حكم اشتراط صاحب المال عدم تحمل الخسارة في المضاربة

تاريخ الفتوى: 21 ديسمبر 2023 م
رقم الفتوى: 8176
من فتاوى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
حكم اشتراط صاحب المال عدم تحمل الخسارة في المضاربة

ما حكم اشتراط صاحب المال عدم تحمل الخسارة في المضاربة؟ فأنا أريد القيام بعقد شراكة مع شخص، بحيث أعطيه الأموال، وهو يقوم بشراء البضاعة وبيعها، وذلك مقابل نسبة 40% من الأرباح له، ونسبة 60% لي، وأشترط عليه عدم تحملي لأيِّ خسارة، فما حكم إبرام هذا العقد شرعًا؟

إبرام عقدِ المضاربة مع اشتراط صاحب رأس المال على شريكه العامل على المال بالتجارة فيه عدمَ تحمُّل أيِّ خسارةٍ للمال أو شيءٍ منه، وأنَّها تكون على ذلك الشريك فقط -هو شرط فاسد يبطل هذا العقد به على ما جرى عليه فقهاء المالكية والشافعية وما اعتمده القانون، على أن يراعى في ذلك كله القوانين واللوائح المعمول بها في شأن المشاركة بالأموال وتوظيفها.

ودار الإفتاء المصرية تهيب بالمواطنين بضرورة الانتباه لخطورة قيام الأفراد بجمع الأموال من غيرهم من أجل استثمارها أو توظيفها، وزيادة الوعي بالعمل تحت سياج المؤسسات والشركات المالية الرسميَّة المقنَّنة، التي تحظى برقابة الدولة والحماية المطلوبة للمتعاملين فيها.

المحتويات

 

الشروط العامة في العقود

الأصل في أحكام المعاملات المالية في الشريعة الإسلامية أنها شُرِعت لتحقيق منافع الخلق وتلبية احتياجاتهم، وذلك في إطارٍ من الأوامر والنواهي الشرعية التي تعمل على تحقيق العدالة في تحصيل كل طرفٍ لمنفعته بتعامله مع الطرف الآخر، ولذلك يشترط أن تكون خالية من نحو: الغش والغرر والضرر والربا.

والمعاملات الجارية بين الناس يراعى فيها ابتداءً تحقُّقُ شروط العقود عامة، من أهلية المتعاقدين، وحصول الرضا بينهما، وانتفاء الغرر، وكذلك خلو المعاملة من الشروط الممنوعة شرعًا، كما جاء في الحديث الشريف أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ، إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا أَوْ شَرْطًا أَحَلَّ حَرَامًا»، أخرجه الترمذي وصححه والدارقطني والبيهقي في "السنن".

حكم اشتراط صاحب المال عدم تحمل الخسارة في المضاربة

الصورة المسؤول عنها من عقد السائل شراكة مع شريكه على أن يقوم بإعطائه قدرًا من المال، على أن يقوم الشريك بالعمل بهذا المال من خلال شراء بضائع وبيعها، وذلك مقابل نسبة 40% من الأرباح له، ونسبة 60% لصاحب المال -تندرج تحت عقد المضاربة أو القراض الجائز شرعًا.

وقد تعامل بها المسلمون من لدن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى وقتنا هذا من غير نكير بينهم، وقد نقل الإجماع على ذلك عدد من الأئمة، كالإمام ابن عبد البر في "الاستذكار" (7/ 3، ط. دار الكتب العلمية).

وقد أجمع الفقهاء على أنَّ يدَ المضاربِ في مال المضاربة يدُ أمانةٍ، بمعنى أنَّ المالَ وإن كان في يدِهِ إلا أنه لا يزال مِلْكًا لصاحبه، وهو مؤتَمَنٌ عليه، وأما مِن جهةِ تصرُّفه فيه فإنما هو وكيلٌ لصاحب المال، فإذا ربح المال فإنه يكون شريكًا في الربح، وإذا خسر المال أو هلك فإنه لا ضمان عليه، إلا إذا كان هلاكُ هذا المال أو الخسارةُ الحاصلةُ فيه لسببٍ راجِعٍ إلى أنه تَعَدَّى أو فَرَّطَ في حفظه؛ لأنَّ هذا سبيلُ الأمانة.

قال الإمام ابن عبد البَرِّ في "الاستذكار" (7/ 5): [ولا خلاف بين العلماء أنَّ المُقَارِضَ مؤتمنٌ لا ضمانَ عليه فيما يتلفه من المال مِن غير جنايةٍ منه فيه ولا استهلاك له ولا تضييع، هذه سبيل الأمانةِ وسبيل الأمناء] اهـ.

وأما فيما يتعلق بحكم اشتراط صاحب المال على المضارِب عدم تحمل أيِّ خسارة، فإنه إذا أراد -أي: صاحبُ رأس المال- أن يشترط على المضارِب في عقد المضارَبَة عدم تحمله لِأَيِّ خسارةٍ -على فرض حصولها- في مال المضاربة، وأنَّ المضارِب هو الذي يتحمل هذه الخسارة وَحْدَه مطلقًا حتى وإن لَم يَتَعَدَّ أو يُفَرِّط في حفظ المال -كما هي صورة مسألتنا-، فلا خلاف بين الفقهاء في بُطلان هذا الشرط، ومقتضى ذلك: أنه لا يجوز اشتراطُه ابتداءً.

قال الإمام ابن قُدَامَة الحنبلي في "المغني" (5/ 49، ط. مكتبة القاهرة): [مَتَى شرط على المضارب ضمان المال، أو سهمًا مِن الوضيعة، فالشرط باطلٌ، لا نعلم فيه خلافًا] اهـ.

ومع ذلك، فقد اختلف الفقهاء في صحة هذا العقد مع وجود هذا الشرط، فذهب الحنفية والحنابلة إلى فساد الشرط وصحة العقد، وقد عبَّر الحنفية عن ذلك بالوضيعة، والتي تعني هلاك أو خسارة جزء من مال المضاربة.

قال الإمام الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (6/ 80، ط. دار الكتب العلمية): [شرط الوضيعة على المضارب شرط فاسد، فيبطل الشرط، وتبقى المضاربة] اهـ.

وقال الإمام الرحيباني الحنبلي في "مطالب أولي النهى" (3/ 521، ط. المكتب الإسلامي): [متى شرط على المضارب ضمان المال أو سهمًا من الوضيعة، فالشرط باطل، لا نعلم فيه خلافًا، والعقد صحيح. نص عليه أحمد] اهـ.

بينما ذهب المالكية والشافعية إلى فساد عقد القراض أو المضاربة بهذا الشرط.

قال الإمام أبو البركات الدردير المالكي في "الشرح الكبير" (3/ 519-520، ط. دار الفكر): [(أو) قراض (ضُمِّنَ) بضم الضاد وتشديد الميم؛، أي شرط فيه العامل ضمان رأس المال إن تلف بلا تفريطٍ أو أنَّه غير مصدَّقٍ في تلفه، فقراضٌ فاسدٌ؛ لأنه ليس من سُنَّة القراض، وفيه قراض المثل إن عمل والشرط باطل لا يعمل به] اهـ.

وقال العلامة الزرقاني المالكي في "شرحه على مختصر خليل" (6/ 389، ط. دار الكتب العلمية): [(أو) قراض (ضمن) أي شرط على العامل ضمان رأس المال إن هلك وأنه غير مصدق في تلفه فقراض فاسد؛ لأن ذلك ليس من سنته، وفيه قراض المثل إذا عَمل والشرط باطل ولا ضمان عليه. قاله اللخمي] اهـ.

وقال الإمام الماوردي الشافعي في "الحاوي الكبير" (7/ 332، ط. دار الكتب العلمية): [لو شَرَطَا في عقد القراض تحمل العامل للخسران كان القراض باطلًا لاشتراطهما خلاف موجبه] اهـ.

موقف القانون في هذه المسألة

بنحو ما ذهب إليه المالكية والشافعية جاء نَصُّ القانون المدني المصري في المادة رقم (515- فقرة 1) على: [إذا اتُّفق على أنَّ أحدَ الشركاء لا يُساهِم في أرباح الشركة أو في خسائرها، كان عقدُ الشركة باطلًا] اهـ، وقد أفادت عدمَ جواز اشتراط إعفاء الشريك مِن الخسارة، وأن العقد في هذه الحالة يبطل، فـ"عدم مساهمة الشريك في الأرباح أو في الخسارة تنتفي معه نية المشاركة لديه وتبعًا لذلك لا يقتصر أثره على إبطال الشرط، وإنما بطلان العقد كله باعتباره أحد الشروط الأساسية التي تعد وحدة لا تجزأ، ومن ثم يجوز لكلِّ ذي مصلحةٍ أن يتمسك به ويحكم به القاضي من تلقاء نفسه" كما جاء في [طعن النقض المصري رقم 1902 لسنة 63 ق، جلسة 13/ 2/ 2001م].

هذا، ومما ينبغي التنبه إليه ومراعاته أنَّ إعطاء المال أو تَلَقِّيه للاتجار فيه ينبغي أن يراعى فيه القوانين واللوائح المنظمة، لأن تقييد ولي الأمر لنطاقِ عملِ عَقْدٍ من العقود هو من الأمور المشروعة، والأصل في ذلك هو مراعاة المصالح ودفع المفاسد، وهذا التقييد يرفع الخلاف ويصير الأمر مشروعًا في حدود هذا التقييد، والعمل بذلك حينئذٍ واجبٌ.

قال الإمام القَرَافِي المالكي في "الفروق" (2/ 103، ط. عالم الكتب): [اعلم أن حكم الحاكم في مسائل الاجتهاد يرفع الخلاف، ويرجع المخالف عن مذهبه لمذهب الحاكم، وتتغير فتياه بعد الحكم عما كانت عليه على القول الصحيح من مذاهب العلماء] اهـ.

وقد حظر القانون المصري على الأفراد جمع الأموال من غيرهم من أجل استثمارها أو توظيفها؛ حيث نصت المادة الأولى من القانون رقم 146 لسنة 1988م على أنه: [لا يجوز لغير شركة المساهمة التي تطرح أسهمها للاكتتاب العام والمقيَّدة في السجل المُعَدِّ لذلك بالهيئة أن تتلقى أموالًا من الجمهور بأية عملةٍ وبأية وسيلةٍ وتحت أيِّ مسمًّى لتوظيفها أو استثمارها أو المشاركة بها سواء أكان هذا الغرض صريحًا أو مستترًا. كما يحظر على غير هذه الشركات توجيه دعوة للجمهور بأية وسيلةٍ مباشرة أو غير مباشرة للاكتتاب العام أو لجمْع هذه الأموال لتوظيفها أو استثمارها أو المشاركة بها] اهـ.

الخلاصة

بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإن إبرامَ عقدِ المضاربة مع اشتراط صاحب رأس المال على شريكه العامل على المال بالتجارة فيه عدمَ تحمُّل أيِّ خسارةٍ للمال أو شيءٍ منه، وأنَّها تكون على ذلك الشريك فقط -هو شرط فاسد يبطل هذا العقد به على ما جرى عليه فقهاء المالكية والشافعية وما اعتمده القانون، على أن يراعى في ذلك كله القوانين واللوائح المعمول بها في شأن المشاركة بالأموال وتوظيفها.

ودار الإفتاء المصرية تهيب بالمواطنين بضرورة الانتباه لخطورة قيام الأفراد بجمع الأموال من غيرهم من أجل استثمارها أو توظيفها، وزيادة الوعي بالعمل تحت سياج المؤسسات والشركات المالية الرسميَّة المقنَّنة، التي تحظى برقابة الدولة والحماية المطلوبة للمتعاملين فيها.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما حكم الشركة عند موت أحد الشريكين؟ فوالدي رحمه الله كان شريكًا لأحد أصدقائه في مالٍ للتجارة فيه، ثم توفي والدي، فما الحكم في هذه التجارة؟ علمًا بأن عليه بعض المتأخرات من حصته في الإيجارات التي يتحملها هو وشريكه، كما أن هناك بعض البضائع في المخازن.


ما حكم الشركة بالعروض؟ وما كيفية التخارج منها؟ فرجُلان يشتغلان بتجارة الثياب، وكلُّ واحد منهما له بضاعتُه ومتجَرُهُ الخاص، فاتفَقَا على أن يُقِيمَا بينهما شركةً بأن يضُمَّا بضاعتَهما من الثياب إلى بعضها، بحيث تكون نسبةُ كلٍّ منهما في الشركة مقابلة لِمَا قدَّمه من بضاعة؛ لأنهما لاحَظَا أنَّ الزبائن تُفضِّل الشِّرَاء من المتاجر الكبرى غالبًا دون الصغرى، ثم حصل شيءٌ من الخسارة، فأراد أحدهما الخروج من الشركة مقابل مالٍ، فهل الشركة على النحو المذكور جائزة شرعًا؟ وكيف يكون التخارُج منها الآن؟


ما حكم استخدام التمويل في غير الغرض المنصوص عليه في العقد؟ فقد حصل أحد الأشخاص على تمويل وتسهيلات ائتمانية من أحد البنوك لأغراض معينة تم تحديدها في العقود المبرمة بينه وبين البنك؛ فهل عليه وزر في ذلك شرعًا؟ وما حكم استخدامها في غير الأغراض والمجالات التي حددت في الموافقات الائتمانية؟


هل وضع الأموال في دفاتر توفير لتربح فوائد وتدخل سحوبات بنكية حلالٌ أم حرام؟


ما حكم الشرع في الاستثمار في "صندوق وثائق الاستثمار في الأوراق المالية"؟ مع العلم أن هدف الصندوق استثمار الأموال في أسهم البنوك، وسيتمّ إدارة هذه الاستثمارات بمعرفة أحد خبراء الاستثمار في أسواق المال المحلية والعالمية.


ما حكم تمويل سداد المصروفات المدرسية، حيث إن الطلب المقدم من النائب الأوَّل لرئيس مجلس إدارة بنك ناصر الاجتماعي، جاء فيه: أتشرف بأن أتقدم لفضيلتكم بخالص التقدير، وأودُّ الإشارة إلى ما انتهت إليه المناقشات خلال جلسة الاجتماع السابق لمجلس إدارة بنك ناصر الاجتماعي بشأن المنتجات الجديدة، ومنها: منتج تمويل سداد المصروفات المدرسية، وما قرره المجلس الموقَّر بعرض هذا المنتج على فضيلتكم للتكرم بإبداء الرأي الشرعي في هذا النوع من التمويلات قبل طرحه للعملاء.
وفي هذا الشأن أتشرف بأن أرفق مشروعًا لمحددات وشروط منح التمويل المشار إليه للتكرم من فضيلتكم بالنظر. وبالنظر في المشروع المرفق، تبين أنه مضمونه كالتالي:
- الفئات المستهدفة: هم الطبقة الوسطى من العاملين بالحكومة وقطاع الأعمال، وأصحاب المعاشات وورثتهم، والعاملين بالقطاع الخاص، وأصحاب المهن الحرة، من خلال تقديم المستندات المطلوبة والتي حددها البنك بناءً على ضمانات كل فئة من هذه الفئات.
- مدة التمويل: 10 شهور لمرحلة تعليمية كاملة (ابتدائي من6:2 سنوات، وإعدادي وثانوي من 3:2 سنوات) طبقًا للعائد المعمول به بالبنك، وفي حال منح التمويل لمرحلة تعليمية كاملة تكون مدة التقسيط سنوات كاملة.
- قيمة التمويل بحد أقصى: 50.000 جنيهًا، بنسبة استقطاع 75% من الدخل الشهري للعميل.
- المستفيدون من التمويل: الولي الشرعي، أو الأُم في حالة وفاة الأب.
- اشترط البنك لهذا التمويل عدة شروط هي:
• تقييم الـi-Score على حساب العميل.
• في حالة عدم وجود التزام من جهة العمل بتحويل المرتب: يتم منح العميل نفس الشروط الخاصة بأصحاب المهن الحرة مثل موظفي قطاع البنوك.
• يتم منح التمويل نسبة 100% من قيمة المصروفات الدراسية أو الحد الأقصى لعبء الدين (75%) دون النظر إلى المبلغ المذكور بخطاب المدرسة.
• في حالة عدم توافر فاتورة كهرباء باسم العميل يشترط وجود إيصال كهرباء لأحد الأقارب من الدرجة الأولى، أو الأَخ، أو الأُخت، أو العَمِّ، أو العَمَّة.
• يستخرج شيك بقيمة التمويل باسم المدرسة.
• جميع المصروفات والدمغات النسبية تسدد نقدًا مُقدَّمًا.
• السن لا يزيد عن 70 سنة عند نهاية مُدَّة التقسيط.
• في حال التأمين ضد مخاطر عدم السداد: يُراعى الشروط والبنود الواردة بالعقد المبرم مع شركة التأمين.
• تُحسب غرامة التأخير بنسبة 1.5% شهريًّا عن كل قسط تأخير (شهر تأخير).
• حال السداد المُعجَّل: يتم عمل خصم تعجيل دفع كما هو متبع بلائحة البنك.
• يتحمل العميل نسبة 1.5% مصروفات إدارية من قيمة التمويل لمرةٍ واحدةٍ.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 10 أغسطس 2025 م
الفجر
4 :44
الشروق
6 :19
الظهر
1 : 0
العصر
4:37
المغرب
7 : 41
العشاء
9 :5