26 أكتوبر 2017 م

قطعُ الذَّرائع في الإساءَة للوالدَين

قطعُ الذَّرائع في الإساءَة للوالدَين

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الكَبَائِرِ أَنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ» قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَكَيْفَ يَلْعَنُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟ قَالَ: «يَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَا الرَّجُلِ، فَيَسُبُّ أَبَاهُ، وَيَسُبُّ أُمَّهُ» متفق عليه.
من الذنوب ما ضررُه عظيمٌ، وسوءُ أثره في المجتمع كبير؛ كالقتل والزِّنى وشرب الخمر والسرقة وشهادة الزور وقطيعة الرحم وأكل مال اليتيم. وهذا النوع يسمى بالكبائر لكبر المفسدة فيه، وللوعيد الشديد عليه، ولهذا النوع درجات بحسب الضَّرر الذي فيه، فكلما كانت دائرته أوسع كان في الكبر أدخل.
فكتمان الشَّهادة كبيرة؛ ولكن أكبر منه الكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وما كان من الذنوب ضرره يسيرًا يسمى بالصَّغائر. كعبوسة الوجه، وهز الرأس احتقارًا.
والحديث يبين أن سبَّ الرجل أبويه من أكبر الكبائر، وأعظم الذنوب؛ لأنه الإساءة في موضع الإحسان، والإثم الكبير مكان البرِّ العظيم، والشَّتمِ الذَّميم عوض القول الكريم، وهل هو إلا كفر بنعمة التربية منهما، وغمط لحقوقهما، ودناءة نفس، وخسة طبع، وهل يرجى من شخص يسيء إلى أبويه اللذين ربياه صغيرًا أن يحسن إلى أحد من الناس؟! كلا، فهو مصدر شر ومبعث فساد. فلا جرم أن كان ذنبه عظيمًا، ووزره خطيرًا، ولذلك عجب الصحابة واستغربوا وقالوا: كيف يسب الرجل والديه؟ استبعاد أن يكون في بني الإنسان من يقدم على هذا الجرم العظيم.
فبيَّن لهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنه سبٌّ غير مباشرٍ، بأن يسب شخص أبا شخص آخر، فيسب هذا أبويه، انتصارًا لنفسه، وانتقامًا مضاعفًا لعرضه، فذلك سبٌّ من الأوَّل لأبويه؛ لأَنَّه تسبب فيه، وإن لم يباشر سَبَّه؛ ولهذا كان الواجب على الإنسان أن يحفظ لسانه من الكلام في النَّاس حتى لا يتكلَّموا فيه وفي والدَيه، وإنما عليه أن يكون سليمَ اللِّسانِ.
قال أبو الدَّرداء: "إن ناقدت النَّاس ناقدوك، وإن تركتهم لم يتركُوك، وإن هربت منهم أدركوك" رواه الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد".
فالعاقل من وَهَبَ نفَسه وعرضه ليوم فقره، وما تجرَّع مؤمنٌ جرعة أحب إلى الله عزَّ وجلَّ من غيظٍ كظمَه، فاعفوا يعزكم الله، وإياكم ودمعة اليتيم، ودعوة المظلوم، فإنَّها تسري بالليل والنَّاس نيامٌ.
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "أعظمُ الخطايا الكذب، وسبُّ المؤمنِ فُسُوقٌ، وقتالُه كُفْرٌ، وحرمةُ مالِه كحُرمة دَمِه، ومن يعفُ يعفُ اللهُ عنه، ومن يكظِمُ الغيظَ يأجُره الله، ومن يغفرْ يغفرُ الله لَه، ومن صَبَرَ على الرَّزِيَّة يَعقُبه الله خيرًا منها" رواه أبو نعيم الأصبهاني في "حِلية الأولياء".
وإذا كان التَّسَبُّب لذلك من أكبر الكبائر فما بالك بمن يسبهما كِفاحًا، بَله من يؤذيهما ويضربهما؟ إن ذلك للوزر الأكبر، لا يفوقه إلا الشِّرك.
ويُعَد هذا الحديثُ أصلًا في قطعِ الذَّرائِع، وأن من آل فعله إلى محرَّم وإن لم يقصد فهو كمن قصدَه وتعمَّدَهُ في الإثم، ألا ترى أنه عليه السلام نهى أن يلعن الرجل والديه، فكان ظاهره تولي اللعن، فلما أخبر أنه إذا سب أبا الرجل فسب الرجل أباه وأمه كان كمن تولى ذلك بنفسه، وكان ما آل إليه فعله أنه كلعْنِه في المعنى؛ لأنه كان سببه، ومثله قوله تعالى: ﴿وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ [الأنعام: 108]، وهذِه من أحد آيات سَدِّ الذَّرائع. والثانية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا﴾ [البقرة: 104]. والثالثة: ﴿وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ﴾ [النور: 31].
وكذا قال المازري: "يؤخذ منه المنع من بيع ثياب الحرير ممن يلبسها وهي لا تحل له، وبيع العنب ممن يعصره خمرًا ويشربه؛ لأنه ذكر فيه أن من فعل السبب فكأنه الفاعل لذلك الشيء مباشرة".
المصادر
- "التوضيح لشرح الجامع الصحيح" لابن الملقِّن.
- "شرح صحيح البخاري" لابن بطال.
- "الأدب النبوي" لمحمد عبد العزيز الخولي.
 

عَنِ النُّعْمَانَ بْن بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا» متفق عليه.


عن أبي هريرة أنه قال: "قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ القِيَامَةِ؟" قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْ لاَ يَسْأَلُنِي عَنْ هَذَا الحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الحَدِيثِ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ، مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ، أَوْ نَفْسِهِ»، رواه البخاري.


"كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ فَزِعَ إِلَى الصَّلاةِ". هذه جملةٌ جامعةٌ صيغت برهافةِ الحسِّ ووجدانيَّةِ النَّفس ونُورَانيَّة الرُّوح تحاول تلخيص بركات الصَّلاة في عبارةٍ رائقةٍ وبلاغةٍ سابقةٍ، وإلا فإنَّ بركات الصلاة لا يعلم كُنْهَهَا وحقيقتَها وحصرهَا إلا رب البشرِ سبحانه وتعالى: قال الإمام/ ابن عجيبة في "البَحر المديد": [وفي الصَّلاة قضاءُ المآربِ وجبرُ المصائب؛ ولذلك كان عليه الصلاة والسلام إذا حزبه أمرٌ فزع إلى الصَّلاة، ﴿وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ﴾ [البقرة: 45]، أي: شاقَّةٌ على النَّفس؛ لتكريرِها في كلِّ يومٍ، ومجيئِها وقت حلاوةِ النَّومِ، ﴿إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ﴾ الذين سكنت حلاوتُها في قلوبِهم، وتناجَوا فيها مع ربِّهم، حتى صارت فيها قُرَّة عينهم] اهـ.


عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» متفق عليه. يعدُّ هذا الحديث قاعدةً من قواعد الإسلام؛ قال الإمام أبو داود السِّجسْتاني رحمه الله: [يدور -أي الإسلام- على أربعة أحاديث: ...، -منها- حديث: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»] اهـ.


عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ يَقُولُ: «الحَلِفُ مُنَفِّقَةٌ لِلسِّلْعَةِ، مُمْحِقَةٌ لِلْبَرَكَةِ» متفق عليه. وفي روايةٍ لمسلمٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ يَقُولُ: «إِيَّاكُمْ وَكَثْرَةَ الْحَلِفِ فِي الْبَيْعِ، فَإِنَّهُ يُنَفِّقُ، ثُمَّ يَمْحَقُ».


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 22 يوليو 2025 م
الفجر
4 :27
الشروق
6 :8
الظهر
1 : 1
العصر
4:38
المغرب
7 : 55
العشاء
9 :24