ما حكم قضاء صيام يوم عاشوراء؟ فقد اعتاد رجلٌ صيامَ عاشوراء عملًا بالسُّنة، وابتغاءً للأجر والفضل، غير أنه عرَض له سفرٌ في اليوم العاشر من شهر الله المُحرَّم، ففاتَه الصيام، فهل يُشرَع له قضاء صيام يوم عاشوراء؟
صيام يوم عاشوراء مستحب شرعًا، وهو مِن النفل الراتب الذي يُشرَع قضاؤه، ويستحب للرجل للمعتاد على صيامه الذي فاته صيام هذا اليوم بسببِ عارِضِ ما أن يقضيه طلبًا للأجر والمثوبة.
المحتويات
اختصَّ الله تبارك وتعالى بَعضَ أيامِ العام بمزيدٍ من النفحات والبركات، وإجزال المثوبة والعطاء على الإحسان والطاعات، ومن تلك الأيام المباركات يوم عاشوراء، وهو اليوم العاشر مِن شهر الله المُحرَّم؛ لاختصاصه بأن نَجَّى اللهُ فيه سيدَنا موسى عليه السلام ومَن مَعَهُ مِن بطش عدُوِّهم، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ﴾ [الصافات: 114- 115].
وقد سنَّ لنا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صيام هذا اليوم، فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قَدِمَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم المدينةَ، فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: «مَا هَذَا؟»، قالوا: هذا يومٌ صالح، هذا يومٌ نجَّى اللهُ بَنِي إسرائيل من عدُوِّهم، فصامه موسى، قال: «فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنكُم»، فَصَامَهُ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ. متفق عليه.
لصيام ذلك اليوم عظيم الأجر، والمغفرة للذنوب، فمن اعتاد صيامه كلَّ عامٍ حرصًا على تحصيل الأجر والفضل، واتباعًا لسُنة سيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقد ظفر بالأجر والغفران، فعن أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «صِيَامُ يَومِ عَرَفَةَ أَحتَسِبُ عَلَى اللهِ أَن يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعدَهُ، وَصِيَامُ يَومِ عَاشُورَاءَ أَحتَسِبُ عَلَى اللهِ أَن يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبلَهُ» أخرجه الإمام مسلم.
فإن فاته صومه -سواء كان هذا الفوت لعذرٍ مِن مرضٍ أو سفرٍ أو غير ذلك أو لغير عذر، وسواء كانت له عادة في صوم ذلك اليوم ولم يمنعه عنها إلا العذر أو لم يكن كذلك- فقد ذهب بعض الفقهاء إلى أنه يستحب له في تلك الحالة أن يقضي هذا الصوم، وهو المختار للفتوى؛ لأنه صوم نافلة راتب، وقضاء النوافل الرواتب وردت به السُّنة عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
فمن ذلك قضاؤه صلى الله عليه وآله وسلم سُنةَ الفجر لَمَّا حبسه النوم ومَن معه عن أدائها حتى طلعت الشمس، في حديث رواه أبو قتادة رضي الله عنه، وفي هذا الحديث: فَمَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنِ الطَّرِيقِ، فَوَضَعَ رَأسَهُ، ثُمَّ قَالَ: «احفَظُوا عَلَينَا صَلَاتَنَا»، فَكَانَ أَوَّلَ مَنِ استَيقَظَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَالشَّمسُ فِي ظَهرِهِ، قَالَ: فَقُمنَا فَزِعِينَ، إلى أن قال: "ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ بِالصَّلَاةِ، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَكعَتَينِ، ثُمَّ صَلَّى الغَدَاةَ، فَصَنَعَ كَمَا كَانَ يَصنَعُ كُلَّ يَومٍ. أخرجه الإمام مسلم.
قال الإمام النووي في "شرح صحيح الإمام مسلم" (5/ 186، ط. دار إحياء التراث العربي): [وفيه: قضاء السُّنة الراتبة؛ لأن الظاهر أن هاتين الركعتين اللتين قبل الغداة هما سُنة الصبح] اهـ.
ومنه قضاؤه صلى الله عليه وآله وسلم اعتكاف العام الذي أراد نساؤه أمهات المؤمنين رضي الله عنهن الاعتكافَ معه فيه، فعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: فَلَمَّا انصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِنَ الغَدَاةِ أَبصَرَ أَربَعَ قِبَابٍ، فَقَالَ: «مَا هَذَا؟»، فَأُخبِرَ خَبَرَهُنَّ، فَقَالَ: «مَا حَمَلَهُنَّ عَلَى هَذَا؟ آلبِرُّ؟ انْزِعُوهَا فَلَا أَرَاهَا»، فَنُزِعَت، فَلَم يَعْتَكِف فِي رمَضَانَ حَتَّى اعتَكَفَ فِي آخِرِ العَشرِ مِن شَوَّالٍ. أخرجه الإمام البخاري.
قال الإمام الحافظ ابن حَجَر العَسقَلَانِي في "فتح الباري" (4/ 276-277، ط. دار المعرفة): [في اعتكافه في شوال دليلٌ على أنَّ النوافل المعتادة إذا فاتت تقضى استحبابًا] اهـ.
واستحباب قضاء السُّنن -كصوم عاشوراء- هو ما نصَّ عليه فقهاء الشافعية في الأوجَه وهو المفتى به عندهم، والحنابلة.
قال شيخ الإسلام ابن حَجَر الهَيتَمِي الشافعي في "تحفة المحتاج" مع "حاشية الإمام الشَّروَانِي" (2/ 237، ط. المكتبة التجارية الكبرى): [(ولو فات النفل المؤقت) كالعيد، والضحى، والرواتب (ندب قضاؤه) أبدًا (في الأظهَر)] اهـ.
قال الإمام الشَّروَانِي محشِّيًا عليه: [قال (ع ش): انظر هل يقضي النفل من الصوم أيضًا إذا فاته كيوم الإثنين ويوم عاشوراء؟ فيه نظر، وينبغي أن يُندب القضاء؛ أخذًا مما هُنا، ثم رأيتُ في (سم) على شرح البهجة ما نصُّه: وفي "فتاوى الشارح" أنه إذا فاته صوم مؤقت أو اتخذه وِردًا سُنَّ له قضاؤه انتهى. وهو يفيد سَنَّ قضاء نحو الخميس والإثنين وست شوال إذا فات ذلك] اهـ. ورمز بـ(ع ش) للشيخ نور الدين بن علي الشَّبرَامَلِّسِي، و(سم) للشيخ ابن قاسم العَبَّادِي.
وقال الإمام شمس الدين الرَّملِي الشافعي في "نهاية المحتاج" (2/ 211، ط. دار الفكر) موجهًا القول باستحباب قضاء صوم النافلة الفائتة: [مَن فاته وله عادةٌ بصيامه كالإثنين فلا يُسن له قضاؤه؛ لفقد العلة المذكورة على ما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى، لكنه مُعارَض بما مرَّ من إفتائه بقضاء ستٍّ مِن القعدة عن ستٍّ مِن شوال، معلِّلًا له بأنه يستحب قضاء الصوم الراتب، وهذا هو الأوجَه] اهـ. وهو عامٌّ في كلٍّ صومٍ راتبٍ، ومن ذلك قضاء صوم عاشوراء.
وقال الإمام برهان الدين بن مُفلحٍ الحنبلي في "المبدع" (2/ 20، ط. دار الكتب العلمية): [ومن فاته شيءٌ من هذه السُّنن سُنَّ له قضاؤه] اهـ. وهو وإن كان في معرِض الكلام على سُنن الصلوات الراتبة، إلا أنه عامٌّ في كل سُنة ونافلة؛ حيث لم ينصوا على تخصيصه، إضافةً إلى ما تقدَّم ذكره في السُّنة النبوية المُشرَّفة من فِعل الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإن صيام يوم عاشوراء مستحب شرعًا، وهو مِن النفل الراتب الذي يُشرَع قضاؤه، ويستحب للرجل المذكور الذي فاته صيام هذا اليوم بسببِ عارِضِ السفر أن يقضيه طلبًا للأجر والمثوبة.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
هل للمعاصي التي يرتكبها الإنسان في نهار رمضان تأثير في صحة الصيام كالغِيبة ونحوها؟ فهناك رجلٌ جلس مع بعض أقاربه وأصدقائه في نهار رمضان، وتكلموا في بعض شؤونهم، ثم تطرقوا للكلام عن بعض الناس بما فيهم من محاسن ومساوئ، ويَعلَم أن الغِيبة محرمة، وقد استغفَر اللهَ تعالى وتابَ إليه، ويسأل: هل الغِيبة تُبطل الصوم ويجب عليه صيام هذا اليوم الذي اغتاب فيه؟
ما حكم استخدام قطرة الأنف أثناء الصيام؟ فأنا رجل مصاب بحساسية قوية في أنفي، وأستخدم قطرة في الأنف، وإذا لم أضعها أصاب بزكام وصداع شديدين، قمت باستخدامها وكنت أحاول أن لا تصل إلى حلقي، ولكن كنت أحس بطعمها في حلقي.
ما حكم صيام مرضى السكر؛ حيث تم إعداد برنامج جديد بالنسبة لتقييم حالة مرضى السكر، يحتوي على كل العوامل المسببة للخطورة، وإعطائها نقاطًا مختلفة حسب أهميتها، بشكل متناسب مع وضع كل مريض، ويقوم الأطباء بمراجعة حالة المريض بالتفصيل، وتضاف النقاط حسب المعلومات (عوامل الخطورة تتحدد بناءً على مدة المرض، ونوعه، ونوع العلاج، والمضاعفات الحادة من الحمض الكيتوني وارتفاع السكر الشديد مع الجفاف، والمضاعفات المزمنة، وهبوط السكر، وخبرة الصوم السابقة، والصحة الذهنية والبدنية، وفحص السكر الذاتي، ومعدل السكر التراكمي، وساعات الصيام، والعمل اليومي والجهد البدني، ووجود الحمل).
ويتم بعدها جمع النقاط لكل مريض لتحديد مستوى الخطورة في حال قرر صيام رمضان كما يلي: من 0: 3= خطورة خفيفة، ومن 3.5: 6= خطورة متوسطة، وأكبر من 6= خطورة مرتفعة.
نصائح وإرشادات:
أولًا: يجب تقديم النصائح الطبية لكل المرضى مهما كان مستوى الخطورة عندهم، وتعديل العلاج الدوائي بما يناسب كلِّ حالةٍ.
ثانيًا: يجب تقديم النصائح والمتابعة الدقيقة لكل المرضى، حتى في حال الإصرار على الصيام ضد نصيحة الطبيب.
ثالثًا: يُنصح المرضى الذين يقدر وضعهم على أنه مرتفع الخطورة بعدم الصيام مع توضيح احتمالات الضرر عليهم.
رابعًا: في حال المرضى متوسطي مستوى الخطورة، يتم التشاور بين الطبيب والمريض ومراجعة الوضع الصحي وخبرات المريض السابقة وأدويته، ويجب توضيح احتمال الخطورة المرافق، بشكل عام يسمح للمريض بالصيام مع الانتباه لضرورة المراقبة المستمرة لمستوى السكر في الدم حسب تعليمات الطبيب، وفي حال خوف المريض الشديد، دون وجود سبب طبي مقنع يتم اللجوء إلى الاستشارة الدينية.
خامسًا: في حال مستوى الخطورة المنخفض، يشجع المرضى على الصيام، مع ضرورة المراقبة الطبية الموصوفة.
سادسًا: يجب على كل المرضى الذين قرروا الصيام بنصيحة طبية أو حتى ضد النصيحة الطبية معرفة ضرورة التوقف عن الصيام في الحالات التالية:
حدوث ارتفاع السكر إلى أكثر من ٣٠٠ مع/ دل.
انخفاض السكر أقل من ٧٠ مع/ دل.
وجود أعراض الانخفاض أو الارتفاع الشديدة.
وجود أمراض حادة تسبب حدوث الحرارة أو الإسهال أو التعب أو الإرهاق العام.
الخلاصة: يجب على الأطباء مراجعة كل عوامل الخطورة المذكورة عند مرضاهم للوصول إلى تحديد مستوى الخطورة الصحيح، وستساعد هذه الوسيلة في تقييم خطورة الصيام عند المرضى في الوصول إلى تقييمات حقيقية للمرضى، حتى وإن اختلف الأطباء واختصاصاتهم، وستساعد الأطباء الأقل خبرة في الوصول إلى تقييم أقرب إلى الدقة؛ فنرجو من فضيلتكم بيان الرأي الشرعي في هذا الأمر.
ما حكم اعتكاف المرأة في بيتها؟ فأنا لم أتزوج بعد، وأرغب في أن أنال ثواب الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان هذا العام قبل أن تشغلني مشاغل الحياة بعد زواجي، ويخبرني بعض مَن حولي بأن اعتكاف المرأة إنما يكون في بيتها لا في المسجد، أرجو الإفادة بالرأي الشرعي في ذلك.
ما حكم صيام المرأة عند انقطاع حيضها مع عدم التيقن من الطهر قبل الفجر؟ لأن امرأة كان عليها الحيض في رمضان، ثُمَّ في أثناء الشهر انقطع الدَّمُ، ولم تلتفت إليه إلَّا بعد طلوع الفجر، ولم تتيقَّن هل حَصَل النَّقَاءُ من الحيض وانقطاعُ الدَّمِ قبل الفجر أو بعده، فَنَوَتْ صيام هذا اليوم على أنَّه إِنِ انقطع الدَّم قبل الفجر فالصيام صحيحٌ، ولو كان الانقطاعُ بعد الفجر فستقضي هذا اليوم بدلًا عن أيام حيضها، فهل هذا الصوم صحيحٌ؟
ما حكم تعليق الزينة والفوانيس في رمضان؟ فأنا سمعت أحد الناس وهو يقول عندما رأى زينة وفوانيس رمضان المعلقة في الشوارع: ما يصنعه المصريون في رمضان من تعليق الزينة والفوانيس لم يفعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا أحد من أصحابه فهو إذن بدعة، وكل بدعة ضلالة، وهذه كلها مظاهر كاذبة.