حكم بيع الأضحية بعد شرائها وقبل ذبحها

تاريخ الفتوى: 19 يناير 2025 م
رقم الفتوى: 8553
من فتاوى: فضيلة أ. د/ نظير محمد عياد - مفتي الجمهورية
التصنيف: الذبائح
حكم بيع الأضحية بعد شرائها وقبل ذبحها

ما حكم بيع الأضحية بعد شرائها وقبل ذبحها؟ فرجلٌ اشترى شاةً للأضحية، إلا أنه احتاج إلى بيعِها قبل دخول وقت الأضحية، فهل يجوز له بيعها قبل ذبحها للحاجةِ إلى ثمنها؟ علمًا بأنه لم يَنذُرها ولم يوجبها على نفسه بأي لفظٍ أو نية.

الأضحية مِن الشعائر المسنونة، ولا تتعين بمجرد نيَّة الأضحية المصاحبة للشِّراء، ويجوز بيعُها لمن اشتراها ثم احتاج إلى التصرف فيها قبل أن يضحي بها ولم يكن قد أوجَبَها على نفسه بنذر أو نحوه، ولا يَلزمه بدلُها حينئذٍ، ومن ثمَّ فإن بيع الرجل المذكور للشاة التي اشتراها للأضحية قبل ذبحها أمرٌ جائزٌ شرعًا ولا حرج عليه في ذلك، مع استحباب شرائه غيرَها بدلَهَا لا تَقِلُّ قيمةً عنها قبل فوات وقتها متى تيسر له ذلك، باعتبار أن تحقيق مصلحةِ الفقير مراعى في تلك الشعيرة.

المحتويات

 

بيان أن الأضحية شَعيرةٌ عظيمةٌ من شعائر الدِّين

الأضحية شَعيرةٌ عظيمةٌ من شعائر الدِّين، إذ هي مِن أقربِ القُرباتِ وأرجى الطَّاعات في يوم النَّحر وأيام التشريق، كما أنَّها مَظهَر من مظاهر الفرح والاحتفال وشكر نعمة الله بالتوسعة على الأهل والفقراء، قال الله تعالى: ﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ﴾ [الحج: 36].

وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: «ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا» متفقٌ عليه.

وقد واظب النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ذبح الأضاحي، ورغَّب فيها، إلا أنَّه لم ينهَ عن تركها، بل ورد ما أفاد إبقاءه لها على التخيير بحسب السعةِ والإرادة، فعن السيدة أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا دَخَلَتِ الْعَشْرُ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا» أخرجه الإمام مسلم.

المختار للفتوى في حكم الأضحية

المختار للفتوى أنها سُنة مؤكدة على ما ذهب إليه جمهور الفقهاء: الإمام القاضي أبو يوسف من الحنفية في إحدى الروايتين عنه، والمالكيةُ والشافعيةُ والحنابلةُ. يُنظر: "العناية" للإمام أكمل الدين البَابَرتِي الحنفي (9/ 506، ط. دار الفكر)، و"الشرح الكبير" للإمام أبي البَرَكَات الدَّرْدِير المالكي (2/ 118، ط. دار الفكر)، و"نهاية المحتاج" للإمام شمس الدين الرَّمْلِي الشافعي (8/ 131، ط. دار الفكر)، و"الروض المربِع" للإمام أبي السعادات البُهُوتِي الحنبلي (ص: 292، ط. دار المؤيد).

هل تجب الأضحية على المضحّي بمجرد شرائها؟

الشأن في الأضحية تبعًا لسنيَّتها أنها لا تَجِبُ في ذِمَّةِ صاحبها إلا بالنَّذرِ أو الإيجاب الصريح والالتزام لفظًا بأنَّه قد خَصَّصَهَا للأضحيةِ وألزم نفسه بذلك، ولا تلزم بمجرَّد شرائها، كما هو معتمد جماهير المذاهب الفقهية مِن المالكية، والشافعية، والحنابلة في المعتمد، وهو ما جرت عليه الفتوى.

قال الإمام أبو عبد الله الخَرَشِي المالكي في "شرح مختصر الإمام خليل" (3/ 45-46، ط. دار الفكر): [الأضحية إنما تجب بأحد شيئين: إمَّا بالنذر، كما عند القاضي إسماعيل، بأن يقول: نذرتُ لله هذه الأضحية، أو: لله عليَّ أن أضحي بهذه الشاة مثلًا، وإمَّا بالذبح، كما عند ابن رُشْدٍ قال: ولا تتعيَّن عند مالكٍ إلا بالذَّبح] اهـ.

وقال شيخ الإسلام ابن حَجَرٍ الْهَيْتَمِي الشافعي في "تحفة المحتاج" (9/ 345-346، ط. المكتبة التجارية الكبرى، مع "حاشية الإمام الشَّرْوَانِي"): [(لا تجب إلا بالتزام) كسائر المندوبات] اهـ.

قال العلامة عبد الحميد الشَّرْوَانِي مُحَشِّيًا عليه: [نيَّة الشراء للأضحية لا تصير به أضحيةً؛ لأن إزالة المِلك على سبيل القُربة لا تحصل بذلك.. فإن قال: لله عليَّ إن اشتريتُ شاةً أن أجعلها أضحيةً، واشترى، لزِمَه أن يجعلها... (قوله: أو هذه أضحية... إلخ) ينبغي أن يكون محلُّه ما لم يقصد الإخبارَ، فإن قصده -أي: هذه الشاة التي أريد التضحية بها- فلا تعيين] اهـ.

وقال الإمام علاء الدين المَرْدَاوِي الحنبلي في "الإنصاف" (4/ 89، ط. دار إحياء التراث العربي): [ويتعين الهدي بقوله: هذا هدي، أو بتقليده وإشعاره مع النية، والأضحية بقوله: هذه أضحية) وكذلك قوله: هذا لله، ونحوه من ألفاظ النذر، هذا المذهب] اهـ. فأفاد أنها لا تتعين إلا باللفظ المقترن بنية الإيجاب من المضحِّي.

 حكم بيع الأضحية بعد شرائها وقبل ذبحها

بيع الأضحية بعد شرائها وقبل ذبحها ما لم تتعيَّن في حقِّ صاحبها بالتزام اللسان بالإيجاب أو النذر هو أمرٌ جائزٌ شرعًا ولا حرج فيه، ولو باعها لا يجب عليه أن يأتي ببدلها حينئذٍ؛ لأنها لم تخرج عن مِلكه بنذر أو ما في حكمه كما سبق بيانه، إلا أنه يكره عدم الإتيان ببدلها في ظاهر مذهب المالكيَّة، كما نصَّ عليه العلامة العَدَوِي في "حاشيته على شرح مختصر الإمام ضياء الدين خليل" (3/ 45).

قال الشيخ علي بن خَلَف المُنُوفِي المالكي في "كفاية الطالب الرباني" (1/ 573-574، ط. دار الفكر، مع "حاشية العلامة العَدَوِي"): [(ولا يُباع) على جهةِ المنع (شيءٌ مِن الأضحية) التي تجزئ بعد الذبح... وبِبَعد الذبح احترازًا من قبل الذبح، فإن المشهورَ أنها لا تَتَعَيَّن إلا بالذبح] اهـ.

قال العلامة العَدَوِي محشِّيًا عليه: [أمَّا إن لم يذبحها فهي مالٌ مِن أموالِهِ يَصنَعُ بِهَا مَا يَشاءُ] اهـ.

وقال الإمام العِمْرَانِي الشافعي في "البيان" (4/ 453، ط. دار المنهاج): [إذا اشترى شاةً بنية أنها أضحية مَلَكها بالشراء، ولم تَصِر أضحية.. دليلُنا: أن عقد البيع يوجب المِلك، وجَعْلها أضحيةً يزيل المِلك، والشيء الواحد لا يوجب المِلكَ وزوالَهُ في وقتٍ واحدٍ معًا] اهـ. فأفاد إباحة التصرف في الحيوان المشترَى للأضحية من غير قيدٍ ولا حرجٍ ولا شرط الإتيان بمثلها، انطلاقًا من مبدأ المِلك وشرعيَّة إطلاق اليد بالتصرف فيه بيعًا وإجارةً وغير ذلك من التصرفات المشروعة.

وقال الإمام علاء الدين المَرْدَاوِي الحنبلي في "الإنصاف" (4/ 89): [الهدي والأضحية إذا تَعَيَّنَا لم يَجُز بيعُهما ولا هبتُهُما، إلا أن يبدلهما بخيرٍ منهما، وهو أحد الأقوال، اختاره الخِرَقِي، وصاحبُ "المنتخب"، والمصنف، والشارح، وابن عَبْدُوس في "تذكرته"، وغيرهم... قال الزَّرْكَشِي: عليه عامة الأصحاب، قال في "المذهب"، و"مسبوك الذهب": هذا المذهب، وجزم به في "الوجيز" وغيرِه، وقدَّمه في "الفروع" وغيره] اهـ. فأفاد إلزامُ المضحي بالبدل في حالة تعيينه للأضحيةِ أنَّ الأضحيةَ غيرَ المعيَّنةِ يجوز التصرف فيها مِن باب أَوْلَى، وأنه لا يلزم صاحبَها أن يأتي ببدلها؛ لعدم تعيُّنها في حقِّه.

ولَمَّا كان المضحي محتاجًا إلى ثمن الشاة التي اشتراها للأضحية ولم يذبحها -كما هي مسألتنا-، ولم يكن قد نذرَهَا أو عيَّنها أو ألزم نفسه بها لفظًا، فإنَّه يجوز له حينئذٍ أن يبيعَها وينتفع بثمنها، بلا أدنى حرجٍ أو مشقَّة؛ لعموم قول الله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: 78]، مع استحباب شِرائِهِ لمثلها أو خيرٍ منها للتضحية بها متى تيَسَّر له ذلك قبل خروج وقت الأضحية؛ طلبًا للأجر والمثوبةِ، وتحقيقًا لمصلحة الفقراء والمحتاجين، فإن تَعسَّر عليه الإتيان بأضحيةٍ غيرها فلا بأس بذلك؛ لأنها عبادة مندوبة، ولا تلزم المندوبات إلا بالشروع فيها عند مَن يرى وجوبها به، والشروع في الأضحية لا يتحقق بشرائها بل بذبحها، وما ذكره بعض المالكية من الكراهة مرتفعٌ بالحاجة؛ عملًا بما تقرَّر في قواعد الفقه مِن أن الكراهة تنتفي وتزول بأدنى حاجة، فقد يكون الشيء مكروهًا في أصله، فإذا اقتضته الحاجة انتفت كراهتُه، كما أفاده الإمامُ برهان الدين بن مَازَه الحنفي في "المحيط البرهاني" (2/ 192، 5/ 403، ط. دار الكتب العلمية)، ونقله العلامة العَبْدَرِي المالكي في "التاج والإكليل" (6/ 153، ط. دار الكتب العلمية) وغيرُه عن الإمام مالك، والإمامُ النَّوَوِي الشافعي في "المجموع" (1/ 486، ط. دار الطباعة المنيرية)، والعلامةُ السَّفَّارِينِي الحنبلي في "غذاء الألباب" (2/ 22، ط. مؤسسة قرطبة).

الخلاصة

بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فالأضحية مِن الشعائر المسنونة، ولا تتعين بمجرد نيَّة الأضحية المصاحبة للشِّراء، ويجوز بيعُها لمن اشتراها ثم احتاج إلى التصرف فيها قبل أن يضحي بها ولم يكن قد أوجَبَها على نفسه بنذر أو نحوه، ولا يَلزمه بدلُها حينئذٍ، ومن ثمَّ فإن بيع الرجل المذكور للشاة التي اشتراها للأضحية قبل ذبحها أمرٌ جائزٌ شرعًا ولا حرج عليه في ذلك، مع استحباب شرائه غيرَها بدلَهَا لا تَقِلُّ قيمةً عنها قبل فوات وقتها متى تيسر له ذلك، باعتبار أن تحقيق مصلحةِ الفقير مراعى في تلك الشعيرة.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما حكم الشرع في الاستيلاء على السلع المدعومة لتحقيق أرباح بطريقة غير مشروعة؟ وما حكم الشرع في بائع السلع ومشتريها؟ وما حكم الأموال التي يكتسبها الرجل من هذه المعاملة؟ وهل توجد عقوبة شرعية محددة لمن يقوم بالاستيلاء على السلع المدعمة وبيعها؟


حكم بيع قائمة بأرقام الهواتف بمبالغ معينة لبعض الشركات أو الأفراد للمساعدة في التواصل مع أصحاب هذه الأرقام؟ فهناك بعض الأفراد الذين يعملون في بعض الجهات التي تقدم خدمات لجمهور المتعاملين معها، ويقوم هؤلاء الأفراد بجمع أرقام هواتف العملاء وبياناتهم وعمل قائمة بها دون علم أصحابها، ثم يبيعونها لشركاتٍ أخرى تقدم خدماتٍ للجمهور، مقابل مبلغ مالي. فما حكم الشرع في ذلك؟


ما حكم تقاضي السمسار عمولة من البائع والمشتري دون علم المشتري بأن البائع يدفع عمولة؟ فهناك رجلٌ يعمل كسمسار، ويتقاضى عمولةً مِن البائع والمشتري، ولا يعلم المُشتري أن هذا السمسار يتقاضى عمولةً مِن البائع، فما الحكم في ذلك شرعًا؟


سائل يقول: أنا تاجرٌ خُضَرِيٌّ أشتري محاصيل زراعية مِن الخضراوات التي تُنتِج عدة مرات خلال الموسم الواحد، كالطماطم والباذنجان والخيار، علمًا بأن التعاقد يكون على نتاج الموسم كلِّه بناءً على معاينة الثمرة في بشايرها في بداية الموسم، فما حكم هذا البيع شرعًا؟


ما حكم حجز الذهب بدفع بعض قيمته؟ فقد ذهبتُ مع زوجتي إلى تاجر المشغولات الذهبية وقد أعجبها أحد المنتجات المعروضة، وقد أخبرنا التاجر أن ما اخترناه قد بِيع بالفعل، وأنه سَيجلب مثلَه في غضون ثلاثة أيامٍ، لكن لا بد من دفع جزءٍ مِن الثمن، فتم الاتفاق على شراء المنتج مع تحديد جميع الأمور المتعلقة بذلك من صفة المنتج ووزنه وثمنه وموعد تسليمه وتمَّ تحرير فاتورة بيع بذلك، على أن نستلمه بعد ثلاثة أيام ونسدِّد عند ذاك باقي الثمن، فهل تجوز هذه المعاملة شرعًا؟


ما حكم العقيقة؟ وهل يستوي فيها الذكر والأنثى؟ وما كيفية توزيعها؟ وما حكم المستطيع الذي ترك العقيقة عن أولاده؟


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 23 يونيو 2025 م
الفجر
4 :8
الشروق
5 :55
الظهر
12 : 57
العصر
4:33
المغرب
8 : 0
العشاء
9 :33