ما حكم الصلاة بالقراءات الشاذة؟ فقد حكى لي بعض أصدقائي أنَّه شاهد أحد الناس يُصلِّي في الصلوات الجهرية ويقرأ بقراءة غير معتادة، وعندما سأله صديقي عن هذه القراءة أبلغه أنَّها قراءة شاذة، فهل تصح الصلاة بمثل هذه القراءة في الصلاة؟
الصَلاةُ بالقراءات الشاذة المخالفة للرسم العثماني عمدًا في الصلاة يُبْطلها لفقدان القراءة أحد أركانها، ولكون المصلي قد أتى بكلام أجنبي في الصلاة.
المحتويات
قراءة القرآن فضلها عظيم وثوابها كبير وتشفع لصاحبها يوم القيامة، فروى الإمام مسلم عن زيد، أنه سمع أبا سلام، يقول: حدثني أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه».
القرآن أنزل بقراءات، وهي كما عرَّفها العلامة ابن الجزري في "منجد المقرئين" (ص: 9، ط. دار الكتب العلمية): [علم بكيفية أداء كلمات القرآن واختلافها بعزو الناقلة] اهـ.
وقد روى الشيخان عن عبد الرحمن بن عبد القاري، قال: سمعت عمر بن الخطاب، يقول: سمعت هشام بن حكيم بن حزام، يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرؤها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأنيها، فكدت أن أعجل عليه، ثم أمهلته حتى انصرف، ثم لببته بردائه، فجئت به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأتنيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أرسله، اقرأ»، فقرأ القراءة التي سمعته يقرأ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هكذا أنزلت»، ثم قال لي: «اقرأ»، فقرأت، فقال: «هكذا أنزلت، إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرءوا ما تيسر منه».
قال الإمام محيي الدين النووي في شرحه على "صحيح مسلم" (6/ 99، ط. دار إحياء التراث): [قوله صلى الله عليه وسلم: "إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه"، قال العلماء: سبب إنزاله على سبعة التخفيف والتسهيل، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "هون على أمتي" كما صرح به في الرواية الأخرى، واختلف العلماء في المراد بسبعة أحرف، قال القاضي عياض: قيل هو توسعة وتسهيل لم يقصد به الحصر، قال: وقال الأكثرون هو حصر للعدد في سبعة، ثم قيل هي سبعة في المعاني كالوعد والوعيد والمحكم والمتشابه والحلال والحرام والقصص والأمثال والأمر والنهي] اهـ.
للقراءة الصحيحة أركان ثلاثة:
أولًا: موافقتها لأحد المصاحف العثمانية.
وثانيًا: موافقتها لوجه من أوجه النحو.
وثالثًا: صحة السند.
فمتى اختل ركن من هذه الأركان كانت القراءة ضعيفة أو شاذة.
قال العلامة ابن الجزري في "النشر في القراءات العشر" (1/ 9، ط. المطبعة التجارية الكبرى): [كل قراءة وافقت العربية ولو بوجه، ووافقت أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالا، وصح سندها، فهي القراءة الصحيحة التي لا يجوز ردها ولا يحل إنكارها، بل هي من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن ووجب على الناس قبولها، سواء كانت عن الأئمة السبعة، أم عن العشرة، أم عن غيرهم من الأئمة المقبولين، ومتى اختل ركن من هذه الأركان الثلاثة أُطلق عليها ضعيفة أو شاذة أو باطلة، سواء كانت عن السبعة أم عمن هو أكبر منهم، هذا هو الصحيح عند أئمة التحقيق من السلف والخلف] اهـ.
القراءة الشاذة هي التي اختل فيها ركن من أركان القراءة الصحيحة كما يبين من النص السابق، وقد ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة إلى حرمة القراءة في الصلاة بالقراءة الشاذة، واختلفوا في صحة الصلاة إذا خالف المصلي وقرأ بها على النحو التالي:
فذهب جمهور الفقهاء من المالكية والحنابلة في المعتمد عندهم إلى أنه لا تصح الصلاة بالقراءة الشاذة المخالفة للرسم العثماني، ووافقهم الشافعية حالة تغير المعنى أو زيادة حرف أو نقصه وإلا فلا تبطل عندهم، ومدركهم في ذلك أن هذه القراءات غير متواترة فهي ليست قرآنًا؛ لأن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر.
قال العلامة الدردير المالكي في "الشرح الكبير" (1/ 328، ومعه "حاشية الدسوقي"، ط. دار الفكر): [وتبطل عليهما معا (أو قارئ بكقراءة ابن مسعود) -رضي الله عنه- من كل شاذ مخالف لرسم المصحف العثماني لا شاذ موافق له فلا تبطل وإن حرمت القراءة به] اهـ.
قال العلامة الدسوقي محشيًا عليه: [(قوله وإن حرمت القراءة) علم منه أن القراءة بالشاذ حرام مطلقا ولا تبطل الصلاة بالشاذ إلا إذا خالف الرسم] اهـ.
وقال الإمام محيي الدين النووي في "المجموع" (3/ 392-393، ط. دار الفكر): [قال أصحابنا وغيرهم: تجوز القراءة في الصلاة وغيرها بكل واحدة من القراءات السبع، ولا تجوز القراءة في الصلاة ولا غيرها بالقراءة الشاذة؛ لأنها ليست قرآنا، فإن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر... فإن قرأ الفاتحة في الصلاة بالشاذة فإن لم يكن فيها تغير معنى ولا زيادة حرف ولا نقصه صحت صلاته وإلا فلا ... هذا حكم الفاتحة، فأما غيرها فالخلل في تلاوته إن غير المعنى وهو متعمد... تبطل به الصلاة، وإن كان خللا لا يغير المعنى ولا يزيد في الكلام لم تبطل به الصلاة ولكنها تكره] اهـ.
وقال العلامة أبو السَّعَادات البُـهُوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (1/ 345، ط. دار عالم الكتب): [(وإن قرأ بقراءة تخرج عن مصحف عثمان) قال في "شرح الفروع": وظاهره ولو وافق قراءة أحد من العشرة في أصح الروايتين (لم تصح صلاته، ويحرم) قراءة ما خرج عن مصحف عثمان؛ (لعدم تواتره، وعنه يكره) أن يقرأ بما يخرج عن مصحف عثمان] اهـ.
وذهب الحنفية في الصحيح عندهم إلى أن القراءة الشاذة لا تفسد الصلاة إن كانت ذكرًا وأتى معها بمتواتر مجزئ في صلاته وإلا فسدت، ومدركهم أن الشاذ قرآن إلا أن في قرآنيته شكًّا فلا تفسد به الصلاة.
قال العلامة الحصكفي في "الدر المختار" (1/ 485، ومعه "حاشية ابن عابدين"، ط. دار الفكر): [قرأ بالفارسية أو التوراة أو الإنجيل، إن قصة تفسد، وإن ذكرا لا، وألحق به في "البحر" الشاذ، لكن في "النهر": الأوجه أنه لا يفسد ولا يجزئ] اهـ.
قال العلامة ابن عابدين محشيًا عليه: [(قوله وألحق به في "البحر" الشاذ) أي فجعله على هذا التفصيل توفيقا بين القول بالفساد به والقول بعدمه، (قوله: لكن في "النهر" إلخ) حيث قال: عندي بينهما فرق، وذلك أن الفارسي ليس قرآنا أصلا لانصرافه في عرف الشرع إلى العربي، فإذا قرأ قصة صار متكلما بكلام الناس، بخلاف الشاذ فإنه قرآن إلا أن في قرآنيته شكا فلا تفسد به ولو قصة، وحكوا الاتفاق فيه على عدمه، فالأوجه ما في "المحيط" من تأويله قول شمس الأئمة بالفساد بما إذا اقتصر عليه اهـ، أي فيكون الفساد لتركه القراءة بالمتواتر لا للقراءة بالشاذ، لكن يرد عليه أن القرآن هو ما لا شك فيه، وأن الصلاة يمنع فيها عن غير القراءة والذكر قطعا، وما كان قصة ولم تثبت قرآنيته لم يكن قراءة ولا ذكرا فيفسد، بخلاف ما إذا كان ذكرا فإنه وإن لم تثبت قرآنيته لم يكن كلاما لكونه ذكرا، لكن إن اقتصر عليه تفسد، وإن قرأ معه من المتواتر ما تجوز به الصلاة فلا، فهذا ما وفق به في "البحر"، ويتعين حمل كلام "المحيط" عليه فتأمل] اهـ.
وعلى ذلك فتحرم القراءة في الصلاة بالقراءة الشاذة، وإن خالف المصلي وقرأ بها فالمختار للفتوى هو ما ذهب إليه المالكية والحنابلة في المعتمد عندهم من عدم صحة الصلاة بالقراءات الشاذة لفقدانها أحد أركان القراءة الصحيحة، ولكونها إتيانًا بكلام أجنبي في الصلاة عمدًا، وهو موافق لقول الحنفية، حيث لم تكن ذكرًا ولم يأت معها بمتواتر، والشافعية حيث تغير المعنى أو زاد حرف أو نقص.
كما نشير إلى أنه ينبغي على القارئ عند قراءته في الصلاة الالتزام بالقراءات المتعارف عليها بين الناس حتى لا يُحْدِث التباسًا على المصلين مما يصرف تركيزهم عن تحقيق أركان الصلاة وسننها والخشوغ فيها، فينقلب الأمر عندهم من كونها عبادة يناجي فيها العبد ربه راجيًا القبول إلى الانصراف إلى حكم ذلك ومدى قابليته في الصلاة.
بناءً على ما سبق وفي واقعة السؤال: فصَلاةُ زَمِيلكَ بالقراءات الشاذة المخالفة للرسم العثماني عمدًا في الصلاة يُبْطلها لفقدان القراءة أحد أركانها، ولكونه إتيانًا بكلام أجنبي في الصلاة، وفَقْد الرُّكن يُبْطِل الشيء ويُعْدِمه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما هي كيفية الطهارة والصلاة للمرضى من أصحاب الأعذار؟ فالسائل مريضٌ، وينزل منه البول والغائط رغمًا عنه، ولا تخلو ملابسه أبدًا من النجاسة. ويطلب بيان الحكم الشرعي بالنسبة لصلاته، وهل تصح صلاته مع استمرار نزول البول والغائط منه على ملابسه؟ وماذا يصنع؟
ما الحكمة من جهر وإسرار المُصلّي في الصلاة؟
أيهما أفضل الصلاة في أول وقتها منفردا أم في آخر وقتها جماعة؟ فهناك مجموعة من الرجال يعملون في مزرعة بعيدة عن العُمران، ويسأل أحدهم: حين يدخل وقت الصلاة وأريد أن أصلي في أول الوقت في جماعة، يطلب مني زملائي في العمل الانتظار لمدة من الزمن حتى يفرَغوا مما في أيديهم ونصلي معًا في جماعة، فأيُّ الأمرين أفضل لي ثوابًا وأقرب امتثالًا لأمر الله عَزَّ وَجَلَّ بإقامة الصلاة والمحافظة عليها: الصلاةُ منفردًا في أول الوقت، أم انتظار الجماعة وإن تأخَّرَت عن أول الوقت؟
هل يجوز تكرار صلاة الجمعة في المسجد الواحد لعدم اتساع المساجد بالمنطقة والأماكن المحيطة بها لجميع المصلين في وقتٍ واحد؟
هل يجوز للمسلم صلاة النافلة وهو جالس؟ وهل له الأجر كاملًا أم نصفه، سواء كان صحيحًا أو مريضًا؟
ما حكم صلاة الجمعة إذا وافقت يوم عيد؟ وهل تسقط الجمعة إذا جاء العيد يوم الجمعة ويُكتفى بصلاة العيد عنها؟ وهل تجوز صلاة الجمعة ظهرًا لمن صلى العيد في جماعة؟ وما قولكم في سقوط الظهر أيضًا إذا جاء العيد يوم جمعة اكتفاءً بصلاة العيد؟