17 يوليو 2018 م

الرِّضَا والقَنَاعة

الرِّضَا والقَنَاعة

لا ينبغي للمسلم أن يكون جُلَّ همِّه أن يسعى لتحصيل لذائذ الدنيا والتَّمتُّع بما فيها من شهوات، بل عليه أن يكتفيَ من المتع التي أحلَّها الله له بالقدر المعقول والمشروع الذي به يتحقَّقُ ما يحتاجه من الضرورات والحاجيات والتحسينيات التي بها يستمر في هذه الحياة، وتمده بالطَّاقة والسَّعة والقدرة على أداء واجباته في هذه الحياة دون مشقَّةٍ أو عَنَتٍ.
وأفضل ما يعين الإنسان على الاستقرار النفسي: أن يرضى ويَقْنَع بما قسمه الله له، ولا يتطلع لما في أيدي الناس؛ فالله سبحانه وتعالى قَدَّرَ المقادير، ورزق كلَّ إنسانٍ بقدرٍ معيَّن، وضمن له الحصول على هذا الرِّزق، وطلب منه السَّعيَ في الأرض وعمارتِها وأداء الواجبات والتَّكاليف، وهذا ما سيُحاسَبُ عليه في الآخرة، فعلى الإنسان أن يرضى بقضاء الله وقدره، ويُوَجِّه طاقته التي منحه الله إياها لأداء الواجبات والتكاليف وتعمير الكون، فهذا سرُّ سعادة الإنسان؛ قال تعالى: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [هود: 6]، وقال جلَّ شأنه: ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [يونس: 107]، وقال أيضًا: ﴿مَا يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [فاطر: 2].
أما التطلُّع لما في أيدي الغير وعدم القناعة والرضا بما قَدَّرَه الله فإنَّه يورث الإنسان شقاءً وبؤسًا ويجعله دائمَ القلق شديدَ الضَّجر؛ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ، فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللهِ» رواه مسلم.
ولو تأمَّل كثير من الناس حين يشعرون بعدم الرضا؛ لتبيَّنوا بعد تأمُّلٍ يسيرٍ أن الإنسان في نهاية الأمر يكفيه الشيءُ اليسير لتستقيم حياته وتنتظم شؤونه، ومن فُتح عليهم الكثير من أبواب الرزق إنما هم -حقيقةً- في اختبارٍ عسيرٍ؛ فهم لا يستغلُّون منه لحاجتهم الحقيقية إلا النَّذر اليسير، فيما يظل الباقي في أيديهم ينظر الله تعالى كيف يعملون فيه وبه، فإن أنفقوه في مرضاة الله سبحانه وتعالى جازاهم الله ثوابًا كبيرًا، وإن هم أنفقوه فيما لا يُرضي الله أو منعوه من يستحقُّونه من العباد استحقُّوا سخط الله ونالوا إثمًا عظيمًا.
على أنَّ الرِّضا والقناعةَ بما قسم الله لا تعني بأيِّ حالٍ تضييعَ الحقوق أو الخنوع أمام أهل التجبُّر والتكبُّر، بدعوى الرضا والقناعة، بل يجب على الإنسان أن يسعى لتحقيق العدل في الأرض، فإذا حُرِمَ حقًّا فإنَّ عليه أن يُطالب به، وأن يسعى بشتَّى الوسائل المشروعة لينال حقَّه، وإلا صار مفرِّطًا في حقِّه ومُضيِّعًا له، فيتمكَّن أهل الظلم والبغي من ظلمهم وبغيهم، وهكذا دائمًا ينظر الإسلام نظرة متوازنة تؤدي إلى استتباب العدل ورفع الظلم وتحقيق الاستقرار في النفس والمجتمع.
ولقد كان من دعائه صلى الله عليه وآله وسلم: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الرِّضَا بَعْدَ الْقَضَاءِ، وَبَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، وَشَوْقًا إِلَى لِقَائِكَ فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ» أخرجه الحاكم في "المستدرك"، كما كان من دأب الصحابة رضوان الله عليهم بيان رضاهم عن تقدير الله سبحانه وتعالى لهم في كلِّ حالٍ؛ فعن ابن مسعود رضي الله عنهما قال: "لأن أَلْحَسَ جمرةً أحرقَتْ ما أحرقَتْ، وأبقَتْ ما أبقَتْ، أحبُّ إليَّ من أن أقول لشيءٍ كان: ليته لم يكن، أو لشيء لم يكن: ليته كان"، وعنه أنه قال: "الفقر والغنى مَطِيَّتانِ ما أبالي أيّهما ركبت، إن كان الفقر فإن فيه الصبر، وإن كان الغنى فإن فيه البذل".
ويُروى عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه اشتكى له ابن، أي مرِض، فاشتدَّ وجدُه عليه؛ حتى قال بعض القوم: "لقد خشينا على هذا الشيخ إن حدث بهذا الغلام حَدَثٌ، فمات الغلام، فخرج ابن عمر رضي الله عنه في جنازته وما رجلٌ أشد سرورًا أبدًا منه، فقيل له في ذلك، فقال ابن عمر: "إنما كان حزني رحمة له فلما وقع أمر الله رضينا به".
وكذلك كان التَّابِعون من بعد الصحابة رضي الله عنهم؛ فَلِعُروةَ بن الزبير رضي الله عنه قصَّةً مؤثرة تدل على قوَّة إيمانه وصبره وتحمله ورضاه بقضاء الله سبحانه وتعالى؛ فحين أصاب مرضُ "الآكلة" إحدى رجليه واستدعى المرضُ قطعها، فما زاد على أن يقول "حَسْ حَسْ"، فقال الوليد بن عبد الملك: "ما رأيت شيخًا قط أصبر من هذا"، وابتُلي عروةُ رضي الله عنه -بالإضافة لقطع رجله- بوفاة ابنه محمد رضي الله عنه، وكان من أحب ولده إليه، فلم يُسمع من عروة في ذلك كلمة حتى رجع من رحلته التي أصيب فيها بقطع رجله ووفاة ابنه، وكان يقول: "اللهم كان لي بَنُونَ سبعة فأخذتَ منهم واحدًا وأبقيت منهم ستة، وكانت لي أطراف أربعة فأخذت مني طرفًا وبقَّيت لي ثلاثة، وإنك لئن ابتليتَ لقد عافيتَ، ولئن أخذتَ لقد أبقيت".
وَسِيَرُ الصَّالِحين رضي الله عنهم في رضاهم بقضاء الله مشهورة معروفة.
نسأل الله أن يرزقنا الرضا والقناعة بقضائه وقدره.
المصادر:
- "الرضا" للدكتور محمد صالح محمد السيد، ضمن "موسوعة الأخلاق" (ص: 290-296، ط. المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية).
- "القناعة" للدكتور محمد شامة، ضمن "موسوعة الأخلاق" (ص: 494-500، ط. المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية).
- "إحياء علوم الدين" للإمام الغزالي (4/ 343، وما بعدها).
- "قوت القلوب" للإمام أبي طالب المكي (1/ 430).
 

تُعتبر قضايا الخصوصيَّة من القضايا الـملحَّة في العصر الحديث؛ بسبب التقدم التِّقَني والوسائل المستحدثة التي تعتمد على اختراق خصوصيَّة الإنسان بشكلٍ غيرِ مسبوق، للحَدِّ الذي أصبح فيه الإنسانُ في العصر الحديث كائنًا معلوماتيًّا، يتكوَّن من معلوماتٍ شتَّى تحصُل عليها وتستخدمها أطراف عديدة؛ كشركات التَّسويقِ والبنوك والاتصالات ومواقع التَّواصُلِ الاجتماعي على شبكة الإنترنت، وهو دائمًا مرصودٌ من آلاتِ تصويرٍ مثبَّتةٍ في الشوارع والميادين والمتاجر والمؤسَّسَات وغيرها، بل وصلت الأمورُ حدًّا جعل العميلَ مع مثل هذه الشركات والمستخدمَ لتلك المواقع شريكًا في كشف خصوصيَّةِ نفسه وأيضًا انتهاك خصوصيَّة الآخرين.


والصِّدِّيق: الرَّجل الكثير الصدق، وهو من أخلاق الأنبياء عليهم السلام، قال تعالى في حقِّ إبراهيم عليه السلام﴿إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا﴾ [سورة مريم: 41]، وقد أمر الله تعالى بالصدق فقال تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ [التوبة: 119] . وعن أخلاقه صلى الله عليه وآله وسلم، فكان يُلقب قبل البعثة بالصادق الأمين، فعن عبد الله بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ﴾ [الشعراء: 214]، صَعِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ


من الأخلاق التي يجب أن يتحلى بها المسلم، خلق الأمانة، وهي كل ما يؤتمن عليه الإنسان، ولها مجالات عديدة ومتنوعة، فمنها: ما ائتمنه الله على عباده من العبادات التي كلَّفهم بها، ومنها الأمانة في الأموال، ويدخل فيها الأمانة في البيوع والديون والمواريث والودائع. ومنها الأمانة في الأعراض؛ ومعناها العفَّة عمَّا ليس للإنسان به حق منها، وكف النفس واللسان عن نَيل شيء منها بسوء، كالقذف والغيبة، ومنها الأمانة في الأجسام والأرواح؛ ومعنى ذلك كفُّ النفس واليد عن التعرض لها بسوء من قتل أو جرح أو ضر أو أذًى.


قدَّمَ الإسلام نموذجًا فذًّا فريدًا في التعامل مع أتباع غيره من العقائد والديانات؛ فعلى خلاف غيره من بعض العقائد التي تنتشر بين كثيرٍ من البشر، والتي تنظر لغيرها نظرة صراعٍ، وإقصاءٍ، واستئصالٍ، نجد الإسلام يقدم وجهةَ نظرٍ مختلفة، تنطلق من الدعوة منهجًا، للاتفاق مع أتباع غيره على "كلمةٍ سواء" تؤكد على أدنى قدرٍ من الثوابت المهمة التي تجمع بين البشر، وفي الوقت ذاته أيضًا تقوم هذه الرابطة بتقليل فرص النزاع والشقاق.


الإسلام دين المثالية والنزاهة والكمال الإنساني، يأخذ بيد الإنسان لتحصيل الفضائل والوقوف على منطقة الكمال من قواه الإنسانية -العقلية والشهوية والغضبية- فيكون محصلًا لأسمى مكارم الأخلاق، وقد قيل إنه ليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق من قوله تعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأعراف: 199]، لأن الأمر بالعرف غاية الحكمة التي هي منطقة الكمال في القوة العقلية، والإعراض عن الجاهلين غاية الشجاعة التي هي منطقة الكمال في القوة الغضبية، وأخذ العفو غاية العفة التي هي منطقة الكمال في القوة الشهوية، فالجامع بين أمهات كمالات الإنسان الثلاث: الحكمة والشجاعة والعفة.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 26 أبريل 2025 م
الفجر
4 :43
الشروق
6 :16
الظهر
12 : 53
العصر
4:29
المغرب
7 : 29
العشاء
8 :53