01 يناير 2017 م

الزراعة في الحضارة العربية الإسلامية

الزراعة في الحضارة العربية الإسلامية

كان للزراعةِ شأن كبير في الحضارة الإسلامية، وهو الأمر الذي حافظ على الدولة الإسلامية وتماسكها قرونًا طويلة نظرًا لاكتفائها الذاتي من الغذاء في مختلف البقاع التي كانت تبسط عليها سلطانها، وقد كان لعناية المسلمين بالزراعة أصل قرآني كريم، حيث وجَّه الله تعالى عباده للسعي في الأرض والأكل من رزقه سبحانه فيها؛ فقال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾ [الملك: 15]، وبيَّن الله تعالى بديع صنعه في الزرع وفوائده في كثيرٍ من المواضع؛ منها قوله تعالى: ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ ۝ وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ ۝ لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ﴾ [يس: 33-35].

وقد كان التوجيهُ النبويُّ واضحًا في ضرورة تعمير الأرض وعدم تركها حتى تبور، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ، فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ لِيَمْنَحْهَا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ، فَلْيُمْسِكْ أَرْضَهُ» رواه البخاري.

وقال صلى الله عليه وآله وسلم أيضًا: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ، إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ» رواه البخاري.

وقد كان من آثار هذه العناية الدينية بأمر الزراعة أن اجتهد المسلمون في الاهتمام بها وتوفير وسائل وسبل ريِّها وبناء السدود وحفر الآبار وشق القنوات والأنهار وتطوير طرق التلقيح والتسميد لزيادة إنتاجها، وقد برعوا في ذلك براعة شديدة أخذها عنهم الأوروبيون في نهضتهم الحديثة.

وكان من مظاهر هذا الاعتناء أيضًا تأليف الكتب المتخصصة في الزراعة، مثل كتاب "الشجر" لابن خالويه، و"الفلاحة والعمارة" لعلي بن محمد بن سعد، و"الفلاحة" لابن وحشية، و"النبات" لأبي حنيفة الدينوري، وكتاب "الزرع" لأبي عبيدة البصري، وكتاب "النبات والشجر" لأبي سعيد الأصمعي الذي تناول فيه أسماء الأرض في حالاتها المختلفة من حيث قبولها للزرع، والنبات وأسماء النبات في حالات نموه وتكاثره وقوامه وإزهاره، وقسَّم النبات إلى أحرار وغير أحرار أو ذكور، ثم قسمه إلى حمض مالح وإلى خلة غير مالحة، وذكر ما ينبت في السهل وما ينبت في الرمل، وبلغ عدد أسماء النباتات التي ذكرها نحو 280 اسمًا وغيرها.

وقد ازدادت عناية العرب والمسلمين بعلم النبات باعتباره أصلًا للعقاقير والأدوية، وقد كان هذا مدخلًا لكثير من المصنفات التي تسمى "المفردات الطبية" والتي تدرس خصائص النباتات وطرق اتخاذ العلاجات والأدوية منها. لقد ساعد المد الحضاري العربي، والتأليف الموسوعي أيام بني العباس على رسوخ معرفتهم بالمجتمعات النباتية، وقاموا بتصنيف النباتات إلى مجموعات مختلفة، وفي مجال علم البيئة النباتية، خلَّف العلماء العرب مصطلحات كثيرة تدل على فهمهم العميق لخواص التربة، وتضاريسها وملوحتها وتركيبها الفيزيائي.

وتعرَّف العرب أيضًا على ما يُسمَّى اليوم "الدالَّات البيئية"، أو "كواشف البيئة"؛ فأدركوا أن وجود أو غياب نباتات معينة يتبعه وجود أو غياب أنواع أخرى، وأنه يمكن الاستدلال على خصائص تربة ما بما يستوطنها من أنواع، فالتربة الدهناء لا تنبت الحمض، والحمض ينبت في الأراضي الملحية، فالدهناء إذن خالية من مثل هذه الأراضي.

وفي مجال التقنيات الزراعية المتوارثة استخدم المسلمون المحراث والساقية والشادوف والنورج، وكان الأندلسيون يسخِّرون الرياح في إدارة الطواحين ورفع المياه بالسواقي، وأخذت أوروبا عنهم هذه التقنية وغيرها.

لقد أفاد المسلمون العالم أجمع بإسهام كبير في شتى المجالات، ولم تكن الزراعة متخلفة عن هذا الإسهام، بل كانت أحد أهم مجالات إسهام العرب والمسلمين، وباهتمامهم بهذا المجال حافظ العرب والمسلمون على أمنهم الغذائي وتماسكهم الاجتماعي قرونًا طويلة، حتى تدهورت أحوال هذه الحضارة وباتت تعتمد على غيرها في غذائها ودوائها فازداد ضعفها وتشرذمها، وعودتها إلى سابق عهدها في التقدم والازدهار رهنٌ بعودتها بالاهتمام بالعلوم والمجالات المختلفة التي توفر لها اكتفاءً ذاتيًّا لا يجعلها عالةً على الأمم.

______________

المصادر:

- "علم النبات عند العرب" (ضمن موسوعة الحضارة العربية الإسلامية) لعبد السلام النويهي.

- "التراتيب الإدارية" لعبد الحي الكتاني.

- "عبقرية الحضارة الإسلامية" لأحمد محمد عوف.

 

يعد الكميائيون المسلمون من أول من استخدم المنهج العلمي في توصيف ما يحدث في تفاعلات المواد وتحولات الفلزات، وعرف العلماء المسلمون بواسطة الترجمة أعمال الكيميائيين الإغريق التي تُعنى بشكل خاص بالمعادن،


بالتأمل في الغاية التي خلق الله سبحانه وتعالى من أجلها الإنسان نجد أنه يمكن تلخيصها في أمرين اثنين: -الأمر الأول: العبادة؛ قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56]، والعبادة يأتي في المقدمة منها الشعائر التي يؤديها العبد؛ من صلاة وصيام وزكاة وحج وغير ذلك من شعائر العبادات. -أما الأمر الثاني فهو: عمارة الأرض؛ قال تعالى: ﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾ [هود: 61]، فتعمير الأرض من الأمور التي كلفنا الله بها، وهو يشمل كل عمل مفيد يؤدي إلى التعمير،


جاء ذكر المعادن وتصنيعها في القرآن الكريم بصورة إيجابية؛ فقد كان العمل بها صناعة بعض الأنبياء مثل سيدنا داود عليه السلام؛ قال تعالى: ﴿وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ﴾ [الأنبياء: 80]، واللبوس: هو السلاح كله؛ أي السيف والرمح والدرع وغيره، وقال تعالى عنه وعن سيدنا سليمان عليهما السلام، ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ ۞ أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ۞ وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ ۞ يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ [سبأ: 10-13]،


الحضارة مشتقة من (الحضر) وهو المكان الذي يكون فيه عمران واستقرار لأهله من ساكني المدن، بخلاف أهل البداوة الذين يعيشون على التنقل في الصحراء وبواديها بحسب الظروف المعيشية المتوفرة لهم. ومفهوم الحضارة واسع يشمل مختلف أنواع وعوامل التقدم والرقي، سواء كانت ثقافية أو اجتماعية أو اقتصادية أو متعلقة بنظم الإدارة وممارسات الحياة العامة بأشكالها المتنوعة. ومن المظاهر الحضارية التي اعتنى بها المسلمون الاهتمام بالطب والتداوي، فلم يكن المسلمون في ميادين الطب والصيدلة مجرد ناقلين ومقلدين لخبرات الأمم الأخرى في هذا المجال، بل ترجموا ونقلوا وجربوا وهذبوا وابتكروا


تعد الرقابة والمحاسبة من أسس العمل الناجح، الذي تنبني عليه قيمة هذا العمل ومدى إمكانية تحقيقه للنتائج المرجوَّة منه، ولقد اهتمَّت الرؤية الإسلامية بهذا الأمر، وأوْلَته ما يستحقُّ من عنايةٍ واهتمامٍ. إن المسلم ينشأ على اعتقاد أن الله سبحانه وتعالى يراقبه ويطَّلع على دقائق أعماله، فلا يكون في كونه سبحانه وتعالى إلا ما أراد، وأن كلَّ ما في الكون بحسابٍ وتقديرٍ، وليس فيه شيءٌ خلقه الله سبحانه زائدًا لا فائدة منه أو مفتقرًا إلى استكمال؛ فينشأ المؤمن الذي في ذهنه هذا التصور على منهجٍ يدفعه


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 28 أبريل 2025 م
الفجر
4 :41
الشروق
6 :15
الظهر
12 : 52
العصر
4:29
المغرب
7 : 31
العشاء
8 :54