01 يناير 2017 م

مؤمن آل فرعون

مؤمن آل فرعون

من القصص البليغ الذي ذكره الله تعالى في القرآن الكريم قصة مؤمن آل فرعون، وهو شخص آمَنَ بدعوة سيدنا موسى عليه السلام، ولكنَّه كتمَ إيمانَه ولم يُظهرْه للناس، وقد كان فرعون جبارًا طاغيًا، فلم يكن لجهره بإيمانه كبير فائدة في ظل هذه الظروف، وقد هداه الله لاختزان الجهر بإيمانه للحظة المناسبة، التي يكون فيها لهذا الجهر فائدة.

وقد شاءت إرادة الله تعالى أنه لم يذكر اسم هذا الرجل في كتابه العزيز، والذي اختلف المفسرون في معرفته، حيث ذكروا أن اسمه حزقيل أو شمعان أو حبيب وغير ذلك، كما لم يذكر صفته في المجتمع ومنزلته في قوم فرعون، التي اجتهد العلماء في تحديدها فقال بعضهم: إنه كان ابن عم فرعون، وقال آخرون: إنه كان وليَّ عهدِه، وذهب البعض إلى أنه كان قبطيًّا أو مصريًّا، في حين ذهب آخرون إلى أنه كان من بني إسرائيل، لكن هذه المعلومات لا تفيد تقريبًا في دلالة هذه القصة التي أراد الله بيانها، إذ المفيد فيها ذِكرُ اعتقاده ودوره.

فلقد كان هذا الرجل مؤمنًا بدعوة سيدنا موسى ويكتم هذا الإيمان، إلى أن جاءت لحظة مناسبة قام فيها بدور إيجابي في سبيل خدمة هذه الدعوة.

قال تعالى: ﴿وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ﴾ [غافر: 28].

وذلك بعد أن عزم فرعون على قتل سيدنا موسى ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ﴾ [غافر: 26]، فكانت هذه هي اللحظة التي حاول فيها هذا الرجل المؤمن الاستفادة من كتمانه لإيمانه -وقد ظن الناس به أنه لم يؤمن بدعوة سيدنا موسى- في أن يدفع الأذى عن سيدنا موسى أو على الأقل أن يقوم بتعطيلهم وتأجيل اتخاذهم قرارًا بقتله لحين توفير مخرج من هذا الخطر المحدق، فحاول أن يقنعهم بأنه لا فائدة من هذا الفعل؛ لأنه لن يمكن إقناعُ العامَّةِ بأنه قُتِلَ لأنه مؤمن بإله، خاصة أن موسى جاء بدلائل وبينات، فضلًا عن أنه لا يبدو أنه يطمع في سلطان أو جاه أو مال، فإذا انتقموا منه ستكون الرسالة التي وصلت إليهم أنه قُتِلَ من أجل إيمانه، ثم قال لهم إن كان موسى كاذبًا فإن كذبه هذا سيرتد عليه فلا تحتاجون لقتله، وإن كان صادقًا فستصيبكم عاقبة قتلكم إياه من بعض ما أنذركم به، وفي هذه الصياغة دليل ساطع على ذكاء هذا الرجل وحصافته، فقد قدم افتراض كذب سيدنا موسى، حتى يظنوا أنه في صفهم ويوهمهم أن هذا الموقف هو الأرجح، ثم ذكر احتمال أن يكون صادقًا فيصيبهم حينئذ أذى بقتلهم إياه، وعبر بقوله: ﴿يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ﴾ تلطفًا منه في الحديث حتى لا يستثيرهم بظاهر كلامه، ولكنهم عند التفكر في هذا التهديد المُبَطَّنِ، سيتملكهم خوف من ارتكاب هذه الجريمة؛ لأنه سيصيبهم بعضُ ما أنذرهم به سيدنا موسى، فإذا كان هذا للوهلة الأولى قد يعبر عن تخفيف مما أنذروا به، لكنه على الحقيقة قد يؤدي عند إعادة التفكر فيه إلى إدراك أنهم لا يعرفون مقدار هذا البعض الذي سيصيبهم، ولعل هذا البعض كافيًا لتدميرهم، أو أن هذا البعض في الدنيا والباقي في الآخرة، وهنا يظل هذا المؤمن محافظًا على صدقه في الحديث برغم خطورة الموقف، ولكن بأسلوب قد يُفهم منه أقل من ظاهره، ولكنه كاف في التحذير والتخويف وتعطيل القوم عن جريمتهم النكراء.

ثم قال لهم كلامًا موهمًا أيضًا لا يُمكنهم رفضه ولا يدُلُّ على حقيقة موقفه؛ فقال: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ﴾، وهذا القول قد يُفهم أنه يقصد به تطمينهم إلى أن موسى لن يُفلح في دعوته إن كان كاذبًا؛ لأن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب، وفي ذات الوقت حين يتدبَّرون فيه سيجدون هذا الكلام منطبقًا عليهم، فالله لن يهديهم لما يريدون؛ لأنهم مسرفون في الظلم والجور، ويكذبون في ادعائهم بأنهم على الحق والصواب، واتهامهم لسيدنا موسى بتبديل دينهم والسعي إلى إظهار الفساد في الأرض، وواصل تحذيره لهم قائلًا: ﴿يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللهِ إِنْ جَاءَنَا﴾ [غافر: 29]، أي لكم الآن السلطة والقوة، فما الذي يدفعكم إلى هذه المغامرة التي يمكن أن تجلب سخط الله وعذابه إن أصابنا فيزول هذا الملك وهذه الهيمنة.

وبعد هذا التدرج في تخذيل قوم فرعون عن القيام بهذه الجريمة؛ لا يجد فرعون من وسيلة لإقناع القوم بارتكابها إلا عبر سلطته وقوته، وأنه في هذا يستند إلى رأيه الذي يجب أن يثقوا فيه لأن رأيه هذا لا يهديهم إلا إلى سبيل الرشاد: ﴿قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ﴾ [غافر: 29]، وهذا تهافت وضعف شديد في الإقناع، وبهذا يكون هذا الرجل المؤمن قد نجح بشكل كبير في مهمته التي قام بها مع ملأِ فرعون من إثبات أن الإقدام على ارتكاب هذه الجريمة أمر غير مجدٍ ولا مبرِّرَ له، بل إنه محفوف بالمخاطر التي تهدِّدُ مُلْكَهُمْ ومكانتَهم السياسية والاجتماعية والمالية.

يأخذ الأمر بعد ذلك منحًى جديدًا يكون فيه هذا الرجل المؤمن أكثر وضوحًا وقوة وإظهارًا لما يميل إليه من اعتقاد؛ فقال لهم كما يحكي القرآن عنه: ﴿وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ ۞ مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ ۞ وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ ۞ يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ۞ وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ﴾ [غافر: 30-34]، فحذرهم من مصير الأمم السابقة، ثم ذكرهم بيوم القيامة، حيث لا مفرَّ لهم حينئذ من عقاب الله، ونبههم أنهم اعتقدوا أن الله لن يبعث رسولًا بعد سيدنا يوسف، ولكن الله بعث لهم موسى لهدايتهم فلا ينبغي لهم أن يعرضوا عن دعوته مرة أخرى.

انتقل بعد ذلك هذا المؤمن إلى دعوتهم مباشرة إلى الإيمان بعد أن مهَّدَ لهم بالتشكيك ثم بالتحذير؛ قال الله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ ۞ يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ ۞ مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [غافر: 38-40]، فطلب منهم اتباعه في إيمانه بدعوة سيدنا موسى؛ لأنها هي سبيل الرشاد، وليس ما يهديهم إليه فرعون، وأن هذا الْمُلْك الذي بين أيديهم إنما هو من المتع الزائلة، أما الإيمان بالله فهو الذي سيوصلهم إلى المتع الدائمة في جنات رب العالمين، الذي يُضاعف أعمال الصالحين ويرزقهم بغير حساب.

وواصل بعد ذلك مواجهة فرعون وقومه بالحقائق الواضحة، ثم فوَّضَ أمره إلى الله، وذلك في المرافعة التي ألقاها هذا الرجل المؤمن على قوم فرعون: ﴿وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ ۞ تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ ۞ لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ ۞ فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ۞ فَوَقَاهُ اللهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ﴾ [غافر: 41-45].

لقد كانت هذه المبارزة الدعوية الفكرية التي قام بها هذا الرجل المؤمن، دليلًا على أهمية قيام أصحاب الدعوة الصادقة بخدمة دعوتهم بجدٍّ واجتهاد، وحصافة وإخلاص، وإدراك للواقع، ومعرفة لمنْ يخاطبونهم وكيف يخاطبونهم، حتى يتسنَّى لهم الوصول إلى مبتغاهم في هداية الناس وسلوك الطريق المستقيم على هدي من الله سبحانه وتعالى وبصيرة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
- "فتح القدير" للشوكاني (4/ 559، وما بعدها).
- "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (15/ 306، وما بعدها).
- "روح المعاني" للألوسي (12/ 310، وما بعدها).
- "التحرير والتنوير" للطاهر بن عاشور (24/ 127، وما بعدها).

سيدنا بلال بن رباح من السابقين إلى الإسلام، وكان رضي الله عنه عبدًا عند بني جمح، وكان أمية بن خلف يعذبه، ويتابع عليه العذاب فيصبر عليه، فقدَّر الله سبحانه وتعالى أن بلالا يشهد غزوة بدر ويقتله فيها، وكان أبو جهل يبطحه على وجهه في الشمس، ويضع الحجر عليه حتى تصهره الشمس، ويقول:


أم المؤمنين السيدة أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان من بنات عمِّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهي أقرب نسائه إليه، كانت قد تزوجت عبيد الله بن جحش وهاجر بها مع من هاجر إلى الحبشة وقيل إنها أنجبت ابنتها حبيبة بمكة قبل الهجرة، غير أنه ارتد عن الإسلام، ثم مات بعد ذلك، فطلبها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهي في الحبشة، سنة 6هـ، وكانت أكثر نسائه صلى الله عليه وسلم صداقًا، حيث أصدقها عنه النجاشي ملك الحبشة أربعمائة دينار وجهَّزها وأقام وليمة كبيرة لأجل هذا الأمر، وكانت قد بلغت في هذا الوقت بضعًا وثلاثين سنة.


هو أصحمة ملك الحبشة، معدود في الصحابة رضي الله عنهم، وكان ممن حسن إسلامه ولم يهاجر، ولا له رؤية، فهو تابعي من وجه، صحابي من وجه، وقد توفي في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فصلى عليه بالناس صلاة الغائب، ولم يثبت أنه صلى على غائب سواه، وسبب ذلك أنه مات بين قوم نصارى، ولم يكن عنده من يصلي عليه؛ لأن الصحابة الذين كانوا مهاجرين عنده خرجوا من عنده مهاجرين إلى المدينة عام خيبر.


كان سيدنا سهيل بن عمرو قبل دخوله الإسلام من عتاة المشركين وكان أحد أشراف قريش وعقلائهم وخطبائهم وساداتهم، ومفاوضها مع النبي صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية، أُسر يَوْم بدر كافرًا، وروي أن عمر قال وسهيل في الأسر: "يا رَسُول اللَّهِ، أنزع ثنيتيه، فلا يقوم عليك خطيبًا أبدًا؟" فقال: «دعه يا عمر، فعسى أن يقوم مقامًا تحمده عليه»، فكان ذلك المقام أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ


هو عبد الرحمن بن صَخر، على أرجح الأقوال، واشتُهر بأبي هريرة، والمشهور عنه: أنه كُنِّيَ بأولاد هِرَّةٍ بَرِّيَّةٍ؛ قال: "وجدتها، فأخذتها في كُمِّي، فكُنِّيتُ بذلك".


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 29 أبريل 2025 م
الفجر
4 :39
الشروق
6 :14
الظهر
12 : 52
العصر
4:29
المغرب
7 : 31
العشاء
8 :55