10 فبراير 2020 م

وظيفة الإفتاء (2) الإفتاء التطوعي

وظيفة الإفتاء (2) الإفتاء التطوعي

انتشر صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع الفتوحات في الآفاق، وصحبهم كبار التابعين في فتوحاتهم، وتصدّر أهلُ العلم منهم للإفتاء؛ حيث اشتدت الحاجة إليهم؛ لحداثة عهد أهل البلاد المفتوحة بالإسلام.

ففي مصر على سبيل المثال دخل عددٌ كبيرٌ من الصحابة مع الفتح الإسلامي، وبقي من هؤلاء الكرام بها كثيرون؛ منهم الصحابيان الجليلان عقبة بن عامر الجهني وعبد الله بن الحارث رضي الله عنهما، ولقد كان لهؤلاء الصحابة الفضلُ في تأسيس أول مدرسةٍ فقهية في مصر، تتلمذ فيها على أيديهم عددٌ من التابعين الذين كانت لهم إسهامات علمية على قَدْرٍ كبيرٍ من الأهمية.

ومنذ عهد الصحابة حتى عهدنا هذا لم تنقطع وظيفة الإفتاء في مصر ولا في العالم الإسلامي، وقد ظلت وظيفة الإفتاء في مصر قرونًا عديدةً وظيفةً تطوعيةً يقوم بها أهل العلم -ممن تؤهلهم معارفهم الشرعية وخبراتهم ومهاراتهم لتحملها- احتسابًا، بصفة غير رسمية، وبلا مقابل مادي تفرضه الحكومات.

ولم يتوقف الإفتاء السني التطوعي في مصر زمنَ الفاطميين على الرغم من تضييقهم؛ حيث ظلت الإسكندرية مركزًا للتجمع السني في مصر طوال ذلك العهد البائد، وكان شيخ المالكية فيها بمثابة شيخ البلاد وشيخها.

وفي العصرين الأيوبي والمملوكي ومع رسوخ المذاهب الأربعة لأهل السنة تزايد عدد المدارس واتسع دورها لتكون مجلسًا للقضاء والإفتاء، فكان العلماء يجلسون لإفتاء الناس في هذه المدارس بصورة تطوعية.

وفي العصر المملوكي بدأ الاتجاه نحو تخصيص مرتب لبعض من يُختار للإفتاء، ولكن بصورة غيرِ رسمية؛ حيث ظهر من الواقفين من خصص مُرتبًا لواحد أو أكثر من العلماء مقابل أن يُفتيَ الناس فيما يسألون، وذلك في المجالس المعقودة في المدارس العلمية التي ازدهرت في ذلك العصر.

وكان من هؤلاء الواقفين السلطانُ حسن صاحب المسجد الشهير بمنطقة القلعة، الذي أسس "المدرسة الحسنية" واشترط في كتاب الوقف الخاص بتلك المدرسة، أن تكون بها وظيفة إفتاء على المذهب الشافعي، مع تحديد مَعْلوم -أجر- للقائم بها.

وفي منتصف القرن الثامن الهجري شهدت مصر للمرة الأولى في تاريخها تحولَ وظيفة الإفتاء من عملٍ تطوعيٍّ إلى وظيفةٍ رسميةٍ ثابتةٍ، يقوم بها موظفٌ رسميٌّ في الدولة يتقاضى مرتبًا عن عمله، وذلك تحت اسم (مفتي دار العدل) فيما عرف في العصر المملوكي بـ(دار العدل)، والتي كانت آخر ما ظهر من الوظائف القضائية في ذلك العصر. واستمرت في عملها قرابةَ قرنين، يقوم بالإفتاء فيها علماء من الشافعية في أول الأمر، ثم من المذاهب الأربعة جميعًا.

ولكن مع وجود منصب مفتي دار العدل وحتى اختفائِه لم ينقطع الإفتاءُ التطوعي في مصر، كما لم ينقطع في العالم الإسلامي، حتى في البلاد التي أُنشئت فيها دورٌ للعدل كالتي في مصر، مثل دمشق.. وكان الأمرُ في ذلك يتوقف على سمعة الشيخ وثقة الناس فيه وفي علمه، وقد اقترب عددُ المفتين غير الرسميين في دولة المماليك -مما أمكن الوقوف عليهم- من الخمسمائة.

وأما المؤهلات العلمية للمفتي فيأتي في مقدمتها "الإجازة بالإفتاء"، التي كانت من أهم الشهادات التي تُمنح للطلاب في العصر المملوكي. وقد ذكر الإمام السخاوي في كتابه "الذيل على رفع الإصر" جملة من هذه الإجازات التي تعبِّر عن قوة المدرسة العلمية في ذلك الوقت.

المراجع:

- "الإفتاء المصري" للدكتور عماد أحمد هلال.

- "الذيل على رفع الإصر" للإمام السخاوي.

- "الفتاوى الدينية وأثرها في المجتمع في مصر والشام عصر المماليك" للدكتور طلعت عكاشة.

 

شكلت المياه في مسيرة الإنسانية عاملًا مهما من عوامل قيام الحضارات وازدهارها، كما كان في فقد الماء أو سوء استخدامه تأثير بالغ في انهيار الحضارات واختفائها. وقد وقف القرآن موقفا صريحًا كشف فيه عن أهمية الماء في حياة المخلوقات؛ حيث قال المولى عز وجل: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ [الأنبياء: 30]، كما جاء في سياق بيان طلاقة القدرة والامتنان على العباد بخلق الماء قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ ۞ يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل: 10-11]، وغير ذلك من آيات تكرر فيها ذكر الماء وأنواعه ومصادره ووظائفه وغيرها.


اعتنى الإسلام بأمر الصحة بعامة، وأرشدنا الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام إلى جملة من الآداب التي ارتقى بعضها إلى عبادات واجبة؛ ليكون المجتمع الإسلامي مجتمعًا صحيًّا آمنًا بنسبة كبيرة من الأمراض والأوبئة، وتقليص فرص ظهورها قدر الإمكان، مما ينعكس بشكل إيجابي على كفاءة أفراد المجتمع وطاقته الإنتاجية وقوته وفتوَّته.


إن تكريم الإنسان في الإسلام من أعظم التوجيهات التي حرص الإسلام على صيانتها وحمايتها من الجور والانتقاص الذي يمكن أن يلحقها؛ لقد قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ [الإسراء: 70]. فتفضيل الله تعالى للبشر تستتبعه مجموعة من الحقوق تتعلق بالإنسان، وعلى البشر أن يعملوا جاهدين على التوفية بآثار هذه الحقوق وتطبيقها على أرض الواقع، وبالتأمل في هذه الحقوق نجد أنها تتوازن مع واجباتٍ تعبِّر عن نظرة الإسلام المتوازنة المنبثقة عن منظور العدل الذي يميز نظرة الإسلام للكون والحياة عن سائر الفلسفات الأخرى، ونجد أنها لا تقف عند حدِّ (الحق) في التَّمتُّع بالشيء من عدمه؛ كالحياة،


أدرك المسلمون خطورة القضاء وأهميته في انتظام الحياة وتحقيق العدالة التي أمر بها الإسلام، فكان من روائع ما أبدعته حضارة الإسلام تحويل مسائل القضاء من مبحث جزئي يتناوله الفقه الإسلامي بصورة غير مستوعبة في بعض أرباعه إلى علم مستقل ذي موضوع مميز، وثمرةٍ وحدٍّ مميزين.


من أبرز العلوم التجريبية التي أسهمت فيها الحضارة الإسلامية بالنصيب الأوفر هو علم الطب، ذلك العلم الذي يهتم بصحة الإنسان ويضع له طرق الوقاية والعلاج من الأمراض، ولم يقتصر إسهام الحضارة الإسلامية في مجال العلوم الطبية على اكتشاف الأمراض المختلفة، ووصف الأدوية المناسبة لعلاج هذه الأمراض، بل اتسع وامتد إسهام المسلمين في الحضارة الطبية حتى بلغ مرحلة التأسيس لمنهج تجريبي دقيق يتفوق ويسمو على مناهج المدارس الطبية التقليدية التي كانت سائدة قبل الإسلام، كالصينية والهندية والبابلية والمصرية واليونانية والرومانية بل والمدرسة العربية قبل الإسلام، فعلى الرغم مما وصلت إليه


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 07 يوليو 2025 م
الفجر
4 :15
الشروق
6 :0
الظهر
1 : 0
العصر
4:36
المغرب
8 : 0
العشاء
9 :32