21 أكتوبر 2018 م

المعدة بيت الداء

المعدة بيت الداء

 قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ذلك: «مَا مَلأ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرٌّا مِنْ بَطْنٍ، حَسْبُ الآدَمِيِّ لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ غَلَبَتِ الآدَمِيَّ نَفْسُهُ؛ فَثُلُثٌ لِلطَّعَامِ، وَثُلُثٌ لِلشَّرَابِ، وَثُلُثٌ لِلنَّفَسِ» رواه أحمد في "مسنده".
لا يوجد حديث يحكم أمر الطعام ومقدار الأخذ منه كما يرشد إليه هذا الحديث الشريف؛ فيُطلِقُ الحديث شرَّ الامتلاء في وعاء من الأوعية على البطن، فالبطن شرُّ وعاءٍ يُمْلَأ.
ويعود ذلك إلى أمرٍ عامٍّ وآخر خاص.
- أما الأمر العام:
فهو عموم طلب الزهد في الدنيا؛ فهذا العموم يجري أيضًا على الأخذ من الطَّعام؛ يقول صاحب كتاب "قوت القلوب" -موضِّحًا هذا الأصل العام الذي يدخل الطعام تحته-: "وقد افترض عليك الزهد في الدنيا، وقد وجب عليك الأخذ بالبُلْغَةِ-و هي ما تكفي لسدِّ الحاجة -، مما لابدَّ منه من كلِّ شيء، فإن استكثرت أو جمعت من مثل هذه الأشياء كان ذلك معصية، وكل ما يظهره الله عزَّ وجلَّ لك من غير الأمور وبديهات المصائب، فإنما هو تزهُّدٌ لك في الدنيا إنْ فطنت لذلك، وكل ما صرف عنك مثل هذا فهو خير، وإنْ كرهت؛ وفي الخبر: «مَا مَلأ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرٌّا مِنْ بَطْنٍ» ولو كان من حلالٍ، فإن كان لا بدَّ فثُلُثٌ طعامٌ، وثُلُثٌ شرابٌ، وثُلُثٌ نَفَسٌ، فقد صار الأكلُ في ثلث البطنِ خيرًا من الأكل مِلأَهُ لأّنَّه شرٌّ، وما نقص من الشَّر فهو خيرٌ؛ وفي الخَبَرِ: ما شيء أبغض إلى الله من بطن مليء ولو من حلال".
- وأما الأمر الخاص:
فيختص بالطعام، وهو عائد إلى الأذى الذي يُلحقه الإكثار من الطعام بالإنسان؛ فالحديث واضح الدلالة في أذيَّة الكثرة من الطعام، فالتأذِّي بالأكل مثل التأذِّي بالجوع أو أشد، وإنما وضع الطعام دواء من داء الجوع، إذا وجدته عالجته به، فإذا لم تجدْهُ صار الأكلُ داءً.
ويرى كثيرٌ من الأطباء أنَّ داءَ البطن هو الأصل لكلِّ داءٍ؛ فقديمًا قال الطبيب العربي الحارث بن كلدة: "المعدة بيت الداء، والحمية رأس الدواء، وأعْطِي كلَّ بدنٍ ما عودتَهُ".
وأيدَّه الشاعر العربي حين قال:
فإنَّ الدَّاءَ أكثر ما تراه ... يكونُ من الطَّعامِ أو الشَّرابِ
وحديثًا تبَنَّى عددٌ من الدراسات تلك النظريَّة، وكان من أواخر هذه البحوث ما يتعلق بالسبب الحقيقي للإصابة بمرض باركنسون أو الشلل الرَّعاش؛ فقد توصَّل علماء في ولاية كاليفورنيا الأميركية لنتائج جديدة في فهم هذا المرض.
وأشارت اختبارات أجراها العلماء على الحيوانات، ونُشرت نتائجها في دورية "Cell" العلميَّة، إلى أنَّ هذه الاضطرابات التي تحدث في الدِّماغ جرَّاءَ هذا المرض قد يكون مصدرُها بكتيريا في الأمعاء.
وقد تؤدِّي هذه النتائج إلى اكتشاف وسائل جديدة لعلاج هذا المرض مثل العقاقير التي تُستخدم في قتل بكتيريا الأمعاء. وقال الخبراء: إنَّ هذه النتائج تفتح "مجالًا جديدًا ومثيرًا للدِّراسة".
ويسبب مرض باركنسون تدهورًا تدريجيًا في وظائف الدماغ، وهو ما يجعل المرضى يعانون من رعاش وصعوبة في الحركة. واستخدم باحثون فئرانًا عُدلت وراثيًا لتصبح مصابةً بمرض باركنسون وأنتجت مستوياتٍ عاليةً جدًا من بروتين "ألفا-ساينوسلين" المرتبط بالتَّدهور في وظائف الدِّماغ لدى مرضى "باركنسون".
لكن أعراض المرض ظهرت فقط على الحيوانات التي لديها بكتيريا في المعدة، وظلت الفئران المعقمة بحالةٍ صحيَّةٍ جيدة.
وقال الدكتور تيموثي سامسون -أحد الباحثين والأستاذ بمعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا-: "إنه اكتشاف مثير، لقد كانت الفئران متماثلة من الناحية الجينية، والاختلاف الوحيد كان وجود أو غياب الجراثيم في الأمعاء".. وأضاف: "الآن أصبحنا متأكدين تماماً من أن بكتيريا الأمعاء تنظِّمُ، بل إنها عامل أساسي في أعراض مرض باركنسون".
ويأتي هنا السؤال: ولكن ما هو حد الكثرة في الطعام؟
وكانت الإجابة في الحديث الشريف: «حَسْبُ الآدَمِيِّ لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ غَلَبَتِ الآدَمِيَّ نَفْسُهُ؛ فَثُلُثٌ لِلطَّعَامِ، وَثُلُثٌ لِلشَّرَابِ، وَثُلُثٌ لِلنَّفَسِ».
وقد فتح الحديث المجال لبيان مراتب الطعام بالنسبة للإنسان، وما منه ضروري، وما منه غير ضروري، كلُّ ذلك استظلالًا بالحديث وإنزاله في الواقع العملي.
فيقول الإمام الغزالي في "ميزان العمل": "أما شهوة البطن فداعية إلى الغذاء.
والمَطْعَم ضربان: ضروري وغير ضروري.
أما الضروري، فهو الذي لا يُسْتَغنى عنه في قوام البدن، كالطعام الذي يتغذى به، والماء الذي يرتوى به، وهو ينقسم إلى محمود ومكروه، ومذموم ومحظور:
- أما المحمود: فأن يقتصر على تناول ما لا يمكنه الاشتغال والتقوى على العلم والعمل إلا به، ولو اقتصر عنه لتحلَّلَت قُواه واختل بدنه، فهذا المقدار، إذا تناوله من حيث يجب كما يجب، فهو معذور، بل مشكور ومأجور، إذ البدن مركب النفس، لتقطع به منازلها إلى الله تعالى.
- وأما المكروه: فهو الإسراف والإمعان من الحلال والزيادة على قدرة البُلْغَةِ؛ قال عليه الصلاة والسلام: «مَا مِنْ وِعَاءٍ أَبْغَضُ إِلَى اللهِ عَزَّ وجل من بطن مليء مِنْ حَلَالٍ».
وهو أيضًا مضِرٌّ من جهة الطِّبِّ، فإنه أصل كل داء؛ قال عليه الصلاة والسلام: "البطنة أصل الداء والحمية أصل الدواء، وعوّدوا كل جسد ما اعتاد".. فامتلاء البطن مُقَوِّي للشَّهوة، وتَقَوِّي الشهوة داعية للهَوى، والهَوى أعظم جند الشيطان، الذي إذا تسلَّط سَبَاهُ عن ربه وصرفه عن بابه.
وإمداد جنود الأعداء بالمقوِّياتِ يكادُ يَنزل منزلة عين العداوة.
فلهذا يكاد تكون الكراهية فيه حظرًا؛ ولذلك قيل لبعضهم: ما بالك مع كبرك لا تتعهد بدنك وقد أُنْهِكَ. فقال: "لأنه سريع المرح، فاحش الأشر، فأخاف أن يجمع بي فيورّطني، ولئن أحمله على الشدائد أحب إليّ من أن يحملني على الفواحش".
فإن قلت: فما المقدار المحمود؟ فاعلم أنه نبه عليه الصلاة والسلام على التقدير بخبرين، أحدهما قوله: «حَسْبُ الآدَمِيِّ لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ غَلَبَتِ الآدَمِيَّ نَفْسُهُ؛ فَثُلُثٌ لِلطَّعَامِ، وَثُلُثٌ لِلشَّرَابِ، وَثُلُثٌ لِلنَّفَسِ»، فأما اللُّقيمات فهي دون العشرة ويقرب منه قوله عليه الصلاة والسلام: «الْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ، والْمُنَافِقَ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ»، والأحبُّ الأكل في سُبْعِ البطن، فإن غلب النَّهم ففي الثُّلُثِ.
وأظنُّ أن الحدَّ ثلث في حقِّ الأكثر، وإن كان ذلك قد يختلف باختلاف الأشخاص.
وعلى الجملة: فلا بد أن يكون دون الشِّبَع، حتى يخفَّ البدن للعبادة والتهجُّد بالليل، وتضعف القوى عن الانبعاث إلى الشَّهواتِ.
- وأما المحظور: فهو التَّناول مما حرَّم الله عز وجل من مالِ الغير أو المحرَّمات".
المصادر:
- "قوت القلوب في معاملة علام الغيوب" للإمام أبي طالب المكي.
- "ميزان العمل" للإمام الغزالي.
- "الذريعة في مكارم الشريعة" للراغب الأصفهاني.
- "دورية Cell العلمية".

عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ عُقْبَةَ بْنِ عَمْرو الأَنْصَارِيِّ الْبَدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ: «إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامَ النُّبُوَّةِ الأُولَى إِذاَ لَمْ تَسْتَحْي فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. هذا الحديث من الأحاديث القاطعة في بيان أهمية الحياء وقيمته الأخلاقية في حياة المسلم، وربط الحياء بكلام النبوة الأولى ويقصد به: مما اتفقت عليه الشرائع؛ لأنه جاء في أُوْلَاهَا، ثم تتابعت بقيتُها عليه.


عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ الْفَأْلُ الْحَسَنُ، وَيَكْرَهُ الطِّيَرَةَ" رواه ابن ماجه في "سننه". يتعرض هذا الحديث لمفهومين متباينين كل منهما في مقابل الآخر، ألا وهما: مفهوم الفأل الحسن المطلوب والمرغب فيه، وذلك قبالة مفهوم الطِّيَرَة والتطير المنهي والمرغب عنه.


ثم قصد صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة فقال: «والصلاة نور»، فهي نور للعبد في قلبه، وفي وجهه، وفي قبره، وفي آخرته؛ فإنها تمنع من المعاصي وتنهى عن الفحشاء والمنكر وتهدي إلى الصواب، وهي عمود الإسلام، يقوم عليها بناؤه، فإذا لم يقم العمود انهار البناء؛ فهي نور للإنسان في جميع أحواله، وهذا يقتضي أن يحافظ عليها ويحرص حتى يَكْثُرَ نورُه وإيمانُه. ثم يبيِّن صلى الله عليه وسلم أن: «الصدقة برهان»، ومعنى ذلك كما يقول العلماء أن الصدقة تكون


عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ» متفق عليه.


فأما البر: فهي اللفظة الجامعة التي ينطوي تحتها كل أفعال الخير وخصاله، وجاء تفسيره في الحديث بأنه حسن الخلق، وعُبَّر عنه في حديث آخر لوابصةَ بأنه ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، وهذا الاختلاف في تفسيره لبيان أنواعه. فالبرُّ مع الخَلْق إنما يكون بالإحسان في معاملتهم، وذلك قوله: «البرُّ حسن الخلق»، وحسن الخلق هو بذل الندى، وكفُّ الأذى، والعفو عن المسيء، والتواصل معهم بالمعروف، كما قال ابن عمر رضي الله عنه: "البرُّ شيء هيِّن: وجه طليق، وكلام ليِّن".


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 12 أغسطس 2025 م
الفجر
4 :46
الشروق
6 :20
الظهر
1 : 0
العصر
4:37
المغرب
7 : 39
العشاء
9 :3