ما ضابط الإسراع الذي يؤثر على صحة الصلاة؟ حيث يقوم أحد المصلين بالإسراع في صلاته، وعندما قمت بالتنبيه عليه بأن هذا الإسراع يُخلّ بصحة الصلاة، قال بأن هذا من قبيل التخفيف ولا يُخلّ بصحة الصلاة؛ فنرجو منكم بيان ضابط الإسراع الذي يُؤثِّر على صحة الصلاة.
الإسراعُ الذي يؤثِّر على صحة الصلاة هو أن يأتي المُصَلّي بالركن من غير أن يستقرّ فيه، وهذا الاستقرار يسميه الفقهاء بالطمأنينة، وهي: استقرار الأعضاء زَمَنًا قليلًا في أداء جميع أركان الصلاة، وذلك كأن يطمئن المصلي في ركوعه وسجوده زمنًا يتَّسِع لقوله: (سبحان ربي العظيم) في الركوع، أو (سبحان ربي الأعلى) في السجود- مرة واحدة على الأقل، فإذا أتى بالركن واستقرّت أعضاؤه وسكنت بقدر الطمأنينة فإن ذلك يُجزئه، ولا يكون إسراعًا مخلًّا بصحة الصلاة أو مُبطلًا لها.
المحتويات
مَدَح الله تعالى مَنْ أَحْسَن أداء الصلاة بأن أتَمَّ أركانها وحافظ على سننها؛ فقال تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ [المؤمنون: 1-2].
وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا أَحْسَنَ الرَّجُلُ الصَّلَاةَ فَأَتَمَّ رُكُوعَهَا وَسُجُودَهَا قَالَتِ الصَّلَاةُ: حَفِظَكَ اللهُ كَمَا حَفِظْتَنِي فَتُرْفَعُ، وَإِذَا أَسَاءَ الصَّلَاةَ فَلَمْ يُتِمَّ رُكُوعَهَا وَسُجُودَهَا قَالَتِ الصَّلَاةُ: ضَيَّعَكَ اللهُ كَمَا ضَيَّعْتَنِي فَتُلَفُّ كَمَا يُلَفُّ الثَّوْبُ الْخَلَقُ فَيُضْرَبُ بِهَا وَجْهُهُ» أخرجه أبو داود الطيالسي في "مسنده".
قال العلامة المناوي في "فيض القدير" (1/ 249، ط. المكتبة التجارية الكبرى) عند قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «قَالَتِ الصَّلَاةُ: حَفِظَكَ اللهُ كَمَا حَفِظْتَنِي»: [أي: حِفظًا مثل حفظك لي بإتمام أركاني وكمال إحساني بالتأدية بخشوع القلب والجوارح، وهذا من باب الجزاء من جنس العمل، فكما حَفِظ حدود الله تعالى فيها قابَلته بالدعاء بالحفظ] اهـ.
الاطمئنان في الصلاة هو: استقرار الأعضاء زَمَنًا قليلًا في أداء جميع أركان الصلاة، وذلك كأن يطمئن المصلي في ركوعه وسجوده زمنًا يتَّسِع لقوله: سبحان ربي العظيم في الركوع، أو سبحان ربي الأعلى في السجود مرة واحدة على الأقل، -وإن كانت السُنَّةُ أن يسَبِّح ثلاثًا على الأقل. وهو –أي: الاطمئنان- ركنٌ من أركان الصلاة عند جمهور الفقهاء من المالكية، والشافعية، والحنابلة، وأبي يوسف من الحنفية، وتَبْطُل الصلاة بدونه.
قال العلامة الكاساني في "بدائع الصنائع" (1/ 162، ط. دار الكتب العلمية): [قال أبو يوسف: الطمأنينةُ مقدار تسبيحة واحدة فرضٌ، وبه أخذ الشافعي] اهـ.
وقال الشيخ الدردير في "الشرح الصغير" (1/ 303-316، ط. دار الفكر): [(فرائض الصلاة) أربع عشرة فريضة.. (و) ثاني عشرها: (طمأنينة) وهي: استقرار الأعضاء زمنًا ما، في جميع أركانها] اهـ.
قال العلامة الصاوي في "حاشيته على الشرح الصغير" (1/ 316، ط. دار الفكر): [اعلم أن القول بفرضيتها صححه ابن الحاجب، والمشهور من المذهب أنها سنة] اهـ.
وقال العلامة الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج" (1/ 365، ط. دار الكتب العلمية): [ويشترط في صحة الركوع أن يكون (بطمأنينة)؛ لحديث المسيء صلاته المتقدم، وأقلها أنْ تستقر أعضاؤه راكعًا (بحيث ينفصل رفعه) من ركوعه (عن هَويه) أي: سقوطه فلا تقوم زيادة الهَوي مقام الطُمأنينة (ولا يقصد به) أي: الهويّ (غيره) أي: الركوع قصده هو أم لا كغيره من بقية الأركان؛ لأن نية الصلاة منسحبة عليه، (فلو هوى لتلاوة فجعله ركوعًا لم يكف)؛ لأنه صرفه إلى غير الواجب، بل ينتصب ليركع] اهـ.
وقال العلامة البهوتي في "كشاف القناع عن متن الإقناع" (1/ 387، ط. دار الكتب العلمية): [(و) التاسع من أركان الصلاة (الطمأنينة في هذه الأفعال) أي: في الركوع والاعتدال عنه والسجود والجلوس بين السجدتين.. (بقدر الذكر الواجب لذاكره ولناسيه بقدر أدنى سكون، وكذا) في أدنى سكون (لمأموم بعد انتصابه من الركوع؛ لأنه لا ذكر فيه)] اهـ.
يدل لركنية الطمأنينة في سائر أركان الصلاة ما رواه الشيخان أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دخل المسجد فدخل رجل فصلَّى فسلَّم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فردّ وقال: «ارجَعْ فَصَلِّ؛ فَإنَّك لَمْ تُصَلِّ»، فرجع يصلي كما صلى، ثم جاء، فسلم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: «ارجَعْ فَصَلِّ؛ فَإنَّك لَمْ تُصَلِّ» ثلاثًا، فقال: والذي بعثك بالحق ما أُحسن غيره، فعلِّمني، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاَةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاَتِكَ كُلِّهَا».
فالحديث ظاهر الدلالة في كون الطمأنينة ركنًا في أداء سائر أركان الصلاة، وفي ذلك يقول العلامة ابن بطال في "شرحه لصحيح البخاري" (2/ 409، ط. مكتبة الرشد): [استدل بهذا الحديث جماعة من الفقهاء، فقالوا: الطمأنينة في الركوع والسجود فرض، لا تجزئ صلاة مَن لم يرفع رأسه، ويعتدل في ركوعه وسجوده ثم يقيم صلبه، وقالوا: ألا ترى أنَّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال له: «ارجَعْ فَصَلِّ؛ فَإنَّك لَمْ تُصَلِّ»، ثم علَّمه الصلاة وأمره بالطمأنينة في الركوع والسجود] اهـ.
إسراع المُصَلّي في صلاته مع حفاظه على الطمأنينة في تأدية أركان الصلاة لا يخلّ بصحتها، ويؤيّد هذا أنّ صلاته صلى الله عليه وآله وسلم كانت تخفيفًا؛ فقد روى الإمام مسلم في "صحيحه" عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أنه قال: «مَا صَلَّيْتُ وَرَاءَ إِمَامٍ قَطُّ أَخَفَّ صَلَاةً، وَلَا أَتَمَّ صَلَاةً مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم».
قال القاضي عياض في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (2/ 386، ط. دار الوفاء): [الحديث يدل أنَّ بعضَها أكملُ من بعض، وأنه لم يكن في بعض أركانها طُول عن غيره متباين جدًا، وهذا -والله أعلم- في آخر عمله في الصلاة، وعلى هذا يحمل حديث جابر بن سَمُرَة رضي الله عنه: "ثم كانت صلاته بعد ذلك تخفيفًا"] اهـ.
وقد ذمَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم مَنْ صَلَّى مُسْرِعًا دون الحفاظ على الخشوع والطمأنينة والأذكار فقال فيما رواه مسلم في "صحيحه": «تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِ، يَجْلِسُ يَرْقُبُ الشَّمْسَ حَتَّى إِذَا كَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ، قَامَ فَنَقَرَهَا أَرْبَعًا، لَا يَذْكُرُ اللهَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا».
قال الإمام النووي في "شرحه على صحيح مسلم" (5/ 124، ط. دار إحياء التراث العربي): [قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «فَنَقَرَهَا أَرْبَعًا، لَا يَذْكُرُ اللهَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا» تصريح بذم مَن صلَّى مسرعًا بحيث لا يكمل الخشوع والطمأنينة والأذكار، والمراد بالنقر: سرعة الحركات كنقر الطائر] اهـ.
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فالإسراعُ المُبطِل للصلاة هو ما يُخل بالطمأنينة في أداء أركانها، كأن لا يستقرّ المُصَلّي في ركوعه أو سجوده ولو قَدْر تسبيحة، فإذا أسرع المُصَلّي في صلاته غير مُخِلٍّ بطمأنينتها على النحو المشار إليه فصلاته صحيحة، ولا شيء عليه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم الترتيب بين الصلاة الحاضرة والفائتة عند اتساع الوقت لصلاتهما؟ فأنا أحيانًا تفوتني صلاة العصر بسبب عذر طارئ حتى يؤذّن لصلاة المغرب، وعند قضائها منفردًا وأنا في البيت يكون وقت المغرب متسعًا ويسمح بأداء الفريضتين؛ فهل أبدأ بصلاة العصر الفائتة، أو بصلاة المغرب الحاضرة؟
ما القدر المناسب من قراءة القرآن في صلاة التراويح في كل ليلة من رمضان؟ وما هو عمل الصحابة في هذا؟
ما حكم أداء النافلة بين الصلاتين عند جمع التقديم؟ فقد سافرتُ في مهمة للعمل خارج البلاد، وقمتُ بجمع الصلاة في أيام سفري جمعَ تقديمٍ، مع المحافظة على صلاة النوافل بترتيبها مع كلِّ صلاة، فعند الجمع بين الظهر والعصر كنتُ أصلي نافلة الظهر القَبلية، ثم الظهر، ثم نافلتَه البَعدية، ثم نافلة العصر، ثم أصلي العصر، وعند جمع المغرب مع العشاء صليتُ المغرب، ثم نافلتَها، ثم نافلة العشاء القَبلية، ثم العشاءَ ونافلتَها البَعدية.
ما حكم التأمين عند المرور بآية دعاء في الصلاة، والسؤال عند المرور بآية رحمة، والاستعاذة عند المرور بآية عذاب؟
سائل يقول: ماذا يفعل المسافر في الطائرة إذا خشي فوات وقت الصلاة المفروضة؟ هل تصح الصلاة في الطائرة؟ وإذا صحَّت هل يجوز أن يصلّي الفريضة قاعدًا؟ وكيف يمكن أن يعرف القبلة؟
طلب السائل من خطيب الزاوية التي يصلي بها بأن يقصر في الخطبة؛ لأنه رجل مسن عمره 80 عامًا، ويستند على عكازين، فرد عليه الشيخ وقال له: ليس لك صلاة، ودعنا نعلم الناس.
علمًا بأن السائل يقرر بأن خطبته تمتد أكثر من ساعة، ويقرر أنه تعرض للإهانة من ذلك الشيخ تمس شخصه.
ويطلب: هل من حق خطيب هذه الزاوية طرد شيخ مسن من مسجد لمجرد أنه طلب سرًّا منه عدم إطالة الخطبة لأكثر من ساعة رحمة بالمسنين والمرضى؟ وهل يحق لهذا الخطيب إهانة مسن والاستهزاء بمصلٍّ جاء إلى بيت الله يرجو رحمته ورضاه؟ وهل جعلت المساجد لذكر الله وعبادته أم للمجادلة والاستهزاء بكبار السن؟ وهل طلب التخفيف يوقف تعليم الناس كما اتهمه الإمام المذكور بأنه يقف عقبة في تعليم الناس؟ وبيان الحكم الشرعي.