عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى المَاشِي، وَالمَاشِي عَلَى القَاعِدِ، وَالقَلِيلُ عَلَى الكَثِيرِ» رواه البخاري ومسلم.
في هذا الحديث الشريف توجيه عظيم من التوجيهات النبوية التي تعمل على تعميق صلات الود والتآخي بين المسلمين، بل وأكثر من ذلك يحدد هذا الحديث هيئة هذا التوجيه، وهو ما يتعلق بآداب إلقاء السلام، ومن المعروف أن حكم ابتداء السلام أنه سُنَّة ورد السلام واجب.
وإذا كانت جماعة يسير بعضهم مع بعض فإلقاء السلام من بعضهم سنة كفاية في حقهم، إذا سلم بعضهم حصلت سنَّة السلام في حق جميعهم، فإن كان المُسَلَّمُ عليه واحدًا تعيَّن عليه الرد، وإن كانوا جماعة كان الرد فرض كفاية في حقهم، فإذا ردَّ واحدٌ منهم سقط الحرج عن الباقين، والأفضل أن يبتدئ الجميع بالسلام وأن يردَّ الجميع، وعن الإمام أبي يوسف أنه لا بد أن يردَّ الجميع.
وأقل السلام أن يقول: "السلام عليكم"، وأقل ما يرُدُّ به المُسلَّمُ عليه أن يقول: "السلام عليك" والأفضل أن يقول: "السلام عليكم" ليتناول السلامُ الرجلَ ومَلَكَيْهِ، والأكمل أن يزيد: "ورحمة الله"، وأيضًا: "وبركاته". وصفة الرد الأفضل والأكمل أن يقول: "وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته".
واستدل العلماء لزيادة: "ورحمة الله وبركاته" بقوله تعالى إخبارًا عن سلام الملائكة بعد ذكر السلام: "رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت"، وبقول المسلمين كلهم في التشهد: "السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته".
إن هذا التوجيه الرفيع لم يقتصر وحسب على مجرد طلب إلقاء السلام، بل أرشدنا صلى الله عليه وسلم إلى التواضع في إلقاء السلام أيضًا، قال المهلب: "وأما وجه تسليم الصغير على الكبير؛ فمن أجل حق الكبير على الصغير بالتواضع له والتوقير، وتسليم المارِّ على القاعد هو من باب الداخل على القوم فعليه أن يبدأهم بالسلام، وكذلك فعل آدم بالملائكة حين قيل له: "اذهب فسلم على أولئك؛ وهم نفر من الملائكة جلوس". وتسليم القليل على الكثير من باب التواضع أيضًا، لأن حق الكثير أعظم من حق القليل، وكذلك فعل أيضًا آدم، كان وحده والملأ من الملائكة كثير حين أمر بالسلام عليهم. وسلام الراكب على الماشي لئلَّا يتكبر بركوبه على الماشي فأُمِرَ بالتواضع"، وهذا مما يزيد في السلام معاني كثيرة تجعله أكثر تأثيرًا في القلوب والعقول، فيتحقق مراد الإسلام في بناء المجتمع الآمن المتراحم.
المصادر:
- شرح النووي على صحيح مسلم.
- شرح صحيح البخاري لابن بطال.