01 يناير 2017 م

فن الخط والكتابة في الحضارة الإسلامية

فن الخط والكتابة في الحضارة الإسلامية


ليس من قبيل المصادفة البحتة أن يكون ذكر القلم والكتابة في أول أيات تنزل من القرآن الكريم على قلب النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قال الله تعالى:﴿اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ • الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ﴾ [العلق: 3، 4] وأقسم سبحانه وتعالى بالقلم فقال: ﴿ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ [القلم: 1]، وأقسم بالكتاب ﴿وَالطُّورِ • وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ [الطور: 1، 2] وفي محكم التنزيل آية كبيرة تسمى بآية الدَّين؛ وهي آية تحث على الكتابة والتوثيق للدين، لقد جمع الخليفة عثمان رضي الله عنه المصحف الشريف وأرسل نسخًا منه إلى الأمصار مع القُراء، فأقبل المسلمون على هذه المصاحف بحب وشغف وتنافسوا في نسخها وتحسين صورة كتابتها وتنميق حروفها، وفي هذه المرحلة خلت المصاحف العثمانية من النقط والشكل نظرًا لاستغناء العرب في هذه المرحلة عنهما، وأيضًا ليشمل النص القرآني جميع القراءات المتواترة، وقد كتب المسلمون الحروف العربية كما هي حيث إنها مرتبطة باللغة العربية بروابط قوية لا فكاك منها كما لها روابط وشيجة باللغات السامية، وعندما فشا اللحن بدخول الأعاجم في الإسلام طرأت إصلاحات الشكل والنقط للحفاظ على سلامة اللغة العربية، ويعزى إلى أبي الأسود الدؤلي وضع نقط الشكل في المصحف، ثم إلى يحيى بن يعمر، ونصر بن عاصم الليثي إدخال نقط الإعجام ويستبعد القلقشندي أن يكون الإعجام غير معروف إلى هذا الزمان، وقد سبق أن كان للسريان والعبرانيين نقط لكتاباتهم، فلقد التزم العرب تقليل صور الحروف المفردة، فكانت تسع عشرة صورة، وقال القلقشندي معللًا: وقصدوا بذلك الاختصار. ويبدو أن النقط كان معدومًا أو قليلًا وذلك لمعرفة العرب للغتهم بالسليقة. لقد انتشرت الكتابة العربية بين المسلمين، وشاعت مع الفتوحات الإسلامية، وتقبلتها البلدان المفتوحة مع الدين الإسلامي في مشارق الأرض ومغاربها، وهجرت كتاباتها المحلية، وكان أول خروجها من شبه الجزيرة في خلافة عمر رضي الله عنه مع الفتوح الإسلامية، وأول استخدامها بأصولها الأولى التي احتفظت بها بالرسم النبطي في كثير من صور الكلمات في تدوين المصحف في خلافة عثمان. وأول الافتنان والابتكار فيها في الكوفة في خلافة علي رضي الله عنه، وبعدها أول اختراع الأقلام التي تبعد عن صورة الكوفي في خلافة بني أمية في الشام. تطورت مسيرة الكتابة العربية بعد أن غدت خطًّا مميزًا على أيدي الأئمة الكبار من أمثال الإمام المهندس ابن مقلة، وهو أبو علي محمد بن علي بن الحسين بن مقلة الشيرازي، ولد عام (272هـ - 886م) وتوفي بها (939م - 328هـ) وكان من أشهر خطاطي العصر العباسي وأول من وضع أسس مكتوبة للخط العربي. يٌعتقد بأنه مخترع خط الثلث، لكن لم يبقَ أي شيء من أعماله الأصلية، وإليه تعزى نظرية الخط المنسوب؛ أي المنسوب والموزون بنسبة هندسية إلهية فاضلة قامت عليها الأرض والسماوات. وقد عمل ابن مقلة للخلفاء العباسيين، وتولى الوزارة للمقتدر بالله سنة 316 هـ ثم نقم عليه ونفاه إلى بلاد فارس عام 318هـ رجل بلغ في الخط العربي شأنًا عظيمًا، صاحب خطٍّ حسنٍ، أبدع في هندسة حروفها وقدَّر مقاييسها وكان خطه يضرب به المثل في عهده، فصار شيخ الخطاطين ومهندس صناعتهم، وأورد أبو حيان التوحيدي في رسالته "علم الكتابة" ما قاله ابن الزنجي: "أصلح الخطوط وأجمعها لأكثر الشروط ما عليه أصحابنا في العراق. فقيل له ما تقول في خط ابن مقلة؟ قال: ذاك نبي فيه، أفرغ الخط في يده كما أوحى إلى النحل في تسديس بيوته".

وقد تواصلت الجهود العربية في الحضارة الإسلامية في تحسين الخطوط وتليين حروفها وابتكار أنواعها وتيسيير تنفيذها حتى انتمت الكتابة إلى مراكز الدولة في العهدين الأموي والعباسي لاهتمام الأمراء بالتدوين والخطاطين، وكان الخط العربي ذا تأثيرات عديدة في شتى ميادين الآداب والفنون والعلوم. وفي نطاق الخط نظمت أشعار في وصفه وقواعده ومدح أهله وهجائهم، وألَّف شعبان الأثاري ألفية عن الخط وحررت رسائل عن طرق كتابته، وألَّف الكفعمي رسالة سماها "لغز القلم"، وقدم الخطاطون نماذج إبداعهم لتسجيلها في شتى صنوف الصناعات اليدوية والمباني، ناهيك عن المخطوطات والنسخ التي حفظت تراث الأمة العربية، وانبهر الغرب بالخط العربي منذ اتصاله بالحضارة الإسلامية عن طريق الأندلس وصقلية والحروب الصليبية.
 

إن تكريم الإنسان في الإسلام من أعظم التوجيهات التي حرص الإسلام على صيانتها وحمايتها من الجور والانتقاص الذي يمكن أن يلحقها؛ لقد قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ [الإسراء: 70]. فتفضيل الله تعالى للبشر تستتبعه مجموعة من الحقوق تتعلق بالإنسان، وعلى البشر أن يعملوا جاهدين على التوفية بآثار هذه الحقوق وتطبيقها على أرض الواقع، وبالتأمل في هذه الحقوق نجد أنها تتوازن مع واجباتٍ تعبِّر عن نظرة الإسلام المتوازنة المنبثقة عن منظور العدل الذي يميز نظرة الإسلام للكون والحياة عن سائر الفلسفات الأخرى، ونجد أنها لا تقف عند حدِّ (الحق) في التَّمتُّع بالشيء من عدمه؛ كالحياة،


الحضارة مشتقة من (الحضر) وهو المكان الذي يكون فيه عمران واستقرار لأهله من ساكني المدن، بخلاف أهل البداوة الذين يعيشون على التنقل في الصحراء وبواديها بحسب الظروف المعيشية المتوفرة لهم. ومفهوم الحضارة واسع يشمل مختلف أنواع وعوامل التقدم والرقي، سواء كانت ثقافية أو اجتماعية أو اقتصادية أو متعلقة بنظم الإدارة وممارسات الحياة العامة بأشكالها المتنوعة. ومن المظاهر الحضارية التي اعتنى بها المسلمون الاهتمام بالطب والتداوي، فلم يكن المسلمون في ميادين الطب والصيدلة مجرد ناقلين ومقلدين لخبرات الأمم الأخرى في هذا المجال، بل ترجموا ونقلوا وجربوا وهذبوا وابتكروا


كان للحضارة العربية الإسلامية مكانة سامقة بين الأمم في خدمة علم الحساب وتطويره، وقد كان العرب يحسبون بواسطة الحروف، فكان لكل حرف قيمة عددية، ثم نقلوا النظام العشري عن الهنود، وهو نظام الأرقام من 1 إلى 9، وكان النمطان المشهوران لكتابة الأرقام موجودَين لدى العرب، وقد أخذ الغرب طريقة كتابة الأرقام المنتشرة هناك الآن عن بلاد المغرب، فيما بقيت البلاد المشرقية على استخدام النمط الآخر المنتشر في مصر ومعظم الدول العربية، وهما مأخوذان من الهند، ولكن قام العرب بتطوير أشكالها، كما أضافوا الصفر الذي أحدث نُقلة كبيرة في علم الحساب، فقد كان الهنود يستعملون الفراغ ليدل على الخانة التي ليس فيها رقم، فوضع المسلمون رسم الصفر في خانة الفراغ.


لا يقوم النظر الإسلامي على العزلة والانفراد، بل على التعاون والاجتماع، فالإسلام يقدِّر أن هناك أممًا أخرى وأفكارًا مختلفة تنتشر بين البشر، وهو إزاءها لا يقف موقف الخصومة والعداء بشكل مبدئي، ولكنه يسعى لقطع مادة النزاع والتمكين لترسيخ أرضية مشتركة بينه وبين غيره من الأفكار والديانات تسمح بالتعامل السلمي والإفادة المتبادلة، وهو في ظل هذه النظرة الرحيمة لا يغفل عن إمكانية رفض غيره لها وقيام صراع بينه وبينها، فشرع الجهاد صدًّا للعدوان وحماية للدين، كما شرع الدعوة لنشر الإسلام وإقناع العالمين به بالحكمة والموعظة الحسنة.


تضمن الإسلام من خلال القرآن الكريم والسنة النبوية وأحكام الشرع الشريف عددًا من الإشارات الفلكية كانت دافعًا ومُحَفِّزًا لعلماء المسلمين للاهتمام بعلم الفلك والبراعة فيه، كقوله تعالى: ﴿لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [يس: 40]، وقوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾[البقرة: 189]، كما جاء الأمر بالتوجه نحو قبلةٍ معيَّنةٍ في الصلاة، قال تعالى: ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [البقرة: 144]، وتحديد الاتجاه إلى القبلة جهة المسجد الحرام يحتاج إلى معرفةٍ بعلم الفلك في الأماكن البعيدة عن المسجد الحرام، وكذلك تحديدُ مواقيت الصلاة، وبداية الشهور القمرية؛ لأهميَّتِها في أداء المناسك والعبادات المختلفة.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 28 أبريل 2025 م
الفجر
4 :41
الشروق
6 :15
الظهر
12 : 52
العصر
4:29
المغرب
7 : 31
العشاء
8 :54