حكم صلاة الجمعة بخطبة واحدة بغير العربية في دولة لا تتحدث بها

تاريخ الفتوى: 21 نوفمبر 2023 م
رقم الفتوى: 8127
من فتاوى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
التصنيف: الصلاة
حكم صلاة الجمعة بخطبة واحدة بغير العربية في دولة لا تتحدث بها

ما حكم صلاة الجمعة بخطبة واحدة بغير اللغة العربية في دولة لا تتحدث العربية؟ فقد سافر رجلٌ إلى إحدى الدول التي لا تتحدث العربية للعمل، وأقام في إحدى المقاطعات التي يسكنها المسلمون، وعند دخوله المسجد لأداء صلاة الجمعة وَجَد الخطيب يلقي الخُطبة بغير اللغة العربية، كما أنه اقتصر فيها على خُطبة واحدة، ويسأل: ما حكم صلاتهم الجمعة بهذه الكيفية المذكورة؟

صلاة الجمعة بخطبة واحدة بغير اللغة العربية صحيحةٌ شرعًا، وهي مجزئةٌ لمن حَضَرها مع الإمام، سواء في حق ذلك الرجل المذكور أو غيره مِن المأمومين، ولا إثم عليهم في ذلك ولا حرج، والأولى الإتيان بخطبتين خروجًا من خلاف الفقهاء.

المحتويات

 

حكم أداء خُطبة صلاة الجمعة بغير اللغة العربية

مِن المقرر شرعًا أنَّ النَّظَر في عباداتِ المسلمين وتنزيل الأحكامِ عليها يستوجب معرفة أحوالهم ومذاهبهم التي استقر عليها عملُهم، "والمذاهبُ كلُّها مسالكُ إلى الجنة وطُرقٌ إلى السعادة، فمن سَلَكَ منها طريقًا وَصَّلَهُ"، كما قال الإمام أبو عِمْرَانَ الزَّنَاتِي [ت: 430هـ] فيما نقله عنه الإمامُ شهاب الدين القَرَافِي في "الذخيرة" (1/ 140، ط. دار الغرب الإسلامي).

وهَيْئَةُ خُطْبَةِ الجمعة المسؤول عنها صحيحةٌ شرعًا، وذلك على ما وَرَد عن الإمام أبي حنيفة مِن مشروعية أنْ تَكُونَ الخُطْبَةُ بغير اللغة العربية مطلقًا، سواء كان الخطيب يَعرف اللغة العربيةَ ويَتكلم بها أوْ لَا، كما في "المحيط البرهاني" للإمام برهان الدين ابن مَازَه (2/ 74، ط. دار الكتب العلمية).

وقد وافق الإمامَ أبا حنيفةَ في جواز أداء خُطبة الجمعة بغير اللغة العربية: صاحِبَاهُ الإمامان: القاضي أبو يوسف، ومحمدُ بن الحسن -بِقَيْدِ أن يَعْجَزَ الخطيبُ عن أدائها باللغة العربية-، والشافعيةُ في وجهٍ -واحتَمَله الإمامُ الأَذْرَعِي على ما إذا عَلِم الحاضرون تلك اللغة-، وهو أيضًا مذهب الحنابلة، وذلك باعتبار أنَّ المقصودَ مِن خُطبة الجمعة هو الوعظُ والتذكيرُ، وهو حاصلٌ بكلِّ اللغات.

قال الإمام ابن عَابِدِين الحنفي في "رد المحتار" (2/ 147، ط. دار الفكر): [تتِمةٌ: لَمْ يُقَيِّدِ الخُطْبَةَ بكونِهَا بالعربيَّةِ؛ اكتفاءً بما قَدَّمَهُ في باب "صِفَةِ الصلاةِ" مِن أنَّها غيرُ شرطٍ ولو مع القدرةِ على العربيةِ عندهُ، خلافًا لهما، حيث شَرَطَاهَا إلَّا عِنْدَ العَجْزِ] اهـ.

وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (4/ 521-522، ط. دار الفكر): [هَلْ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الخطبة بالعربية؟ فيه طريقان: (أصحهما) وبه قطع الجمهور: يُشترط.. (والثاني) فيه وجهان حَكَاهُمَا جماعةٌ، منهم: المُتَوَلِّي (أحدهما) هذا. (والثاني) مستحبٌّ ولا يُشترط؛ لأنَّ المقصودَ الوعظُ، وهو حاصلٌ بكلِّ اللُّغات] اهـ.

وقال الإمام جلال الدين المَحَلِّي الشافعي في "شرحه على منهاج الطالبين" (1/ 322، ط. دار الفكر، مع "حاشيتي قليوبي وعميرة") في بيان شروط خُطبة الجمعة: [(ويشترط كونُها) كلِّها (عربيةً) كما جَرَى عليه الناسُ. وقيل: لا يشترط ذلك؛ اعتبارًا بالمعنى] اهـ.

قال الشيخ شهاب الدين عميرة في "حاشيته عليه": [قوله: (وقيل: لا يشترط.. إلخ) قال الأَذْرَعِي: لعله إذا عَلِمَ القومُ ذلك اللسان] اهـ.

وقال الإمام أبو السعادات البُهُوتِي الحنبلي في "كشاف القناع" (2/ 35-36، ط. دار الكتب العلمية): [(وَتَصِحُّ) الخطبةُ بغير العربيةِ (مَعَ العَجْزِ) عَنْهَا بالعَرَبِيَّةِ؛ لأنَّ المقصودَ بها الوعظُ والتذكيرُ وحَمْدُ الله والصلاةُ على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم] اهـ.

حكم الاقتصار في أداء صلاة الجمعة على خطبة واحدة

أما الاقتصارُ على خُطْبَةٍ واحدةٍ فإنه يُجْزِئُ عند الحنفية، والمالكيةِ في مقابل المشهور، وهو مقتضى كلام الإمام أحمد، وهو قول الأئمة: عطاء بن أبي رباح، والأوزاعي، وإسحاق بن راهويه، وأبي ثَوْر، وابن المَنْذِرِ، وذلك لحصول المقصودِ بها وهو الذكر والوعظ كما سبق ذِكْرُهُ، لكن يُكْرَهُ فِعْلُ ذلكَ مِن غَيْرِ عُذْرٍ، والأَوْلَى أنْ يَخْطُبَ خُطْبَتَيْنِ؛ اتِّبَاعًا للمأثُورِ، وخروجًا مِن خلاف مَنْ أَوْجَبَهُما مِن الفقهاء.

قال الإمام فخر الدين الزَّيْلَعِي الحنفي في "تبيين الحقائق" (1/ 220، ط. الأميرية): [ولو خَطَبَ خُطبةً واحدةً، أو لم يجلس بينهما، أو بغيرِ طهارةٍ، أو غير قائمٍ -جازتْ؛ لحصول المقصود وهو الذكر والوعظ، إلا أنَّهُ يُكره؛ لمخالَفَة التوارُث] اهـ.

وقال الإمام بدر الدين العَيْنِي الحنفي في "البناية" (3/ 55، ط. دار الكتب العلمية): [الخُطبة الواحدة تجوز عندنا، وهو مذهب عطاء، ومالك، والأوزاعي، وإسحاق، وأبي ثور، وقال ابن المُنْذِر: أرجو أنْ تجزئه خُطبةٌ واحدةٌ] اهـ.

وقال الشيخ العدوي المالكي في "حاشيته على كفاية الطالب الرباني" (1/ 373، ط. دار الفكر): [قوله: (اثنتين على المشهور) مُقابِلُه قولُ مالكٍ في "الواضحة"، قال: مِن السُّنَّةِ أنْ يخطبَ خُطبتين، فإن نَسِيَ الثانيةَ أَو تَرَكَهَا أَجْزَأَهُمْ، قَالَهُ الشيخُ بَهْرَامُ] اهـ.

وقال الإمام ابن قُدَامَة الحنبلي في "المغني" (2/ 225، ط. مكتبة القاهرة): [يُشْتَرَطُ للجُمُعَةِ خُطْبَتَانِ، وهذا مذهب الشَّافعي، وقال مالكٌ، والأَوْزَاعِيُّ، وإسْحَاق، وأبو ثَوْر، وابن المُنْذِرِ، وأصحابُ الرأي: يُجْزِيهِ خطبةٌ واحدةٌ، وَقَدْ رُوِيَ عن أحمدَ مَا يَدُلُّ عليه، فإنَّهُ قَالَ: "لَا تَكُونُ الخُطْبَةُ إلَّا كَمَا خَطَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، أَوْ خُطْبَةً تامَّة"] اهـ.

كما أنَّه قد نُقِلَ عن غير واحدٍ مِن الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أنهم اقتصروا في الجمعة على خُطْبَةٍ واحدةٍ مِن غير أن يُنكِر عليهم ذلك أحدٌ.

قال الإمام فخر الدين الزَّيْلَعِي في "تبيين الحقائق" (1/ 220): [وَرُوِيَ عَنْ عِدَّةٍ مِنَ الصحابةِ أنَّهم خَطَبوا خُطبةً واحدةً، منهم: عليٌّ، والمغيرة، وأُبَيٌّ، ولَم يُنكِر عليهم أحدٌ] اهـ.

الخلاصة

بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإن صلاة الجمعة بالكيفية المسؤول عنها صحيحةٌ شرعًا، وهي مجزئةٌ لمن حَضَرها مع الإمام، سواء في حق ذلك الرجل المذكور أو غيره مِن المأمومين، ولا إثم عليهم في ذلك ولا حرج، والأولى الإتيان بخطبتين خروجًا من خلاف الفقهاء.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما هو وقت صلاة التراويح؟ وهل تصح صلاتها بعد المغرب وقبل العشاء؟


ما حكم الجمع بين نية سنة الفجر وتحية المسجد؟


حكم قراءة صحيح البخاري وكتب السنة لرفع الوباء حيث ورد سؤال يقول صاحبه: في ظِلِّ ما يمرُّ به العالمُ من تفشِّي وباء كورونا يقومُ بعضُ العلماء وطلبة العلم بتنظيم قراءة "صحيح البخاري" بتقسيمه على من يحِبُّ المشاركةَ في ختمه، عن طريق وسائلِ التواصل الاجتماعي؛ تبرُّكًا وتوسُّلًا إلى الله تعالى لكشْف وباء كورونا، جريًا على ما اعتاده علماءُ الأزهر من قراءته في الملمَّات والنوازل: كدفع الوباء، وكشف البلاء، ومواجهة الغلاء.
لكن خرج بعضُ مدَّعي العلمِ على بعض المواقع زاعمًا أن التَّعبُّدَ بتلاوة صحيح البخاري لمجرد التِّلاوة بدعة، وأن التبرُّك والتوسُّل به حرام، وأنه لا فرقَ في ذلك بين "صحيح البخاري" و"مسلم" مثلًا، وأنها مجرَّد طقوس ابتدعها بعض الجهلة لمواجهة الأوبئة، وأنَّ توظيف "صحيح البخاري" للاستشفاء والتحصين لرفع البلاء أمرٌ متكلَّف، وأنَّ من ضرورياتِ الدين أنَّ المقصودَ مِن كتاب الله وسنَّة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم هو العمل بِمَا فيهما مِن الأوامرِ والنَّواهي، والإيمان بِمَا فيهما مِن الأخبار، وليس المقصود مجرَّد تلاوتهما ألفاظًا وتعبُّدًا.. فبَيِّنوا لنا الصوابَ في ذلك مشكورين.
1- عادة إقراء "صحيح البخاري" عند النوازلِ من الكوارثِ والأوباء قديمة، جرت على لسان السراج البلقيني في اليقظة والمنام.
2- لعل أمر هذه الظاهرة يعودُ إلى أقدم من وباء الطاعون الذي عمَّ الدنيا سنة 749هـ، واشتهرت هذه الظاهرة عند قدوم تيمورلنك إلى بلاد المسلمين.
3- أشهر الإمام سراج الدين البلقيني العمل بها، ودوَّنتها كتب التراجم والتأريخ، ونقلنا ذلك عنه فيما مضى.
4- التحقيق أن هذا العمل ليس موصولًا بعصور السلف، وأنَّ شيوعَه وذيوعَه بحكم وقوعه ووجوده لا يعطيه الحجِّية، وأنه ما زال يحتاجُ للدليل، وأن مجرَّد رؤيةِ النبي صلى الله عليه وسلم في المنام يأمرُ به لا يكفي مُستَدلًّا؛ فالمنامات يُسْتَأنس بها وليست -عند أهل السنة والجماعة- حجةً وبرهانًا، وأن الاتِّكاء عليها مع ترْك الأخْذ بالأسباب بدعةٌ في الدين، ومضادَّة لمقاصدِ الشريعة الكلية، والله المستعان وهو الواقي والعاصم.


ما حكم صلاة المرأة بالبنطلون وعليه بلوزة طويلة؟


ما حكم صلاة الجنازة على أكثر من متوفى مرة واحدة؟ نظرًا لما حدث من انتشار فيروس كورونا المستجد، وما ترتَّب عليه من زيادة أعداد الموتى بسبب هذا الوباء، وما نتج عنه مِن اجتماع أكثر مِن جنازة في وقت واحد للصلاة عليها؛ فهل إذا صلَّى الإنسان على أكثر مِن جنازة دفعة واحدة ينال مِن الأجر والثواب ما يأخذه لو صلَّى على كل جنازة منفردة؟


سائل يطلب بيان الحكم الشرعي في التصرف الأمثل إذا نسي الإمامُ بعضَ آيات من القرآن أثناء ختمته في صلاة التراويح، وماذا يكون العمل حتى تكون الختمة كاملة؟


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 28 أبريل 2025 م
الفجر
4 :41
الشروق
6 :15
الظهر
12 : 52
العصر
4:29
المغرب
7 : 31
العشاء
8 :54