكت اللهُ عنه يُفضِي إلى التكاليف الشاقة، بل يُحكَم بالبراءة الأصلية] اهـ.
وبيَّن رسولُ الله صلي الله عليه وآله وسلم فَداحةَ جُرمِ مَن ضَيَّق على المسلمين بسبب تَنقِيرِه وكثرة مسألته فقال: «إِنَّ أَعْظَمَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَحُرِّمَ عَلَيْهِمْ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ» رواه مسلم من حديث عامِرِ بنِ سَعدٍ عن أَبِيه رضي الله عنه.
وعن أَبي هُرَيرةَ رضي الله عنه قالَ: خَطَبَنا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم فقالَ: «أيها النَّاسُ، قد فَرَضَ اللهُ عليكم الحَجَّ فحُجُّوا»، فقالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عامٍ يا رسولَ الله؟ فسَكَتَ حتى قالَها ثَلاثًا، فقالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «لو قُلتُ "نعم" لَوَجَبَت ولَما استَطَعتم»، ثُم قالَ: «ذَرُونِي ما تَرَكتُكم؛ فإنَّما هَلَكَ مَن كانَ قَبلَكم بكَثرةِ سُؤالِهم واختِلافِهم على أَنبِيائِهم، فإذا أَمَرتُكم بشَيءٍ فَأتُوا مِنه ما استَطَعتم وإذا نَهَيتُكم عن شَيءٍ فدَعُوهُ» رواه مسلم؛ قال العلامة المُناوي في "فَيض القدير شرح الجامع الصغير" (3/ 562، ط. المكتبة التجارية الكبرى): [أي اتركوني من السؤال مدةَ تَركِي إياكم، فلا تتعرضوا لي بكثرة البحث عما لا يَعنِيكم في دِينكم مهما أنا تاركُكم لا أقول لكم شيئًا؛ فقد يوافق ذلك إلزامًا وتشديدًا، وخذوا بظاهر ما أمرتكم ولا تستكشفوا كما فعل أهل الكتاب، ولا تُكثِرُوا من الاستقصاء فيما هو مبيَّن بوجه ظاهر وإن صلح لغيره؛ لإمكان أن يكثر الجواب المرتب عليه فيُضاهِي قصةَ بني إسرائيل؛ شَدَّدُوا فشُدِّد عليهم، فخاف وقوعَ ذلك بأُمته صلى الله عليه وآله وسلم] اهـ.
على أن الدعاء والذِّكْر في الجمع أرجى للقبول وأيقظُ للقلب وأجمعُ للهمة وأَدعى للتضرع والذلة بين يدي الله تعالى، خاصة إذا كانت هناك موعظة؛ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «يَدُ اللهِ مع الجَماعةِ» رواه الترمذي وحسَّنه والنسائي في "السنن" عن ابن عباس رضي الله عنهما.
بناء على ذلك: فالوقوف على القبر بعد الدفن للاستغفار للميت والدعاء له من السنة المتبعة، والدعاء بابه واسع؛ فيكون سرًّا أو جهرًا، وبأيِّ صيغة يفتح الله تعالى بها على مَن يدعو، وتضييق ما وسَّع الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم من البدع المذمومة، والتنازع في هذا أمرٌ لا يرضاه الله ولا رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
هل يجوز بعد الأذان مباشرة أن يقول المؤذن: الصلاة والسلام عليك يا رسول الله، والصلاة والسلام عليك يا أول خلق الله، والصلاة والسلام عليك يا مليح الوجه يا رسول الله، وهل هو فرض أو سنة؟
ما حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بصيغة معينة تتضمن قول: (اللهم صلِّ على سيدنا محمد طب القلوب ودوائها..)؟ علمًا بأنه يوجد من يقول بكون هذه الصيغة بدعة.
السؤال عن مدى شرعية قراءة القرآن الكريم في المكبرات الصوتية في داخل المساجد في الوقت الذي بين الأذان والإقامة في مواقيت الصلاة الخمسة. وهل ورد في سنة النبي صلي الله عليه وآله وسلم أو الصحابة أو التابعين ما يؤيد ذلك؟
ما هي الطريقة الشرعية في التعامل مع عظم الميت عند دفن ميت جديد؟ فقد جرت العادة على دفن عدد من الأموات في القبر الواحد، فهل تُخْرَج العظام القديمة وتُدْفَن في مكان آخر لوضع الميت الجديد أو تدفن بعد جمعها في جانب من القبر نفسه؟
ما حكم جمع الجنازات للصلاة عليها جملة واحدة؟ حيث إنه نظرًا لتزايد عدد الوفيات في مستشفيات العزل ونحوها؛ بما قد تزيدُ في بعض الأيام عن العشرة في مكانٍ واحد، ووضع كل جنازة على حدتها وتقديمها للصلاة عليها يسبِّب الكثير من التعب والمشقَّة للقائمين على ذلك، فهل يمكن الصلاة عليها مجتمعة؟ وهل هذا هو الأفضل من الناحية الشرعية، أم الأفضل الصلاة على كل جنازة على حدتها؟ ولفضيلتكم جزيل الشكر والتقدير.
ما حكم كتابة بعض الآيات والأذكار على الكفن؟ فقد توفي رجلٌ، وبعد تكفينه اقترح بعضُ الحاضرين أن يُكتب شيءٌ من آيات القرآن الكريم والذكر على الكفن بغرض أن يكون ذلك نافعًا وشفيعًا له في القبر، ومع أننا لم نفعل ذلك، لكننا نسأل: هل هذا جائزٌ شرعًا؟