13 فبراير 2018 م

«خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ»

«خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ»

 عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ، قَالَ: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي» رواه الترمذي.
في هذا الحديث يبين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مقياسًا من مقاييس الْـخَيْرِيَّة، وهو أن من علامات التقدم وإحراز قَصَبَ السَّبْق في الْـخَيْرِيَّة أن يكون الرجل خيِّرًا مع أهله.
والأهل هنا لها محملان:
- المحمل الأول: عموم الأقارب؛ فيؤول الأمر إلى فضيلة صلة الأرحام والحث عليها.
- المحمل الثاني: خصوص الأسرة؛ الْمُكَوَّن من الزوجة والعيال.
ومن خلال كلام شُرَّاحِ الحديث يتبين أن المعنى الثاني هو الأقرب.
ويذكر هؤلاء كيف كانت عشرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للنساء، فقد كان عليه الصلاة والسلام أحسن الناس عشرة لهنَّ، ويذكرون فعاله مع السيدة عائشة رضي الله عنها نموذجًا لحُسنِ العشرة والمعاملة، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرسل بنات الأنصار لعائشة رضي الله عنها يلعبن معها، وكانت إذا وهبت شيئًا تابعها عليه، وإذا شربت شرب من موضع فمها، وأراها الحبشة وهم يلعبون في المسجد وهي متكِئَة على منكبه، وسابقها في السفر مرتين فسبقها وسبقته، ثم قال هذه بتلك، وتدافعا في خروجهما من المنزل مرَّةً.
أما مع عموم نسائه فقد كُنَّ يراجِعْنَه الحديثَ، وتهجره الواحدة منهنَّ يومًا إلى الليل، وجرى بينه وبين عائشة رضي الله عنها كلام حتى أدخل بينهما أبا بكر رضي الله عنه حَكَمًا -كما في خبر الطبراني-.
وفي القرآن الكريم ورد الأمر بحسن معاشرة النساء؛ كما في قوله تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: 19].
يقول ابن كثيرٍ في بيان "المعاشرة بالمعروف": [أَيْ طَيِّبُوا أَقْوَالَكُمْ لَهُنَّ، وَحَسِّنُوا أَفْعَالَكُمْ وَهَيْئَاتِكُمْ بِحَسَبِ قُدْرَتِكُمْ كَمَا تُحِبُّ ذَلِكَ مِنْهَا، فَافْعَلْ أَنْتَ بِهَا مِثْلَهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [الْبَقَرَةِ: 228]، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي».
وَكَانَ مِنْ أَخْلَاقِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ أَنَّهُ جَمِيلُ الْعِشْرَةِ دَائِمُ الْبِشْرِ، يُدَاعِبُ أَهْلَهُ، وَيَتَلَطَّفُ بِهِمْ ويُوسِعُهُمْ نَفَقَتَهُ، وَيُضَاحِكُ نِسَاءَهُ حَتَّى إِنَّهُ كان يسابق عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، يَتَوَدَّدُ إِلَيْهَا بِذَلِكَ، قَالَتْ: سَابَقَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ فَسَبَقْتُهُ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ أَحْمِلَ اللَّحْمَ، ثُمَّ سَابَقْتُهُ بَعْدَ مَا حَمَلْتُ اللَّحْمَ فَسَبَقَنِي، فَقَالَ: «هَذِهِ بِتِلْكَ»، وَيَجْتَمِعُ نِسَاؤُهُ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي بَيْتِ الَّتِي يَبِيتُ عِنْدَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ فَيَأْكُلُ مَعَهُنَّ الْعَشَاءَ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ، ثُمَّ تَنْصَرِفُ كُلُّ وَاحِدَةٍ إِلَى مَنْزِلِهَا، وَكَانَ يَنَامُ مَعَ الْمَرْأَةِ مِنْ نِسَائِهِ فِي شِعَارٍ وَاحِدٍ، يَضَعُ عَنْ كَتِفَيْهِ الرِّدَاءَ وَيَنَامُ بِالْإِزَارِ، وَكَانَ إِذَا صَلَّى الْعِشَاءَ يَدْخُلُ مَنْزِلَهُ يَسْمُرُ مَعَ أَهْلِهِ قَلِيلًا قَبْلَ أَنْ يَنَامَ، يُؤَانِسُهُمْ بِذَلِكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ، وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ [الْأَحْزَابِ: 21]] اهـ.
هذا، وللإمام الغزالي كلامٌ حسنٌ في كتابه "الإحياء" عند حديثه عن آداب معاشرة النساء؛ فقد قال ما ملخَّصُه: [ومن آداب المعاشرة حسن الخلق معهنَّ، واحتمال الأذى منهنَّ، ترحُّمًا عليهنَّ؛ قال تعالى: ﴿وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾] اهـ.
وقال الله تعالى أيضًا في تعظيم حقهنَّ: ﴿وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً﴾.. قال الحافظ العراقي في تخريجه لأحاديث "الإحياء": [واعلم أنه ليس حسنُ الخُلُقِ معها كفُّ الأذى عنها، بل احتمالُ الأذى منها، والحِلم عن طيشها وغضبها، اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ فقد كانت أزواجه تراجعنه الكلام] اهـ.
ومن آداب المعاشرة أن يزيد على احتمال الأذى منها بالمداعبة والمزح والملاعبة، فهي التي تطيب قلوب النساء، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يمزح معهنَّ وينزل إلى درجات عقولهنَّ في الأعمال.
قال عمر رضى الله عنه: "ينبغي للرجل أن يكون في أهله مثل الصبي؛ فإذا التمسوا ما عنده وجدوه رجلًا".
وكان ابن عباس رضى الله عنه يقول: "إِنِّي لأتزين لامرأتي كما تتزين لي".
ثم ختم سبحانه الآية الكريمة ببيان أنه لا يصحُّ للرجال أن يسترسلوا في كراهية النَّساء إن عرضت لهم أسباب الكراهية، بل عليهم أن يُغَلِّبوا النظر إلى المحاسن، ويتغاضوا عن المكاره؛ فقال تعالى: ﴿فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيرًا﴾ [النساء: 19]، أي: فإن كرهتم صحبتهنَّ وإمساكهنَّ فلا تتعجلوا في مفارقتهنَّ، فإنه عسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل الله لكم في الصبر عليه وعدم إنفاذه خيرًا كثيرًا في الدنيا والآخرة.
فالآية الكريمة ترشد إلى حِكَمٍ عظيمةٍ؛ منها:
- أنَّ على العاقل أن ينظر إلى الحياة الزوجية من جميع نواحيها، لا من ناحيةٍ واحدةٍ منها وهي ناحية البغض والحب.
- وأن ينظر في العلاقة التي بينه وبين زوجه بعين العقل والمصلحة المشتركة لا بعين الهوى.
- وأن يُحَكِّمَ دينَهُ وضميرَه قبل أن يحكم عاطفته ووجدانه، فربما كرهت النفس ما هو أصلح في الدين، وأَحْمَدُ وأدنى إلى الخير، وأَحَبَّتْ ما هو بضد ذلك، وربما يكون الشيء الذي كرهته اليوم ولكنها لم تسترسل في كراهيته سيجعل الله فيه خيرًا كثيرًا في المستقبل، قال تعالى: ﴿وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 216].
قال الإمام القرطبي: [روى الإمام مسلم في "صحيحه" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ» أي: لا يبغضها من كل وجه بحيث يحمله على فراقها. أي لا ينبغي له ذلك، بل يغفر سيئتها لحسنتها، ويتغاضى عما يكره لما يحب] اهـ.
و"الفرك": البغض الكلى الذي تنسى معه كل المحاسن.
يقول الإمام السيوطي: [إنَّ المؤمنة لَا يتَصَوَّر فِيهَا اجْتِمَاع كلِّ القبائح؛ بِحَيْثُ إِن الزَّوْج يبغضها البغض الْكُلِّي، وبحيث أَنه لَا يحمد فِيهَا شَيْئا أصلًا هَذَا هُوَ معنى الفرك، وَوُقُوع هَذَا مُسْتَحِيل] اهـ.
وقال مكحول: [سمعت ابن عمر رضى الله عنهما يقول: إن الرجل ليستخير الله تعالى فيخار له، فيسخط على ربه عز وجل فلا يلبث أن ينظر في العاقبة فإذا هو قد خير له] اهـ.
المصادر
- "فيض القدير" للمناوي.
- "إحياء علوم الدين" للغزالي.
- "تفسير ابن كثير" لأبي الفداء إسماعيل ابن كثير.
- "تفسير القرطبي".
- "الديباج على صحيح مسلم" للإمام السيوطي.

عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ يَقُولُ: «ابْغُونِي ضُعَفَاءَكُمْ، فَإِنَّمَا تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ» حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وفي رواية: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ قَالَ لِزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ أَوْ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما: «إِذَا بَعَثْتَ سَرِيَّةً فَلَا تَتَنَقَّاهُمْ وَاقْتَطِعْهُمْ فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَنْصُرُ الْقَوْمَ بِأَضْعَفِهِمْ». ويؤيد هذا حديث: «لولا شيوخ ٌرُكَّع». ويؤيده حديث: «أنا عند المُنْكَسِرَةِ قُلُوبُهُم مِنْ أَجْلِي».


"كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ فَزِعَ إِلَى الصَّلاةِ". هذه جملةٌ جامعةٌ صيغت برهافةِ الحسِّ ووجدانيَّةِ النَّفس ونُورَانيَّة الرُّوح تحاول تلخيص بركات الصَّلاة في عبارةٍ رائقةٍ وبلاغةٍ سابقةٍ، وإلا فإنَّ بركات الصلاة لا يعلم كُنْهَهَا وحقيقتَها وحصرهَا إلا رب البشرِ سبحانه وتعالى: قال الإمام/ ابن عجيبة في "البَحر المديد": [وفي الصَّلاة قضاءُ المآربِ وجبرُ المصائب؛ ولذلك كان عليه الصلاة والسلام إذا حزبه أمرٌ فزع إلى الصَّلاة، ﴿وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ﴾ [البقرة: 45]، أي: شاقَّةٌ على النَّفس؛ لتكريرِها في كلِّ يومٍ، ومجيئِها وقت حلاوةِ النَّومِ، ﴿إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ﴾ الذين سكنت حلاوتُها في قلوبِهم، وتناجَوا فيها مع ربِّهم، حتى صارت فيها قُرَّة عينهم] اهـ.


عَنِ النُّعْمَانَ بْن بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا» متفق عليه.


إنَّ في التزوُّجِ بركة عامة لمن طلبه لتحقيق العفاف؛ قال تعالى: ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [النور: 32]. وأخرج الترمذي والنسائي وابن ماجه في "سننهم" عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ثَلَاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللهِ عَوْنُهُمُ: الْمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الْأَدَاءَ، وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ الْعَفَافَ، وَالْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللهِ».


عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى المَاشِي، وَالمَاشِي عَلَى القَاعِدِ، وَالقَلِيلُ عَلَى الكَثِيرِ» رواه البخاري ومسلم. في هذا الحديث الشريف توجيه عظيم من التوجيهات النبوية التي تعمل على تعميق صلات الود والتآخي بين المسلمين، بل وأكثر من ذلك يحدد هذا الحديث هيئة هذا التوجيه، وهو ما يتعلق بآداب إلقاء السلام، ومن المعروف أن حكم ابتداء السلام أنه سُنَّة ورد السلام واجب. وإذا كانت جماعة يسير بعضهم مع بعض فإلقاء السلام من بعضهم سنة كفاية في حقهم، إذا سلم بعضهم


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 28 أبريل 2025 م
الفجر
4 :41
الشروق
6 :15
الظهر
12 : 52
العصر
4:29
المغرب
7 : 31
العشاء
8 :54