01 يناير 2017 م

اعتناء الإسلام بالصحة العامَّة

اعتناء الإسلام بالصحة العامَّة

اعتنى الإسلام بأمر الصحة بعامة، وأرشدنا الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام إلى جملة من الآداب التي ارتقى بعضها إلى عبادات واجبة؛ ليكون المجتمع الإسلامي مجتمعًا صحيًّا آمنًا بنسبة كبيرة من الأمراض والأوبئة، وتقليص فرص ظهورها قدر الإمكان، مما ينعكس بشكل إيجابي على كفاءة أفراد المجتمع وطاقته الإنتاجية وقوته وفتوَّته.

فقد أمر الإسلام المسلمين بالطهارة التي تشمل وضوءًا يوميًّا أكثر من مرة في الغالب، واغتسالًا عند الجنابة والطهارة من الحيض والنفاس، وحثَّ عليه في الجُمَعِ والأعياد والاحتفالات، وكذلك على السواك لنظافة الفم والأسنان من البقايا الضارَّة بصحة الإنسان، وأرشدنا إلى سنن الفطرة من قص الأظفار وإزالة شعر الإبط والعانة.

وحين قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ» ظنَّ رجلٌ أنَّ من الكِبْرِ أنْ يبدوَ الإنسانُ نظيفًا جميلَ الثياب والمظهر، فقال له الرجل: "إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا ونَعْلُه حسنة" فبَيَّنَ له النبي صلى الله عليه وآله وسلم حقيقة مراده قائلًا: «إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ، وَغَمْطُ النَّاسِ» رواه مسلم، وفي رواية للترمذي: «إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ، نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ، كَرِيمٌ يُحِبُّ الكَرَمَ، جَوَادٌ يُحِبُّ الجُودَ، نَظِّفُوا أَفْنِيَتَكُمْ».

فكانت فكرة النظافة مهمَّةً في التصوّر الإسلامي للمجتمع الذي يتدَيَّن به، بل عَدَّ النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم النظافة من شعب الإيمان؛ فقال: «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ -أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ- شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ» رواه مسلم.

ونهى عن تلويث المياه التي يستعملها الناس، فقال: «لاَ يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي المَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لاَ يَجْرِي، ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ» رواه البخاري، بالإضافة لتحريم المأكولات والمشروبات الضارَّة بالإنسان، وكل هذا من أجل الحفاظ على الصحة العامة لأفراد المجتمع وتقليل الأمراض فيه، وقد كان ذلك من الأغراض التي تغَيَّاها الدين الإسلامي، وكان من دعائه صلى الله عليه وآله وسلم: «اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي بَدَنِي، اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي سَمْعِي، اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي بَصَرِي» رواه أبو داود.

وقد تضمنت السنَّة المشرفة توجيهات تتعلق بالطب والتداوي.

ولقد كان هذا التصوُّر حاضرًا ومؤثرًا في أذهان العلماء والولاة أثناء النهضة الحضارية الإسلامية التي أثمرت تقدُّمًا شمل شتى مناحي المعرفة، فاهتمُّوا بالطبِّ اهتمامًا عظيمًا وبلغوا فيه شأوًا كبيرًا، فترجموا وألفوا الكتب المهمة في علوم الطب والصيدلة، وابتكروا كثيرًا من أنواع العلاجات والأدوية، واهتمُّوا كذلك بإنشاء المستشفيات العامَّة لعلاج المرضى بمختلف أنواعها، وبلغوا في هذا الأمر مبلغًا عظيمًا، جعلهم لا يقفون عند حَدِّ تشخيص المرض أو تقديم العلاج المناسب، بل حرصوا على التدقيق في اختيار مواقع المستشفيات بحيث لا تكون بيئة حاضنةً للأمراض وناقلة للعدوى، فيذكر المؤرخون أن الرازي حين استشاره عضد الدولة في اختيار موقع لمستشفى ببغداد، اختار الناحية التي لم يفسد فيها اللحم بسرعة، وكان في هذه الطريقة المبتكرة دليل على أفضلية هذا المكان للتعافي والاستشفاء.

واختار صلاح الدين الأيوبي أحد قصوره البعيدة عن الضوضاء في القاهرة وحوَّله إلى مستشفى ضخم كبير هو المستشفى الناصري.

ومن النماذج المهمة التي حافظت على معنى الحفاظ على الصحة العامة وفق تصوُّرٍ علمي واضح منذ تأسيسها، بيمارستان المنصور قلاوون بالقاهرة، والبيمارستان كلمة فارسية تعني المستشفى، وقد كان واضحًا في حجج الوقف الخاصَّة بهذا البيمارستان اعتناء مُنْشِئِيه بتأسيس مستشفى عام يحقق أعلى درجة ممكنة من المساهمة في الحفاظ على الصحة العامة، فتمَّ تقسيمه لأقسام مختلفة، فهناك قاعة الأمراض الباطنية وهي مقسمة أيضًا لأقسام داخلية، وقاعة للجراحة، وقاعة للتجبير، وقاعة للكحالة (أمراض العيون)، وريع الوقف ينفق على توفير خدمات كثيرة منها، توفير الأسِرَّة والفرش اللازمة لها، والأدوية والعقاقير، والغذاء المناسب حسب حالة كل مريض، وأوقف المنصور قلاوون حقولًا لمد البيمارستان بما يحتاجه من أغذية حتى التمر حنا والياسمين، ورتَّبَ توفير الإضاءة، والماء العذب، والقيام بأعمال النظافة وغسل ملابس المرضى والقيام بمختلف مصالحهم، بل وحرص الواقف على توفير ما تُغَطَّى به الأطعمة حتى لا تتلوَّث، واختصاص كل مريض بطعام وآنية خاصَّة به لا يشاركه فيها أحد، رعاية للأساليب الصحية التي صارت فيما بعد من التقاليد المستقرَّة، وامتدَّت خدمة هذا البيمارستان كما نُصَّ في الوقف إلى المرضى الفقراء في بيوتهم، وصرف ما يحتاجون إليه من أدوية وأشربة وأغذية، وأشبه هذا البيمارستان المستشفيات الجامعية الحديثة، أو هي أشبهته، حيث أُلحقت به مدرسة لتعليم الطب وتدريب الأطباء، وقيل إنه أشرط في وقفه أن في كل ليلة يحضر من أرباب الآلات أربعة، يضربون بالعود حتى يساهروا الضعفاء.

وبلغ من مكانة هذا البيمارستان أن قال عنه الرحالة ابن بطوطة: [وأما المارستان الذي بين القصرين عند تربة الملك المنصور قلاوون فيعجز الواصف عن محاسنه، وقد أعد فيه من المرافق والأدوية ما لا يحصر] اهـ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع:

- "بدائع الزهور في وقائع الدهور" لابن إياس الحنفي (1/ 353، ط الهيئة المصرية العامة للكتاب).

- "رحلة ابن بطوطة" (1/ 26، ط دار الشرق العربي).

- "وثائق وقف السلطان قلاوون على البيمارستان المنصوري" للدكتور محمد محمد أمين، ملحق بالجزء الأول من كتاب "تذكرة النبيه في أيام المنصور وبنيه" لابن حبيب (ص: 302 وما بعدها، ط. دار الكتب، سنة 1976م، مصر).

- "الطب البيئي" للدكتور أحمد فؤاد باشا ضمن "موسوعة الحضارة الإسلامية" (ص: 590، ط. المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية).

- "البيمارستان المنصوري منذ تأسيسه وحتى نهاية القرن الثامن الهجري/ الرابع عشر الميلادي" للدكتورة حياة ناصر الحجي، "المجلة العربية للعلوم الإنسانية" (الكويت، عدد 29، سنة 1988م، ص: 6-35).

من العلوم التجريبية التي أسهمت فيها الحضارة الإسلامية بنصيب كبير علوم الطبيعة (الفيزياء)، وشأن كل العلوم بدأ المسلمون في استيعاب ما وصلت إليه الحضارات القديمة في هذا العلم، ثم ما لبث المسلمون حتى قاموا بالتجديد والتطوير والإضافات الفريدة التي قامت على أسس البحث التجريبي الصرف الذي كان لعلماء المسلمين فضل السبق في إرساء دعائمه. وكان من نتائج المنهج التجريبي لدى المسلمين استنتاج نظريات جديدة وبحوث مبتكرة في قوانين الحركة، والقوانين المائية، وقانون


ليس من قبيل المصادفة البحتة أن يكون ذكر القلم والكتابة في أول أيات تنزل من القرآن الكريم على قلب النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قال الله تعالى:﴿اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ • الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ﴾ [العلق: 3، 4] وأقسم سبحانه وتعالى بالقلم فقال: ﴿ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ﴾ [القلم: 1]، وأقسم بالكتاب ﴿وَالطُّورِ • وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ﴾ [الطور: 1، 2] وفي محكم التنزيل آية كبيرة تسمى بآية الدَّين؛ وهي آية تحث


كان لعلماء الحضارة الإسلامية دور مهم في التعرُّف على طبيعة الصوت وإدراك حقائقه العلميَّة من حيث كيفيةُ انبعاثه وانتشاره، ولا نكاد نعرف أحدًا من الأمم السابقة توصَّل إلى هذا المستوى من المعرفة العلميًّة. لقد نشأت الصوتيَّات العربيَّة في أحضان لغة القرآن، وحفاظًا على هذا الكتاب الكريم، كما أدرك علماء العربية أهمية الدِّراسة الصوتية في العلوم اللغويَّة، وارتباطها بما عالجوا من قضايا نحويَّة وصرفيَّة ودلاليَّة وبلاغيَّة، ومن المهم الأخذ في الاعتبار أن علوم العرب اللغوية نشأت أول ما نشأت على السَّماع، ولم تنتشر الكتابة على نطاقٍ واسعٍ بين العرب إلا بعد ظهور الإسلام، وبالتالي فإنَّ الدراسة الصوتيَّة عند العرب هي دراسة أصيلة وليست متأثرةً بالأمم الأخرى؛ كالهند واليونان -كما يزعم بعض المستشرقين-.


تعد مقاصد الشريعة من المظاهر الحضارية للشريعة الإسلامية؛ فهي التي تحدد أساس التصور الإسلامي للسعي في هذه الحياة، والإسلام يُعنَى بدرجات مختلفة من المقاصد، تُرَتَّبُ على حسب الأولوية، فهي على ثلاثة مستويات: ضرورية، وحاجيَّة، وتحسينية.


علم الحيل هو الاسم العربي لما يُسمَّى بعلم الميكانيكا، والهدف منه معرفة كيفية الحصول على فعلٍ كبيرٍ بجهدٍ يسيرٍ، ولهذا سمَّاه العرب بالحيل، أي استخدام الحيلة مكان القوة، والعقل مكان العضلات، والآلة بدل البدن. وقد كان لِقِيَمِ رسالةِ الإسلام وآدابها دورٌ كبيٌر في دفع المسلمين للاهتمام بهذا العلم وتطوير الآلات لتوفير المزيد من الإمكانات والطاقات، فإذا كانت الحضارات الأخرى قد اعتمدت على السُّخرة في تحصيل المنافع للنُّخَبِ والطَّبقاتِ العُليا بها من الحكام والأمراء وذوي الجاه، فإنَّ الإسلامَ نهى عن التَّكليفِ بما لا يطاق، وإرهاق الخدم والعبيد، بل والحيوانات أيضًا، فبدت الحاجة ملحَّةً في استخدام آلاتٍ توفِّرُ الجهد والطَّاقة وتحقِّقُ إنتاجًا كبيرًا بأقل مجهود ممكن.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 28 أبريل 2025 م
الفجر
4 :41
الشروق
6 :15
الظهر
12 : 52
العصر
4:29
المغرب
7 : 31
العشاء
8 :54