31 أكتوبر 2017 م

طلبُ الرِّزقِ والنَّصرِ بدعاءِ وإخلاصِ الضُّعفاء

طلبُ الرِّزقِ والنَّصرِ بدعاءِ وإخلاصِ الضُّعفاء

عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ يَقُولُ: «ابْغُونِي ضُعَفَاءَكُمْ، فَإِنَّمَا تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ» حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وفي رواية: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ قَالَ لِزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ أَوْ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما: «إِذَا بَعَثْتَ سَرِيَّةً فَلَا تَتَنَقَّاهُمْ وَاقْتَطِعْهُمْ فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَنْصُرُ الْقَوْمَ بِأَضْعَفِهِمْ».
ويؤيد هذا حديث: «لولا شيوخ ٌرُكَّع».
ويؤيده حديث: «أنا عند المُنْكَسِرَةِ قُلُوبُهُم مِنْ أَجْلِي».
أولًا: ما المقصود بالضعفاء؟
جاء في كَلامِ الرَّاغِبِ الأصفهانِيِّ ما يفيدُ بأنَّ الضُّعفاءِ هم من يستضعفهم الناس لسبب يتعلق بالبدن أو النفس أو الحال.
ويقول ابن الحاج: [وَيُرِيدُ بِالضُّعَفَاءِ -وَاَللهُ أَعْلَمُ- الَّذِينَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ ظُهُورٌ فِي الدُّنْيَا، وَهُمْ طَالِبُونَ لَهَا، وَهُمْ زَاهِدُونَ فِي دُنْيَاهُمْ رَاغِبُونَ فِي آخِرَتِهِمْ طَائِعُونَ لِلهِ تَعَالَى نَاصِرُونَ لِدِينِهِ فَهُمْ مَنْصُورُونَ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ [محمد: 7] ، وَقَالَ ﴿وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: 249] أَيْ بِالنَّصْرِ وَالْمَعُونَةِ، أَيْ مَعَ الصَّابِرِينَ عَنْ الْمُشْتَهَيَاتِ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ، وَالصَّابِرِينَ عَلَى الطَّاعَاتِ، وَجِهَادِ الْكُفَّارِ فَاَللهُ نَاصِرُهُمْ، وَمُعِينُهُمْ] اهـ.
وما معنى الاستنصار بهم؟
يُجمِعُ الشَّارحون على أن الاستنصار والاسترزاق بهم أي: بدعائهم وإخلاصهم وتبرئهم من الحول والقوة في جناب الله سبحانه وتعالى؛ يقول صاحب "فيض القدير": [بسبب كونهم بين أظهركم أو بسبب رعايتكم ذمامهم أو ببركة دعائهم، والضعيف إذا رأى عجزه وعدم قوته تبرأ عن الحول والقوة بإخلاصٍ واستعان بالله؛ فكانت له الغَلَبة، وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله؛ بخلاف القوي فإنه يظنُّ أنه إنما يغلب الرجال بقوته؛ فتعجبه نفسه غالبًا، وذلك سبب للخذلان كما أخبر الله تعالى عن بعض من شهد وقعة حنين] اهـ.
ويقول ابن بطال: [إنَّ الضُّعَفَاءَ أَشَدُّ إِخْلَاصًا فِي الدُّعَاءِ وَأَكْثَرُ خُشُوعًا فِي الْعِبَادَةِ؛ لِخَلَاءِ قُلُوبِهِمْ عَنِ التَّعَلُّقِ بِزُخْرُفِ الدُّنْيَا] اهـ.
وقال صاحب "هداية الباري": [إن الضعفاء هم أشد إخلاصًا، وأكثر خشوعًا؛ لِخُلُوِّ قلوبهم من التعلُّق بزخارف الدنيا، وصفاء ضمائرهم من القواطع عن الله جل شأنه، فبذلك زكَت أعمالُهم، واستُجِيب دعاؤُهم؛ لكرامتهم على ربهم، وفي الحديث الصحيح: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ، كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّهُ».
من أجل هذا نصَّ السَّادة الشَّافعية في كتبهم على استحباب الاستنصار بالضُّعفاء؛ يقول أبو إسحاق الشيرازي في "المهذب": [ويستحب الاستنصار بالضعفاء؛ لما روى أبو الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «ائتُوْنِيِ بضُعَفَائِكُمْ، فَإِنَّمَا تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ»] اهـ.
ولماذا كان يطلب الرزق والنصر بهم؟
يجيب على ذلك صاحب "فيض القدير" بقوله: [بسبب كونهم بين أظهركم أو بسبب رعايتكم ذمامهم أو ببركة دعائهم، والضعيف إذا رأى عجزه وعدم قوته تبرأ عن الحول والقوة بإخلاص واستعان بالله؛ فكانت له الغلبة، وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله؛ بخلاف القوي فإنه يظن أنه إنما يغلب الرجال بقوته؛ فتعجبه نفسه غالبًا، وذلك سبب للخذلان كما أخبر الله تعالى عن بعض من شهد وقعة حنين] اهـ.
وقال ابن الجوزي: [وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: أَن سَعْدًا رأى أَن لَهُ فضلًا على من دونه، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَآله وسلم: «هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلا بِضُعَفَائِكُمْ» -إِنَّمَا أَرَادَ النَّبِي كسر سورته فِي اعْتِقَاده فَضله على غَيره ليستعمل التَّوَاضُع والذل، فَأعلمهُ أَن الضُّعَفَاء فِي مقَام انكسار وذل، وَهُوَ المُرَاد من العَبْد، وَهُوَ الْمُقْتَضِي للرحمة والإنعام] اهـ.
وهل هناك تعارض بين هذا الحديث وحديث: «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ»؟
يجيب على ذلك صاحب "فيض القدير" بقوله: [وعند التأمل لا تدافع؛ إذ المراد بمدح القوَّةِ القُوَّةُ في ذات الله وشدَّةُ العزيمة، وبمدح الضَّعف ولين الجانب ورقة القلب والانكسار بمشاهدة جلال الجبَّار.
أو المراد بذمِّ القوة التجبر والاستكبار، وبذم الضعف ضعف العزيمة في القيام بحقِّ الواحد القهَّار.
على أنه لم يقُل هنا أنهم ينصرون بقوة الضُّعفاء وإنما مرادُه بدعائِهم أو بإخلاصِهم أو نحو ذلك مما مَرَّ] اهـ.
المصادر:
- "فيض القدير" للمناوي.
- "مفردات القرآن" للراغب الأصفهاني.
- "المدخل" لابن الحاج.
- "شرح صحيح البخاري" لابن بطال.
- "كشف المشكل من حديث الصحيحين" لابن الجوزي.
- "هداية الباري شرح صحيح البخاري".
 

عن حُذَيْفَةُ رضي الله عنه قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ حَدِيثَيْنِ، رَأَيْتُ أَحَدَهُمَا وَأَنَا أَنْتَظِرُ الآخَرَ، حَدَّثَنَا: «أَنَّ الأَمَانَةَ نَزَلَتْ فِي جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ، ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ القُرْآنِ، ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ» وَحَدَّثَنَا عَنْ رَفْعِهَا قَالَ: «يَنَامُ الرَّجُلُ النَّوْمَةَ، فَتُقْبَضُ الأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ، فَيَظَلُّ أَثَرُهَا مِثْلَ أَثَرِ الوَكْتِ، ثُمَّ يَنَامُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ فَيَبْقَى أَثَرُهَا مِثْلَ المَجْلِ،


عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ: سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَقُولُ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»، قَالَ: فَسَمِعْتُ هَؤُلَاءِ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم، وَأَحْسِبُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: «وَالرَّجُلُ فِي مَالِ أَبِيهِ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» متفق عليه.


عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ: «مِنْ أَقَالَ مُسْلِمًا، أَقَالَ اللهُ عَثْرَتَهُ». لمّا كانت المواساة لا تقتصر على مشاركة المسلم لأخيه في المال والجاه أو الخدمة والنّصيحة.. أو غير ذلك، فإنَّ من المواساة مشاركةُ المسلم في مشاعره خاصَّةً في أوقات حزنه، وعند تعرُّضه لما يعكِّر صفوَه، وهنا فإنَّ إدخال السّرور عليه، وتطييبَ خاطره بالكلمة الطَّيِّبَةِ، أو المساعدةِ الممكنةِ بالمال أو الجاهِ، أو المشاركة الوجدانيَّة هو من أعظم المواساة وأجلِّ أنواعها، وقد كان صلَّى الله عليه وآله وسلَّم يواسي بالقليل والكثير، وقد علَّمنا أنَّ من أقال مسلمًا من عثرته أقال الله عثرتَه، وأنَّ الله عزَّ وجلَّ لا يزال في حاجة العبد مادام العبد في حاجة أخيه.


عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «دِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي رَقَبَةٍ، وَدِينَارٌ تَصَدَّقْتَ بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ، أَعْظَمُهَا أَجْرًا الَّذِي أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ» رواه مسلم.


عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ»، قَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً، قَالَ: «إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ، وَغَمْطُ النَّاسِ» رواه مسلم.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 24 أبريل 2025 م
الفجر
3 :45
الشروق
5 :18
الظهر
11 : 53
العصر
3:29
المغرب
6 : 28
العشاء
7 :51