18 مايو 2022 م

التدخلات العائلية

التدخلات العائلية

هيأ الشرع الشريف ودعا إلى إيجاد الأجواء الصحيحة بين أفراد الأسرة من خلال دعم اتصالها الاجتماعي والعاطفي عبر ضرورة إقامة العلاقات الإيجابية مع الأقارب التي تمثل الإطار الاجتماعي لها، وإلا كان إطارًا منتجًا للتحديات والمشكلات الأسرية.

ويتحدد مفهوم الأقارب للأسرة من خلال أطرافها من ناحية أهل الزوج، وأهل الزوجة، وتعتبر علاقة كل أسرة بأقاربها علاقة ذات حدين؛ لكونها من أكثر العلاقات الاجتماعية تأثيرًا على مكوناتها المباشرة، بل في أحيان كثيرة تنجم المشكلات بسبب تدخل الأهل في شئون الزوجين من خلال تحسس أخبارهما وأسرارهما وتتبع تحركات أفراد تلك الأسرة الصغيرة بصورة دقيقة، ثم الدخول من مدخل النصح بصورة متحيزة لا إرادية دون التفات إلى الآثار السلبية لذلك، فضلًا عن أنهم قد يبدون الآراء حول المواقف المتباينة بين الزوجين بناءً على التجارب الشخصية لهم، وقد تكون  تلك التجارب غير ناجحة أو متطابقة.

وذلك ينعكس على مسيرة العلاقة بين الزوجين بتحويلها من حياة هادئة مستقرة يغلب عليها طابع الهدوء والاستقرار إلى حياة تتسم بعناد أطرافها وخلافاتهم؛ ولذا تبرأ صلى الله عليه وسلم ممن يتدخل بين الزوجين فيكدِّر صفاء ما بينهما؛ كما في قوله: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا» "سنن أبى داود"، فضلًا عن كون فاعل ذلك يعد قرينًا للشيطان في فعله؛ كما جاء في قولِه صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، قَالَ ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ»، قَالَ: «فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ، فَيَلْتَزِمُه» "صحيح مسلم".

إن تدخل الأهل والأقارب له إطاره المحمود الذي يدعم استقرار الأسرة ويحافظ على سريان المودة والرحمة والتفاهم بين الزوجين، ومثال ذلك تلطف النبي صلى الله عليه وسلم مع الإمام علي رضي الله عنه وترك معاتبته على ما كان منه للسيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها مع استعطافها؛ فقد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت فاطمة، فلم يجد عليًّا في البيت، فقال «أين ابن عمك؟» فقالت: كان بيني وبينه شيء، فغاضبني فخرج، فلم يُقِل -من القيلولة وهي نوم وسط النهار- عندي، فأرسل في طلبه والبحث عنه، ولاطفه معرِّضًا له بالرجوع إلى زوجته.

وهي سمات جليلة تؤسس الإطار العام الذي ينبغي على الأهل والأقارب مراعاة أصوله ومظاهره تجاه الزوجين في معالجة المواقف والتحديات الواردة على حياتهما الأسرية، ومراعاة عدم الوقوف على ما يبديه طرف من سلبيات الطرف الآخر مع الغض عن حسناته وإيجابياته، وعدم التوسع والتغلغل داخل الأسرة بما يصل إلى حد تحفيز أحد الطرفين ضد الآخر، فضلًا عن إرشاد الزوجين بأن يكونا على وعي بالتحيز العاطفي لأقارب كل طرفٍ منهما، مع بذل التسامح والمودة سواء للطرف الآخر أو لأقاربه باعتبارهم أهله وأصول زوجه وأولاده أيضًا، وقد سمع أبو بكرٍ رضي الله عنه عائشة رضي الله عنها ترفع صوتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعاتبها وهمَّ بضربها، وقال لها: أترفعين صوتك على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ حتى حال النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبينها، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يلاطفها ويمازحها ويترضاها، فلما رأى أبو بكر ذلك، قال: يا رسول الله، أشركاني في سِلمكما، كما أشركتماني في حربكما! "مسند الإمام أحمد".

وبذلك يتجلى دور الأقارب المهم والمؤثر في مجريات الحياة الأسرية إيجابيًّا أو سلبيًّا؛ لكونهم يمثلون الإطار الاجتماعي للأسرة، والبيئة الحاضنة لاستمرار وجودها وما يترتب على ذلك من المحافظة على مساحة التفاهم بين الزوجين، وإلا كانت هذه التدخلات العائلية من أهم الأسباب التي تزيد المشكلات بين الزوجين ومن العوامل المباشرة المسببة لتوتر العلاقة الزوجية وتهديد الحياة بين أطرافها.

****

 

تحيط بالحياة الأسرية بين الزوجين تحديات جسام ومواقف متتالية تحتاج إلى التفاف كِلَا الزوجين حول أنفسهما بسلامة ونقاء قلب، فيمسك كل طرف بالآخر لمواجهة هذه الصعاب جنبًا إلى جنب بما يحقق سعادتهما، ويؤكد نجاح الاختيار لكل منهما في شريك الحياة المناسب.


تُعَدُّ الأسرة النواة الأصيلة للمجتمع، ومن خلالها تنمو المواهب الصالحة والمهارات النافعة؛ فهي الخلية الحية في بنائه وكيانه، ودورها في تربية أفرادها لا يقتصر على الرعاية المادية وتوفير الاحتياجات الجسدية فقط، بل هي المدرسة الأولى التي يتشرب منها الفرد خصائصه الأولى، ويتأثر بمبادئها وسلوكياتها العمليَّة وينطبع بطابعها وسماتها.


أودع الله تعالى في الإنسان فطرة طبيعية تُولِّد بين كلا نوعيه -الذكر والأنثى- مَيْلًا إلى الآخَر؛ ومن ثَمَّ كان الرباط المخصوص والميثاق الغليظ الذى ينظِّم حياتهما معًا، حتى يكون أحدهما للآخر بمنزلة جُزئِه وبعضِه المُتَمِّم لوجودِه، ومن أجل المحافظة على الإنسان واستمرار نوعه، وتوفير حواضن اجتماعية يحقق فيها حاجاته الطبيعية.


غرس الشرع الشريف جذورًا إنسانية وشرعيَّة جعلت للأمومة خاصة وللمرأة عامة عند المسلمين معنًى رفيعًا له دلالته السامية في تراثهم الديني وموروثهم الحضاري والثقافي؛ فالأم لبنة قوية في الصلات العائلية الـمُكَوِّنة لأصل نظام الاجتماع البشري عبر العصور.


العنف ضد الرفق واليسر والسهولة، ويشمل كل فعل ونمط سلوكي يلحق الأذى بالنفس أو بالغير؛ سواء كان حسيًّا أو معنويًا، مباشرًا أو غير مباشر، ظاهرًا أو مستترًا، باللفظ أو الفعل.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 15 سبتمبر 2025 م
الفجر
5 :12
الشروق
6 :39
الظهر
12 : 50
العصر
4:20
المغرب
7 : 0
العشاء
8 :18