الثلاثاء 28 أكتوبر 2025م – 6 جُمادى الأولى 1447 هـ
18 مايو 2022 م

التدخلات العائلية

التدخلات العائلية

هيأ الشرع الشريف ودعا إلى إيجاد الأجواء الصحيحة بين أفراد الأسرة من خلال دعم اتصالها الاجتماعي والعاطفي عبر ضرورة إقامة العلاقات الإيجابية مع الأقارب التي تمثل الإطار الاجتماعي لها، وإلا كان إطارًا منتجًا للتحديات والمشكلات الأسرية.

ويتحدد مفهوم الأقارب للأسرة من خلال أطرافها من ناحية أهل الزوج، وأهل الزوجة، وتعتبر علاقة كل أسرة بأقاربها علاقة ذات حدين؛ لكونها من أكثر العلاقات الاجتماعية تأثيرًا على مكوناتها المباشرة، بل في أحيان كثيرة تنجم المشكلات بسبب تدخل الأهل في شئون الزوجين من خلال تحسس أخبارهما وأسرارهما وتتبع تحركات أفراد تلك الأسرة الصغيرة بصورة دقيقة، ثم الدخول من مدخل النصح بصورة متحيزة لا إرادية دون التفات إلى الآثار السلبية لذلك، فضلًا عن أنهم قد يبدون الآراء حول المواقف المتباينة بين الزوجين بناءً على التجارب الشخصية لهم، وقد تكون  تلك التجارب غير ناجحة أو متطابقة.

وذلك ينعكس على مسيرة العلاقة بين الزوجين بتحويلها من حياة هادئة مستقرة يغلب عليها طابع الهدوء والاستقرار إلى حياة تتسم بعناد أطرافها وخلافاتهم؛ ولذا تبرأ صلى الله عليه وسلم ممن يتدخل بين الزوجين فيكدِّر صفاء ما بينهما؛ كما في قوله: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا» "سنن أبى داود"، فضلًا عن كون فاعل ذلك يعد قرينًا للشيطان في فعله؛ كما جاء في قولِه صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، قَالَ ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ»، قَالَ: «فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ، فَيَلْتَزِمُه» "صحيح مسلم".

إن تدخل الأهل والأقارب له إطاره المحمود الذي يدعم استقرار الأسرة ويحافظ على سريان المودة والرحمة والتفاهم بين الزوجين، ومثال ذلك تلطف النبي صلى الله عليه وسلم مع الإمام علي رضي الله عنه وترك معاتبته على ما كان منه للسيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها مع استعطافها؛ فقد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت فاطمة، فلم يجد عليًّا في البيت، فقال «أين ابن عمك؟» فقالت: كان بيني وبينه شيء، فغاضبني فخرج، فلم يُقِل -من القيلولة وهي نوم وسط النهار- عندي، فأرسل في طلبه والبحث عنه، ولاطفه معرِّضًا له بالرجوع إلى زوجته.

وهي سمات جليلة تؤسس الإطار العام الذي ينبغي على الأهل والأقارب مراعاة أصوله ومظاهره تجاه الزوجين في معالجة المواقف والتحديات الواردة على حياتهما الأسرية، ومراعاة عدم الوقوف على ما يبديه طرف من سلبيات الطرف الآخر مع الغض عن حسناته وإيجابياته، وعدم التوسع والتغلغل داخل الأسرة بما يصل إلى حد تحفيز أحد الطرفين ضد الآخر، فضلًا عن إرشاد الزوجين بأن يكونا على وعي بالتحيز العاطفي لأقارب كل طرفٍ منهما، مع بذل التسامح والمودة سواء للطرف الآخر أو لأقاربه باعتبارهم أهله وأصول زوجه وأولاده أيضًا، وقد سمع أبو بكرٍ رضي الله عنه عائشة رضي الله عنها ترفع صوتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعاتبها وهمَّ بضربها، وقال لها: أترفعين صوتك على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ حتى حال النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبينها، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يلاطفها ويمازحها ويترضاها، فلما رأى أبو بكر ذلك، قال: يا رسول الله، أشركاني في سِلمكما، كما أشركتماني في حربكما! "مسند الإمام أحمد".

وبذلك يتجلى دور الأقارب المهم والمؤثر في مجريات الحياة الأسرية إيجابيًّا أو سلبيًّا؛ لكونهم يمثلون الإطار الاجتماعي للأسرة، والبيئة الحاضنة لاستمرار وجودها وما يترتب على ذلك من المحافظة على مساحة التفاهم بين الزوجين، وإلا كانت هذه التدخلات العائلية من أهم الأسباب التي تزيد المشكلات بين الزوجين ومن العوامل المباشرة المسببة لتوتر العلاقة الزوجية وتهديد الحياة بين أطرافها.

****

 

فطر الله تعالى الكون على وجود ثنائياته من أجل أن تتكامل؛ فخلق الشمس والقمر، والليل والنهار، والسماء والأرض، وكذلك الذكر والأنثى، وهيأ سماتٍ خاصةً بكل جنس وما هو مخلوق لأجله على قدر طاقته وخصائصه، وتترتب على هذه السمات والخصائص مجموعة الوظائف، وفى ذلك يقول الله تعالى: ﴿وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [الذاريات: 49]، وقال سبحانه أيضًا: ﴿سُبْحَانَ الَّذِى خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُون﴾ [يس: 36].


تحيط بالحياة الأسرية بين الزوجين تحديات جسام ومواقف متتالية تحتاج إلى التفاف كِلَا الزوجين حول أنفسهما بسلامة ونقاء قلب، فيمسك كل طرف بالآخر لمواجهة هذه الصعاب جنبًا إلى جنب بما يحقق سعادتهما، ويؤكد نجاح الاختيار لكل منهما في شريك الحياة المناسب.


أَوْلَى الإسلام أمر الأسرة بالعناية والرعاية؛ فأحاطها بسياج محكم يشمل كل جوانب الإنسان؛ حيث ينشأ مع العقيدة ويسري في التعبُّد ووسائل التقرُّب إلى الله تعالى، فضلًا عن كشفه سمات طريقة بناء الأسرة المثالية عبر مراحلها المختلفة، مع ضبطٍ متين لممارسات الأسرة وتفاعلات أفرادها وفق جملةٍ من الشروط والمعايير الشرعيَّة والعرفية.


تُمثِّل الأسرةُ نواة المجتمع الإنساني الأصليَّة التي تضمن استمرارَه في الوجود، من وقت أن ظهرت في شكلها الأوَّل بين أبينا آدم وأمِّنا حواء عليهما السلام؛ كما في قوله تعالى لهما على سبيل الامتنان: ﴿وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ﴾ [البقرة: 35].


تحتل قضية تجديد الخطاب الديني الأولوية في معالجة الحالة الدينية في الأمة في عصرها الحاضر حتى تعود إلى سيرتها الأولي، انطلاقًا من سنة الله تعالى الجارية؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا» "سنن أبي داود" (ص: 291).


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 28 أكتوبر 2025 م
الفجر
5 :38
الشروق
7 :6
الظهر
12 : 39
العصر
3:47
المغرب
6 : 11
العشاء
7 :29