كان للمسلمين دورٌ كبيرٌ في نهضة علم الجغرافيا والتعرف على تضاريس الأرض ومعرفة خواصها، لقد دعا القرآن الكريم الناس إلى السير في الأرض للتعرف على أدلة خلق الله تعالى وعظمة إبداعه وآثار الأمم السابقة، فقال تعالى: ﴿وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ﴾ [الذاريات: 20]، وقال جل شأنه: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [العنكبوت: 20]، وقال أيضًا: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ [الأنعام: 11]، وبين وجوهًا من إعجازه سبحانه وتعالى في قوله: ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ﴾ [الرحمن: 19]، حيث يلتقي البحر المالح مع الماء العذب فلا يختلطان، ويخرج من بينهما اللؤلؤ والمرجان، وهذا من باب تنبيه المؤمنين إلى أهمية دراسة التضاريس وخواص كل منها، وكيفية الإفادة منها على الوجه الأكمل.
ومن أهمية الجغرافيا عند المسلمين أن فريضة الصلاة التي هي أحد أركان الإسلام وعموده، يتوجه المسلمون فيها إلى تلك البقعة المباركة في مكة المكرمة، ومعرفة الاتجاه الصحيح لهذه البقعة يتطلب معرفةً دقيقةً بعلم الجغرافيا حتى يتمَّ تحديد كيفية التوجه الصحيح إليها، كما أنَّ فريضةَ الحجِ وأحد أركانه أيضًا تكون لذات البقعة، ويفد إليها المسلمون من شتى بقاع الأرض، الأمر الذي يتطلب إدراكًا واسعًا بالتضاريس الجغرافية ومعرفة عريضة بأنسب الطرق للوصول إلى هناك، كما أنَّ الفتوحات الإسلامية خلال القرون الأولى في آسيا وأفريقيا وأوروبا ساهمت في تحسين تصور المسلمين عن جغرافية الأرض ومعرفة تضاريسها المختلفة.
وقد أوْلى المسلمون عناية فائقة بعلم الجغرافيا وقد بلغوا فيه مرتبة عالية، وقاموا بتصحيح كثير من الأوهام التي كانت سائدة بين علماء الحضارات السابقة وحتى وقتهم، فقد أكدوا على استدارة الأرض، وقاموا بقياس أبعاد الأرض في زمن المأمون وكان قياسهم هذا الذي اكتشفوه دقيقًا للحدِّ الذي لم يختلف فيه عن القياسات الحديثة بواسطة إلا بنسبة ضئيلة، وكانوا أول من أشار إلى احتمال دوران الأرض، قبل أن يتم إثبات هذه المسألة فيما بعد، وأبحروا في العديد من البحار والمحيطات المجهولة مستكشفين لها وواضعين رسومات لخرائط للعالم وللأقاليم المختلفة تشبه ما تلتقطه اليوم الأقمار الصناعية، وممن قام بهذه الجهود البديعة الإدريسي والإصطخري والمسعودي وابن حوقل والبتاني وغيرهم.
كما اشتهرت رحلات ابن بطوطة وابن ماجد وابن جبير وابن فضلان وغيرهم، وهي التي كان لها فضلٌ كبير في التعرُّف على مختلف البلاد والبقاع ومعالمها ونظم الحياة فيها وعادات أهلها وتقاليدهم ومعتقداتهم وصفاتهم، حيث ألفوا العديد من المؤلفات لوصف رحلاتهم هذه، ومن أشهر هذه الكتب "رحلة ابن بطوطة.. تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار".