ما حكم إقامة الرجل مع مطلقته البائن في مسكن واحد؛ حيث يوجد رجلٌ طلّق زوجته طلاقًا بائنًا، وبعد مدة مَرِض مرضًا مُزْمِنًا جعله لا يستطيع خدمة نفسه، فهل يجوز أن يقيم مع مُطلَّقته في مسكنٍ واحد مع وجود الأولاد طوال اليوم؟
لا مانع شرعًا من أن يقيم الرجُلُ مع مُطلَّقته البائن في بيت واحد، بشرط أمن الفتنة، وأن يكون بينهما ما يَمْنَع الخلوة الـمُحرَّمة؛ كوجود الأولاد طوال اليوم كما هو مذكور في السؤال.
المحتويات
من المقرر شرعًا أنَّ المرأة إذا طَلَّقها زوجها طلاقًا بائنًا صارت أجنبية عنه، لها ما للأجنبية من أحكامٍ، والتي منها: عدم جواز الخَلْوة بها؛ لقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: «إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ»، فقال: رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: «الْحَمْوُ الْمَوْتُ» متفق عليه، والحمو -كما يقول العلماء- هو أحد أقارب الزوجة أو الزوج من غير المحارم، فإذا كان ذلك في شأن القريب غير الـمَحْرَم، فمن الأولى البعيد الأجنبي؛ كالزوج الذي أَبَتَّ طلاق زوجته فصار أجنبيًّا عنها.
وضابط الخلوة المحرَّمة -كما قال الشيخ الشَّبْرامَلِّسي الشافعي في "حاشيته على نهاية المحتاج" (7/ 163، ط. دار الفكر)-: [اجتماعٌ لا تُؤمَن معه الرِّيبَة عادةً، بخلاف ما لو قُطِع بانتفائها عادةً فلا يُعدُّ خلوة] اهـ، وهذا يتفق مع ما جرى عليه عمل المسلمين سلفًا وخلفًا من أَنَّ مجرد وجود المرأة مع الرجل في مكان واحد ليس حرامًا في ذاته، وأَنَّ الحرمة إنما هي في الهيئة الاجتماعية إذا كانت مخالفة للشرع الشريف؛ كأن يُظهر النساءُ ما لا يحل لهن إظهاره شرعًا، أو يكون الاجتماع على منكر أو لمنكر، أو يكون فيه خلوة محرَّمة، ونص أهل العلم على أن الاختلاط المحرم في ذاته إنما هو التلاصق والتلامس لا مجرد اجتماع الرجال مع النساء في مكان واحد.
وعلى ذلك دَلَّت السنة النبوية الشريفة؛ ومن ذلك: ما رواه الشيخان عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: "لَمَّا عَرَّسَ أَبُو أُسَيْدٍ السَّاعِدِي رضي الله عنه دَعَا النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم وَأَصْحَابَهُ، فَمَا صَنَعَ لَهُمْ طَعَامًا وَلاَ قَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ إِلَّا امْرَأَتُهُ أُمُّ أُسَيْدٍ"، وترجم له البخاري بقوله: "باب قيام المرأة على الرجال في العرس وخدمتهم بالنفس".
قال العلامة ابن بطال في "شرح صحيح البخاري" (6/ 53، ط. الرشد): [وفيه أن الحجاب -أي: انفصال النساء عن الرجال في المكان والتعامل المباشر- ليس بفرض على نساء المؤمنين، وإنما هو خاص لأزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كذلك ذكره الله في كتابه بقوله: ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾ [الأحزاب: 53]] اهـ.
وجاء في "الصحيحين" أيضًا عن أبي هريرة رضي الله عنه، في قصة أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنه في إطعامه الضيف: أنهما جعلا يُرِيانِه أنهما يأكلان، فباتا طاويَين وفي رواية ابن أبي الدنيا في "قِرى الضيف" من حديث أنس رضي الله عنه: أن الرجل قال لزوجته: أثردي هذا القرص وَآدِمِيهِ بِسَمْنٍ ثُمَّ قَرِّبِيهِ، وَأْمُرِي الخادم يطفئ السراج، وجعلت تَتَلَمَّظُ هي وهو حتى رأى الضيفُ أنهما يأكلان. وظاهره أنهم اجتمعوا على طبق واحد. وقد قال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «قَدْ عَجِبَ اللهُ مِنْ صَنِيعِكُمَا بِضَيْفِكُمَا اللَّيْلَةَ»، ونزل فيهما قولُه تعالى: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ [الحشر: 9].
ولا يلزم لكي يجوز الاجتماع مع المرأة في مكان واحد أن يوجد معها زوج أو خصوص مَحْرَمها -والمقصود بالمَحْرَم هو كل من لا يجوز له الزواج من المرأة المُعَيَّنة على التأبيد؛ بسبب قرابة، أو رضاع، أو مصاهرة-، بل يكفي أن يوجد معهما ثالث؛ ذَكَرًا كان أو أنثى، ما دام مميزًا وممن يستحى منه.
وقد روى مسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا يَدْخُلَنَّ رَجُلٌ بَعْدَ يَوْمِي هَذَا عَلَى مُغِيبَةٍ -وهي من غاب زوجها عن المنزل-، إِلَّا وَمَعَهُ رَجُلٌ أَوِ اثْنَانِ».
قال الإمام النووي في "المجموع" (7/ 69-70، ط. المنيرية): [والمشهور هو جواز خلوة رجل بنسوة لا محرم له فيهن لعدم المفسدة غالبًا؛ لأن النساء يستحيين من بعضهن بعضًا في ذلك] اهـ.
وقال أيضًا (4/ 174-175): [واعلم أن المَحْرَم الذي يجوز القعود مع الأجنبية مع وجوده يشترط أن يكون ممن يستحى منه، فإن كان صغيرًا عن ذلك؛ كابن سنتين وثلاث ونحو ذلك، فوجوده كالعدم بلا خلاف] اهـ.
تأسيسًا على ذلك؛ فقد نَصَّ جمهور الفقهاء على جواز أن يسكنا –أي: الرجل والمرأة- في بيتٍ واحدٍ بعد الطلاق البائن بشرط أمن الفتنة؛ بأن يكون بينهما حائلٌ يمنع الخلوة المحرمة كامرأة ثقة قادرة على الحيلولة بينهما، أو كانت دار المطلق متسعة لهما، وأمكنها السكنى في غرفة منفردة، ويقاس على ذلك أولاد السائل كما في واقعة السؤال.
قال الإمام الزيلعي في "تبيين الحقائق" (3/ 37، ط. المطبعة الكبرى الأميرية): [وإذا طَلَّقها بائنًا، وسكنت في منزل الزوج يجعل بينها وبينه سُتْرة حتى لا تقع الخلوة بالأجنبية، واكتفي بالحائل لاعتراف الزوج بالحرمة، وإن كان فاسقًا يخاف عليها منه أو كان الموضع ضيقًا لا يسعهما فلتخرج هي، والأَوْلى خروجه لوجوب السكنى عليها فيه، وإن جَعَلَ القاضي بينهما امرأة ثقة تقدر على الحيلولة فهو حسن] اهـ.
وقال العلامة ابن نجيم في "البحر الرائق" (4/ 168، ط. دار الكتاب الإسلامي): [ولهما أن يسكنا بعد الثلاث في بيت إذا لم يلتقيا التقاء الأزواج ولم يكن فيه خوف فتنة.. وقد استُفِيد من كلامهم أَنَّ الحائل يمنع الخلوة المحرمة. قال في "الظهيرية": يجعل بينهما حجاب حتى لا يكون بينه وبين امرأة أجنبية خلوة، وإنما اكتفي بالحائل؛ لأنَّ الزوج معترف بالحرمة] اهـ.
وقال الشيخ عليش في "فتح العلي المالك" (2/ 72، ط. دار الفكر) جوابًا عن سؤال وُجِّه له نَصُّه: [(ما قولكم) فيمن أبان زوجته، فهل له السكنى معها في بيت هو في محلٍّ منه، وهي في محلٍّ آخر، ومعهما فيه غيرهما كمَحْرَمِه وزوجته، وهل له إسكان زوجته معها برضاهما، وليس لوليها المنع من ذلك؟
فأجاب: نعم، له السكنى في بيتٍ جامعٍ لهما، ولغيرهما هو في محلٍّ منه، وهي في محلِّها الذي كانت ساكنة فيه معه، وله إسكان زوجته معها في محلِّها إن رضيتا بذلك، وليس لوليها المنع من ذلك] اهـ.
وقال الإمام أبو اسحاق الشيرازي في "التنبيه" (1/ 201، ط. عالم الكتب) عند كلامه على عدة المبتوتة: [وإن وَجَبت –أي: عدة المبتوتة- وهي في مسكنٍ للزوج لم يجز أن يَسْكُن معها، إلَّا أن تكون في دار فيها ذو رحم محرم لها أو له، ولها موضع تنفرد به] اهـ.
وجاء في "البيان" للعمراني (ص: 11، 55، ط. دار المنهاج): [وإن كان معها أي: -المطلقة- محرم لها، كالأب، والابن، أو امرأة ثقة معها، ولها موضع تستتر به عن الزوج.. جاز أن يسكن معها؛ لأنه يؤمن أن يخلو بها] اهـ.
وقال العلامة البهوتي في "كشاف القناع" (5/ 434، ط. دار الكتب العلمية): [(فلو كانت دار المطلِّق متسعة لهما، وأمكنها السكنى في موضع منفرد كالحجرة وعلو الدار وبينهما باب يغلق، وسَكَنُ الزوج في الباقي جاز)؛ لأنَّه لا محذور فيه (كما لو كانتا حجرتين متجاورتين وإن لم يكن بينهما باب مغلق، ولها موضع تستتر فيه بحيث لا يراها) مُبِينُهَا (ومعها محرم تتحفظ به جاز أيضًا)] اهـ.
بناءً على ما سبق وفي واقعة السؤال: فلا بأس أن يسكن الرجُلُ في بيت واحد مع مُطلَّقته البائن منه، بشرط أمن الفتنة، وأن يكون بينهما ما يَمْنَع الخلوة الـمُحرَّمة؛ كامرأة ثقةٍ قادرة على الحيلولة بينهما، أو وجود الأولاد طوال اليوم كما هو مذكور في السؤال.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
سائل يقول: هناك امرأة طُلِّقت طلاقًا رجعيًّا وتركت منزل الزوجية تجنبًا للمشاكل، فتقيم عند والدها مدة العدة، فما حكم ذلك شرعًا؟
هل ينعقد زواج امرأة بالغٍ ثيِّب شرعًا وهي غائبة عن مجلس العقد ببلد بعيد، ويُقبَض مهرها من وكيل وقَّع الوثيقة، وقَبَضَ مَن يزوجها المهر دون وكالة بالعقد أو القبض عنها؟
ما حكم الشرع الشريف في التحرُّش الجنسي؟ حيث قام أحد الأشخاص بمحاولة التحرّش بالألفاظ تجاة إحدى الفتيات في الطريق، وعندما نهيتُه عن ذلك ادّعى أنَّ الفتاة هي السبب؛ لنوع ملابسها التي ترتديها. نرجو منكم التكرّم بالردّ على مثل هذه الدعاوى التي تُبرِّر هذه الجريمة وتُلقي بالتهمة على الفتاة وملابسها.
ما حكم حج المرأة المعتدة من وفاة زوجها أثناء فترة العدة؟ حيث أثناء استعدادي للسفر لأداء فريضة الحج توفِّي زوجي، فتابعت الإجراءات بعد وفاته وسافرت وأديت الفريضة، ولكن قيل لي: إن حجك غير صحيح، فما رأي الدين في ذلك؟
تقدم شابٌّ لخطبتي منذ حوالي عام، وبعد الخطبة بأربعة أشهر بدأت أشعر بعدم رغبة في الزواج منه، وصارحته بذلك ولكنه أصرَّ على عدم الابتعاد، ثم رددت له الذهب الذي كان قدمه كهدية لي في الخطبة، فأخذ يُفاوض ويُماطِل وأَرْجَع الذهب مرة أخرى، وبعد وقت قصير رددت الذهب مرة ثانية وأعاده بنفس الطريقة للمرة الثانية، ثم رددته له مرة ثالثة فردَّه إخوتُه للمرة الثالثة، وطلبت منه أن يأخذ ذَهَبَهُ فلم يرسل لأخذه، وظللت أطلب منه أن يأخذ ذهبه طيلة أربعة أيام، وفي اليوم الخامس وعندما رجعت من عملي وجدت باب الشقة قد كُسِر والذهب قد سُرِق! وقمت بعمل الإجراءات اللازمة ولا فائدة، ولم أحصل على الذهب حتى الآن. والوضع الآن بين اختيارين: الأول: أن أتزوجه مكرهة لأنني لا أملك قيمة الذهب والتي تُقدَّر بعشرة آلاف جنيه. الثاني: أن أعطيه ماله قيمة الذهب المسروق، والله يشهد أنني لا أملك رُبع هذا المبلغ، لا سيما وأنني أسكن في الريف وكل الناس أجمعوا على أنني مُلزَمة برد هذا المال.
كما أنني أسأل فضيلتكم: هل يجوز لأمي أن تُكرهني على الزواج من رجل لا أريد الزواج منه وأشعر تجاهه بنفور شديد؟ أرجو من فضيلتكم بيان الحكم الشرعي.
هل يجوز للمعتدة من وفاة زوجها الخروج من بيتها وحضور فرح أختها، أو يجب عليها ملازمة البيت فترة العدة وعدم الخروج منه نهائيًّا؟