حكم حرق ملابس الميت قبل الأربعين

تاريخ الفتوى: 20 أكتوبر 2025 م
رقم الفتوى: 8803
من فتاوى: فضيلة أ. د/ نظير محمد عياد - مفتي الجمهورية
التصنيف: الميراث
حكم حرق ملابس الميت قبل الأربعين

ما حكم حرق ملابس المتوفى قبل الأربعين؟ فقد مات زوج أختي، وقد أخبر بعض الناس أختي أنّ عليها أن تحرق ملابس زوجها قبل الأربعين، فما حكم ذلك شرعا؟

المحافظة على ثياب المتوفَّى أمرٌ واجبٌ شرعًا، وتصير من التركة وتكون لورثته، ينتفع بها مَن أراد مِنهم، أو يُتصدق بها بعد موافقة جميع الورثة فتُعطى لمن ينتفع بها من المحتاجين، ويَحْرُم شرعًا إحراقها أو إتلافها بحالٍ، وفاعل ذلك يضمن قيمة الثياب المحروقة حينئذٍ من ماله، خاصة إذا كان هناك مستحقون قُصَّر في تركة الميت المذكور بالإرث أو بالوصية الواجبة.

المحتويات

 

النهي عن إضاعة المال وإهلاكه

جعل الله تعالى المال قيامًا لمصالح الإنسان الدنيوية والدينية، فأمر بالمحافظة عليه وإنفاقه في وجوهه المشروعة إنفاقًا لائقًا بحال الشخص وملاءته المالية يسرًا أو عسرًا، ونهى عن إضاعته بأي طريق، سواء بصرفه في غير فائدة دنيوية أو دينية، أو فيما لا يحل أو بإهلاكه بشتى صور الإهلاك كالحرق أو الإتلاف أو التبذير والإسراف.

فعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «إِنَّ اللهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ» متفقٌ عليه.

حكم إحراق ملابس الميت

ثياب الشخص بمختلف أنواعها وأجناسها مالٌ مُتَقَوَّم سواء كانت جديدة أو بالية، ملبوسة أو غير ملبوسة، فـ"المالية والتقوم بكون العين منتفعًا بها شرعًا وعرفًا" كما في "المبسوط" للعلامة السرخسي الحنفي (15/ 125، ط. دار المعرفة)، وهي تُضْمَن بالقيمة لا بالمثل، كما في "بدائع الصنائع" للعلامة الكاساني (2/ 284، ط. دار الكتب العلمية).

وقد لاحظ الفقهاء معنى المالية القيمية للثياب التي يتركها المتوفَّى ودخولها ضمن تركته وجريان أحكام الوصية والميراث عليها، ومن ذلك: قال الإمام الحدادي الحنفي في "الجوهرة النيرة" (2/ 299، ط. المطبعة الخيرية) في مسألة كيفية تقسيم التركة حال الوصية بثلث الثياب فهلك الثلثان وبقي الثلث فقط: [الثياب إذا كانت مختلفة لا يقسم بعضها في بعض فالباقي منها لا يجوز أن يستحقه الموصى له بالقسمة فلم تكن الوصية متعلقة بالباقي فلا يجوز أن يستحق الموصى له أكثر من ثلثه] اهـ.

وجاء في "شرح الإمام الخرشي المالكي على مختصر خليل" (8/ 174، ط. دار الفكر للطباعة): [لا تبطل وصية مَن أوصى لشخص بثيابه، أي ثياب بدنه غير المعينة، ثم باعها الموصي واستخلف غيرها من جنسها أو غير جنسها ويأخذ الموصى له ثيابه التي استخلفها] اهـ.

وقال الإمام البغوي الشافعي في "التهذيب" (5/ 112، ط. دار الكتب العلمية): [لو أوصى بأن يُكَفَّن في ثيابٍ ثمينةٍ: لا يُعْمَل به لحِقِّ الغرماء] اهـ.

وقال العلامة الرحيباني الحنبلي في "مطالب أولي النهى" (4/ 494، ط. المكتب الإسلامي): [(أو كان) له حين الوصية عبد واحد (تعين) كونه لموصى له؛ لأنه لم يكن للوصية محل غيره؛ وكذا حكم شاة من غنمه وثوبٍ من ثيابه ونحوه] اهـ.

ودلالات هذه النصوص متطابقة -كما هو ظاهر- على اعتبار مالية الثياب التي يُخَلِّفها الشخص حين موته، وإعطائها أحكام الميراث والوصية، ومن ثَمَّ فإتلافها بالحرق -كما في مسألتنا- أو بأي صورة من صور الإهلاك-أمرٌ مُحرَّمٌ شرعًا، وفيه معنى إضاعة المال المنهي عنها، بل مَن يُقْدِم على فعل ذلك يكون ضامنًا لقيمة المحروق من ثياب الميت، خصوصًا في حال مطالبة بعض الورثة أو عند وجود مستحقين صغار بالميراث أو بالوصية الواجبة.

وهو ما أفتى به الإمام ابن رشد الجد المالكي في "البيان والتحصيل" (13/ 135، ط. دار الغرب الإسلامي) في مسألة ضمان ما شَقَ بعض الورثة من ثيابٍ للميت كدلالة للحزن عليه، حيث قال: [إنهم يضمنون ما شُقَّ من الثياب على الميت، وخرقوه فأفسدوه.. فإن خلَّى الوصي بينهم وبين ذلك ليشقوه ويفسدوه، ضَمِنَ إن كانوا صغارًا لتسليطهم على ذلك، ولم يلزمه في الكبار شيء؛ لأنهم هم الضامنون لما أفسدوه] اهـ.

وإذا تقرر ذلك يظهر أنَّ ما قاله البعض للزوجة المذكورة -بحسب ما ورد في صورة السؤال- أمرٌ لا أصل له شرعًا، بل هو مُناقَضٌ بدلالات قطعية تقرر أيلولة هذه الثياب إلى التركة، فتُقسم على ورثته الأحياء وقت وفاته بحسب أجناسها وأنواعها وفقًا لما قرره الفقهاء بشأن أحوالها، وأَخْذِ الحذر مطلوب في مثل هذه الأمور التي تروج لدى العامة بشأن التعامل مع ملابس الموتى.

وهو أمر نبَّه عليه الإمام ابن الحاج المالكي في مسألة غسل ثياب الميت التي كان يلبسها حال حياته في اليوم الثالث، حيث قال في "المدخل" (3/ 276، ط. دار التراث): [وليحذر مما أحدثه بعضهم مِن أن ثياب الميت لا تغسل إلا في اليوم الثالث، ويقولون: إن ذلك يرد عنه عذاب القبر، وذلك تحكم وافتراء على الشريعة المطهرة] اهـ.

الخلاصة

بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فالمحافظة على ثياب المتوفَّى أمرٌ واجبٌ شرعًا، وتصير من التركة وتكون لورثته، ينتفع بها مَن أراد مِنهم، أو يُتصدق بها بعد موافقة جميع الورثة فتُعطى لمن ينتفع بها من المحتاجين، ويَحْرُم شرعًا إحراقها أو إتلافها بحالٍ، وفاعل ذلك يضمن قيمة الثياب المحروقة حينئذٍ من ماله، خاصة إذا كان هناك مستحقون قُصَّر في تركة الميت المذكور بالإرث أو بالوصية الواجبة.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

سائل يسأل عن سبب تحريم الإسلام عمل الوشم (الدائم)؟


هل يجوز لكافل الطفل اليتيم أو مجهول النسب أن يوصِيَ لهذا الطفل المكفول بجزء من ماله؟ وإن كان يجوز فما القدر المسموح به شرعًا في هذه الحالة؟


ما حكم إطلاق اللحية وحكم الوجوب فيها؟


ما حكم لبس خاتم من الذهب الأبيض للرجال؟


ما حكم لُبس الثياب البيضاء للمرأة التي توفى عنها زوجها في أثناء مدة الحداد عليه؟ وهل تنحصر ثياب الإحداد في الثياب السوداء؟


توفيت امرأة عام 1942م عن: ابن، وأولاد بنت توفيت قبلها: ابنين وبنت، وابن بنت أخرى توفيت قبلها، وأولاد ابن توفي قبلها: ابنين وبنتين. ولم تترك المتوفاة المذكورة أي وارث آخر غير من ذكروا ولا فرعًا يستحق وصية واجبة. فما نصيب كل وارث؟


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 20 نوفمبر 2025 م
الفجر
4 :54
الشروق
6 :24
الظهر
11 : 41
العصر
2:36
المغرب
4 : 57
العشاء
6 :18