حكم نيابة المرأة في الحج عن أخيها المريض

تاريخ الفتوى: 05 يونيو 2023 م
رقم الفتوى: 7670
من فتاوى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
التصنيف: الحج والعمرة
حكم نيابة المرأة في الحج عن أخيها المريض

ما حكم نيابة المرأة في الحج عن أخيها المريض؟ فهناك رجلٌ عنده مالٌ يكفي للحج، لكنه مريضٌ عاجزٌ، وليس لديه قدرةٌ جسديةٌ على تَحَمُّل السفر ومشقته ومجهود الحج. فهل يجوز أن يستنيب أخته في الحج بدلًا عنه؟

نيابة المرأة عن الرجل في الحج جائزةٌ شرعًا على ما ذهب إليه عامة الفقهاء؛ لأن الحج عبادة تشتمل على البدن والمال، فإذا عجز الإنسان عن الإتيان بها ببدنه، فيجوز له أن يُنيب مَن يقوم بها عنه، من غير اشتراط المساواة بين النائب والمحجوج عنه في الذكورة والأنوثة.

وعليه: فيجوز للرجل المذكور غير القادر على أداء الحج بنفسه بسبب مرضه أن يُنِيبَ أخته في أداء فريضة الحج بدلًا عنه.

المحتويات

 

بيان وجوب الحج على المستطيع في العمر مرة واحدة

الحجُّ ركنٌ مِن أركان الإسلام الخمسة، وعبادةٌ مِن أعظم العبادات التي أناطها الشرع الشريف بالاستطاعة؛ قال الله تعالى في مُحكم التنزيل: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا[آل عمران: 97].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خَطَبَنَا رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: «أَيُّهَا النَّاسُ، قَدْ فَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ فَحُجُّوا»، فقال رجل: كُلَّ عام يا رسول الله؟ فسكت، حتى قالها ثلاثًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ، وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ»، ثم قال: «ذَرُونِي مَا تَرَكتُكُمْ؛ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ» أخرجه الشيخان.

وقد أجمع العلماء على وجوب الحج على المستطيع مرة واحدة في عُمره؛ وهي حجة الإسلام، فإن أدَّاها سقط عنه الفرض ولا يُطالَب به مرةً أخرى.

قال الإمام ابن المنذر في "الإجماع" (ص: 51، ط. دار المسلم): [وأجمعوا أنَّ على المرء في عُمره حجةً واحدةً: حجة الإسلام] اهـ.

وقال الإمام ابن قدامة في "المغني" (3/ 213، ط. مكتبة القاهرة): [وأجمعت الأمة على وجوب الحج على المستطيع في العُمر مرة واحدة] اهـ.

حكم النيابة في الحج عن المريض العاجز

الإنابة: مشتقة من مادة (نوب)، ونَابَ عنِّي فلانٌ يَنُوبُ نَوْبًا ومَنَابًا؛ أي: قام مقامي، وناب عني في هذا الأمر نيابةً إذا قام مقامك؛ كما في "لسان العرب" للعلامة جمال الدين ابن منظور (1/ 774، ط. دار صادر).

وقد أجمع الفقهاء على أنَّ مَن عليه حجة الإِسلام وهو قادرٌ على أنْ يحج بنفسه، فلا يُجزئه أن يحج غيرُه عنه؛ كما في "الإشراف" للإمام ابن المنذر (3/ 389، ط. مكتبة مكة الثقافية)، و"المغني" للإمام ابن قدامة (3/ 223، ط. مكتبة القاهرة).

وأما المريض العاجز الذي لا يُرجَى بُرؤه إذا وَجَد مَن ينوب عنه في أداء الفريضة، فالمختار للفتوى: جواز النيابة في أداء الحج عنه؛ لكونه فاقدًا للاستطاعة بنَفْسه لكنه مستطيعٌ بغيره، ولأنَّ الحج عبادةٌ تَجري فيها النيابةُ عند العجز لا مطلقًا، توسطًا بين العبادة الماليَّة المحضة والعبادة البَدَنيَّة المحضة، وهو مذهب الحنفية؛ كما في "فتح القدير" للعلامة كمال الدين ابن الهُمَام (2/ 416، ط. دار الفكر)، والشافعية؛ كما في "المجموع" للإمام النووي (7/ 94، ط. دار الفكر)، والحنابلة؛ كما في "شرح منتهى الإرادات" للإمام أبي السعادات البُهُوتِيِّ (1/ 519، ط. عالم الكتب).

حكم نيابة المرأة عن الرجل في الحج

لم يفرق الفقهاء في النيابة عن المريض في حج الفريضة بين أن ينوب عنه في ذلك رجلٌ أو امرأةٌ، بل قد جاءت السُّنَّة المشَرَّفة بمشروعية نيابة المرأة عن الرجل نصًّا.

فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: "كَانَ الْفَضْلُ رَدِيفَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ، فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الْآخَرِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ فَرِيضَةَ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قال: «نَعَمْ»، وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ" أخرجه الشيخان؛ فلولا أنَّ حجَّها يقع عن أبيها العاجز عن أداء الفريضة بنفسه لما أمرها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالحجِّ عنه.

قال الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (9/ 98، ط. دار إحياء التراث العربي): [هذا الحديث فيه فوائد، منها.. جواز النيابة في الحج عن العاجز الْمَأْيُوس منه بِهَرَمٍ أو زَمَانَةٍ أو مَوْتٍ، ومنها جواز حج المرأة عن الرجل] اهـ.

وهذا ما نصَّ عليه جمهور الفقهاء من الحنفية -وإن كَرِهُوهُ تنزيهًا؛ لمخالفتها الرجلَ في بعضِ أفعال الحج كرفع الصوت بالتلبية والحَلْق-، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، على تفصيلٍ بينهم في شروط النيابة وضوابطها.

قال الإمام علاء الدين الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (2/ 212-213، ط. دار الكتب العلمية) في معرِض كلامه عن الاستنابة في العبادات: [وأما المشتملة على البدن والمال: وهي الْحَجُّ فلا يجوز فيها النِّيابة عند القدرة، ويجوز عند العجز.. فالدَّليل على الجواز: حديث الْخَثْعَمِيَّةِ.. ولولا أنَّ حجَّها يقع عن أبيها لَمَا أمرها بالحج عنه.. وسواء كان رجلًا أو امرأةً، إلا أنه يُكرَهُ إحجاجُ المرأة، لكنه يجوز. أما الجواز: فلحديث الخثعمية. وأما الكراهة: فلأنه يدخل في حجها ضَرْبُ نُقصان؛ لأن المرأة لا تستوفي سُنَنَ الحج، فإنها لا تَرْمُلُ في الطواف وفي السعي بين الصفا والمروة، ولا تَحْلِقُ] اهـ.

وقال الإمام ابن مودود الموصلي الحنفي في "الاختيار لتعليل المختار" (1/ 171، ط. الحلبي): [قال: (ويجوز حجُّ الصَّرُورَةِ والمرأة والعبد)؛ لوجود أفعال الحج والنيَّة عن الآمر كغيرهم.. والأَوْلَى أن يختار رجلًا حرًّا عاقلًا بالغًا قد حجَّ، عالمًا بطريق الحج وأفعاله] اهـ. وَالصَّرُورَةُ: الَّذِي لَمْ يَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ.

وقال العلامة ابن عابدين الحنفي في "رد المحتار" (2/ 603، ط. دار الفكر): [ولا يخفى أن التعليل يُفيد أنَّ الكراهةَ تنزيهيةٌ؛ لأن مراعاةَ الخلاف مستحبةٌ، فافهم. وعلَّل في "الفتح" الكراهةَ في المرأة بما في "المبسوط" مِن أنَّ حجَّها أَنْقَصُ؛ إذ لا رَمَلَ عليها، ولا سَعْيَ في بطن الوادي، ولا رَفْعَ صوتٍ بالتلبية، ولا حَلْقَ] اهـ.

وجاء في "المدونة" للإمام مالك (1/ 489، ط. دار الكتب العلمية): [قلتُ لابن القاسم: هل تحُجُّ المرأة عن الرَّجلِ في قول مالك؟

قال: نعم، كان يجِيزُه مالك، ولم يكن يرى له بذلك بأْسًا] اهـ.

وقال الإمام القَرَافِيُّ المالكي في "الذخيرة" (7/ 38، ط. دار الغرب الإسلامي): [وتحج المرأة عن الرجل وبالعكس] اهـ.

وقال الإمام الشَّبْرَامَلِّسِيّ في حاشيته على "نهاية المحتاج" (3/ 252، ط. دار الفكر): [لا يشترط فيمن يحُجُّ عن غيره مساواته للمحجُوجِ عنه في الذُّكورة والأُنُوثة، فيكفي حَجُّ المرأة عن الرَّجل كعكسه؛ أخذًا من الحديث] اهـ.

وقال الإمام ابن قدامة في "المغني" (3/ 226، ط. مكتبة القاهرة): [يجوز أن ينوب الرجلُ عن الرجلِ والمرأةِ، والمرأةُ عن الرجلِ والمرأةِ في الحج، في قول عامة أهل العلم، لا نعلم فيه مخالفًا إلا الحسن بن صالح، فإنه كره حج المرأة عن الرجل. قال ابن المنذر: هذه غفلةٌ عن ظاهر السُّنَّة، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أَمَرَ المرأة أنْ تحجَّ عن أبيها، وعليه يَعتمِد مَن أجاز حجَّ المرء عن غيره] اهـ.

الخلاصة

بناءً على ذلك: فإنَّ نيابة المرأة عن الرجل في الحج جائزةٌ شرعًا على ما ذهب إليه عامة الفقهاء؛ لأن الحج عبادة تشتمل على البدن والمال، فإذا عجز الإنسان عن الإتيان بها ببدنه، فيجوز له أن يُنيب مَن يقوم بها عنه، من غير اشتراط المساواة بين النائب والمحجوج عنه في الذكورة والأنوثة.

وفي واقعة السؤال: يجوز للرجل المذكور غير القادر على أداء الحج بنفسه بسبب مرضه أن يستنيب أخته في أداء فريضة الحج بدلًا عنه.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما حكم من نوى التمتع ثم تعذر عليه أداء العمرة قبل الحج؟ فقد سافرت امرأة إلى الحج، فأحرمت من بلدها، ونوَتِ التمتع، وبعد النزول في مكة المكرمة، وقبل أداء العمرة تم تغيير برنامج الرحلة، بحيث يذهبون إلى زيارة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة أولًا، ويعودون في نهاية اليوم السابع من ذي الحجة، على أن يخرجوا إلى عرفة صبيحة اليوم الثامن، وتخشى أن لا تتمكن من أداء العمرة قبل الحج، وتسأل هل يجوز لها أن تُحوِّل إحرامها من تمتع إلى قِران؟ وهل عليها دم؟


ما هي الآداب التي ينبغي أن يتحلى بها الحاج أثناء تأديته مناسك الحج؟


هل يجوز للمعتمر والحاج بعد انتهاء المناسك أن يحلقا لأنفسهما أو لغيرهما من المعتمرين والحجيج؟


ما حكم التطوع بالطواف من غير الحاج والمعتمر؟ حيث إن هناك شخصًا قد دخل المسجد الحرام لصلاة فريضة الظهر، وكان الوقت قبل الصلاة كبيرًا، فأراد أن يتطوع بطواف البيت. فهل يجوز له ذلك مع كونه غير قاصدٍ لنسكٍ من حجٍ أو عمرة؟


ما حكم الحج عن الابن المتوفى وهبة أعمال البر له؟ لأن امرأة تريدُ أن تَحُجَّ عن ابنها المُتَوفَّى في حادث، وكان قد سبق لها الحج، وتبرع والد المُتوفّى بنفقة الحج؛ لأنه كان طالبًا ولم يكن له مال خاص، كما تريد هذه المرأة أن تصطحب معها ابنتها البالغة من العمر ستة عشر عامًا، وقد تبرع لها والدها بنفقات الحج أيضًا؛ لأنها ما زالت طالبة، فهل يصحُّ حجّهما؟ وإذا كُتِبَ لها الحج عن ابنها، فما الذي يجب عليها عمله اعتبارًا من نية الحج إلى الانتهاء منه؟ وهل إذا صلَّت في الحرمين الشريفين بمكة والمدينة المنورة أن تُصَلي لابنها الصلوات المفروضة؟ وهل يجوز أن تؤدي العمرة عن نفسها بعد أداء الحج عن الابن المتوفى؟


ما حكم كشف الكتف الأيمن في أثناء الإحرام؟ وهل هو فرض أو سُنَّة؟ وماذا لو تركه المُحرم؟ وهل يُشرع فعله للنساء المُحْرِمات؟


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 17 يونيو 2025 م
الفجر
4 :7
الشروق
5 :53
الظهر
12 : 56
العصر
4:32
المغرب
7 : 58
العشاء
9 :32