هل تجزئ الصلاة المكتوبة عن ركعتي الطواف؟ بحيث إنه بعد الانتهاء من الطواف أقيمت الصلاة المكتوبة فصلَّاها من قام بالطواف؛ فهل يلزمه أن يصلي ركعتين مخصوصتين للطواف أو أن الصلاة المكتوبة التي صلَّاها تكفيه عن هاتين الركعتين؟
يُسن للطائف أن يُصلي ركعتين بعد الطواف، ويستحب أن يكون ذلك خلف مقامِ سيدنا إبراهيم عليه السلام، يجهر فيهما بالقراءة ليلًا، ويُسِرُّ بها نهارًا، وتنوب الصلاة المكتوبة بعد الطواف وتجزئ عنهما؛ لأنَّهما رَكْعَتان شُرِعَتَا للنُّسُكِ، فأجْزَأتْ عنهما الصلاة المكتوبة، وإن كان الإتيان بهما أَوْلَى؛ خروجًا من الخلاف، ولما في فعلهما استقلالًا من إصابة فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
لذلك فإن صلاة الرجلِ المذكور للفريضة المكتوبة بعد أَنْ أتمَّ الطواف تُجزئه عن سُنَّةِ ركعتَيِ الطواف من غير حرج عليه في ذلك شرعًا.
المحتويات
الطواف بالكعبة المشرفة عبادةٌ مِن أفضل العبادات، وقُربةٌ مِن أشرف القربات، وطاعة من أجلِّ الطاعات، وهو أنواعٌ عدة؛ منها: طواف الإفاضة وهو ركن من أركان الحج، وطواف العمرة وهو ركنٌ مِن أركانها، وطواف التطوع؛ كطواف تحية المسجد الحرام.
وللطائف أجرٌ عظيمٌ، وثوابٌ جزيلٌ مِن الله عزَّ وجلَّ؛ فعن الحَجاج بن أَبي رُقَيَّةَ قال: كُنْتُ أَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَإِذَا أَنَا بِابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، فَقَالَ: يَا ابْنَ أَبِي رُقَيَّةَ، اسْتَكْثِرُوا مِنَ الطَّوَافِ؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ حَتَّى تُوجِعَهُ قَدَمَاهُ؛ كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ تَعَالَى أَنْ يُرِيحَهُمَا فِي الْجَنَّةِ» أخرجه الإمام الفاكهي في "أخبار مكة".
كما أنَّ الطائف بالبيت الحرام تُرفَعُ له الدرجات، وتُحطُّ عنه السيئات، وتُزَادُ له الحسنات بكلِّ خُطوةٍ يَخطُوها؛ فعَنْ عبد الله بن عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ؛ لَمْ يَرْفَعْ قَدَمًا، وَلَمْ يَقَعْ لَهُ أُخْرَى؛ إِلَّا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ، وَحُطَّتْ عَنْهُ خَطِيئَةٌ، وَرُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ» أخرجه الإمامان: ابن خزيمة في "صحيحه"، وابن أبي شيبة في "مصنفه".
وعنه أيضًا رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «مَنْ طَافَ أُسْبُوعًا -يعني: سبعًا- يُحْصِيهِ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ؛ كَانَ لَهُ كَعِدْلِ رَقَبَةٍ» أخرجه الأئمة: أحمد في "مسنده" واللفظ له، وعبد الرزاق في "مصنفه"، وابن شاهين في "الترغيب في فضائل الأعمال".
وصلاة ركعتين بعد الطواف سُنَّةٌ مؤكدةٌ، ويستحب صلاتهما خلف مقامِ سيدنا إبراهيم عليه السلام؛ لقول الله تعالى: ﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾ [البقرة: 125]، ولأنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم لَمْ يَدَعْهُما، فدلَّ ذلك على سُنِّيَّتِهِمَا وتأكيد أمرهما، وهذا ما ذهب إليه المالكية في أحدِ أقوالٍ ثلاثةٍ اختاره القاضي عبد الوهاب -كما جاء في "المعونة على مذهب عالِم المدينة" (ص: 573، ط. المكتبة التجارية)- والإمام ابن يونس -كما جاء في "الجامع لمسائل المدونة" (4/ 510، ط. دار الفكر)-، والشَّافعيَّة في الأصحِّ؛ كما في "المجموع" للإمام النووي (8/ 62، ط. دار الفكر)، والحَنابِلة في الصحيح؛ كما في "كشاف القناع" لأبي السعادات البُهُوتِيِّ (2/ 484، ط. دار الكتب العلمية).
والمختار للفتوى أنَّ الصلاة المكتوبة بعد الطواف -كالمغرب في مسألتنا- تنوب وتجزئ عن ركعتَي الطواف على القول بأنهما سُنَّة كما سبق؛ لِفِعل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما مِن غير أن ينكِر عليه أحدٌ مِنَ الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين؛ فعن ابن جريج قال: "أُخْبِرتُ أنَّ مُسْلِم بن مُرَّة الجمحي طاف مع ابن عمر رضي الله عنهما قبل غروب الشمس"، قال: "فأنجزنا وقد أقيمت الصلاة، فصلينا المغرب، ثم قام ولم يُصَلِّ، فأنشأ في سُبْعٍ آخَرَ، فقلتُ: لَمْ تُصَلِّ على سُبْعِكَ؟ قال: أَوَلَسْنَا قد صلينا؟ ثم قال: تُجْزِئُ هَذِهِ الصَّلَاةُ مِن رَكْعَتَيِ السُّبْعِ" أخرجه الإمام الفاكهي في "أخبار مكة".
ويدل على ذلك أيضًا الكثيرُ مِنَ الآثار الواردة والمروية عن الصحابة والتابعين؛ كابن عباسٍ رضي الله عنهما، وعَطاءٍ، وجابرِ بن زَيْدٍ، والحسنِ، وسعيدِ بنِ جُبَيْرٍ، وإسحاقَ وغيرهم.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه كان يقول: "إِذَا فَرَغَ الرَّجُلُ مِنْ طَوَافِهِ وَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَإِنَّ الْمَكْتُوبَةَ تُجْزِئُ مِنْ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ" أخرجه الإمام الفاكهي في "أخبار مكة".
وعن سالم قال: "تُجْزِئُ الْمَكْتُوبَةُ مِنْ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ" أخرجه الإمام ابن أبي شيبة في "المصنف".
وعن كَيْسان قال: "تُجْزِئُ الْمَكْتُوبَةُ مِنْ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ".
وعن مجاهد، وابن الأَسْوَدِ، وسعيد بن جُبَيْرٍ، قالوا: "تُجْزِئُ الْمَكْتُوبَةُ مِنْ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ" أخرجهما الإمامان: ابن أبي شيبة في "المصنف"، والفاكهي في "أخبار مكة".
وعن عطاء قال: "تَجْزِيكَ الْفَرِيضَةُ مِنْ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ".
وعن أبي الشعثاء قال: "تُجْزِئُ الْمَكْتُوبَةُ مِنْ رَكْعَتَيِ السُّبْعِ".
وقال مجاهد: "أَيُّمَا صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ أُقِيمَتْ مَعَ فَرَاغِكَ مِنْ سُبْعِكَ؛ فَإِنَّ الْمَكْتُوبَةَ تُجْزِئُ مِنْ رَكْعَتَيِ السُّبْعِ".
وعن سفيان قال: سئل ابن أبي ليلى ها هنا بمكة عمن طاف بالبيت فأقيمت الصلاة: أتجزئ عنه؟ قال: "نَعَمْ؛ هُوَ بِمَنْزِلَةِ السُّجُودِ، يُرْكَعُ بِهِ".
وسأل رجلٌ سفيانَ الثوري فقال: يا أبا عبد الله، أرأيتَ ركعتي الفجر؛ أماضِيَتَانِ هُمَا مِنْ ركعتَي الطواف؟ قال: "نَعَمْ". أخرج هذه الآثارَ الإمامُ الفاكهي في "أخبار مكة".
وكون الصلاة المكتوبة تُجزئ عن صلاة ركعتي الطواف يُخَرَّج على القول بسُنِّيَّة هاتين الركعتين، وهو ما نص عليه فقهاء الشافعية والحنابلة في الصحيح؛ كما إذا صلى الفرض عند دخوله المسجد فإن هذا الفرض يُجزئه عن تحية المسجد، وكما يَقرأ السجدة في آخر القيام في الركعة فينوبُ هذا الركوع عن السجود للتلاوة؛ ولأنَّهما رَكْعَتان شُرِعَتَا للنُّسُكِ فأجْزَأتْ عنهما المَكْتُوبَةُ؛ كرَكْعَتَي الإحْرام.
قال الإمام الخَطَّابِيُّ في "معالم السنن" (1/ 255، ط. المطبعة العلمية): [يطوف الرجل فيصادف الصلاة المفروضة عند فراغه من الطواف؛ فيصليها فينوب عن ركعتي الطواف، وكما يقرأ السجدةَ في آخر الركعة فينوب الركوع عن السجود] اهـ.
وقال الإمام العِمْرَانِيُّ الشافعي في "البيان" (4/ 299، ط. دار المنهاج): [إن صلى بعد الطواف صلاة فرض؛ فإن قلنا: إنَّ ركعتي الطواف سُنَّةٌ: أجزأه ذلك عنهما؛ كما إذا صلى الفرض عند دخول المسجد فإنها تجزئ عن تحية المسجد] اهـ.
وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (3/ 348، ط. مكتبة القاهرة): [وإذا صلى المكتوبة بعد طوافه، أجزأَته عن ركعتي الطواف، روي نحو ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما، وعطاء، وجابر بن زيد، والحسن، وسعيد بن جبير، وإسحاق.. ولنا: أنهما ركعتان شُرِعَتَا للنُّسُك، فأجزأَت عنهما المكتوبةُ، كركعتي الإحرام] اهـ.
وقال علاء الدين المَرْدَاوِيُّ الحنبلي في "الإنصاف" (4/ 18): [فائدة: لو صلى المكتوبة بعد الطواف: أجزأ عنهما على الصحيح من المذهب] اهـ.
ومع كون صلاة المكتوبة تجزئ عن صلاة ركعتي الطواف، إلا أنَّ الإتيان بهما استقلالًا أَوْلَى؛ خروجًا من الخلاف الوارد في ذلك، ولِمَا في فِعْلِهمَا من إصابةٍ لِسُنَّة النبي صلى الله عليه وآله وسلم الفعلية، وفي إصابتها ما لا يخفى من الفضل والخير.
فعن نافع قال: "كَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يُصَلِّي لِكُلِّ سُبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ"، وقال إسماعيل بن أمية: قلت للزهري: إن عطاء يقول: تجزئه المكتوبة من ركعتي الطواف. فقال: «السُّنَّةُ أَفْضَلُ؛ لَمْ يَطُفِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ سُبُوعًا قَطُّ إِلَّا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ» أخرجه الإمام البخاري في "صحيحه" معلَّقًا.
بناءً على ذلك: فإنه يُسن للطائف أن يُصلي ركعتين بعد الطواف، ويستحب أن يكون ذلك خلف مقامِ سيدنا إبراهيم عليه السلام، يجهر فيهما بالقراءة ليلًا، ويُسِرُّ بها نهارًا، وتنوب الصلاة المكتوبة بعد الطواف وتجزئ عنهما؛ لأنَّهما رَكْعَتان شُرِعَتَا للنُّسُكِ، فأجْزَأتْ عنهما الصلاة المكتوبة، وإن كان الإتيان بهما أَوْلَى؛ خروجًا من الخلاف، ولما في فعلهما استقلالًا من إصابة فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ كما سبق بيانه.
وفي واقعة السؤال: فإن صلاة الرجلِ المذكور للفريضة المكتوبة بعد أَنْ أتمَّ الطواف تُجزئه عن سُنَّةِ ركعتَيِ الطواف من غير حرج عليه في ذلك شرعًا.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
توفي رجل وترك تركة بعد وفاته ولم يحج طيلة حياته حتى توفي، علمًا بأن التركة لم توزع حتى الآن. فهل يجب إجباريًّا استقطاع مبلغ من التركة لتكاليف الحج قبل توزيعها؟ وهل يعتبر ذلك دَيْنًا على المتوفى؟ وهل يجوز دفع تكلفة الحج إلى إحدى الجمعيات الشرعية المعتمدة لتقوم بالحج عنه؟
هل يجوز للمُحْرِم أن يمسَّ شيئًا من الطيب؟
نرجو منكم تحديد ضابط مسافة بداية القصر للصلاة في ظل الاتساع العمراني؟ حيث أسكن في إحدى المدن الجديدة، وأسافر في إجازاتي الأسبوعية للزيارات العائلية، وأقطع خلال ذلك مسافة تتجاوز 200 كيلو متر، مع العلم بأني أقطع من العمارة التي أسكن فيها مسافة 20 كيلو مترًا تقريبًا حتى الخروج إلى آخر حدود المدينة السكنية، وعندما أصِلُ إلى بوابة المدينة أو الكارتة أكون قد قطعت مسافة 50 كيلو مترًا تقريبًا، فمن أين أقصر الصلاة الرباعية كرخصة من رخص السفر؟
سائل يقول: أقوم بالتدريس في العديد من الكليات، وإن الجدول الزمني الثابت للمحاضرات يصعب أن يكون متوافقًا مع زمن أذان الصلوات على مدار الأيام والفصول، وكنت أتعرض لرغبة قليل من بعض الطلبة في قليل من بعض الكليات إلى الرغبة في الاستئذان أثناء المحاضرة والتغيب لأداء فريضة الصلاة عند حلول موعد الأذان، وكنت أقنعهم غالبًا بأن الصلاة التي كانت على المؤمنين كتابًا موقوتًا ذات وقت مفتوح ومتاح على مدى ما يقرب من ثلاث ساعات تقريبًا من بعد الأذان، ونستطيع إدراك ثواب الجماعة مع الآخرين بعد انتهاء وقت المحاضرة، وأن الأذان يعني بدء دخول وقت الصلاة، وكنت أنجح في ذلك كثيرًا، وقد ارتضينا بذلك، ويقتضينا الأمر الخضوع للجدول المقرر للمحاضرات، إلا أن بعض الطلبة أصر على مقاطعتي ومحاولة إقناعي بحقه في ترك المحاضرة والذهاب إلى المسجد فور سماعه الأذان، وسرد لي مجموعة من الأحاديث النبوية التي يعتقد أنها مؤيدة لتصرفه، وكنت نصحته بأن التغيب عن المحاضرات سيكون له تأثير في تقدير درجات أعمال السنة عملًا لمبدأ المساواة بين الطلبة جميعًا، إلا أنه رفض الاستماع وأصر على الخروج من المحاضرة معلنًا أن صلاته أهم من المحاضرات مما أثار البلبلة والاندهاش بين الطلاب. ويطلب السائل رأي دار الإفتاء في هذا التصرف.
في يوم الجمعة هل يجب على التجار إقفال محالهم التجارية في ذلك اليوم جميعه وقت الصلاة وقبلها؟ أو لا يجب إلا وقت الصلاة حسب ما يرشد إليه قوله عز وجل: ﴿وَذَرُوا الْبَيْعَ﴾ [الجمعة: 9]؟ أفيدونا الجواب لا زلتم ملجأً للقاصدين.
ما حكم طلب دعاء العائدين من الحج، وتركهم صلاة الجماعة في المسجد بعض الأيام؟ فقد سافر بعض الناس في قريتي لأداء فريضة الحج، وبعد عودتهم إلى بلدهم، لم يحضر عدد منهم إلى صلاة الجماعة في المسجد مدة أسبوع أو يزيد، فذهبت أنا وأحد الأصدقاء إلى بيوتهم نسأل عنهم، فوجدناهم بخير حال، ولما سألناهم عن سبب عدم مجيئهم لصلاة الجماعة كان جوابهم أن عادة العائلة عندهم أن الحجاج عند رجوعهم من البقاع المقدسة إلى بلدانهم يلزمون بيوتهم أسبوعًا لا يخرجون؛ لأن الناس تنكب عليهم لطلب دعائهم، فهل هذا أمر جائز شرعًا؟