حكم حساب الربح في المضاربة من إجمالي التجارة

تاريخ الفتوى: 04 سبتمبر 2024 م
رقم الفتوى: 21505
من فتاوى: فضيلة أ. د/ نظير محمد عياد - مفتي الجمهورية
التصنيف: الاستثمار
حكم حساب الربح في المضاربة من إجمالي التجارة

ما حكم احتساب ربح صاحب رأس مال المضاربة من إجمالي أرباح التجارة؟ فأنا عندي شركة تعمل في مجال تجارة الملابس يُقدر رأس مالها بحوالي مليون ونصف مليون جنيه، واحتجت إلى سيولة مالية للتجارة، فأردت الاتفاق مع أحد الأشخاص على أن يدفع لي مبلغًا من المال لتشغيله له دون أن يكون له الحق في الإدارة، فدفع لي خمسمائة ألف جنيه، واتفقت على أن يكون الربح الحاصل له (15%) من إجمالي أرباح الشركة، وليس من خصوص أرباح المال الذي دفعه، فهل هذا الشرط جائز شرعًا؟ وهل يجب عليَّ سداد هذا المقدار من الربح فعلًا؟ وإذا لم يجب عليَّ سداد هذا المقدار، فما الواجب عليَّ؟

المعاملة المذكورة في السؤال والتي تمت بين الطرفين معاملةٌ صحيحةٌ من حيث الأصل، ولا يقدح فيها تخصيص أحد الطرفين بالنسبة المذكورة من الربح، والتي توزع على أساس رأس المال كُلِه لا على ما دفعه الطرف الآخر فقط، ما دام ذلك تم بالاتفاق والتراضي بينهما، مع مراعاة الالتزام باللوائح والقوانين المنظمة لهذه المعاملات.

المحتويات:

 

الشروط العامة لصحة العقود المتعلقة بالمعاملات الجارية بين الناس

من المقرر شرعًا بعمومات النصوص والأدلة الشرعية والسنن المرعيَّة أن المعاملات الجارية بين الناس يراعى فيها ابتداءً تحقُّقُ شروط العقود عامة، من: أهلية المتعاقدين، وحصول الرضا بينهما، وانتفاء الغرر، وكذلك خلو المعاملة من الشروط الممنوعة شرعًا حفظًا لأموال الناس، فمن مقاصدِ الشرع الشريف المتفق عليها حفْظُ الأموال عن الضياع، كما في "الفروق" للإمام القَرَافي (3/ 249، ط. عالم الكتب).

وأصل ذلك ما ورد في الحديث الشريف الذي أخرجه الإمام التِّرْمِذِي في "سننه" عن عمرو بن عوف، عن أبيه، عن جَده رضي الله عنهم، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: «المُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ، إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا».

التكييف الشرعي لواقعة السؤال

المعاملة المسؤول عنها هي من قبيل عقد "المُضاربة" أو "القِراض" -على اختلاف تسميات الفقهاء له-، ووجه ذلك أنَّ صاحب المال قد أعطى غيرهُ ماله ليتَاجر له به مع نسبة ربحٍ متفق عليها بين الطرفين، دون أن يكون لصاحب المال أي مسؤولية في إدارته، وهذه هي حقيقة "المُضاربة" أو "القِراض"، فهي وإن اختلفت تعبيرات الفقهاء في بيانها إلا أن المعنى يدور على أنَّه عقدٌ بين اثنين: أحدُهما يقدِّم مالًا، والآخَر يَستثمره له، على أنْ يكون للعامل جزءٌ شائعٌ من الربح، ويقال لصاحب المال: (ربُّ المال) وللعامل: (مضارِب)، كما في "الدر المختار" للإمام  الحَصْكَفِي الحنفي (ص:  545، ط. دار الكتب العلمية)، و"المختصر" للشيخ خليل المالكي (ص: 198، ط. دار الحديث)، و"أسنى المطالب" للشيخ زكريا الأنصاري الشافعي (2/ 380، ط. دار الكتاب الإسلامي)، و"منتهى الإرادات" للإمام ابن النجار الحنبلي (3/ 20، ط. مؤسسة الرسالة).

مدى مشروعية عقد المضاربة في التعامل بين الناس

عقد المُضاربة أو القِراض من العقود المشروعة في الجملةِ بالإجماع، فقد بُعِثَ رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم والناسُ يتعاملون بالمضاربة فيما بينهم، فأقرَّهم على ذلك وندبهم إليها، وتعامل بها المسلمون مِن بَعْدُ إلى وقتنا هذا من غير نكيرٍ بينهم، وقد نقل الإجماعَ على ذلك جماعةٌ من الأئمة، كالإمام ابن حَزْم في "مراتب الإجماع" (ص: 91، ط. دار الكتب العلمية)، والإمام ابن عبد البَرِّ في "الاستذكار" (7/ 3، ط. دار الكتب العلمية)، والإمام أبي الوليد ابن رُشْد في "بداية المجتهد" (4/ 21، ط. دار الحديث).

مدى مشروعية خلط مال المضاربة  بمال المضارِب في الشركة وكيفية اقتسام الربح

من الأمور الظاهرة في المعاملة المسؤول عنها، خلط مال المضاربة محل الاستثمار بمال المضارِب (عامل المضاربة) في الشركة، وقد ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة إلى جوازه على تفصيل بينهم في بعض شروطه، كما في "بدائع الصنائع" للإمام الكاساني الحنفي (6/ 98، ط. دار الكتب العلمية)، و"التاج والإكليل" للإمام أبي عبد الله المَوَّاق المالكي (7/ 449، ط. دار الكتب العلمية)، و"الحاوي الكبير" للإمام المَاوَرْدِي الشافعي (7/ 320، ط. دار الكتب العلمية)، و"المغني" للإمام ابن قُدَامة الحنبلي (5/ 36، ط. مكتبة القاهرة)، و"الإنصاف" للإمام المَرْدَاوِي الحنبلي (5/ 438، ط. دار إحياء التراث العربي).

ولا خلاف بين الفقهاء في أنَّ الأصل في المضاربة حال خلط مال المضاربة بغيره أن يكون اقتسام الربح بين الطرفين على مال المضاربة بعينه بحصة شائعة بينهما كالربع أو النصف أو نسبة مئوية على حسب الاتفاق والتراضي بينهما لا بقدر محدد منسوب إلى رأس المال كعشرة أو عشرين.

اتفاق الطرفين على أن يكون الربح بينهما على إجمالي مال المضاربة وما خُلط به

اختلف الفقهاء فيما إذا كان الاتفاق بين الطرفين أن يكون الربح بينهما على إجمالي مال المضاربة وما خُلط به، فذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية إلى أنَّ هذا الاتفاق لا يستقيم شرعًا مع حقيقة عقد المضاربة؛ إذ الأصل أن يكون الربح بين طرفي المضاربة على قدر نسبة المال المضارب به، لا على مجموع المال المختلط، كما في "بدائع الصنائع" للإمام الكاساني الحنفي (6/ 98)، و"الشرح الصغير" للشيخ الدردير المالكي (3/ 682، ط. دار المعارف)، و"البيان" للإمام العِمْراني الشافعي (7/ 220، ط. دار المنهاج).

وذهب الحنابلة إلى صحة هذه الصورة من المضاربة، باعتبار أنها تجمع بين شركة العنان والمضاربة، فمن حيث إنَّ المال المستثمَر من كلا الطرفين فشركة عنان، ومن حيث إن أحدهما يعمل في مال صاحبه بجزء من الربح فمضاربة، كما في "شرح مختصر الخِرَقي" للإمام الزَّرْكَشِي الحنبلي (4/ 130، ط. دار العبيكان).

قال الإمام ابن قُدَامة الحنبلي في "المغني" (5/ 20، ط. مكتبة القاهرة): [أن يشترك مالان وبدن صاحب أحدهما، فهذا يجمع شركة ومضاربة، وهو صحيح، فلو كان بين رجلين ثلاثة آلاف درهم، لأحدهما ألف، وللآخر ألفان، فأذن صاحب الألفين لصاحب الألف أن يتصرف فيها على أن يكون الربح بينهما نصفين صح، ويكون لصاحب الألف ثلث الربح بحق ماله، والباقي وهو ثلثا الربح بينهما، لصاحب الألفين ثلاثة أرباعه، وللعامل ربعه، وذلك لأنه جعل له نصف الربح، فجعلناه ستة أسهم، منها ثلاثة للعامل، حصة ماله سهمان، وسهم يستحقه بعمله في مال شريكه، وحصة مال شريكه أربعة أسهم، للعامل سهم وهو الربع] اهـ.

المختار للفتوى في هذه المسألة

المختار للفتوى في هذه المسألة ما ذهب إليه الحنابلة من صحة المعاملة المذكورة بناءً على الاتفاق والتراضي بين الطرفين، واللذَينِ هما من أهم ضوابط جواز المعاملات الماليَّة وصحتها، خاصَّة وأنَّ المعاملة قد تمت بين طرفيها فعلًا، وقد تقرَّر أنَّ أفعال العوامِّ بعد صدُورِها منهم محمولةٌ على ما صح من مذاهب المُجتهدين ممن يقول بالحِلِّ أو بالصِّحة؛ فإن مراد الشرع الشريف تصحيح أفعال المكلَّفين وعباداتهم وعقودهم ومعاملاتهم ما أمكن ذلك.

قال العلَّامة ابن نُجَيْم الحنفي في "البحر الرائق" (2/ 90، ط. دار الكتاب الإسلامي): [وإن لم يستفت أحدًا وصادف الصحة على مذهب مجتهدٍ أجزأه ولا إعادة عليه] اهـ.

وهذا هو المعتمد في الفتوى، والذي جرت عليه دار الإفتاء المصرية في عهودها المختلفة، قال العلامة محمد بخيت المطيعي مفتي الديار المصرية الأسبق في "الفتاوى" (1/ 225، ط. دار وهبة): [متى وافق عمل العامِّيِّ مذهبًا من مذاهب المجتهدين ممن يقول بالحل أو بالطهارة كفاهُ ذلك، ولا إثم عليه اتفاقًا] اهـ.

وتجدر الإشارة إلى أنَّ تلقي الأموال من أصحابها للاتجار فيها واستثمارها ينبغي أن يتم وفق الإطار الذي حدده ولي الأمر من خلال التشريعات القانونية التي تحفظ الأموال على أصحابها ولا تجعلها معرضة للضياع أو الجحود.

الخلاصة

بناءً على ما سبق وفي واقعة السؤال: فالمعاملة المذكورة في السؤال والتي تمت بين الطرفين معاملةٌ صحيحةٌ من حيث الأصل، ولا يقدح فيها تخصيص أحد الطرفين بالنسبة المذكورة من الربح، والتي توزع على أساس رأس المال كُلِه لا على ما دفعه الطرف الآخر فقط، ما دام ذلك تم بالاتفاق والتراضي بينهما، مع مراعاة الالتزام باللوائح والقوانين المنظمة لهذه المعاملات.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

1- استفسرت قنصلية مصر العربية في ميلانو عن مدى مطابقة الشهادة التي تصدرها القنصلية الخاصة بنظام الملكية بين الأزواج المسلمين لأحكام الشريعة الإسلامية وقواعد الأحوال الشخصية؛ إذ تنص هذه الشهادة على أن: "نظام الملكية السائدة بناء على الشريعة الإسلامية بين الأزواج المسلمين هو انفصال الملكية إلا إذا أقر بعكس ذلك في عقد الزواج".
2- طلب القطاع القانوني من وزارة العدل المصرية الرأي في الموضوع سالف الذكر.
3- ردت وزارة العدل بأن: "المبدأ المستقر عليه في النظام القانوني المصري المستمدة أحكامه من الشريعة الإسلامية هو مبدأ انفصال الذمة المالية، وأن ذمة الزوجة المالية مستقلة عن شخصية زوجها وذمته، وهي أحكام قطعية الدلالة لا يجوز الاتفاق على ما يخالفها باعتبار أن مسائل الأحوال الشخصية من النظام العام، وأن الرخصة المخولة للزوجين في عقد الزواج الجديد بإضافة شروط أخرى مقيَّدة بألا تُحَرِّم حلالًا ولا تُحَلِّل حرامًا"؛ مستشهدة بفتوى صادرة من فضيلة الشيخ عبد اللطيف حمزة في عام 1985م.
رجاء التكرم بموافاتنا برأي فضيلتكم في هذا الموضوع.


ما حكم عمل مسابقات للخيل والإبل؟ وهل يجوز تحديد جائزة للفائز في المسابقة؟


ما حكم الشرع في الاستثمار في "صندوق وثائق الاستثمار في الأوراق المالية"؟ مع العلم أن هدف الصندوق استثمار الأموال في أسهم البنوك، وسيتمّ إدارة هذه الاستثمارات بمعرفة أحد خبراء الاستثمار في أسواق المال المحلية والعالمية.


تقول السائلة:

1-ما حكم قراءة القرآن في مصحفين أحدهما في المنزل وآخر في العمل؟

2- بعض الوقت يوسوس لي الشيطان أنني قلت كلامًا غير مباح، ولم ينطق لساني بهذا الكلام، فهل علي ذنب؟

3- هل الصلاة في غرفة النوم حرام؟

4- أقوم بإخراج صدقة على روح والدي، فماذا أقول عند إخراجها؟

5- هل السمسرة حرام؟


ما حكم السرقات والتعديات على مياه الصرف الصحي؟ حيث تدير الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي والشركات التابعة لها على امتداد الجمهورية مرافق مياه الشرب والصرف الصحي (محطات وشبكات) وهي مال عام مملوك بالكامل للدولة.
تتعرض تلك المرافق وبالتالي المال العام لأنواع مختلفة من الأضرار بممارسات؛ منها:
• عمل توصيلات مياه شرب وصرف صحي غير قانونية (خلسة) بدون معرفة الشركة، تتسبب في الإضرار بالشبكات والاستفادة بخدمات مياه الشرب والصرف الصحي دون دفع تكاليفها (سرقة الخدمة)؛ مما يعود على الشركات التي تدير المال العام بخسائر فادحة.
• استهلاك مياه الشرب التي تم دعم سعرها من جانب الدولة في غير الأغراض المخصصة لها (غسيل السيارات، ري المزروعات، رش الشوارع) مما يتسبب في حرمان المواطنين الآخرين من نصيبهم من هذه المياه، بالإضافة إلى خسارة الاستثمارات التي تم ضخها لتنقية المياه بغرض الشرب وليس للأغراض الأخرى.
• الإضرار بالعدادات التي تقيس استهلاك المواطنين بهدف تخفيض قيمة الاستهلاك.
وفي إطار حملات التوعية التي تقوم بها شركات مياه الشرب والصرف الصحي للمواطنين للتوقف عن هذه الممارسات، ونظرًا للحس الديني العميق الذي يتميز به الشعب المصري، والمكانة السامية التي تتبوأها دار الإفتاء المصرية الموقرة في قلوب المواطنين، لذا: يرجى التكرم من فضيلتكم بالتوجيه بما يلزم نحو إبداء الحكم الشرعي في الممارسات السابق ذكرها ليتسنى لنا دعم جهود توعية المواطنين بالفتوى الشرعية من جانب فضيلتكم؛ تطبيقًا للمبدأ الفقهي "لا ضرر ولا ضرار".


سائل يطلب بيانًا شرعيًّا عن حكم تعاطي المخدرات، وهل يجوز الاتّجار فيها من غير تعاطيها؛ حيث يدَّعي بعض الناس أن ذلك ليس حرامًا؛ لأنه لم يرد نصٌّ في القرآن الكريم أو السنة المشرفة بحرمتها. فنرجو من فضيلتكم الردّ على ذلك.