ما حكم من ينكر استقلال السنة بالتشريع وكونها مصدرًا من مصادر التشريع، ويقول بأنها ليست وحيًا؟ وما حكم من يطالب بالتحرر من سلطة النصوص الشارحة للكتاب والسنة؟
السنة هي المصدر الثاني للتشريع في الإسلام بعد القرآن الكريم، فالله عز وجل يقول في كتابه الكريم: ﴿قُلۡ إِن كُنتُمۡ تُحِبُّونَ اللهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحۡبِبۡكُمُ اللهُ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۚ﴾ [آل عمران: 31]، ويقول جل شأنه: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء: 65]، ويقول: ﴿مَّن يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدۡ أَطَاعَ اللهۖ﴾ [النساء: 80]، إلى غير ذلك من الآيات المتكاثرة التي تدل على وجوب طاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم واتباعه فيما أتى به، وأنه هو الأسوة الحسنة في كل ما يأتيه ويذره صلى الله عليه وآله وسلم.
والسنة النبوية الشريفة إما أن تكون مؤكدة لأحكام القرآن الكريم؛ كقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ»؛ مؤكدًا لقوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 29].
وإما أن تكون مبينة لمُجْمَله؛ كركعات الصلاة ومقادير الزكاة وتفصيل أعمال الحج.
وإما أن تكون مُقَيِّدةً لمُطلقه أو مخصِّصَةً لعامِّه؛ كالأحاديث الواردة في النهي عن الصلاة في أوقات مخصوصة، وتقييد قطع اليد في السرقة من الرسغ.
وإما أن تستقل بالتشريع؛ كالنهي الوارد عن الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها في النكاح.
ومن المقرر شرعًا أن الوحي قسمان: متلوّ، وهو القرآن الكريم، وغير متلوّ، وهو السنة النبوية الشريفة، وإنكار كون السنة النبوية وحيًا من الله تعالى مخالفٌ لصريح النصوص الشرعية؛ حيث يقول تعالى: ﴿إِنَّآ أَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ لِتَحۡكُمَ بَيۡنَ ٱلنَّاسِ بِمَآ أَرَاكَ اللهُۚ﴾ [النساء: 105]، ويقول عز وجل: ﴿إِنۡ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰٓ إِلَيَّۚ﴾ [الأنعام: 50]، ويقول تعالى: ﴿وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلذِّكۡرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيۡهِمۡ﴾ [النحل: 44]، ويقول جل شأنه: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ۞ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ [النجم: 3-4].
وعن الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِيكَرِبَ رضي الله عنه أن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: «أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ يَنْثَنِي شَبْعَانًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ: عَلَيْكُمْ بِالْقُرْآنِ؛ فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ، وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ» أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وصححه ابن حبان والحاكم، وعَنْوَنَ الحافظ ابن حبان في "صحيحه" لهذا الحديث بقوله: (ذِكر الخبر المُصَرِّح بأن سنن المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم كلَّها عن الله لا من تلقاء نفسه).
وعن يَعْلَى بنِ أُمَيَّة رضي الله عنه: أن رجلًا جَاءَ إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعَلَيْهِ جُبَّةُ صُوفٍ وهو مُتَضَمِّخٌ بِطِيبٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ تَرَى فِي رَجُلٍ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فِي جُبَّةٍ بَعْدَ مَا تَضَمَّخَ بِطِيبٍ؟ فَسَكَتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم سَاعَةً، فَجَاءَهُ الْوَحْيُ، ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ فَقَالَ: «أَيْنَ الَّذِي سَأَلَنِي عَنِ الْعُمْرَةِ آنِفًا؟» فَالْتُمِسَ الرَّجُلُ فَجِيءَ بِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم: «أَمَّا الطِّيبُ الَّذِي بِكَ فَاغْسِلْهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَأَمَّا الْجُبَّةُ فَانْزِعْهَا، ثُمَّ اصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ مَا تَصْنَعُ فِي حَجِّكَ» متفق عليه.
قال الإمام الزركشي في "البحر المحيط" (6/ 216): [وهو دليل قطعي على أن السنة كانت تنزل كما ينزل القرآن] اهـ.
وعن طلحة بن نُضَيلة الخزاعي رضي الله عنه: أن الناس قالوا: يا رسول الله، سَعِّرْ لنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لا يَسْأَلُنِي اللهُ تَعَالَى عَنْ سُنَّةٍ أَحْدَثْتُهَا فِيْكُمْ لَمْ يَأْمُرْنِي اللهُ بِهَا» أخرجه ابن أبي شيبة في "مسنده" والطبراني في "المعجم الكبير".
وفي "مسند الإمام أحمد" من حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ بِشَفَاعَةِ رَجُلٍ لَيْسَ بِنَبِيٍّ مِثْلُ الْحَيَّيْنِ -أَوْ مِثْلُ أَحَدِ الْحَيَّيْنِ- رَبِيعَةَ وَمُضَرَ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا رَبِيعَةُ مِنْ مُضَرَ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا أَقُولُ مَا أُقَوَّلُ» وإسناده حسن كما قال الإمام السيوطي، إلى غير ذلك من الأدلة الدالة على أنه صلى الله عليه وآله وسلم لا ينطق إلا عن الله تعالى، والتي تمتلئ بها السنة النبوية الشريفة.
وإنكار كون السنة مصدرًا من مصادر الشريعة هو قدح في هُوية الإسلام؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مأمور بالتبليغ عن الله عز وجل، وسنته واجبة الاتباع، وطاعته طاعةٌ لله تعالى، ولا يعني ذلك إلا كونها مصدرًا للتشريع، وإنكار ذلك يستلزم التكذيب برسالته صلى الله عليه وآله وسلم.
أما استقلال السنة بالتشريع فإنه يطلق على معنيين: الأول: أن السنة قد تستقل بأحكام ليست في القرآن الكريم مع دخولها في نحو قوله تعالى: ﴿وَمَآ ءَاتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُواْۚ﴾ [الحشر: 7]، فمن الأصوليين من يرى أن السنة كلها بيان للقرآن من تخصيص عامه أو تقييد مطلقه أو توضيح مجمله، وأن ما انفردت السنة به من أحكام إنما فهمه النبي صلى الله عليه وآله وسلم من القرآن الكريم بوحي من الله تعالى، وأن مثل ذلك لا يسمى استقلالًا بالتشريع، وفريق آخر -وهو الجمهور- يرى أن هذا استقلال بالتشريع وأنه لا ينافي أن السنة وحي من الله تعالى، بل هو صلى الله عليه وآله وسلم صاحب الوحيين: المتلو، وهو القرآن، وغير المتلو، وهو السنة، وهذا لا يعدو كونه خلافًا لفظيًّا لا أثر له؛ لاتفاق كلا الفريقين على أن السنة واجبة الاتباع؛ سواء أسَمَّيْنا ذلك استقلالًا بالتشريع أم لا.
والمعنى الثاني لاستقلال السنة بالتشريع: كونها مصدرًا من مصادر الشرع الشريف يأتي في الرتبة بعد كتاب الله تعالى، وإنكار الاستقلال بالتشريع بهذا المعنى قدح في هوية الإسلام وتكذيب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم -كما سبق-؛ لأنه يتصل برفض أحقيته صلى الله عليه وآله وسلم في التبليغ عن الله تعالى، مما يقتضي إنكار رسالته بأبي هو وأمي صلى الله عليه وآله وسلم.
أما المطالبة بالتحرر من سلطة النصوص الشارحة للكتاب والسنة، فهذه النصوص منها ما هو نقلي يتعلق باللغة ودلالات الألفاظ العربية التي جاء بها الكتاب والسنة، أو يتعلق بنقل الإجماع الذي يشكل هوية الإسلام وما عُلِمَ منه بالضرورة، ومن المعلوم أن اللغة والإجماع هما السقف الذي يتحرك المجتهد في نطاقه لفهم النص المقدس في الكتاب والسنة.
ومن هذه النصوص ما هو قيام بواجب الوقت؛ يطبق أصحابها نصوص الكتاب والسنة على واقعهم الذي قد يتغير بتغير الزمان والمكان والحال، وهذا النوع من النصوص الشارحة تؤخذ مناهجه لا مسائله؛ حيث يجتهد المفتي في تطبيق الحكم الشرعي على الواقع الذي يلائمه ويناسبه دون أن يلتزم بما تغير حكمه لتغير واقعه.
أما المطالبة بالتحرر المطلق من غير وعي فهذا انتكاس في المفاهيم ودعوة لنبذ التراث الذي تكونت مناهجه أساسًا من القواعد والأصول الكلية التي جاء بها الوحي؛ حيث قام المجتهدون في كل عصر بإسقاط هذه الكليات على جزئيات واقعهم، وفهموا مراد الله تعالى من كتابه ليحققوا مراده من خلقه، وكانوا دعاةَ بناءٍ وتجديدٍ لا أدوات هدمٍ وتنكرٍ وإفساد.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
سائل يقول: نرجو منكم البيان والرد على مَن يقول بعدم جواز تسمية بعض الأيام ومواسم الخير والبركة بالأعياد؛ بدعوى أنَّ الشَّرع الشريف لم يجعل للمسلمين إلا عيدين فقط؛ هما: الفطر والأضحى.
سائل يسأل: بم نُجيب إذا سُئلنا: أين الله، وهل مكانه سبحانه وتعالى فوق العرش كما ورد في القرآن الكريم؟ حيث خرج علينا بعضُ من يقول بذلك القول مستندًا إلى حديث الجارية التي سألها النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال لها: «أين الله؟» قالت: في السماء.
ما حكم تعليق صور الصالحين؟ وهل صحيح أنها تمنع من دخول الملائكة؟
ما حكم حمل الناس في سيارة لزيارة قبر السيدة آمنة وأخذ الأجرة على ذلك؟ حيث إن زوجي يملك سيارة أجرة، ويقوم بحمل الزوَّار لزيارة قبر السيدة آمنة بنت وهب أم سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ويأخذ مقابل ذلك أجرة مالية يشترطها قبل إركاب الزائرين والحجاج والعمَّار معه، أو يتفق مع المسؤول عن حَمْلَةِ من يقومون بالمناسك على ذلك، فهل عمله ذلك جائز شرعًا؟ وهل ما يأخذه من أجرة تجوز له؟
ما المقصود بمعراج النبي ﷺ إلى السماء؛ فبعض الناس يحاول إثبات المكان لله تعالى، وأنه في جهة الفوق، ويستدلون على ذلك بمعراج النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى السماء، وغير ذلك من الآيات والأحاديث الواردة في الكتاب والسنة والتي نصت على العروج، مُتَّبعين في ذلك ما أفتى به ابن تيمية أن حملة العرش أقرب إلى الله تعالى ممن دونهم، وأن ملائكة السماء العليا أقرب إلى الله من ملائكة السماء الثانية، وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما عُرج به صار يزداد قربًا إلى ربه بعروجه وصعوده، وكان عروجه إلى الله لا إلى مجرد خلق من خلقه، وغير ذلك مما يُحدث الفتن والزعزعة والاختلاف بين الناس، فكيف نرد عليهم؟
ما رأي فضيلتكم في اختلاف الآراء في المذاهب الفقهية؟