لماذا تصرّون على أن قوله تعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ الآية [النساء: 11] من القطعيات التي لا يجوز أن تخالف، مع أن المجتهدين اختلفوا في كثير من نصوص الميراث بل في بقية الآية الكريمة؟ فماذا تقولون في ذلك؟
تُعد آية الميراث ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ الآية [النساء: 11] نصًا قرآنيًا قطعي الدلالة لا يقبل الاختلاف، وذلك لإجماع الفقهاء عليه ووضوح دلالته التي لا تحتمل تأويلًا.
نصوص الكتاب والسُّنَّة النبوية المطهرة من حيث الدلالة على الحكم المستنبط منها إمَّا قطعية الدلالة؛ وهي ما لا يحتمل النص معها إلا معنًى واحدًا مُتعيَّنًا فهمه منه، وإمَّا ظنية الدلالة؛ وهي ما تفيد التردد في دلالتها على معناها بين أمرين. ينظر: "التعريفات" للشريف الجرجاني (ص: 144، و259، ط. دار الكتب العلمية)، "الإحكام" للإمام الآمدي (4/ 241، ط. المكتب الإسلامي)، و"أصول الفقه" للعلامة عبد الوهاب خلاف (ص: 35، ط. دار القلم).
واعتبر الأصوليون والفقهاء القطعية والظنية معيارًا للتفريق بين ما يقبل الاختلاف وبين ما لا يقبل الاختلاف؛ فجعلوا ما انعقد الإجماع عليه وأصبح معلومًا من الدين بالضرورة مما لا تجوز مخالفته؛ لأنه يشكّل هوية الإسلام، والقدح فيه قدح في الثوابت الدينية المستقرة، بينما تلك المسائل التي اختلف المجتهدون من أهل العلم في حكمها ولم ينعقد عليها الإجماع؛ فالأمر فيها واسع، واختلافهم فيها رحمة، ويجوز بأي الأقوال فيها من غير حرج.
وصدر الآية محل السؤال -وهي التي استفتح بها المولى سبحانه وتعالى آيات المواريث في قوله تعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ [النساء: 11]- هي من قبيل قطعي الدلالة الذي لا يقبل الاختلاف، ويجب العمل به، ولا يجوز تغييره مهما تغير العصر أو تطاول الزمن.
قال القاضي ابن العربي المالكي في "أحكام القرآن" (1/ 435، ط. دار الكتب العلمية):[قوله تعالى: ﴿لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ [النساء: 11] هذا القول يفيد أن الذَّكَرَ إذا اجتمع مع الأنثى أخذ مثلي ما تأخذه الأنثى، وأخذتْ هي نصف ما يأخذ الذكر؛ وليس هذا بنص على الإحاطة بجميع المال، ولكنه تنبيه قوي؛ لأنه لولا أنهم يحيطون بجميع المال إذا انفردوا لما كان بيانًا لسهم واحد منهم، فاقتضى الاضطرار إلى بيان سهامهم الإحاطة بجميع المال إذا انفردوا... وبقي العموم والبيان بعد ذلك على أصله] اهـ.
وقال الإمام القرافي المالكي في "نفائس الأصول" (5/ 2080، ط. مكتبة نزار مصطفى الباز) في قوله تعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ﴾ [النساء: 11]: [العام في الأشخاص مطلقٌ في الأحوال، فكلُّ ولد أوجب العموم؛ توريثه في حالة مطلقة، وهذا باق على عمومه؛ لأن كلَّ ولدٍ يرث في حالة عدم القتل والرق والكفر، وهذه حالة مخصوصة، فيصدق لنا عملنا بمقتضى العموم، ويكون الحديث مقيدًا لتلك الحالة المطلقة، لا مخصصًا للعموم] اهـ.
وقد حكى الإجماع على إعطاء البنت نصف نصيب الابن في الميراث كثير من الفقهاء: قال الإمام ابن حزم في "الإحكام في أصول الأحكام" (3/ 152، ط. دار الآفاق): [ومما خصَّ بالإجماع: قوله تعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ الآية] اهـ.
وقال في "المحلى بالآثار" (8/ 286، ط. دار الفكر): [مسألة: ومَن ترك ابنا وابنة، أو ابنا وابنتين فصاعدا، أو ابنة وابنا فأكثر، أو ابنين وبنتين فأكثر: فللذكر سهمان، وللأنثى سهم، هذا نص القرآن، وإجماع متيقن] اهـ.
وقال الإمام ابن بطال في "شرح صحيح البخاري" (8/ 359، ط. مكتبة ابن رشد): [وأجمع العلماء أن.. للإخوة الرجال والنساء للذكر مثل حظ الأنثيين] اهـ.
وقال الإمام القرطبي في كتاب "الجامع لأحكام القرآن" (5/ 60، ط. دار الكتب): [وأجمع العلماء على أنَّ الأولاد إذا كان معهم من له فرض مسمى أعطيه، وكان ما بقي من المال للذكر مثل حظ الأنثيين] اهـ.
وتظهر حكمة الشرع في التفاوت بين الصنفين، وجَعْلِه للذكر مثل حظ الأنثيين؛ في أنَّ احتياج الرجل إلى مؤنة النفقة والكلفة ومعاناة التجارة والتكسب وتجشم المشقة أكبر من المرأة، فناسب أن يعطى ضعفي حقِّها في جملة من الحالات؛ كما أفاده الحافظ ابن كثير في "التفسير" (2/ 225، ط. دار طيبة).
قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في "أسنى المطالب" (3/ 8، ط. دار الكتاب الإسلامي): [(فإن اجتمعوا) أي البنون والبنات (فللذكر مثل حظ الأنثيين) للإجماع، ولآية ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ﴾ [النساء: 11]، ولآية ﴿وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً﴾ [النساء: 176]، وإنما فضل الذكر على الأنثى لأنه قوام على النساء بالنفقة وغيرها] اهـ.
ومن الخطأ الزعم بأَنَّ الآية تحتمل الاجتهاد والتأويل، وينبغي في هذا السياق الالتفات إلى أنَّ الحقَّ سبحانه وتعالى هو من حدَّد أنصبة المواريث وقدَّر فرائضها برحمته وعدله وحكمته، ولم يَكِلْ أمرَها لأحدٍ من البشر؛ فصار الأمر في دائرة الضمان الإلهي، وهو سبحانه أعلم بما ينفع عباده وما يصلحهم.
قال الإمام السُّهَيْلِي في "الفرائض وشرح آيات الوصية" (ص: 27، ط. المكتبة الفيصلية): [ثم إني نظرت فيما بيَّنه الله سبحانه في كتابه من حلالٍ وحرامٍ وحدودٍ وأحكامٍ فلم نجده افتتح شيئًا من ذلك بما افتتح به آية الفرائض ولا ختَمَ شيئًا من ذلك بما ختمها به؛ فإنه قال في أولها: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ﴾، فأخبر تعالى عن نفسه أنه مُوصٍ؛ تنبيها على حكمته فيما أوصى به وعلى عدله ورحمته. أما حكمته: فإنه علم سبحانه ما تضمنه أمره من المصلحة لعباده وما كان في فعلهم قبل هذا الأمر من الفساد؛ حيث كانوا يورثون الكبار ولا يورثون الصغار، ويورثون الذكور ولا يورثون الإناث، ويقولون: أنورث أموالنا من لا يركب الفرس ولا يضرب بالسيف ويسوق الغنم؟! فلو وكلهم الله إلى آرائهم وتركهم مع أهوائهم لمالت بهم الأهواء عند الموت مع بعض البنين دون بعض؛ فأدى ذلك إلى التشاجر والتباغض والجور وقلة النَّصَفَة، فانتزع الوصية منهم وردها على نفسه دونهم ليرضي بعلمه وحكمه؛ ولذلك قال تعالى حين ختم الآية: ﴿وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ﴾ [النساء: 12]، وقال قبل ذلك: ﴿فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [النساء: 11]. وأما عدله: فإنه سبحانه سوَّى بين الذكور لأنهم سواء في أحكام الديات والعقول ورجاء المنفعة، وأنَّ صغر السن لا يبطل حق الولادة ولا معنى النسب، وأن كلا منهم فلق الأكباد وشجا الحساد؛ ولذلك قال تعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ﴾ ولم يقل بأولادكم؛ لأنه أراد العدل فيهم والتحذير من الجَوْرِ عليهم] اهـ.
وبناء على ذلك: فقوله تعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ قطعي الدلالة، لا يقبل الاختلاف، شأنه في ذلك شأن أحكام الصلاة والزكاة والمعاملات، ويجب العمل به، ولا يجوز تغييره مهما تغير العصر أو تطاول الزمن، وتأيد هذا بالإجماع، وهو كاشف عن قطعية الدلالة ومؤكدٌ لها بلا ريب.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما السِّر في مجيء كلمة "الظلمات" جمعًا وإفراد كلمة "النور" في صدر سورة الأنعام: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ﴾، وكذلك في جميع القرآن الكريم؟
سأل رجل في امرأة مرضت ثم توفيت عن تركة قد خلَّفتها، وقد صرف عليها والدها أثناء مرضها مصاريف عند الأطباء لعلاجها، وجهَّزها حين موتها، وكل هذه المصاريف قد استدانها على حسابها بأمرها، فهل ما صرف عليها كلتا الحالتين يكون لازمًا والدها أم يكون لازمًا زوجها؟ أم دَيْنًا في تركتها يؤخذ منها؟ تفضلوا بالإجابة عن هذا، ولكم الشكر.
نرجو منكم بيان ما ورد في الشرع الشريف من نصوص تحث على إحسان الظن بالمؤمنين وغيرهم.
ما أثر نماء التركة على أنصبة الورثة؟ فقد توفيت عمتي عام 1984م، وتركت أباها وأولادها، وعندما كُتِبَ إعلام الوراثة لم يذكر فيه الأب، بل إنه لم يعلم بوفاتها حتى توفي ولم يأخذ حقه في ترِكتها الذي هو السدس؛ حيث مات بعدها بنحو أربعين يومًا تاركًا فقط ابنه وأولاد هذه البنت التي لم يأخذ حقه في ميراثها. والآن يطالب أبي بحقه في ميراثه في أبيه، حيث إن ترِكة عمتي هذه كانت قطعة أرض مقامًا عليها عقار، وكذا محل تجاري للمأكولات، وقد نمت هذه التركة من إيراد هذا المحل حتى نتجت منه سلسة محلات كثيرة وكبيرة الاسم والصيت في أنحاء مصر، ولم يختلف ورثة عمتي مع أبي في أن له حقًّا في الميراث عن طريق والده، إلا أنهم يريدون حساب هذا الحق من أصل التركة دون زيادة. فهل هذا هو حقه فقط، أم أن نصيبه يُحسَب من مجموع أصل التركة ونمائها على مدار السنوات كلها؟
سائل يسأل: بم نُجيب إذا سُئلنا: أين الله، وهل مكانه سبحانه وتعالى فوق العرش كما ورد في القرآن الكريم؟ حيث خرج علينا بعضُ من يقول بذلك القول مستندًا إلى حديث الجارية التي سألها النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال لها: «أين الله؟» قالت: في السماء.
ما الحكم الشرعي في ميراث السائلة من زوجها بعد إقرار زوجته الأولى بزوجيتها ثم عدول هذه الزوجة أي الأولى عن الإقرار بزواج السائلة؟
وهل يصح رجوعها عن هذا الإقرار شرعًا؟