كان عقبةُ بنُ أبي مُعَيْطٍ مِن كفار قريش الذين قاموا بأفعال شديدة الوضاعة صدًّا عن دين الله ومحاربةً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: "بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بفناء الكعبة، إذ أقبل عقبة بن أبي معيط فأخذ بمنكب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولوى ثوبه في عنقه فخنقه به خنقًا شديدًا، فأقبل أبو بكرٍ فأخذَ بمنكبِه ودفعَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: ﴿أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [غافر: 28]" رواه البخاري.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم ساجد وحوله ناس من قريش، إذ جاء عقبة بن أبي معيط بسلا جزور، فقذفه على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يرفع رأسه، فجاءت فاطمة فأخذته عن ظهره، ودعت على مَن صنع ذلك، فقال: «اللهُمَّ، عَلَيْكَ الْمَلَأَ مِنْ قُرَيْشٍ: أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ، وَعُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَعُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ، وَشَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَأُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ …» قال: "فلقد رأيتهم قتلوا يوم بدر …" رواه مسلم، وسلا الجزور هو مشيمة الناقة.
وقد نزلَ في شأنِ عقبةَ بنِ أبي مُعَيْطٍ قوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً • يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً﴾ [الفرقان: 27 ، 28]، وذلك أن أُبَيَّ بن خلف وعقبة بن أبي مُعيط كانا صديقين وفي غيبة من أُبي بن خلف جلس عقبة إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقيل إنه أسلم وشهد الشهادتيْن، فلما رجع أُبيُّ بنُ خلفٍ وبلَّغه ما حدثَ، أتى عقبةُ فقالَ له: "ألم يبلغني أنك جالست محمدًا وسمعت منه! وجهي من وجهك حرام أن أكلمك إن أنت جلست إليه أو سمعت منه، أو لم تأتِه فتتْفُلَ في وجهِه، ففعلَ عقبةُ ذلك فأنزل الله: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ ...﴾.
وقد كانت عاقبته أن قُتل يوم بدر؛ فقد جاء عَنْ مِقْسَمٍ، مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ مَعْمَرٌ: وَحَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ بِبَعْضِهِ قَالَ: إِنَّ ابْنَ أَبِي مُعَيْطٍ وَأُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ الْجُمَحِيَّ الْتَقَيَا فَقَالَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ لِأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ وَكَانَا خَلِيلَيْنِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ أُبَيُّ بْنُ خَلْفٍ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ، فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ عُقْبَةُ قَالَ: لَا أَرْضَى عَنْكَ حَتَّى تَأْتِي مُحَمَّدًا فَتَتْفُلَ فِي وَجْهِهِ، وَتَشْتُمُهُ وَتُكَذِّبُهُ قَالَ: فَلَمْ يُسَلِّطْهُ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ أُسِرَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ فِي الْأُسَارَى، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَنْ يَقْتُلَهُ فَقَالَ عُقْبَةُ: يَا مُحَمَّدُ مِنْ بَيْنَ هَؤُلَاءِ أُقْتَلُ؟ قَالَ: «نَعَمْ» قَالَ: لِمَ؟ قَالَ: «بِكُفْرِكَ وَفُجُورِكَ وَعُتُوِّكَ عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ» (رواه عبد الرزاق في مصنفه).
فاللهم نجنا من عقوبتك وافتح علينا أبواب رحمتك، ونسألك السلامة من كل إثم والغنيمة من كل بر، والفوز بالجنة والنجاة من النار.
وصلِّ اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
المصادر:
- شرح النووي على مسلم
- سيرة ابن هشام.